«الراي» زارتهم في مكان اعتصامهم

«غانديون» لبنانيون يضربون عن الطعام حتى محاسبة وزير البيئة ... وللحساب تتمّة

تصغير
تكبير
يعيش وسط بيروت هدوءه الحذر كما لو أن شوارعه تتحسس سخونة الجمر تحت الرماد. حركة السير الخفيفة، عدد المارة القليل الذي يشي بالقلق، وأبواب المؤسسات التجارية الموصدة وتلك التي تنتظر دورها لتقفل نهائياً تحت وطأة الإعتصامات، تنمّ عن ترقب لتظاهرات جديدة تواصل هيئات المجتمع المدني التحضير لها لاستكمال الضغط لتحقيق مطالبها وملاقاة الجلسة الثانية من الحوار التي دعا اليها الرئيس نبيه بري في مقر البرلمان الاربعاء المقبل.

في محيط السرايا الحكومية سيارات في حركة شبه طبيعية. المحتجون نقلوا اعتصامهم من أمام السرايا إلى مكان مقابلٍ لوزارة البيئة في مبنى اللعازارية القريب من ساحة رياض الصلح، حيث تواظب مجموعة من شباب «طلعت ريحتكم» على إضرابٍ أعلنوه مفتوحاً عن الطعام حتى إستقالة وزير البيئة محمد المشنوق الذي يتهمونه بالمسؤولية عن أزمة النفايات.


خيم الإعتصام التي باتت واحدة من معالم الوسط التجاري منذ فترة طويلة تحت أكثر من عنوان، هي رمزية هذه المرّة أيضاً بالقرب من مبنى اللعازارية ـ مقر الوزارة. الشبان المضربون عن الطعام يبددون ساعات يومهم الطويل بالنوم تارةً وبتبادل الأحاديث في ما بينهم تارة أخرى، وبالإدلاء بتصريحات لهذه الجريدة وذاك التلفزيون أو تلك الإذاعة بين الحين والآخر.

بعض الشعارات كُتبت على ورقة لتختصر باليسير من الحروف الوسيلة والغاية. «إضراب عن الطعام للـ #محاسبة»، «إرحل»، «استقالة محمد المشنوق»، «سنموت لأجل أن يعيش أطفالنا»، نموت لنحيا #dyinigtolive...

«الشوكة والسكينة» لا مكان لها في هذا الإعتصام إلا على الورقة أيضاً كواحدة من شعارات الإضراب. فالشباب (عددهم أكثر من عشرة) الذين انخرطوا تباعاً في الإضراب لن يتذوقوا طعاماً قبل تحقيق مطالبهم، علماً انهم لم يتناولوا منذ بدء تحرّكهم قبل نحو اسبوعين إلا الماء ودخان السجائر. الأمصال ضرورية في إحدى الزوايا درءاً لتدهور وضعهم الصحي. ورغم ذلك نُقل العديد من المضربين تباعاً إلى المستشفى بعد وهنٍ أصاب أجسادهم ومضاعفات استدعت تدخلاً طبياً.

لا مشكلة شخصية مع الوزير محمد المشنوق، بحسب ما تؤكد مجموعة من الشبان تستريح في فيء إحدى الخيم. ولدى سؤالهم عن سبب اعتبارهم الإضراب عن الطعام وسيلة ناجعة تحقق مطالبهم، يأتي الجواب لـ «الراي»: «نعتبر أن هذا الإضراب هو بداية الطريق لمحاسبة جميع الطبقة الفاسدة»، مؤكدين أنه «لو لم تكن هناك آذان صاغية لمطالبنا وتحركاتنا لما كانت كل الطبقة السياسية مرتبكة ولا تعرف ماذا تفعل».

نزيه خلف، محمود الجمل، وآخرون يؤكدون إصرارهم على المضي في هذا الإضراب، ويضيف أحدهم: «لا مشكلة إن أصبنا نحن بالأذى، ليحيا الجيل الذي سيأتي من بعدنا. المسألة تتطلب في البداية الصبر وتحمل العذاب، ونحن لن نسكت على ما سكت عليه الجيل الذي سبقنا منذ ثلاثين عاماً»، مستشهداً بلجوء غاندي إلى هذه الوسيلة لتحقيق مطالبه ونجاحه في تحقيق مبتغاه.

واذ يعتبر الجمل أن «الإضراب عن الطعام وسيلة سلمية للتعبير عن الإحتجاج في كل دول العالم»، يضيف زميل له: «نحنا حاطين براسنا» أن ننقطع عن الطعام لمدة 35 يوماً وأكثر، فليصمدوا إذا كان بإمكانهم الصمود أمام المجتمع الدولي». ويتدخل آخر:«نحن رسمنا مشواراً في هذا الإطار وندرك أن مطالبنا لن تتحقق منذ اليوم الأول ولا الأسبوع الأول، ونعلم جيداً أن المستشفيات ستستقبلنا تباعاً».

ويقول:«مَن صبر 30 عاماً على سياسة التجويع والإخضاع، لن يصعب عليه البقاء حتى آخر نفَس والتحمل لأسابيع، وإذا امتدت الأمور فلأشهر»، مشدداً على أن«عزيمتنا قوية، ومعنوياتنا مرتفعة، ونحن مصممون على متابعة هذا النهج، فهمّنا الأساسي هو تغيير هذه الطبقة الفاسدة التي تحكمنا».

ويوضح:«نحن لسنا هنا من أجل موضوع النفايات دون غيره، بل نريد أن نحاسب كل مسؤول وكل زعيم، وكل من قصّر بواجبه سواء أكان ذلك تجاه قضية العسكريين المخطوفين أو في الملفات السياسية والإقتصادية وملف النفايات والصحة وأهالينا الذين يموتون أمام المستشفيات لعجزهم عن دفع فواتيرها...».

حتى الآن لم ينزل أحد من الوزارة ليتواصل مع الشباب بحسب ما يقولون، مؤكدين أنهم«موجودون هنا من أجل مطلب واحد هو إستقالة الوزير المشنوق»، فهو برأيهم«فشل في واحدة من أهم الوزارات في لبنان».

ورداً على بدء التحركات أيضاً أمام وزارة الطاقة احتجاجاً على التقنين«المزمن»في الكهرباء، يقول حسن قطيش:«سيأتي دور وزارة الطاقة، فما من وزير في وزارة فاسدة لأي جهة سياسية أو طائفية انتمى إلا وسيُحاسب».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي