استعدادات لتحرّك الثلاثاء العابر للمناطق

«ساحة الشهداء» في استراحة ما بعد «العاصفة الشعبية والشَغَبية»

تصغير
تكبير
بدت «ساحة الشهداء» وسط بيروت أمس، في ما يشبه استراحة بعد ما العاصفة الشعبية، التي هبّت، أول من أمس، مع نجاح المجتمع المدني في تظاهرته، التي تَداخل فيها الهمّ الاجتماعي - المعيشي مع المأزق السياسي الذي يعيشه لبنان، على خلفية الفراغ المتمادي في رئاسة الجمهورية، فيما تتجه الأنظار الى الجولة الثانية الكبيرة من الحِراك في الشارع، التي حدّدتها حملة «طلعت ريحتكم» غداً، على ان تتخللها خطوات تصعيدية في كل المناطق، ما لم تكن تَحقّقت المطالب التي أعلنتها السبت.

وانهمكت مختلف الاطراف السياسية اللبنانية أمس، في قراءة البيان الذي صدر عن تظاهرة السبت، والذي أعلن فيه المنظمون إمهال الحكومة 72 ساعة لتحقيق 4 مطالب هي: أولاً استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، على خلفية ما يعتبرونه سوء ادارة لملف النفايات، التي تُغرق شوارع غالبية مناطق جبل لبنان، وتنذر بالعودة الى بيروت، ثانياً محاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق و كل من اصدر الاوامر بإطلاق النار على المتظاهرين في 22 الجاري، ثالثاً إجراء انتخابيات نيابية جديدة، رابعاً حل بيئي مستدام لملف النفايات في لبنان، يتضمن تحرير أموال البلديات من المجلس البلدي المستقل، وإصدار نتائج تحقيق المدعي العام المالي.


وفيما لفت في «سلّة الأهداف» السياسية التي رسمها التحرك، إسقاط مطلب استقالة الحكومة وتغيير النظام، أثار اعلان البيان الرسمي الذي تلي باسم المنظمين «أن معركتنا ما زالت في أولها، ومستمرة الى أن يصبح عندنا رئيس جمهورية وقضاء مستقل (...)»، التباساً، لجهة اذا كان الحِراك بات يعتبر إجراء الانتخابات الرئاسية اولوية في عناوين الاحتجاج، على حساب الانتخابات النيابية، التي كان اكد انها المدخل للاستحقاق الرئاسي.

إلا أن حملة «طلعت ريحتكم» عادت عبر صفحتها على موقع «فيسبوك» وأوضحت: «نؤمن كمجموعة، بضرورة وأهمية مطلب انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت، إنما ايضاً نرى ان الأولوية لانتخاب مجلس نواب يمثّل الشعب مصدر السلطات، كي لا يُنتخب رئيس من مجلس غير شرعي وغير دستوري وممدّد لنفسه».

ولم يحجب هذا البُعد السياسي لتظاهرة سبت «الشعب يريد» الأنظار عن الوقائع المقلقة التي باتت ترافق كل تحرك في ساحة رياض الصلح قبالة السراي الحكومي، اذ تكرر، ليل أول من أمس، مشهد أعمال الشغب ومحاولة اقتحام السراي و«المعركة» بين مجموعة مندسين والشريط الشائك الذي وضعته القوى الأمنيّة لحماية مقر رئاسة الوزراء.

واكتسب ذلك الشغب دلالته انطلاقاً من تطوريْن:

* الاول ان المندسين الذين عمدوا الى إزالة خطّين من الأسلاك الشائكة التي تفصل السراي ليقفوا وجهاً لوجه امام القوى الامنيّة، عمدوا قبل بدء «حربهم» الى إطلاق هتافات سياسية، حملت أبعاداً حساسة، بينها «ابو هادي، ابو هادي» في اشارة الى الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، و«الله نصر الله، والضاحية كلها»، الأمر الذي عكس مخاوف من إمكان انزلاق الوضع الى مكان خطر أو اجترار ردّات فعل مذهبية، في حال تفاقمت الإساءة الى السراي، بما تشكّله من رمز للطائفة السنّية، او إن جرى التعرّض لضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي تحتضنه باحة مسجد محمد الأمين، قبالة «ساحة الشهداء».

* والثاني تعاطي قوى الامن الداخلي والسرايا المكلفة حماية السراي الحكومي، ووحدة مكافحة الشغب بانضباط استثنائي، سمح به قرارها بسحب عناصرها من محيط السراي، تجنّباً للاستفزاز والتصادم، مع البقاء عند مدخل السراي، متراجعين مسافة بعيدة نسبياً عن الأسلاك الشائكة.

وبقيت هذه القوى متحلّية بضبط النفس على مدى نحو 3 ساعات، أمعن خلالها مشاغبون في تحطيم وحرق الأسلاك الشائكة، وصولاً الى تمزيق العلم اللبناني، وإضرام النار فيه، وشتم القوى الامنيّة، ورميها بالمفرقعات النارية والحجارة، ما ادى الى اصابة عنصرين. إلا أنه مع نجاح بعضهم في تجاوز آخر خط دفاع عن السراي، وتحطيمهم باب مبنى مجاور، في محاولة للالتفاف على الإجراءات الامنيّة، وتحطيمهم واجهات بعض المحال التجارية، وعلى وقْع مناشدات شعبية لقوى الأمن بالتدخّل، هاجمت القوى الامنيّة المشاغبين، بعدما التفت عليهم عبر شارع المصارف القريب، ونجحت في إنهاء شغبهم، وأوقفت عشرة منهم، وذلك من دون ان تستخدم هذه المرة لا خراطيم المياه ولا القنابل المسيلة للدموع ولا الرصاص المطّاطي.

وفي موازاة ذلك، بقي مشهد تظاهرة السبت، حدَثاً على مواقع التواصل الاجتماعي، التي راحت تتناقل الصور الساخرة التي رفعها مشاركون في التحرّك، كما الثياب التي ارتداها آخرون للتعبير عن الغضب والوجع على طريقة «الكوميديا السوداء»، علماً ان «العالم الافتراضي» ساند على طريقته، ما كان يحصل على «ارض الواقع» عبر تعليقات داعمة وهازئة مما وصل اليه الحال في بلد «طمرته الزبالة».

وأكثر ما تداوله الناشطون، مشهد شابيْن نزلا الى «ساحة الشهداء» بلباس الاستحمام، متسلحيْن بليفة وصابونة وشامبو، تعبيراً عن انقطاع المياه المزمن وأملاً في «دوش» يأخذونه على طريقة «تلفزيون الواقع» حين تفتح القوى الامنية خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين.

كما «لمع نجم» مجموعة من الشباب، حضروا مزوّدين بعدّة البحر والسباحة، من إطار وقناع وسواهما، عازين ذلك الى تفادي الغرق «حين تُوجّه علينا خراطيم المياه التي تطال الجميع من دون تمييز».

وفيما برزت صورة رجل انتصب بين الجموع كالزرافة، بعدما وقف على قطعتين خشبيتين، بوجهِ مهرّج، معرباً عن ألمه لأنه أوقف ليومين «من دون وجه حق»، ومؤكداً «كلما رفعوا الجدار سأزيد من طول الأخشاب»، كان الأكثر اثارة للانتباه، رفْع صورة لممثلة الأفلام الإباحية ميا خليفة (أميركية من اصل لبناني) ممهورة بنصف شتيمة، مع عبارة «لكنها أشرف منن» في اشارة الى السياسيين اللبنانيين.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي