يا نسيم الريح
اعتدل مارسيل في جلسته على المسرح، ابتسم، لمعت عيناها، وبدأت الموسيقى.
يقال إن من يقرأ كثيرا يحظى بحياة تعسة... وإن أصحاب العيون الواسعة، اللامعة، حين تسقط أعينهم على حقيقة الحياة البالية يصابون بالتعاسة. هي كانت الاستثناء. علاج الملل هو الفضول، وفيها شغف لا يشبع. لم أنتبه يوما إلى ضعف ذاكرتي. ولم أظن أني سيأتي علي اليوم الذي أكتب فيه ما حدث في طريق عودتي للتمسك بفرحتها الوقتية. حقيقة، لا أتذكر منها سوى رائحة اللوز. كانت تفاجئني بلا استئذان، هي ليست بحاجة إليه، فطالما كان شغفي موجودا. أبهرتني أكثر من القضاء والقدر- حيث حملت في خباياها المجهول، لكن بلا الرتابة المعتادة- احتفظت بغربة روحها وظلت غيبية دون أن تغلق ما توارى من باب لذة الغموض.
كنت اسألها دائما: أين؟ أو متى؟ بينما لم تكف عن سؤالي: لماذا؟... لما سألتها عن تكرارها الدائم لهذا السؤال أجابت بعقلانية غير معتادة؛ انه قبل بداية الحفل يحق لها أن تعرف، من يغني؟ وعرفت المغزى لما كانت موسيقى مارسيل هي خلفية اللقاء. وآمنت به، بجسدها وروحها. هي ثمينة... تملأ القلب كالمارلبورو الأحمر، لا تنسى... كأول سيجارة حشيش تناولها فتى في الثامنة من عمره، مميزة... ككلب شارعنا الذي يهجم على الرجال الأوغاد ويتصدى لباقي الكلاب مدافعا عن الفتيات والكهلة... حلوة، والكل يعلم قدر هذه الكلمة عندي. لم أخف عليها ولا منها، وبدأت مخاوفي معها بعد رحيلها... لم أستطع قتلها بداخلي، وسئمت البحث عن نماذج تشابهها لتضييع الوقت. حاليا لا تساعدني ذاكرتي لاستدعاء ما حصل في آخر مشهد بيننا إلا أن أذني تتذكر مارسيل يغني:
«يا نسيم الريح قولي للرشا.. لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا... إن يشأ يمشي على خدي مشى»
بعد العرض، وقفت تتأمل لوحة تشكيلية بجانبي، ورأيتها لأول مرة حزينة، لم تمسك يدي كما كانت تفعل وتحب،
لعلها رحلة لتسمع مارسيل في مكان آخر، أو لتكمل ما تبقى من عزلتها، أو حتى... لترقص. على الأقل، رحلت محافظة على هدوئها وخفتها. كان الله في عون العيون الحزينة.
يقال إن من يقرأ كثيرا يحظى بحياة تعسة... وإن أصحاب العيون الواسعة، اللامعة، حين تسقط أعينهم على حقيقة الحياة البالية يصابون بالتعاسة. هي كانت الاستثناء. علاج الملل هو الفضول، وفيها شغف لا يشبع. لم أنتبه يوما إلى ضعف ذاكرتي. ولم أظن أني سيأتي علي اليوم الذي أكتب فيه ما حدث في طريق عودتي للتمسك بفرحتها الوقتية. حقيقة، لا أتذكر منها سوى رائحة اللوز. كانت تفاجئني بلا استئذان، هي ليست بحاجة إليه، فطالما كان شغفي موجودا. أبهرتني أكثر من القضاء والقدر- حيث حملت في خباياها المجهول، لكن بلا الرتابة المعتادة- احتفظت بغربة روحها وظلت غيبية دون أن تغلق ما توارى من باب لذة الغموض.
كنت اسألها دائما: أين؟ أو متى؟ بينما لم تكف عن سؤالي: لماذا؟... لما سألتها عن تكرارها الدائم لهذا السؤال أجابت بعقلانية غير معتادة؛ انه قبل بداية الحفل يحق لها أن تعرف، من يغني؟ وعرفت المغزى لما كانت موسيقى مارسيل هي خلفية اللقاء. وآمنت به، بجسدها وروحها. هي ثمينة... تملأ القلب كالمارلبورو الأحمر، لا تنسى... كأول سيجارة حشيش تناولها فتى في الثامنة من عمره، مميزة... ككلب شارعنا الذي يهجم على الرجال الأوغاد ويتصدى لباقي الكلاب مدافعا عن الفتيات والكهلة... حلوة، والكل يعلم قدر هذه الكلمة عندي. لم أخف عليها ولا منها، وبدأت مخاوفي معها بعد رحيلها... لم أستطع قتلها بداخلي، وسئمت البحث عن نماذج تشابهها لتضييع الوقت. حاليا لا تساعدني ذاكرتي لاستدعاء ما حصل في آخر مشهد بيننا إلا أن أذني تتذكر مارسيل يغني:
«يا نسيم الريح قولي للرشا.. لم يزدني الورد إلا عطشا
لي حبيب حبه وسط الحشا... إن يشأ يمشي على خدي مشى»
بعد العرض، وقفت تتأمل لوحة تشكيلية بجانبي، ورأيتها لأول مرة حزينة، لم تمسك يدي كما كانت تفعل وتحب،
لعلها رحلة لتسمع مارسيل في مكان آخر، أو لتكمل ما تبقى من عزلتها، أو حتى... لترقص. على الأقل، رحلت محافظة على هدوئها وخفتها. كان الله في عون العيون الحزينة.