ما نعلمه أن الأمناء السابقين لـ «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» اقترحوا قبل أكثر من عشرة أعوام أن تقوم الحكومة بإدخال المباني الأثرية المتبقية من تراث البلاد لتكون في حوزة الدولة، بهدف تطويرها وترميمها والمحافظة عليها من الدمار الذي أوشك أن يطيح بها كلها، بعد أن تآكلت جدرانها وأصبحت متهالكة وآيلة للسقوط، وهذه المباني المتبقية هي كشك الشيخ مبارك الصباح، الواقع في نهاية سوق التمر في العاصمة ويقع تحته بائع السمبوسة والفلافل والكباب الهندي، وإلى جانبه يستحوذ أحد مواطني جمهورية اليمن «المهارة» على دكان يبيع فيه الملابس الداخلية الرجالية والنسائية، و«الغتر والعقل والقحافي، ونعل الحمامات الزنوبة والتشمتشم» وغيرها من الأدوات النسائية.
وثاني هذه المباني هو قصر الغانم الذي يقع في منطقة العاقول إلى جانب المركز الجديد لمرض السكر في منطقة دسمان، وقد بانت كل أخشابه ولم يتبق كي ينهار بكامله سوى هزة بسيطة ليصبح دماراً متناثراً، وهذا بعد أن أمسى خراباً تعيث فيه الفئران والحشرات والعقارب وتعاف النظر إليه العيون.
وثالث هذه المباني هو المتحف القديم «قصر خزعل» في منطقة الشرق المقابلة لقصر الغانم تماما وتقع إلى جانب قصر دسمان من جهة الشمال ومثله مثل قصر الغانم في الإهمال ومرتعاً لكل الزواحف والحشرات.
وتنفيذا للمطالبة المستمرة من الأمناء السابقين للحكومة بإدخال هذه العقارات التراثية، قامت الحكومة قبل خمسة أعوام باستملاك هذه المباني بغرض تحقيق الهدف من تملكها وهو هدف نبيل يسعى إلى المحافظة على ما تبقى من مبان تراثية تؤسس وتحفظ تاريخاً لهذه البلاد التي اندثر كل ما تملكه من بناء حضاري قديم وذلك لقلة بُعد النظر وانعدامه لدى أصحاب القرار الذين من المفترض أن يعملوا على المحافظة على تراث بلدهم قبل أن تزيله الجرارات، أو عوامل الزمن كما هي حالها اليوم، وحيث إن هذه المباني أصبحت ملكا بيد الحكومة، يبقى الدور على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي لم يعد له من اهتمام سوى دعوات الأصدقاء والمعارف من الفنانين والكتاب والأدباء لحضور الحفلات الغنائية التي يحييها فنانون محسوبون، ولزيارة الكويت بغرض حضور «الفعاليات» المجلسية التي يقيمها المجلس العتيد، وأما غير ذلك فهو المتمثل بالزيارات المعاكسة والقيام بردها لدول الزائرين، فمن العيب عدم القيام بها فعدم الرد يعتبر عارا و«شنار» في حق الداعي والمدعو، ولهذا فانشغالات المجلس لا تتيح لأمانته القيام بالدور الأساسي المنوط به، فخمسة أعوام من عمر الاستملاك كفيلة بترميم تلك المباني وتصليحها وعودتها إلى سابق عهدها وتحويلها إلى أماكن سياحية لزيارة المواطنين والأجانب القادمين إلى البلاد، ولكن المسؤولين في المجلس العتيد ليس لديهم الوقت الكافي للاهتمام بهذا الهدف النبيل الذي يخص كل أهل الكويت ويعبر عن ماض تليد قامت ببنائه جموع الناس في زمانهم الذي انقضى، ولم يعد لهم سوى هذه الأماكن القليلة المتبقية المعبرة عن ذاتيتهم وخصوصيتهم كاهل البلاد، والواجب يقتضي أن يقوم المسؤول عن المجلس الوطني بالتشمير عن الأذرع بغية البدء في العمل الدؤوب لترميم تلك المباني الموجودة حاليا قبل انهيارها بالكامل وتحويلها إلى خرائب نتنة، والتعذر بعدم وجود الميزانيات لهذا العمل فهو غير صالح للقبول، فكما تم تخصيص ميزانية لاستملاكها فكذلك الأمر يبقى متاحاً لتوفيرها لهذا الغرض خصوصا ان الدولة تدخل المليارات السنوية من عائدات النفط ولا يعوقها تدبير عدد قليل من الملايين المبعثرة في كل اتجاه، فالفرص لا تأتي كل يوم، فيوم لك ويوم عليك، وهذه الأيام هي لنا فهل نستفيد منها قبل فوات الأوان؟
يعقوب العوضي
كاتب كويتي
[email protected]