الشغب اليومي وسط بيروت يثير «الارتياب» وتظاهرة السبت امتحان صعب

الحكومة اللبنانية حلَبة لـ «مصارعة الفيلة»... فهل تنفجر؟

تصغير
تكبير
تقاطعتْ كل المعطيات في بيروت، عند ان لبنان دخل مرحلة محفوفة بالمخاطر الكبرى على وقع بلوغ المأزق السياسي ذروة المواجهة داخل الحكومة، واندفاع الشارع الى حركة اعتراضية يختلط فيها المعيشي بالسياسي، ويُخشى ان تضع البلاد في عين فوضى، بدأت مؤشراتها تلوح من خلال المواجهات اليومية بين قوى الأمن وبين مجموعات من المشاغبين، الذين يحوّلون وسط بيروت مرتعاً لأعمال التكسير والحرق والممارسات ذات الطابع المذهبي.

وارتفعت الحمّى اللبنانية في لحظة انتقالية بالغة الدقة في المنطقة التي تترقّب ساحاتها المشتعلة اجتياز الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي، محطته المهمة في الكونغرس الشهر المقبل، باعتبار انه في ضوء هذه المحطة ستتضح معالم المرحلة المقبلة ومعها منحى الأزمات المتفجّرة على أكثر من جبهة.


وبدا من الصعب عزْل التحمية التي يشهدها لبنان عن المناخات المحتدمة في المنطقة، وسط توقُّف الدوائر السياسية باهتمام عند رفْع زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون مدعوماً من «حزب الله» مستوى المواجهة داخل الحكومة، بالتزامن مع الحِراك الملتبس الاهداف في الشارع، الذي انطلق تحت عنوان «أزمة النفايات» وسرعان ما رفع شعارات سياسية تراوح بين «إسقاط الحكومة» و«حل البرلمان»وصولاً الى «إسقاط النظام».

وغداة انسحاب وزراء عون و«حزب الله» من «جلسة النفايات» التي عقدتها حكومة الرئيس تمام سلام، على خلفية اعتراض الاول على نشْر 70 من المراسيم العادية من دون تواقيع الوزراء الـ 24 الذين تتألف منهم الحكومة التي ورثت صلاحيات رئاسة الجمهورية، حبست بيروت أنفاسها عشية جلسة الامتحان الصعب التي يعقدها مجلس الوزراء اليوم، وعلى جدول أعمالها مجموعة من البنود المعيشية الملحّة، وأبرزها تأمين الغطاء القانوني لصرف رواتب العاملين في القطاع العام، وبتّ مجموعة هبات وقروض ميسّرة، قبل ان يخسرها لبنان.

وفيما اعتُبرت خطوة عون و«حزب الله» اشارة الى بدء هجوم تصعيدي ورفع منسوب المواجهة مع «تيار المستقبل» وحلفائه، وتالياً مع رئيس الحكومة، في ظل مفارقة اصطفاف رئيس البرلمان نبيه بري والنائب وليد جنبلاط خلف سلام، فإن جلسة اليوم ستكون كفيلة ايضاح اتجاهات الريح داخلياً في ظلّ إصرار رئيس الوزراء على عقد جلسة منتجة بعيداً عما يعتبره منطق التعطيل، الذي يعتمده عون، من خلال الإصرار على آلية التوافق الإجماعي باتخاذ القرارات، وعلى مشاركة رئيس الحكومة بوضع جدول الأعمال.

وبعدما ساد غموض حول ما إذا ذا كان عون سيستمر في الاعتكاف عن حضور الجلسات الحكومية، علمت «الراي» ان «الفريق العوني يتّجه الى المشاركة في جلسة اليوم، من ضمن تمسُّكه بموقفه لجهة الإصرار على مراعاة قواعد وشروط الشراكة الميثاقية، وتالياً دعوته الى التراجع عن المراسيم السبعين التي صدرت بغياب توقيع المكوّن المسيحي الأبرز في الحكومة، باعتبار ذلك مصادرة لآخر الصلاحيات المطلقة المحفوظة لرئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف، لجهة توقيع المراسيم العادية واصدارها وطلب نشرها».

وفيما لفت إرجاء عون المؤتمر الصحافي الذي كان من المقرر ان يعقده أمس، الى الغد، برز إعلان الرئيس بري أن «اتصالات مكثّفة تجري لإنجاح جلسة الخميس، ومعالجة مسألة التوقيع على المراسيم»، في ما بدا محاولة لسحب فتيل صِدام داخل مجلس الوزراء، وسط شكوك في امكان نجاحها في وقف اندفاعة زعيم «التيار الحر» الذي واكب «استنفاره» في الحكومة بإعلان دعم التحركات الشعبية الجارية في الشارع. وأبلغت مصادر في «التيار الحر» الى «الراي» ان مسار التصعيد لا ينتظر مصير جلسة اليوم، لأن التيار دعا مناصريه والمجتمع الأهلي والمدني الى المشاركة في التظاهرة، التي دعت اليها حملة «طلعت ريحكتم» السبت.

وتتخوّف اوساط سياسية في بيروت من تزايُد مظاهر الاحتجاج اليومي ودخول قوى سياسية على خط المطالب الاجتماعية، وهو ما تجلى أول من أمس، بظهور وجوه يسارية وحزبية عتيقة في التظاهرة التي نظمتها حملة «بدنا نحاسب» في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، والتي لم تنته على خير، اذ شهدت الساحة ليل أول من أمس، إطلالة تخريبية جديدة لشِلل المشاغبين الذين كانوا اندسوا في الايام السابقة، والذين اصطدموا مجدداً بالقوى الامنية بعد مباشرة عملية إزالة الجدار الذي كان وُضع الإثنين الماضي، لعزل السراي الحكومي عن منطقة التظاهر.

وعمد المخرّبون الى تكسير واجهات عدد من المحال التجارية وأمطروا القوى الامنية بوابل من الحجارة وعبوات المياه والمفرقعات والقناني المملوءة بالبنزين، ما أدى الى أعمال كرّ وفرّ في اتجاه ساحة الشهداء، قبل ان ينكفئوا قبيل منتصف الليل الى منطقة «الخندق الغميق».

وعلى وقع هذه التطورات، كثرت التفسيرات لخلفيات الهبّة الشعبية وما يرافقها من أعمال شغب، وابرزها:

* اعتبار اوساط قريبة من «14 آذار» ان «الانتفاضة المطلبية قد تكون مطية تستغلّها جهات سياسية وحزبية من خلال أعمال الشغب والتخريب، تمهيداً للانقلاب على النظام واتفاق الطائف وما تبقّى من الشرعية اللبنانية». علماً ان الامانة العامة لهذه القوى اعلنت امس: «لن نسمح بأن يدخل لبنان في المجهول من قبل أحزاب وسرايا وحشود لا علاقة لها بالمطالب المحقّة بل بحسابات إقليمية».

* تعاطي بعض الدوائر المراقبة مع هذا الحِراك على انه «في إطار تسخين الوضع اللبناني وتهيئته لمرحلة تسويات ما، تبدأ من الملف الرئاسي، وبما يضع كل القوى السياسية الداخلية امام حتمية السير بحلول وسط، تنقذ البلاد من الانهيار»، في ظل غمز هذه الدوائر من قناة ان «الحلّ قد يكون بالتفاهم على تولي قائد الجيش العماد جان قهوجي الرئاسة الاولى».

* قراءة اوساط سياسية ما يجري في لبنان على انه «رسالة ايرانية تحذيرية، على خلفية ما يشهده العراق من ملامح تمرُّد على الإدارة الايرانية للملف العراقي من بوابة مطلبية، بمعنى ان طهران تحاول توجيه إنذار لخصومها الاقليميين بأن اي محاولة للعب بالساحة العراقية سيقابله نسف لقواعد الاشتباك التي وُلدت على اساسها حكومة ربْط النزاع الحالية».

* ارتياب من تصدُّر رموز موالية للنظام السوري وتعارض إسقاط النظام في سورية، الحركة الاحتجاجية في بيروت، وتحريضهم على إسقاط النظام في لبنان، وهو ما أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي التي قيل فيها «لم يكن ينقص هؤلاء إلا (الوزير السابق المدان بملف التخطيط لتفجيرات فتنوية في شمال لبنان بالتواطؤ مع اللواء السوري علي المملوك) ميشال سماحة».

* عدم تواني دوائر قريبة من «8 آذار» عن اعتبار ان «ما يشهده الشارع من (توتير) خلال التظاهرات، هو استكمال لقرار عزْل عون وكسره، والذي يراد منه فعلياً استهداف (حزب الله)»، لافتة الى ان «قوى (14 آذار) تستفيد من الانفلات الامني الذي يلوح في الأفق، لمحاولة فرض رئيس للجمهورية بتوقيتهم».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي