سالمين مبارك: منذ اثنين وأربعين عاما وأنا أعمل في البنك الوطني
كويت الماضي صفحة جميلة تحمل بين سطورها البساطة والطيبة التي جعلتها مهجر كثير من ابناء العرب، سالمين مبارك ادرك الكويت والسور ضارب عليها ورأى النقع البحرية وشاهد عربات الماء تدفعها الايدي نحو البيوت يذكر لنا مولده في بلده الحامي في اليمن ثم يتطرق إلى مجيئه للكويت عند غروب الشمس حيث رست السفينة التي تحمله في النقعة المحاذية لقصر السيف احاديث ممتعة ومتنوعة نقضيها مع ضيف حديث الذكريات فلنترك له ذلك:
على ضفاف ساحل حضر موت في قرية الحامي كانت ولادتي هذه القرية الساحلية والزراعية في وقت واحد كنا نعيش فيها نرى البحر ونشاهد السهل اهل قريتنا يعملون بصيد السمك وركوب البحر فهي ميناء يأتيه اهل الخشب الشراعي فالناس في الماضي كانت تستخدم السفن الشراعية ونحن في قريتنا الحامي وسواحل اليمن كانت مرتبطة بتلك السفن التي تطرق موانئ شرق افريقيا والخليج فالطريق التجاري البحري كان يربط تلك الموانئ الساحلية... ورغم ان قريتنا ساحلية الا اننا كنا نمتهن الزراعة حيث نبذر الحبوب كالحنطة والتنباك والرقي فوالدي كان مزارعا وتستخدم الجمال في الزراعة وقسم من منتوجات الزراعة نبيعه والقسم الاخر كنا ندخره ونسقي مزارعنا من نبع ينحدر من الجبل ماؤه ساخن عذب زلال والكل يأخذ منه كان يطلق عليه «حتم الروضة».
الدراسة
دراستي كانت في قرية الحامي على النمط القديم وهو مايسمى بشيخ القرية او الكتاتيب تجلس الاولاد على الارض في الصباح الباكر ويعلمهم هذا الشيخ اصول الكتابة والقراءة ثم يقرأون القرآن عنده وكان يستخدم العصا ويضرب بها والذي درست عنده في قرية الحامي كان اسمه سيد الشريف والاجر الذي كان اولياء امور الطلبة يدفعونه لذلك المعلم يسمى خميسة اي كل اسبوع يعطى الاجر وقد قضيت عنده ثلاث سنوات وانا اتعلم اصول الكتابة والقراءة واقرأ القرآن بعد ذلك عملت مع والدي في الزراعة وهي حقيقة عمل متعب بذر وحرث والماء كان ينحدر ساخنا من النبع وعمري حينئذ كان اربعة عشر عاما اما نسبة الماء فكان كله يذهب لاهل الزراعة وهو مقسم بينهم منهم من كان يسقي اول النهار ومنهم من كان يسقي اخر النهار ومنهم من كان يسقي في الليل الكل كان مستفيدا منه.
الكويت
حين بلوغ عمري ثمانية عشر عاما اخذت الكويت تطرق سمعي فالناس عندنا في «الحامي» اخذوا يسافرون لها من جماعتنا والجميع يقول انها بلد خير واهلها طيبون والمعاملة به حسنه والعمل متوافر فيه لذا قررت ان اسافر للكويت وارى ماسمعته في قريتنا الحامي عيانا وفعلا عزمت امري وسافرت للكويت في منتصف الخمسينات.
السفر
رحلة السفر كانت عن طريق البحر بالسفن الشراعية المتوافرة في ذلك الوقت فموانئ اليمن كانت مطروقة من قبل تلك السفن والتجارة عبرها كان لها رواج... ركبت مع احد اصحاب هذه السفن وهو ما يعرف ويطلق عليه النوخذة وهو من اهل الخليج اسمه «ابن سيفان» وقد دفعت له الاجر بالعملة الانكليزية «مئتين شلن» وكان معه ركاب كثر كل له وجه انطلقنا في عرض البحر فوقنا سماء وتحتنا مياه زرقاء والاشرعة مرتفعة تدفعها الرياح نحو مياه الخليج ولان هذه السفن الشراعية ليست سريعة كانت مدة سفرنا شهرا كاملا تخللها استراحة في ميناء «خور فكان» عشرة ايام كانت مدة هذه الاستراحة ثم انطلقنا نحو الكويت.
الوصول
كان وقت وصولنا للكويت عند غروب الشمس في نقعة البحر المحاذية لقصر السيف وكلها سقف شراعية والكويت على طبيعتها البيوت عربية وقد استقبلنا بعض جماعتنا الذين جاءوا قبلنا وذهبنا معهم إلى حيث سكنهم في القبلة ولاتزال الشوارع والفرجان القديمة موجودة لم تكن قد هدمت او خرج اهلها إلى المناطق الجديدة... سكنت في الجبلة مع جماعتي وكان البيت الذي هم فيه يملكه علي بورحمه.
العمل
لم اتأخر او يطول عليّ الوقت من دون عمل بل عملت على الفور مع احد جماعتنا في الميناء الذي كان في الشويخ عملي كان عاملا انقل البضائع من الميناء إلى خارجه حيث توجد السيارات كل صباح اذهب الساعة الخامسة الى الميناء ولا أعود إلا الساعة الثالثة يتخلل العمل فترة استراحة، وهناك سيارة تنقلنا من محل اقامتنا إلى مقر العمل.
أما الأجر الذي كنا نأخذه مقابل عملنا المناط بنا فكان يدفع لنا عن طريق اليومية، كل يوم لنا أجر روبيتين... ولم استمر في هذا العمل طويلا فهو عمل متعب وشاق لذا عملت به عاما كاملا ثم تركته.
الحمد
بعد عملي في ميناء الشويخ عملت عند عائلة الحمد في السالمية وعملي كان في ديوانهم، عمي حمد الحمد وعبداللطيف الحمد وخالد الحمد، وكنت اسكن عندهم في السالمية ولي راتب شهري مقداره اثنان واربعون روبية ورواد الديوانية كانوا يأتون غالبا بعد العصر ويمتد وقت الديوانية حتى الليل وكان يأتي كثير من الضيوف والزوار لديوان الحمد.
السفر
بعد مضي ثلاث سنوات من عملي في ديوان الحمد سافرت إلى اهلي في حضرموت عن طريق البحر ومكثت سنة كاملة عملت خلالها في الزراعة ثم عدت للكويت عن طريق البحر مرة اخرى ولكن كان رجوعي في باخرة كبيرة يطلق عليها «بيريت» وقد مررنا في البحرين وهذه الباخرة اسرع من السفن الشراعية.
الإسكان
رجعت للعمل في ديوان الحمد في السالمية وقد وفروا لي عملا في الفترة الصباحية في دائرة الاسكان التي فرعها في السالمية كنت أعمل مراسلا في دائرة الاسكان في الصباح براتب شهري وبعد فترة العصر اذهب للعمل في ديوان الحمد فكنت اقضي يومي بعمل وكد ونشاط.
الوطني
بعد مضي عام كامل على هذا المنوال في دائرة الاسكان وديوان الحمد انتقلت للعمل في البنك الوطني والذين وفروا لي هذا العمل هم اسرة الحمد جزاهم الله خيرا... وعملت مراسلا وكان ذلك سنة 1967 وعملي هو مراسل داخلي للاوراق والبرقيات التي في البريد، ومقر عملي كان بالمبنى الرئيسي، ثم تحولت إلى فرع مبارك الكبير وبعد سنتين عدت إلى المبنى الرئيسي ثم انتقلت إلى فرع كيفان.
الأخرى
سافرت إلى بلدي خلال عملي في فرع كيفان ثم عدت ونقلت إلى المبنى الرئيسي وصرف لي راتب مقداره ستون دينارا وانتقلت للسكن في المرقاب حيث سكن غالبية جماعتنا.
القبس
خلال عملي في المبني الرئيسي لبنك الكويت الوطني حصلت على عمل اخر في جريدة القبس وكان مقدار وقته ثلاث ساعات ولكنها في اول الصباح الباكر من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة في مكتب توزيع صحيفة القبس في عمارة الشايع توضع عندي الصحف الصادرة ويأتي بالمرتجع في هذا المكتب وقد استمررت خمس سنوات في هذا العمل.
الزواج
زواجي كان في اوائل الستينات يوم ان كان عملي في دائرة الاسكان وزوجتي من جماعتنا والمهر كان 1000 شلن وقد كان حفل الزواج في بلدنا الحامي ولم تأت زوجتي للكويت الا مرتين وعندي لله الحمد اربعة اولاد وبنت واحدة ومن اولادي من يعمل في الكويت صرافا في بيت التمويل بالكويت... اما دراسة اولادي فكانت في اليمن.
الماء
كان اناس من جماعتنا المهرة يعملون بنقل الماء في الكويت بعربات يدفعونها بايديهم وقد ادركت هذه المرحلة يوم كانت الكويت محاطة بالسور... واذكر كذلك مسجد عبدالله المبارك في المرقاب.
الغزو
يوم الغزو الآثم كنت صامدا في الكويت حيث انني كنت قادما من اليمن وجلست الحمد لله لم يحدث لي شيء وقد رجعت إلى عملي في البنك الوطني.
القدم
لقد عاصرت كثيرا من رؤساء مجلس ادارة البنك الوطني وكان اقدم مني مهري اسمه محمد السالم لكنه ذهب إلى اليمن وابراهيم دبدوب اقدم مني في البنك الوطني واذكر ابراهيم شهاب كان يعمل من سنة 1952، ابراهيم دبدوب ابو شكري والنعم فيه رجل فاضل ومحترم رجل طيب مع الموظفين ما فيه أحسن منه.
التكريم
كرموني اكثر من مرة في البنك الوطني مرة اعطوني ساعة ومرة اخرى مبلغ 1000 دينار وشهادة خدمة والحمد لله دوامي مناسب وخفيف وجميع الزملاء طيبون ولا أحد يقصر معي.
قاسم
يوم ازمة قاسم خرجنا نحن اليمنيين عند البركة في المرقاب واخذنا نقول يا بو سالم عطنا سلاحا يا بو سالم عطنا سلاحا واخذت من جماعتنا سلاحا للدفاع... وأنا لم اسكن الا بالمرقاب والجبلة.
الشوق
عندما اذهب إلى اليمن لا استطيع المكوث اكثر من شهرين فالشوق للكويت وارضنا يجذبني لا استطيع ان اطول فانا كل عمري الذي مضى وانا في الكويت.
النوخذة مزيد البحة 1868 - 1938م
أسرة البحة من العوائل ذات الجذور المتأصلة في الكويت، فهي اسرة تسلسلت اجيال ابنائها على ارض هذا البلد المعطاء الكويت، سكنت منطقة الشرق في فريج العاقول، وكان من جيرانهم في ذلك الفريج بيت ابوردن، والعبكل، وابن ليلي، والغشام، وابن خضيّر وغيرهم من اهل الكويت الطيبين المتحابين فيما بينهم.
وابناء اسرة البحة - كغيرهم من ابناء الكويت- ركبوا البحر الذي كان المصدر الاساسي للاقتصاد الكويتي في ذلك الوقت، لذلك انخرط فيه الغالبية من سكان الكويت.
ومن ابناء البحة الكرام الذين ركبوا البحر، وكان يشار اليهم بالبنان: النوخذة مزيد بن هادي البحة، الذي ولد في فريج العاقول في منطقة الشرق، ومحل بيتهم اليوم قريب من المستشفى الاميري.
ركب النوخذة مزيد البحر غيصا مع نواخذة بلده الكويت، ثم استقل بنفسه على سفينة غوص، كان هو ربانها والنوخذة الذي يدير شؤونها، وقد وصل النوخذة مزيد على ظهر هذه السفينة إلى العديد من مغاصات اللؤلو تعرف باسم الهيرات، وقد جاء ذكره في كتاب «تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي»، للاستاذ سيف مرزوق الشملان عندما تطرق إلى ذكر اشهر نواخذة الغوص.
وقد ادرك النوخذة مزيد البحة سنة (1912م)، وهي السنة المعروفة باسم (سنة الطفحة)، حيث عم بها الخير الوفير، وانتعش الاقتصاد الكويتي بسبب ارتفاع عائد محصول اللؤلؤ، حيث وصل العائد في هذه السنة إلى ما يزيد على 6 ملايين روبية، وابحرت للغوص 800 سفينة من مختلف الانواع.
ومن اسهامات النوخذة مزيد البحة الوطنية مرافقته الشيخ مبارك الصباح في معركة الصريف سنة 1901، ومشاركته في بناء السور الثالث سنة 1919م.
قدم كذلك اثنين من فلذات كبده شهيدين في معركة الدكاكة، وهما عبدالله وصالح ابنا مزيد البحة، واللذان قتلا مدافعين عن الكويت ضد من هاجمهما وبذلا نفسيهما فداء لأرض الوطن.
على ان النوخذة مزيد لم يكن هو النوخذة الوحيد من اسرة البحة، الذين ركبوا البحر ومارسوا الغوص، فقد خرج من هذه الاسرة العديد من الغاصة المهرة، الذين تميزوا بطول النفس حين المغاص كان اشهرهم على الاطلاق: فنيطل البحة، وهو ابن للمرحوم مزيد البحة، ويعتبر فنيطل هذا من اشهر الغاصة في تاريخ الكويت، وقد ورد ذكره في كتاب «تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت»، وقد رافق الغيص الشهير فنيطل البحة والده النوخذة مزيد سنين عديدة، ثم ركب بعد ذلك مع النوخذة رومي الرومي.
ولانستطيع ان ننهي الكلام على اسرة البحة، دون ان نذكر رجلا من خيرة رجالات هذه الاسرة، وهو الحاج هزاع بن هادي البحة احد رجالات الشيخ مبارك الصباح، وممن اوكل اليه الاشراف على تربية الشيخ سالم المبارك.
كان الحاج هزاع البحة من الرجال الموصوفين بالشجاعة والفروسية، حباه الله بالخصال الكريمة، والاخلاق الرفيعة، فكان يجمع إلى جانب الشجاعة والفروسية، صفات الكرم وحب الخير، والعطف على الفقراء والمساكين، عاش في بحبوحة من العيش وآتاه الله سعة في الرزق، الذي لم يبخل به على المحتاجين، وكان عنده ابل «شعل» إلى جانب الاغنام الكثيرة، وكان اذا حل فصل الربيع وفد اليه الناس لاخذ المنائح التي كان يبذلها لهم عن طيب خاطر وبكل سماحة ومروءة.
وإلى جانب كل هذه الصفات الكريمة، كان الحاج هزاع البحة يسعى في قضاء حوائج الناس ومساعدتهم وبذل المعروف والشفاعة، وقد مكنه جاهه ووجاهته عند الناس من حل الكثير من المنازعات التي كانت تنشب بينهم، ونذكر منها حكاية العفو عن اناس حبسوا اثر معركة «هوشة» جرت بينهم، وقد سعى إلى فك قيدهم واطلاق سراحهم الكثير من الشفعاء والوجهاء الذين ذهبوا إلى الشيخ سالم المبارك لاجل ذلك، ولكن لم يكتب لشفاعتهم القبول عند الشيخ سالم المبارك، لكن عندما دخل الحاج هزاع البحة على الشيخ سالم المبارك، وطلب منه العفو عن هؤلاء المحبوسين، حيث قال له بود: «لن اخرج من عندك حتى تخرجهم»، فلم يكن من الشيخ سالم المبارك الا ان استجاب لطلبه، وقبل شفاعته امر باطلاق سراحهم، ما يدل على عظم المكانة التي كان يحتلها الحاج هزاع في قلب الشيخ سالم المبارك، رحمهما الله جميعا.
وكما كان الحاج هزاع البحة وجيها عند الحكام، كان وجيها عند التجار ايضا، وكان يوظف وجاهته في خدمة الناس واعانتهم، ومنهم صغار التجار الذين كانوا يذهبون إلى التجار الكبار لاخذ البضائع، وليس لديهم ضمان الا انهم في كفالة الحاج هزاع البحة.
وكان للحاج هزاع البحة ايضا صلات تجارية مع بعض تجار الكويت اصحاب الدكاكين، مثل عبدالله النجدي، والتويجري، وابن جار الله.
ومن اسهامات هزاع البحة الوطنية مرافقة الشيخ مبارك الصباح في معركة الصريف سنة 1901، فآل البحة كانت عندهم خيل اصيلة من مربط الشويشليات، وهي نوع معروف مشهور عند المهتمين بالخيول.
ومن ابناء هزاع البحة الذين ركبوا البحر الغيص فالح الذي ركب مع عمه النوخذة مزيد... وكان فالح قد سلك مسلك والده هزاع البحة في اعطاء الناس المنائح في فصل الربيع، جودا وكرما، ولاتنبت الشجرة الطيبة الا الفرع الطيب.
مع احد اقربائه
شهادة خدمة البنك الوطني
جواز السفر الذي دخل به البلاد
من وثائق الغوص التي جاء فيها ذكر النوخذة مزيد