بلسم روح الحياة / وقت الفراغ... مَفسدة أم منفعة؟!

تصغير
تكبير
«الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك» عبارة توزن بالذهب لدقة وصفها وقوة مغزاها. فالوقت وعاء الأحداث يعبر عن تتابعها وتتاليها ويقيس مداها مهما قل أو طال, فإن لم تستثمره ضاع منك, يذهب ولا يعود, ككنز يصادفك مرة واحدة فقط، وهو أغلى ما نملك محدود بوجودنا وقيمته من قيمة من يستغله ويستفيد منه، وهو نعمة يتساوى فيها الأفراد، لكنهم يتفاوتون في مدى الاستفادة منه.

وطالما أن للأحداث مكاناً وإحداثيات فإن لها زمانها ووقتها أيضاً والذي لا ينفك عنها، ولكن الناس اختلفت كما في كل الأمور عن أهمية الوقت وكيفية استثماره، خصوصا أوقات الفراغ التي تتموضع ضمن أيامنا وحياتنا فمنهم من يراها مفسدة للحياة ومنهم من يرى فيها استكمالاً وتطويراً لحياة الناس. فما المقصود بوقت الفراغ؟ وما أهميته في حياتنا؟ ولماذا ربطناه بكلمة فراغ؟ وهل هو فراغ حقاً؟


يُعرف وقت الفراغ: بأنه الوقت الفائض بعد خصم الوقت المخصص للعمل والنوم والضرورات الأخرى من الأربع والعشرين ساعة، وهي الفترة الزمنية التي تكون تحت التصرف الكامل للفرد بعد أن يكون قد أنجز عمله وأوفى التزاماته وأدى واجباته.

إن تطور المجتمع والثورة الصناعية والتكنولوجية الحديثة لها دور أساسي في زيادة في أوقات الفراغ لدى الأفراد والمجتمعات حيث كان الانسان سابقاً لا يجد وقتاً كافياً لقضاء حاجاته وتلبية ضرورات حياته.

وهذا التطور سهل على الإنسان العمل ووفر جهده ووقته، وزاد من فترات أوقات فراغه.

فما أهمية أوقات الفراغ؟ وهل هذه الأوقات ضرر ومفسدة أم فائدة واستجمام؟

يرى المتفائلون أن وقت الفراغ والذي يمكن أن نطلق عليه الوقت الحر ضروري للراحة من عناء العمل، وإشباع حاجات الإنسان التي لا يحققها العمل عادةً، ويُمكّنه من ممارسة هوايات وأعمال يحبها، مما يسهم في تجديد قواه واستعادة نشاطه من خلال التوازن بين العمل وما يحب.

على حين يرى المتشائمون أن أوقات الفراغ فيها ضرر كبير للأفراد والمجتمعات، حيث يبدأ هذا الضرر من الشعور بالملل وخصوصاً في غياب الأهداف، حيث أننا تعودنا منذ الصغر إهمال الوقت وعدم الحرص على استغلاله. فتبديد الوقت أشد خطراً من الإسراف وتبذير المال. ويُغرق الإنسان في الفراغ والانغماس في العبث واللهو والتسكع في الأسواق والتكدس في المقاهي.

ففائض الوقت إذا لم نحسن الاستفادة منه وبغياب الأهداف والهوايات والقدوة الحسنة، فستكون له نتائج سلبية على الأفراد والمجتمعات.

فكيف السبيل إذاً للاستفادة من أوقات الفراغ بطرق مثالية.

إن للاستفادة من أوقات الفراغ بطريقة صحيحة آثاراً إيجابية على الفرد فهي تشبع حاجاته الجسمية فتزيل التوترات العضلية وتنشط الدورة الدموية، وحاجاته الاجتماعية من خلال العمل الجماعي والذي يطرد الانطواء ويمكنه من اكتساب الخبرة والمعرفة والمهارة فتشبع رغباته العلمية والعقلية .

كذلك فيها اشباع لحاجاته النفسية عن طريق التحرر من أي التزامات وواجبات، فتتاح له الفرصة لكي يعوض أوجه النقص في حياته، كذلك تتاح له الحرية المطلقة في قضاء وقت فراغه بالكيفية التي يرتضيها وفقاً لميوله ورغباته ويعبر من خلاله عن نفسه تعبيراً كاملاً دون التأثر بأي قيود أو ضغوط خارجية.

ولكي نصل إلى هذه القيم الايجابية لأوقات الفراغ نحتاج إلى إدارة جيدة للوقت وتنظيم هذه الأوقات. فكيف إذاً نحول وقت الفراغ إلى وقت ترفيه ومتعة وفائدة؟

هناك مقترحات يتم من خلالها تنظيم وقت الفراغ والاستفادة منه لصالح الأفراد والمجتمعات، منها:

1- ضع خطة لوقت الفراغ يتم من خلالها القيام بأعمال مفيدة مما يسهم في تجديد روح النشاط والعمل وإنجاز أهداف محددة،حيث إن الأهداف في الحياة هي بمثابة الإطار المرجعي لكل إنسان ليحدد له الاتجاه الذي ينبغي أن يسلكه ويرجع إليه عند اتخاذ كافة قرارته.

2- مارس ما تحب من الهوايات وليس ما يٌملى عليك، وتعلم هوايات جديدة لطرد الملل والروتين من حياتك.

3- تعلم واكتسب خبرات جديدة بكل ما هو متاح لك من أساليب التعلم، حتى ولو عدت إلى مقاعد الدراسة ومعاهد الأبحاث أو الالتحاق بالدورات التدريبية المثمرة والممتعة لتطوير الذات واكتساب المهارات.

4- غير من نمط حياتك وابحث عن أشياء لم تعرفها من قبل فلربما تحتاجها لاحقاً .

5- غير نظرتك للتكنولوجيا والوسائل الإعلامية واجعلها وسيلة مفيدة لتحفيزك واستعادة نشاطك وحيويتك.

6- مارس أعمالاً تطوعية ولا تبخل بمساعدة الآخرين الذين يحتاجون مساعدتك،فأنت لا تدري كم ستكون هذه المساعدة مهمة في حياتهم.

7- ابعد وقت فراغك عن الضغوط،فإذا مزجت بين أوقات الفراغ وأوقات العمل فستضيع مساحات الإبداع ولن تحقق أوقات فراغك الفائدة المرجوة،وابتعد عن الأعمال الروتينية فهذه الأعمال تقتل فرص الإبداع وتعيدك إلى مربع الملل .

8- قدر الإمكان زد من منطقة الفراغ في حياتك الخاصة، واحرص على استثمارها بالشكل الصحيح.

إن فرص الاستفادة من أوقات الفراغ كثيرة ومتنوعة، وما على الإنسان إلا أن يحدد الوجهة التي يريدها من خلال أهدافه المرسومة وهوايته والنشاط الذي يميل إليه.

ويوماً بعد يوم يزداد وقت الفراغ في المجتمعات، ويزداد أيضاً معدل الحياة عند البشر وبالتالي لابد من زيادة المرافق والوسائل التي توفر الترفيه واللهو البريء ضمن تخطيط متكامل دون المساس بحرية الأفراد، وهذا بدوره سيكون له مردود على انتاجية العمل والاتزان النفسي والرضا عن الذات لدى الناس وسيساهم أيضاً في التقليل من الجرائم والانحراف، ومع أن الأنشطة التي يمارسها الناس في الوقت الحر والتي تسمى مجازاً بالفراغ ذات طابع فردي، إلا أن مردودها سيكون جماعياً يعم جميع أفراد المجتمع وهذه دعوة لنجعل من أوقات الفراغ سبباً لحياة سعيدة وذات مغزى إيجابي.

* مدرب الحياة والتفكير الإيجابي

Twitter : t_almutairi

Instagram: t_almutairii

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي