«الراي» تحدّثت إلى الشاعر وغيث والخطيب

«سيدات الشارع» في لبنان... حضور «ناعم» في مشهد «خشن»

تصغير
تكبير
من خلف الحراك الإحتجاجي الذي يشهده لبنان على خلفية أزمة النفايات، ومن قلب المشاهد «الصاخبة» وأحياناً «الخشنة» التي أطلّت برأسها خلال التظاهرات، برزت ظاهرة طبعت «صحوة» الشارع الذي لم يكتف بضخّ «دم شبابي» بل وضَع في الواجهة وجوهاً نسائية اعتلت المنابر، وقادت التحركات على الأرض ورفعت الصوت في مؤتمرات صحافية وتقدّمت الصفوف عند الاشتباك مع القوى الأمنية، بما شكّل خروجاً عن المألوف.

هذا الحضور النسائي الذي كسر السائد في أعراف التظاهر في لبنان، طرحت في ضوئه «الراي» سؤالاً على عدد من الناشطات مستفسرة عمّا إذا كان تقديم هذه الوجوه على سواها من المنظمين متعمّداً أم أنه جاء كنتيجة تراكمية لنشاط هؤلاء الناشطات؟


فرح الشاعر من منظمي تحرك «طلعت ريحتكم»، تؤكد لـ «الراي» أن «هذا الحضور النسائي غير متعمّد، بل هو نتيجة تلقائية لذهنية الشباب في الحملة، فجميع الناشطين لا تتعدى أعمارهم 35 سنة، ما يعني أننا ننتمي إلى جيل جديد لا يفكر بذهنية تقليدية تفرّق بين المرأة والرجل وتعتبر الأخير أكثر قدرة على التحرك السياسي من المرأة».

وتقول: «إذا كنا نسعى لتحسين الواقع، فهو بإظهار أن هذا الحراك هو من المجتمع اللبناني، الذي تشكل أصلاً المرأة نصفه على الأقل، وبالتالي لماذا ستكون المرأة في هذا الحَراك منبوذة كما نبذتها هذه السلطة الفاسدة؟»، لافتة إلى «إننا كنا بدأنا أصلاً بكسْر السائد لجهة وجود إصطفافيْ (8 و14 آذار)، واعتبار أن مَن هو في السلطة لا يمكن محاسبته ومطالبته بحقوقنا، بحيث تفتّحت عيون الشعب اللبناني على أن بإمكانه مطالبة السلطة بحقوقه. ولا شك أننا في هذا السياق نكسر ايضاً الظاهرة السائدة في لبنان لجهة نظرة الرجل إلى المرأة».

وتوضح أن «هذا الحراك لا ينظر إلى المرأة بدونية، بل على العكس ينظر إليها بعين المساواة، والإعلام يساعدنا على إظهار هذا الأمر»، لافتةً إلى أن «طلعت ريحتكم» تضم 750 متطوعاً، غالبيتهم من النساء.

رانيا غيث، عضو الهيئة التنظيمية في حملة «بدنا نحاسب»، هي أيضاً محامية في لجنة هذه الحملة وتتابع مع زملائها موضوع الشباب المحتجين عند توقيفهم من القوى الأمنية، كما تلعب دوراً في توعية الناس على كيفية المطالبة بحقوقهم والتظاهر بوصفه حق لا يجوز لأحد منعهم من ممارسته.

وتوضح غيث بدورها رداً على سؤال «الراي» أن «ليس في الأمر مسعى متعمّداً لتَصدُّر وجوه نسائية الصف الأول من هذا الحراك بهدف كسْر نظرة سائدة»، مشيرة إلى «أننا لا نرى أن هناك فارقاً أصلاً بين المرأة والرجل».

وتلفت إلى أن «الدليل على ذلك هو وجود المرأة والرجل معاً في الصفوف الأمامية»، داعيةً إلى قراءة هذا الأمر من زاوية أن «المرأة لا تتوانى عن لعب دورها حين يدعوها الواجب، وإن اضطرت إلى حمل السلاح، وهذا لا ينتقص من أنوثتها وتركيبتها كامرأة موجودة في المجتمع»، ومؤكدةً أن «المرأة موجودة اليوم في الشارع وقادرة على المطالبة بحقوقها، ما يعني أنها قادرة على أن تكون في مراكز صنع القرار».

مي الخطيب ناشطة أساسية في حملة «بدنا نحاسب»، وتلعب دوراً في لجنتها الإعلامية، وتقول لـ «الراي» إن «ما من أمر مخطَّط له» على صعيد جعل المرأة في واجهة الحِراك، مستذكرة «تَحرُّك التاسع من أغسطس الماضي ووقوع المواجهات مع القوى الامنية، حيث فتحوا في وجهنا خراطيم المياه وألقوا علينا القنابل المسيلة للدموع، ولم تُبدي حينها الشابات أي خوف، وقد برزتْ تلقائياً وجوه جديدة، وبينها لنساء شاهدناهنّ للمرة الأولى في هذه التظاهرة لم يُبدين بدورهنّ خوفاً». وتلفت إلى أن «المرأة، التي تغلب عليها عاطفة الأمومة باتت تفكر في ظل الواقع المأسوي في لبنان كيف بإمكانها أن تنجب طفلاً إلى هذه الحياة وسط ظروف البلاد السيئة؟».

غير أن الخطيب توضح في هذا الإطار أنه على الصعيد الشخصي كما على مستوى المجموعة التي تنتمي إليها «نحن مواطنون في المسألة النضالية والوطنية، وبالتالي لا نصنّف أنفسنا على أساس نساء ورجال، بل على قاعدة اننا مواطنون نطالب بحقوقنا المواطنية وكرامتنا الإنسانية قبل أي أمر آخر».

الخطيب التي تشير إلى اعتبار الناشطين في «بدنا نحاسب» أن «النضال النسائي لا ينفصل عن النضال الوطني»، توضح «أننا نعتبر أن الإصلاح الذي يتم في النظام، ستكون نتيجته إيجابية بشكل أو بآخر على النساء وحقوقهن». وتشدد على أن «التغيير الذي ننشده، سواء كان سياسياً في ما يتعلق بالنظام السياسي الذي نطالب بتغييره أو كان يتصل بالذهنية الإجتماعية الموجودة، لا يتحقق بين ليلة وضحاها، فنحن نؤمن بأن طريق النضال للتغيير على هذين الصعيدين طويل».

وتعليقاً على ما كان موضع ترحيب وانتقاد على السواء لجهة إطلالة عدد من المنظِّمات للحراك بكامل أناقتهن وزينتهن في التظاهرات والإعتصامات، تقول الخطيب: «هذه قشور. يمكن للمرء أن يشارك في التظاهرات بكامل أناقته، أو منتعلاً حذاء رياضياً ومرتدياً ملابس مريحة. الأهمّ أن يشعر المرء بأن عليه مسؤولية وواجب بالمشاركة في التظاهرة لتحقيق المطالب».

وتختم: «درجة القناعة بهذا التحرك متفاوتة، ولكن في الحد الأدنى هي موجودة عند كل الناس بصورة متفاوتة. وأنا كـ مي الخطيب على استعداد، في حال وقوع مواجهات مع قوى الأمن، للبقاء حتى اللحظة الأخيرة. فأنا لا يمكن ان أغادر أي اعتصام قبل أن أَطمئنّ إلى أن كل أصدقائي بأمان، فيما بعض الصبايا لا يملكن هذه القناعة، وهن يغادرن المكان اذا حصلت أي مواجهة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي