على وهج التصعيد الإقليمي وتَراجُع الاهتمام الدولي بالشغور الرئاسي فيه

لبنان دخل «المقلب الخطر» وسلام يلوّح بـ «قلْب الطاولة»

تصغير
تكبير
هل انتقل لبنان من «ستاتيكو الانتظار» الى التسليم بواقع التعطيل على «وهج» الوقائع الجديدة التي ترتسم «بالنار» في سورية؟ وهل سيكون ممكناً الحفاظ على ضوابط الحدّ الأدنى للاستقرار اللبناني أم أن بعض الملفات - الألغام يمكن أن تشكّل صواعق تفجير تتطاير شظاياه في أكثر من اتجاه؟

هذه الأسئلة خيّمت على بيروت أمس بعدما جاءت مناخات التأزُّم الداخلي لتلاقي المزاج الدولي الذي لمسه رئيس الحكومة تمام سلام في نيويورك، والذي عكس بوضوح وضع الملف اللبناني وتحديداً الانتخابات الرئاسية فيه «على الرفّ»، بانتظار اتضاح ملامح المشهد الاقليمي في ضوء خلط الأوراق الذي أحدثه الدخول العسكري الروسي على خط الأزمة السورية.


ومع انسداد الأفق الإقليمي - الدولي لأي تسوية تنهي الفراغ الرئاسي الذي لن يكون على أي طاولة بحث خارجي قبل شهر ونيف حين يزور الرئيس الايراني حسن روحاني باريس، وجد لبنان نفسه أمام حلقات متشابكة من الأزمات الداخلية التي بدا أنها تتجه الى الانتقال من مرحلة محاولة تفكيك تعقيداتها الى الوقوع في «شِباكها» التعطيلية، بما ينذر بتحويل البلاد الى «حلبة مصارعة» بالتعطيل مع بعض «أحزمة الأمان»، الصامدة أقلّه حتى الساعة، التي تمنع تسديد ضربات «تحت الحِزام».

وعلى وقع تهاوي التسوية التي كان يجري العمل عليها في قضية صهر زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون العميد شامل روكز لإبقائه في الخدمة بعد 15 الجاري (موعد إحالته على التقاعد)، تحت وطأة اعتراضات وزارية الى جانب رفض قيادة الجيش، لاحت في الأفق بوادر تأزُّم على جبهات مؤسساتية عدّة بما أوحى ان أي فريق داخلي لم يعد مستعداً في المرحلة الراهنة لتقديم أيّ تنازلات او «دفْع أثمان»، بل إن مختلف القوى المحلية المؤثرة باتت تفضّل الاحتفاظ بتموْضعاتها وأوراقها بانتظار انقشاع الرؤية في الملف السوري الذي دخل مرحلة حاسمة.

وتزايدت المؤشرات امس الى أن الحكومة تقف على مشارف الدخول في مرحلة من تصريف الأعمال، إما بعدم الانعقاد او اعتكاف رئيسها، وذلك نتيجة تعثُّر كل المساعي لترقية العميد روكز مع عميديْن آخرين الى رتبة لواء بما يبقيه سنة اضافية في الخدمة، بفعل اعتراض وزراء الرئيس ميشال سليمان و«الكتائب» والوزير بطرس حرب وايضاً وزير العدل أشرف ريفي (من فريق الرئيس سعد الحريري)، باعتبار أن مثل هذا الإجراء غير عادل ويضرب التراتبية في الجيش، إذ ثمة 21 عميداً مسيحياً يتقدمون روكز في أحقية الترقية، وأنه يحل في الرقم 45 بين العمداء المستحقين من كل الطوائف، اضافة الى أن العديد من الضباط عبّروا عن استعدادهم لتقديم استقالاتهم بحال السير بالترقيات الثلاثية، ثم الطعن بها أمام مجلس شورى الدولة.

وعلى وقع المعطيات التي تحدّثت عن انكفاء الدورين الاميركي والسعودي اللذين كانا يشجعان على التسوية، وعلى الأرجح بفعل الاعتراض الثابت لقيادة الجيش، بدا ان المخارج الأخرى التي سعى البعض الى تسويقها لا سيما تأجيل تسريح روكز وسائر العمداء الذين يبلغون سنّ التقاعد لسنة واحدة الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تصطدم بنقطتيْن: الأولى عدم حماسة عون لها، والثانية ربْط مثل هذه الصيغة او أي صيغة أخرى بآلية اتخاذ القرارات داخل الحكومة، باعتبار أن عدم الإجماع على أي مخرج سيعني الحاجة الى مروره في مجلس الوزراء بالتصويت بالأكثرية، بما يجعل هذه القاعدة هي التي ستحكم عمل الحكومة الرئاسية، وهو ما لا يوافق عليه عون الذي يُبقي ورقة الحكومة بيده في إطار «اللعبة الرئاسية» التي يخوضها، والتي تبقى ركيزة معركته.

ومع التسليم بأن الرئيس سلام لن يدعو الى جلسة حكومية في المدى المنظور وسط قرار عون و«حزب الله» بعدم حضور أي جلسات ما لم تحصل تسوية لملفّ روكز، كان لافتاً ما نُقل عن رئيس الوزراء الذي أطلق تحذيراً جدياً «من الانهيار والذهاب الى المجهول»، مع عدم إسقاط قريبين منه امكان «قلب الطاولة» بسبب الاجواء المحيطة بعمل الحكومة، وهو ما فسره وزير الإعلام رمزي جريج سائلاً «ما الجدوى من بقاء الحكومة اذا كانت لا تستطيع ان تجتمع لتصريف شؤون البلد؟».

ولا يبدو أن الحوار الذي دعا اليه رئيس البرلمان نبيه بري هو في حال أفضل، إذ ظهر قبل ثلاثة أيام من موعد «ثلاثية» 6 و7 و 8 الجاري أن الطاولة التي اعتُبرت محاولة لاستيعاب أجواء التأزم وتحضير الأرضية لملاقاة أي انفراجات اقليمية، صارت هي «تولد» الأزمات وتتلقى تداعيات مناخات التشنج، بدليل اتجاه العماد عون الى مقاطعة جلساتها الأسبوع المقبل، ربطاً بملف روكز وكامتداد للمواجهة العنيفة التي انفجرت بينه وبين بري عبر وزير ماليته علي حسن خليل والتي كرّست حال الود المفقود بين حليفيْ «حزب الله»، علماً أن مصادر عدة ترى أن زعيم «التيار الحر» يفضّل مقاطعة الحوار باعتبار أن من شأن ذلك شدّ عصَب جمهوره على مرمى ايام من تظاهرة 11 أكتوبر التي دعا اليها أمام القصر الجمهوري، والتي تكتسب أهمية ورمزيّة في توقيتها وشكلها وستعيد تثبيت أولويات عون تحت سقف «الرئاسة لي» بعيداً عن أي «مقايضات» سواء في قضية روكز أو آلية عمل الحكومة.

ومن خلف ظهر هذا التدافُع الخشن، يبقى «فتيل» أزمة النفايات قائماً وسط عدم إزالة المعوقات التي تعترض البدء بتطبيق خطة وزير الزارعة أكرم شهيب ،لا سيما لجهة المواقع المقترحة لمطامر موقتة في عكار (الشمال) والسلسلة الشرقية (البقاع) وبرج حمود (ساحل المتن الشمالي) الى جانب معاودة فتح مطمر الناعمة لسبعة أيام لنقل النفايات المنتشرة في الشوارع اليه، وهو ما يضع الحكومة أمام محكّ إما تنفيذ الخطة بالقوة وإما الاستسلام أمام الاعتراضات التي «تفرّخ» هنا وهناك وتالياً ترْك البلاد تواجه كارثة صحية وبيئية غير مسبوقة في تاريخها ينتظر أن تنفجر مع بدء الأمطار. علماً أن هذا الملف ما زال يشكّل ركيزة احتجاجات الحِراك المدني الذي حدّد الخميس المقبل موعداً لتظاهرة جديدة في ساحة الشهداء بوسط بيروت.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي