خطباء المجالس الحسينية دعوا لاستلهام معاني كربلاء

محمد جمعة: اللحمة الوطنية السياج الواقي ضد الفتن

تصغير
تكبير
واصلت المجالس الحسينية لليلة السادسة إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين وآل بيته في عاشوراء، وخصص خطباء المنابر جزءاً من خطبهم، لإبراز المراحل التي مر بها الإمام الحسين، استعدادا لموقعة كربلاء، داعين إلى استلهام معاني الموقعة للتمسك باللحمة الوطنية، باعتبارها السياج الواقي ضد الفتن والمؤامرات.

وفي الحسينية الكربلائية تحدث الخطيب الحسيني محمد جمعة، عن حب أتباع الحسين عليه السلام لإمامهم، وحجم التضحيات التي بذلوها من أجل القضية الحسينية.


وسرد جمعة قصصاً عدة تشير إلى قوة حب أنصار الإمام الحسين للموت، دفاعا عن الإمام وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مستشهدا ببطولات الإمام ابوالفضل العباس، قبيل استشهاده.

وتحدث جمعة عن التطهير وقال «ان المولى عز وجل طهر آل البيت تطهيرا (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)، وانه بفضلهم فضلت الأمة الاسلامية على غيرها من الأمم، مبيناً ان «البعض يقول آتنا بسند على أن الأمة الاسلامية فضلت عن بقية الأمم»، فنجيبه بقوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، وهذا ما نجده في سيرة الامام الحسين في يوم عاشوراء قبل خروجه الى العراق، قائلا «لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

وشدد جمعة على ضرورة تكاتف أبناء الكويت جمعيا والوقوف صفا واحدا من خلال التمسك باللحمة الوطنية باعتبارها السياج الواقي ضد الفتن والمؤامرات.

وفي حسينية دار الزهراء في منطقة الدسمة، شرح الشيخ علي حسن غلوم، النهج الذي تبناه الإسلام في بناء الشخصية الإسلامية، ذات الأبعاد المتعددة ومنها الفكري والاجتماعي والأخلاقي وكذلك البُعد الروحي.

وأضاف غلوم «المقصود من البُعد الروحي في شخصية المسلم: الصلة الداخلية للمؤمن بالله تعالى وانشداده النفسي والعاطفي به سبحانه، انطلاقاً من الإيمان والحب والإخلاص والتقوى، لافتا إلى ان هذه العناصر المؤسسة للبعد الروحي في شخصية المسلم تستتبع عناصر روحية أخرى تتمثل في الخوف والرجاء والرضا بالقضاء الإلهي وقدره، وحسن الظن بالله، والشعور بالضعف أمام القدرة الإلهية وانسحاق الفرد أمام عظمة الله وإرادته وغير ذلك».

وتابع «من خلال هذه العناصر الممثِّلة للبُعد الروحي في شخصية المسلم، تتجلى عبادتُه، في صورة الصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر وغيرها، وبمقدار ما تكون تلك العناصر أقوى، كلما كانت صور العبادة أكثر وضوحاً وجلاءً وصفاءً».

وأردف «كلما ازداد حب العبد لربه،ازدادت صلاته خشوعاً... وكلما ازداد إخلاصه لله، كانت زكاته وعطاءاته المالية أقرب إلى الصور المحببة منها، كالعطاء في السر»، مستطردا «كما أن تلك العناصر الروحية تؤثر في قيمة وكيفية العبادة، فإن العبادة ـ كما ينبغي أن تكون ـ مؤثرة إيجاباً في العناصر الروحية للفرد، فتزيد في الإيمان والحب والإخلاص والتقوى والخوف والرجاء».

وزاد لشدة أهمية هذا البُعد الروحي، فقد حرص القرآن في مبتدأ نزوله على توجيه النبي(ص) والمسلمين إلى هذا المكوّن الرئيسي في شخصيتهم الإيمانية، ووسائل تنميته.

السلام والإصلاح

| بقلم السيد أبو القاسم الديباجي *|

إن ثورة الامام الحسين (ع) لا تزال متجددة تطل علينا مع كل عام بالكثير من الفوائد والدروس والعبر. فالإمام الحسين (ع) رغم تقدم السنين على ثورته المشهورة عاشوراء إلا أنه بقيت الشعلة التي لا تنطفأ أبد الدهر والمعين الذي لا ينضب وبلغت من السمو والرفعة وشرف المقام ما لم تبلغه ثورة من الثورات الإنسانية في التاريخ لأنها تحمل في مضمونها هدفاً سامياً نبيلاً له علاقة بالخالق الباري عزّ وجلّ، كما له علاقة بالإنسان، وبقي الحسين (ع) مشعلاً للحق، ومدرسة للمثل والأخلاق والفضيلة، ونهضةً للحياة السامية.

إن المتأمل فيما حدث في يوم عاشوراء يدرك بجلاء أن يوم عاشوراء مدرسة تثري الأجيال المتعاقبة بكثير من المبادئ الإسلامية العالية التي تجسدت في مواقف الإمام الحسين (ع)، ومواقف أصحابه وأهل بيته، من التضحية، والإباء، والإخلاص، وعلو الهمة، والثبات على المبدأ الحق، وبذل النفس والنفيس في سبيل الله، والوفاء، والعزم، والشجاعة، وغيرها من المبادئ السامية التي لا تخفى على كل من درس هذه الواقعة ونظر إليها بإنصاف ورويَّة.

والحسين (ع) هو من دعاة السلام والاصلاح ومدرسته تقف من العنف والعدوان والتعسف والإرهاب موقف المضاد، فكرة وسلوكاً، فقد كان الرسول (ص) يدعو الناس إلى الإيمان بالإسلام بلا اكراه أو عنف، يقول سبحانه وتعالى: «وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لأمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ»، وقال تعالى: «فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ».

وقال (ص): «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ».

فقد جعل النبي (ص) للمسلم حرمة أي حصانة إلهية حصَّنه بها الله، فمن يخرق هذه الحصانة فإنما يعادي الله ويحارب الله جل وعلا لأن الله سبحانه وتعالى جعل لكل من يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) حصانة، فلا ينبغي لنا أن نسيئه بحديث أو كلام ولا ينبغي أن نعتدي عليه وعلى عرضه وماله وعياله وكل ما يملك ولا ينبغي أن نريق له ولو قطرة دم واحدة لأنه في حصانة أحكم الحاكمين ورب العالمين.

والنبي (ص) كان يتحرج أشد الحرج من القتل، قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ (ص) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ قَالَ: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ.

فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بأسامة ليعلم الجميع حرمة الدم حتى للكافر الذي نطق بالشهادتين خوفا من القتل، فما بالكم بمن يُصلي ويصوم ويتقي الله ويعمل أعمال الخير التي أمره بها الله ويسعى في الأرض عاملاً بشرع الله كيف يستحل القتل؟ وكيف يُقتل؟

ومنهج الحسين أشد حرصا على منع سفك الدماء ليس في صفوف الانصار والموالين، وإنما في صفوف الاعداء والمبغضين، فالحسين (ع) كان يدعو جيش العدو وقادته أن يعدلوا عن قتله وقتل عياله وأنصاره ليس خوفا أو طمعا في شفاعتهم، ولكن خوفا عليهم من العار ودخول النار.

والإمام الحسين (ع) لم يكن يبحث عن الحرب، وهو القائل: «إني أكره أن أبدأهم بقتال»، لحرمة إباحة دماء المسلمين، وهو الذي بكى على أعدائه لأنهم سيدخلون النار بسبب قتله، فخروجه ما كان إلا من أجل السلام والاصلاح والإنسانية، إذ لم يبدأ القوم بقتال قط، كجده رسول الله (ص) التي كانت حروبه كلها حروباً دفاعية وليست هجومية أو ابتدائية، وكأني به يردد قول الحق- سبحانه وتعالى: «واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتُقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر، قال لأقتلنك قال إنما يَتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين».

فالحرب لم تبدأ في كربلاء إلا بعد هجوم الأعداء نحو الحسين (ع) و أصحابه، ومنذ خروجه من المدينة وطوال سفره وحتى يوم عاشوراء كان يلقي الخطب وذلك للدعوة إلى الصلح وايجاد فرص السلام الممكنة، وفرص الحياة الآمنة بعيداً عن قعقعة السلاح وهدر الدماء لأنه يعلم بأن من أحيا نفسا فقد أحيا الناس جميعا، وقد قام الحسين (ع) بأكثر من ثلاث محاولات لنزع فتيل الأزمة ولإحلال السلام ولكن عندما خاطب ضمائرهم بقوله: «إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمن الأرض»، وجدناهم قد أبوا إلا قتله وسحقه بحوافر الخيل!! وما كان لهم ذلك وإنما سحقوا هم، وبقي الحسين صرخة حق وسلام يترنم بها كل باحث عن القيم والفضائل؛ بعد أن قُتل (ع)- جسدا- في معركته من أجل السلام والأمن والأمان.

هذا هو سلام الحسين هو يريد الإصلاح ويطلبه ولا يَحيد عنه، ولكنه يحرص أن يكون هذا الإصلاح ثورة بيضاء، وإذا كان لا بد من التضحية فليكن هو وعياله وأنصاره أول المضحين!!

لذا، بقيامه وثورته يدعو الحسين(ع) إلى حفظ دماء المسلمين وحرمة المسلمين وشخصية المسلمين، وعدم اثارة الفتن الطائفية والقبلية والتفرقة والتي من نتائجها توقف عجلة النمو والتطور وهلاك المجتمع ودماره.

* الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الإسلامي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي