لبنان: «شجارات نيابية» في البرلمان تعكس استمرار الاحتقان في الشارع

تصغير
تكبير

| بيروت - «الراي» |


لم تكن السجالات الحادة التي شهدتها الجلسة التشريعية للبرلمان اللبناني امس بين نواب من «تيار المستقبل» (يقوده النائب سعد الحريري) وآخرين من حركة «امل» (يتزعمها الرئيس نبيه بري) سوى انعكاس لعودة تصاعد الاحتقان داخل الشارع الاسلامي في بيروت الغربية على خلفية مذهبية.

فهؤلاء النواب اشتبكوا كلامياً في جلسة تشريعية هي الاولى للبرلمان منذ نحو 22 شهراً، ولا تُنقل وقائعها عبر محطات التلفزيون، ومع ذلك فان حدة النقاشات بلغت حداً مرتفعاً جداً على خلفية عودة الاشتباكات بين انصار «المستقبل» و«أمل» في حادث حصل ليل اول من امس في محلة رأس النبع. وأظهرت مناقشات النواب وسجالاتهم التي انخرط فيها بري نفسه ان التعبئة السياسية والمذهبية لا تزال في عزها ولم تنخفض بعد. فاذا كان مسؤولون كبار ونواب لا يقوون على ضبط انفعالاتهم كما حصل في «الشجارات» النيابية امس فكيف بالقواعد الشعبية في الشارع؟ وهذا المؤشر اثار قلقاً كبيراً من امكان عودة «مبرمجة» للتوتر وافتعال حال «مدروسة» من الاضطرابات وتهديد الاستقرار كلما اقترب موعد حساس لاستحقاق سياسي داخلي او خارجي.

ولعله لم يغب عن بال المتتبعين للواقع اللبناني ان كل تطور داخلي غالباً ما يتزامن مع تطورات امنية سلبية مما يثير تالياً مخاوف من اضطرابات امنية جدية خلال الاسبوع الحالي الذي يشهد حركة ديبلوماسية قوية للغاية نحو بيروت.

ومع ان اوساط فريق الغالبية ادرجت «الصدام» الذي حصل مساء الاثنين، اي عشية جلسة مجلس النواب، في سياق الضغط المفتعل عليها نظراً الى موقفها من قانون الانتخاب ورفضها تجزئته عبر اقرار التقسيمات الادارية ثم الاصلاحات، فان ثمة اوساطاً اخرى مستقلة تخشى ان يكون الامر اكثر من محطة ضغط ظرفية متصلة باستحقاق سياسي محدد. وتقول هذه الاوساط ان مبعث الخشية لديها هو من ان يكون لبنان عاد ليتلقى، بعد فترة مهادنة قصيرة، انعكاسات احتدام صراعات اقليمية - اقليمية وعربية - عربية.

اضافت ان التصريحات التي ادلى بها وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير خلال زيارته لبيروت اكتسبت بعداً مهماً خصوصاً لناحية حديثه عن الوضع في طرابلس من زاوية اتهامه جهات خارجية بتسعير الصراع هناك، وقبل ساعات من توجهه الى دمشق.

وجاء الموقف الفرنسي غداة زيارة قام بها السفير السعودي عبد العزيز خوجة لطرابلس، وقبيل زيارة سيقوم بها وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط اليوم لبيروت. وفي رأي هذه الاوساط ان هذه التحركات الفرنسية والسعودية والمصرية تتقاطع في مكان ما حول رؤية مشتركة للوضع الامني وخلفيته السياسية في لبنان، وان الدول الثلاث وان كانت لا تنسق في ما بينها ظاهراً، لكنها تتحرك وفق وتيرة واحدة هي محاولة منع المحور السوري ـ الايراني من الاستفراد بالوضع اللبناني سواء عبر الورقة الامنية او عبر الورقة السياسية من خلال علاقات هذا المحور بقوى المعارضة.

وفي ضوء ذلك، لا تخفي المصادر قلقها من حال غير مستقرة في المرحلة المقبلة ولو ظلت مضبوطة بحد معقول من التطبيع. لكن كثرة المحطات والاستحقاقات الداخلية والخارجية المتصلة بالوضع اللبناني قد تعني ايضاً ترقب مزيد من الرسائل الامنية المتنوعة والجوالة في اكثر من منطقة.

وكانت الجلسة التشريعية التي عقدها البرلمان بدأت «حامية» وسرعان ما تحوّلت «حلبة مصارعة» كلامية بين نواب «المستقبل» ونواب من كتلة بري على خلفية أحداث رأس النبع، حتى كاد دويّ منازلة «الصوت العالي» يحجب البند الابرز على جدول الاعمال وهو مشروع القانون المعجل المكرر المقدم من النائب أمين شري (من كتلة «حزب الله») لاقرار التقسيمات الانتخابية التي تمّ الاتفاق عليها في الدوحة، والذي انتهت المداولات الى إرجائه من الرئيس بري وإحالته على لجنة الادارة والعدل على ان تتعهّد التقدم بمشروع قانون الانتخاب كاملاً لجهة التقسيمات والاصلاحات في مهلة أقصاها 25 سبتمبر المقبل.

وبهذا الإرجاء، بدا ان الاكثرية نجحت في فرض إقرار قانون الانتخاب بـ «سلة واحدة» (تقسيمات وإصلاحات) بعدما كانت تتوجّس من نية لدى المعارضة لـ «تهريب» التقسيمات «المحسوم التوافق عليها واعتماد القضاء اساساً لها كما تم الاتفاق على ذلك في الدوحة» ثم «قتْل» الإصلاحات التي تُعتبر البُعد اللوجستي للانتخابات. علماً ان المعارضة كانت تصرّ على إقرار التقسيمات في جلسة يوم امس متحدثة عن خشية من وجود اتجاه لدى الغالبية للانقضاض على «قانون القضاء» عبر ربطه بإنجاز الاصلاحات التي تقرها تباعاً لجنة الإدارة والعدل البرلمانية من دون «سقف زمني» محدد، مراهِنة (الأكثرية) في ذلك على تطورات اقليمية تتيح لها التملص من «التزامات الدوحة».

على ان دوائر مراقبة ذكّر بـ «بُعد» آخر، للصراع حول بند قانون الانتخاب في جلسة يوم امس، لافتة الى ما سبق ان اعلنه «حزب الله» مراراً من ان إقرار التقسيمات الانتخابية يشكل «المدخل» لطاولة الحوار الوطني التي سيدعو اليها الرئيس ميشال سليمان للبحث في الاستراتيجية الدفاعية (سلاح الحزب)، وهو الامر الذي رأت دوائر مراقبة ان الأكثرية ردّت عليه بربط إمرار التقسيمات بإنجاز الاصلاحات وإقرارهما في سلة واحدة.

وساهمت الاتصالات البعيدة عن الأضواء مع بري والتي شارك فيها النائب سعد الحريري (موجود خارج لبنان) والنائب وليد جنبلاط، في تأمين هذا الإرجاء «الهادىء» علماً ان رئيس البرلمان كان لوّح عشية الجلسة بانه سيطرح اقتراح القانون على التصويت في محاولة لإحراج نواب الأكثرية ليظهروا وكأنهم ضد اعتماد القضاء، وهو ما لم يفعله الأمر الذي أثار استياء في صفوف نواب كتلة النائب العماد ميشال عون الذين أصرّ منهم النائب نبيل نقولا «على التصويت على التقسيمات في هذه الجلسة لاننا نشتمّ نيات سيئة»، فانتفض النائب انطوان اندراوس (من كتلة جنبلاط) محتدا وتهجّم على نقولا، وكاد الامر ان يتحول الى اشتباك بالأيدي، لولا تدخل النواب الذين فصلوا بين الاثنين.

وكان «الاحتكاك» الكلامي بدأ مع اعلان النائب محمد قباني (من كتلة الحريري) ان التيار الكهربائي في العام 1998 كان مؤمنا 24 ساعة على 24 ساعة، واعترض عدد من النواب على كلامه وقالوا: «فقط بيروت»، فردّ قباني: «يقول الجميع ان بيروت عاصمتنا، هذا الكلام يتناقض مع الشعب المتقاتل في احياء بيروت وما حصل ليل الاثنين في منطقة رأس النبع، حيث تم الاعتداء على مواطنين كانوا يرفعون شعار رمضان المبارك. طلع السيف فظنوا انه سيف السعودية».

وهنا تدخل بري قائلاً: «اخواننا الاسلاميون اتوا لعندي كي يأخذ التحقيق مجراه، كان هناك ناس يعلقون صوراً للإمام موسى الصدر، جاء بعض الأشخاص ومنعوا ذلك، بيروت لكل لبنان من دون استثناء، وعلينا ان نحميها جميعاً».

وبعدما قال قباني لرئيس البرلمان: «اهلاً وسهلا بك في بيروت»، تدخل النائب ايوب حميد (من كتلة بري) بحدّة معترضا على هذا الكلام «فالرئيس بري لا يحتاج الى إذن للمجيء الى بيروت»، فأجاب قباني: «هذا كلام ميليشيوي، المطلوب من قوى الامن والجيش فرض الامن، والمطلوب من جميع القوى السياسية ان ترفع الغطاء السياسي، والمطلوب ان تكون بيروت مدينة منزوعة السلاح».

ثم دارت مشادة كلامية حادة بين قباني وحميد لم تنته إلا بمطرقة رئيس البرلمان.

ولم يكد الهدوء ان يعمّ القاعة العامة، حتى تجدد «الاشتباك» الكلامي مع إثارة النائب عمار حوري (من كتلة الحريري) ما حدث الاثنين في بيروت وقال: «يهمنا ان يقوم الجيش وقوى الامن بواجبهما، ويهمنا الا يحصل اعتداء على المواطنين، ونتمنى التجاوب مع هذا الامر»، فردّ بري: « 90 في المئة من الإشكالات يكون سببها رفع الشعارات والصور، منذ فترة طويلة كان هناط اتفاق على إزالة الصور وكل الشعارات من بيروت قاطبة وعقدت اجتماعات مع مسؤولين في الاحزاب، واتى ناس من الجيش وقوى الامن الداخلي، وتحددت بيروت الادارية كلها، حتى يصير نزع كل الصور، بعد ذلك توقف الامر».

فتدخل النائب احمد فتفت (من كتلة الحريري)، قائلاً «نزع الشعارات والسلاح». فأجاب بري: «السلاح كله ما عدا سلاح مقاومة اسرائيل».

وفي السياق نفسه، تطرقت النائبة غنوة جلول (من نواب «المستقبل») الى ما حصل في بيروت سواء في رأس النبع او قبلها في الطريق الجديدة، داعية الى تغيير قائد الفوج في الجيش اللبناني المسؤول عن الطريق الجديدة.

وعندما طرح اقتراح القانون المعجل المكرر المقدم من شري والرامي الى اعتماد القضاء دائرة انتخابية وفق ما تم الاتفاق عليه في الدوحة، لفت النائب بهيج طبارة (مستقلّ)، الى ان شري لم يذكر الاسباب الموجبة لصفة الاستعجال، قبل ان يشير رئيس لجنة الادارة والعدل النائب روبير غانم (من الأكثرية) الى انه «مع عدم تجزئة قانون الانتخاب وأن يصدر في شكل كامل متكامل»، لافتا الى انه «للمرة الاولى بالتاريخ يصدر مجلس النواب قانونا مجزءا»، وقال: «لا ارى ضرورة للاستعجال في هذا الامر خصوصا انه لا يلزمنا سوى ثلاثة اسابيع لانجاز الاصلاحات ودمجها بالقانون ليأتي متكاملا وتعهد بانجازها قبل نهاية سبتمبر».

وبعد أخذ وردّ واقتراح النائب بطرس حرب تحديد مهلة للجنة الإدارة والعدل لإنجاز الإصلاحات، أرجأ بري الاقتراح فصفّق نواب «القوات اللبنانية» وبعض أعضاء كتلة «المستقبل».

واذ اعلن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة رداً على إثارة بعض النواب موضوع التنصت واذا كان يتم وفق الأصول وبعد إذن من القضاء، «ان اي شيء لم يعرض على مجلس الوزراء في هذا الإطار»، قال بري: «التنصت على قدم وساق»، فأجاب السنيورة: «هناك وزيران معنيان يتناولان هذا الموضوع».

وردّ وزير الداخلية، فقال: «في موضوع حماية التخابر، وتطبيقا لقانون حماية التخابر، أنشئ جهاز خاص لم يصبح عاملا حتى هذه اللحظة ونعمل على وضعه قيد التنفيذ، وفي موضوع ما حصل في بيروت، فقد اتُخذ قرار في مجلس الامن المركزي بوضع حد للتجاوزات لكن لا مصالحة في بيروت حتى الآن، مما يعوق تنفيذ القرار».

اما وزير الاتصالات جبران باسيل فأكد «ان التنصت ليس فقط صوتياً ويمكن اتباع الشخص عبر رسائل SMS، وهذا معناه ان كل إنسان خصوصا الوزراء والنواب لا نستطيع ان نتنصت عليهم الا بقرار قضائي. إنما بموضوع التنصت غير الصوتي، فهو يحصل من جهات رسمية ونأمل ان يتوقف فورا، ويحصل إستحصال تراخيص من شركات الخليوي».

وفيما طالب نواب بمعرفة من هو الجهاز الرسمي الذي يتولى التنصت غير الصوتي، قال باسيل: «عرفت بهذا الموضوع أخيراً، من اجل ذلك نعلمكم عنه، البارحة أبلغت هيئة المالكين ليطلبوا من الشركات وقف تزويد الجهات وإتخاذ الإجراءات اللازمة».

وهنا تدخّل بري وقال: «يجب ان يصار او نعين لجنة تحقيق برلمانية لهذا الموضوع لأن هناك خطرا على حياة الناس».

وعلى خط آخر شهدت بيروت امس اتصالات بين رئيسي الجمهورية والحكومة لتحديد موعد جديد لجلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة غدا وتم الاتفاق على إرجائها لتزامنها مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لبيروت.

وكان سليمان والسنيورة اتفقا في اللقاء الذي جمعهما ليل اول من امس على إرجاء الجلسة التي كان من أبرز المواضيع التي ستبحثها تعيين قائد جديد للجيش وصلاحيات نائب رئيس الحكومة.

وسط هذه المناخات، وصل مسؤول ملف لبنان في الخارجية الأميركية ديفيد هيل الى بيروت ليل امس، بعدما كانت سبقته الى بيروت مساء الاثنين السفيرة الاميركية ميشيل سيسون لتقديم اوراق اعتمادها.

وتستمر زيارة هيل ما لا يقلّ عن يومين يجتمع خلالها مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة بري على ان يلتقي قيادات الموالاة وربما بعض اركان المعارضة.


إشكال رأس النبع على خلفية رايات وعناصر «أمل» لم يوفروا أحد المساجد

طوّق الجيش اللبناني ليل الاثنين، إشكالاً وقع في محلة رأس النبع (شارع محمد الحوت) في بيروت بين مناصرين لـ «تيار المستقبل» وآخرين لحركة «أمل»، تخلله إطلاق نار وتضارب بالأيدى ما ادى الى سقوط عدد من الجرحى والى أضرار مادية في أحد المساجد وفي عدد من السيارت والمحال التجارية.

ونُقل عن شهود ان عناصر من «أمل» قاموا بالاعتداء على الأهالي في محمد الحوت اثر قيام المواطنين بتعليق أعلام تحمل شعارات دينية بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، الأمر الذي اعتبرته عناصر الحركة استفزازاً. وأضافوا ان عناصر «أمل» بادروا إلى الاعتداء على جامع ذي النورين وتكسير محلات تجارية وسيارات أهالي المنطقة كما تعرضوا بالضرب لعدد من الشبان ما استوجب نقلهم إلى المستشفى للعلاج.


 


حرب يقترح توزيع  الحبوب المهدئة للاعصاب

بيروت - يو بي أي - اقترح النائب بطرس حرب على رئيس المجلس نبيه بري توزيع الحبوب المهدئة للاعصاب على النواب، بعد توتر كلامي بين بعض النواب خلال الجلسة البرلمانية امس.

وكانت الجلسة شهدت مشادات بين بعض النواب من تيارات سياسية متصارعة ما دفع حرب الى الاقتراح على بري ان يوزع على النواب الحبوب المهدئة للاعصاب.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي