القمامة «سبحت» في الشوارع ودخلت المنازل

... وغرقت بيروت!

تصغير
تكبير
عندما يتعلّق الأمر بأن تمطر «غير الماء»، لم يألف اللبنانيون غناءً إلا «يا دنيي شتّي مصاري شتّي علينا فلوس»، و«إنها تمطر رجالاً» (it’s raining men). ولم يخطر ببالهم يوماً ان يحمل لهم الواقع «كابوساً» حقيقياً عنوانه: إنها تمطر... نفايات.

أمس، لم يكن في لبنان مكان لأغنية السيدة فيروز «شتي يا دنيي تيزيد موسمنا ويحلى»، والمشهد الذي ارتسم مع «أول شتوة» كان أفظع من ان يُصدّق... «لبنان الأخضر» يسبح في نفاياته التي يغرق حلّها في «مستنقع» السياسة التي حوّلت أزمة القمامة التي انفجرت قبل مئة يوم مع قفل مكب الناعمة (جنوب بيروت) وعدم ايجاد بديل حتى الساعة، الى «سلاح» لتصفية الحسابات من ضمن لعبة ابتزاز «مقززة» ومعركة «لي أذرع» ترتبط بملفيْ رئاسة الجمهورية والصراع على آلية عمل الحكومة والتعيينات العسكرية والأمنية.


في «إحدى النفايات العائمة»، تركت القمامة الأرصفة التي كانت متكدّسة عليها في العديد من شوارع بيروت وجبل لبنان، و«ركبت» الأمطار الغزيرة التي هطلت مع رياح قوية (يتوقع ان تستمر حتى الاربعاء)، فـ «جالت» في الشوارع والطرق الرئيسة وسدّت مجاري البنى التحتية مسببّة بازدياد نسبة المياه الناتجة عن الأمطار والتي تحوّلت أنهراً حاصرت السيارات في مناطق عدة و«اقتحمت» منازل ومحال تجارية.

أمس، «ضوّا الأحمر» مع اللبنانيين الذين لم يعد يهمّهم اذا كانت «جبال النفايات» المتراكمة هي «رأس جبل جليد»، صراع سياسي مقيت يبدأ من بلدهم ولا ينتهي بـ «ملاعب النار» المشتعلة في سورية واليمن. ففي «أوّل المطر» وجد اللبناني، الذي تعاطى مع كارثة القمامة على طريقة «في فمي ماء» محاذراً الانجرار وراء حِراكٍ مدني أعلى الصوت ولكنه انجرف الى وحول العبثية والفوضى، ان النفايات التي كانت تتكدّس على مقربة من منزله صارت إما على باب بيته وإما داخله.

مؤلماً كان المشهد يوم أمس مع صُوَر النفايات «الزاحفة» (لا سيما في منطقة سد البوشرية - الدكوانة في ساحل المتن الشمالي) التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التي صار الحدَث فيها مطر أكتوبر بـ «طعم ورائحة» القمامة التي حجبت كل العناوين السياسية الكبرى في البلاد والمنطقة، وطغت حتى على أضرار العاصفة التي أصابت مناطق أخرى ضربتها فيضانات أدت الى أضرار جراء السيول او الرياح القوية.

يقال إن «الدموع لا تظهر في المطر»، لكن لبنان بدا في 25 اكتوبر وكأنه يبكي واقعاً مفجعاً لم يسبق أن عرفه في تاريخه ،وسط استمرار أزمة النفايات عالقة في «سباق المُهَل» الذي حدد نهايته وزير الزراعة أكرم شهيب هذا الخميس، فإما تسهّل القوى السياسية خطته التي تنتظر موافقة «حزب الله» على إقامة مطمر في إحدى مناطق نفوذه في البقاع لإحداث «توازن» مع مطمر سرار (عكار - الشمال) ،وإما ينفض يده من هذا الملف الذي ينذر أيضاً بتطيير آخر «صمام أمان» مؤسساتي في لبنان يتمثل بالحكومة التي هدّد رئيسها تمام سلام بالاستقالة إذا لم تُحل قضية النفايات.

وبإزاء كارثة «طوفان النفايات» التي تطايرت شظاياها يوم أمس في أكثر من اتجاه ،واستدعت استنفاراً لفوج إطفاء بيروت للحد من أضرارها ،وانخراط ناشطين في أكثر من حملة مدنية في عملية توضيب للنفايات في أكثر من بقعة، لا سيما عند نقطة نهر بيروت في محاولة للحدّ من «المصيبة»، زاد منسوب القلق من «الآتي الأعظم» مع تحذير وزير الصحة وائل ابو فاعور، الذي كان على تَواصُل طوال اليوم مع وزير الأشغال غازي زعيتر، من «أننا وصلنا الى المحظور الذي حذرنا منه والأخطار الصحية ازدادت».

... انه لبنان الذي «نجا» من حروب أهلية عدة و«نظّف» سجلّه الدموي بمصالحاتٍ تجاوزتْ ترسيمات الاقتتال الداخلي، فاذا به أمام خطر ان «تأكله النفايات» ولو... لم تقتله.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي