أميركا تؤكد أن «الحدود العازلة» تتطلب مهمة قتالية كبيرة والتحالف ضد «داعش» لا يرى ضرورة لفرضها
«أمنية» المناطق الآمنة في سورية ... بين رفض واشنطن وحاجة دول الجوار
تركيا ساندت الثورة... وأميركا متناقضة المواقف
بشار... لن يترك سورية وطناً
• جودت السمان: المعارضة لا تملك رؤية موحدة والخلافات تجعل من أي مشروع دولي أمراً صعباً
• مصطفى سليمان: مصلحة تركيا تتقاطع مع مصلحة الشعب السوري بإسقاط نظام الاستبداد
• آرام الدوماني: تطبيق المناطق العازلة سيخفف من معاناة أكثر من مليون لاجىء في المخيمات
• مصطفى سليمان: مصلحة تركيا تتقاطع مع مصلحة الشعب السوري بإسقاط نظام الاستبداد
• آرام الدوماني: تطبيق المناطق العازلة سيخفف من معاناة أكثر من مليون لاجىء في المخيمات
لا يزال الشعب السوري عرضة للقتل في المناطق المحرَّرة التي سيطر عليها المعارضون نتيجة استخدام الطيران من قوات النظام وعدم وجود قوة دولية رادعة لمسلسل الموت في سورية.
فمنذ أن تحولت الثورة السلمية إلى انشقاقات وحرب شوارع في المدن والمناطق كافة، وجرى تهجير ممنهج للسوريين الذين اندفعوا إلى البلدان المجاورة لحماية أنفسهم وعائلاتهم من آلة الحرب، كان شعار إيجاد المناطق الآمنة لإيواء هؤلاء موضوعاً مطروحاً في أروقة دول القرار، إلا أنه لم يأخذ طريقاً نحو التنفيذ بسبب صراع النفوذ القائم من واشنطن إلى تركيا مروراً بأصدقاء سورية والأمم المتحدة ومبعوثيها، فبقي الموت اليومي للسوريين يُقابَل بخفة موصوفة من الكبار، واكتفت المعارضة السورية عبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة بالمطالبة بإنشاء هذه المناطق من دون أن تمارس ضغوطاً عبر تحريك قواها على الأرض في العواصم الفاعلة لفرض قرارات واضحة بهذا الشأن على الدول الكبيرة والمعنية بالصراع السوري.
والواقع أن هناك خلطاً بين مفهوميْ المناطق العازلة التي تقام بين بلديْن خصميْن على الحدود وتكون منزوعة السلاح، كما هي الحال في القسمين التركي واليوناني في قبرص أو بين سورية وإسرائيل في الجولان، وبين المناطق الآمنة وهي مصطلح لا وجود له في القانون الدولي، إلا أنه يعني وضع مناطق خارج الاستهداف العسكري لحماية المدنيين.
وبحسب اتفاقات جنيف الأربع التي وُضعت العام 1949 وملحقاتها فإن هناك ثلاثة أنواع من المناطق الآمنة: طبية ومحايدة ومنزوعة السلاح، وتتطلب لإنشائها الاتفاق بين الأطراف المتنازعة وإزالة الصفة العسكرية عنها وعدم حصول ترتيبات من الأطراف المتنازعة للدفاع عنها عسكرياً. وقد تردّدت في تجارب الحروب تعابير مختلفة في هذا الإطار، مثل الممرات الإنسانية والهادئة والمحايدة والملاذات الآمنة وكلها بغرض حماية اللاجئين.
ولذلك يصبح مفهوماً تركيز المعارضة السورية على المناطق الآمنة التي تحمي السوريين من قصف النظام وهجمات «داعش» والمتطرفين، وهي مطالب طلباتها الولايات المتحدة، إضافة إلى مطالبتها بتعزيز قوة الجيش السوري الحر والمجالس المحلية والحكومة المؤقتة، وكل ذلك من أجل السماح للاجئين السوريين بالعودة لهذه المناطق خلال المرحلة الانتقالية وتحضيراً لإسقاط نظام الأسد، ولتأسيس دولة مدنية تعدُّدية فيما بعد بمشاركة جميع المكونات السورية.
إلا ان وجهة النظر الأميركية كانت أن المناطق الآمنة تتطلب مهمة قتالية كبيرة وأن الحظر الجوي في سورية أمر يصعب التفكير فيه. كذلك فإن التحالف الدولي ضد «داعش» لم ير ضرورة لفرض منطقة آمنة في سورية، في حين أن تركيا أعلنت أكثر من مرة عن رغبتها في ذلك ولا سيما عند حدودها الجنوبية نظراً لكونها تتحمل عبء اللاجئين السوريين. وقد جاءت حادثة التفجير في منطقة سروج التركية لتعيد مسألة إيجاد منطقة عازلة إلى التداول لأن الأمن التركي على المحك هذه المرة ولا سبيل للتراجع. فتركيا تريد منطقة تمنع هجمات النظام السوري و«داعش» والفصائل الكردية وتمنع تسلل العناصر المسلحة إلى أراضيها وتؤمن حياة المدنيين السوريين الذين قد يهربون من معارك محتملة في الشمال السوري بين المعارضة والنظام.
«الراي» تابعت هذا الموضوع مع عدد من النشطاء في المعارضة السورية، إذ يشرح جودت السمان وهو ناشط في العلاقات الخارجية في المعارضة السورية أن «المناطق الآمنة لم يُتخذ بها أي قرار حتى نشير إلى فشلها ونعلل أسبابه، وكانت هناك أحاديث وتصريحات إعلامية فقط ولم يتم اتخاذ أي قرار بإنشاء مناطق آمنة أو ممرات آمنة، وهو ما يحتاج إلى قرار من المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن أو الجمعية العمومية للأمم المتحدة كونه يرتبط بعدد من الإجراءات على الأرض، من حماية جوية وبرية لهذه المناطق وهو ما يعني نشر قوات برية تتبع التحالف الدولي أو أحد دول الجوار بتكليف أممي».
ويشدد السمان على أن «اتخاذ قرار دولي بإقامة مناطق آمنة له دور كبير بتغيير واقع المعاناة ورفع جزء منها عن الشعب السوري في المناطق التي تشهد صراعات كبيرة، من حيث تأمين الغذاء والدواء لأبناء المناطق، ومن شأنه أيضاً أن يساهم بتغيير الديموغرافيا السكانية حيث سيلجأ الكثير من أبناء المناطق الأخرى إلى هذه المناطق طلباً للأمن والأمان».
ويشير إلى أن «المعارضة السورية حقيقة لا تملك رؤية موحدة في هذه المجالات، إذ تنقسم إلى عديد من الأقسام منها السياسي ومنها الديني ومنها العسكري ويوجد بينها تباين كبير وخلافات عميقة تجعل من الاتفاق على أي مشروع سياسي دولي أمراً صعباً. إنما يبقى القرار السياسي والعسكري ميالاً لمشروع المناطق الآمنة، فيما تنظر المعارضة الدينية إلى المناطق المحررة على أنها أراضٍ خصبة لإنشاء إمارات خاصة بها وهو ما نلاحظه على الأرض في بعض المناطق».
ورداً على سؤال حول المطلوب لتحقيق فكرة المناطق الآمنة على الأرض يقول السمان: «تسليح المعارضة بأسلحة نوعية، وقرار دولي بتوحيد الدعم لجهة عسكرية موحدة منظمة بشكل مؤسساتي مبني على أساس الضباط العسكريين الكبار وضرورة إبعاد وطرد العناصر المتشدده من الجيش الحر، تزامناً مع قرار دولي يقضي بفرض حظر جوي عربي - دولي».
من جهته، يقول الحقوقي والقيادي في حزب الشعب الديموقراطي السوري مصطفى سليمان إنه لا يمكن تسمية مناطق محررة في الجنوب أو الشمال بـ «المناطق الآمنة» وأعتقد أن التوصيف الدقيق هو أنها «المناطق الخارجة عن سيطرة النظام»، وذلك لأسباب عدة: أولاً أنها ما زالت خاضعة لقصف قوات نظام القتل بشار الأسد بمختلف أنواع الأسلحة من مدافع وصواريخ وبراميل متفجرة، بالإضافة إلى كونها معرضة لهجمات واختراقات «داعش» في أي لحظة من خلال العمليات الانتحارية وتفجير السيارات المفخخة. وثانياً لعدم وجود سلطة موحدة على هذه المناطق سواء في الجانب العسكري أو في الإدارة المدنية، وهذا مردّه إلى أن الفصائل المسلحة غير موحّدة، وثالثاً عدم وجود جهاز شرطة مدنية قوي وبأعداد كافية لحفظ الأمن والقيام بمهمات وواجبات الشرطة المتعارف عليها، وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة وقضاة مؤهلين للقيام بمهمات وواجبات القضاء، وتولي الهيئات الشرعية لهذه السلطة وعدم أهليتها وانعدام استقلالها وتبعيتها للفصائل المسلحة وتَعدُّدها تبعاً لتَعدُّد هذه الفصائل، وبالتالي عجزها عن تأمين متطلبات الحد الأدنى لتحقيق العدالة. فهذه الأسباب مجتمعة أدّت إلى نزوح وهروب ملايين السوريين إلى دول اللجوء أو إلى المناطق الأكثر أمناً نسبياً مما أدى إلى تدني غالبية الإنتاج الزراعي والصناعي وتوقف شبه تام للفعالية الاقتصادية بشكل عام مع كل ما ترافق بها ونتج عنها من كارثة إنسانية بكل أبعادها».
ويرى أن المناطق المحررة كان يمكن «أن تحدث تغييرا في الواقع لو قُدّر أو هُيّئت الإمكانات لهذه المناطق وتم توفير الأمن والحماية لها من قصف قوات نظام القتل، إذ لكان ذلك أحدث فارقاً كبيراً في مستويات متعددة أهمها الإبقاء على الفعالية الاقتصادية وموارد الرزق والعمل لسكان هذه المناطق وبالتالي الحد إلى درجة كبيرة وربّما تامّة من اللجوء والنزوح، بالإضافة إلى توفير الموارد المالية اللازمة للمعارضة المسلحة لتأمين مستلزمات تسليحها ومواجهة قوات النظام والميليشيات الطائفية الداعمة له والاستفادة لدرجة كبيرة من التمويل الخارجي وما يستتبعه من استحقاقات سياسية وغيرها».
وأعرب عن اعتقاده «أن المعارضة ما زالت تدرك نظرياً أهمية ارتباطها بالداخل وأن تكون هي التعبير السياسي للقوى المسلحة، لكنها عملياً فشلت بذلك لأسباب عدة أهمها فشل هذه المعارضة بشكلها الحالي المتمثل بالائتلاف والحكومة المؤقتة في إيجاد صيغة تَعامُل عملي وفاعل مع هذه القوى المسلحة نتيجة ضعف، إن لم نقل فقدان الثقة بهذه المعارضة السياسية، بالإضافة إلى الضعف البنيوي لهذه المعارضة وضعف أدائها السياسي. من دون إغفال ارتهان الكثير من قوى المعارضة المسلحة للدول الداعمة وفقدانها استقلاليتها وخضوعها لتوجيهات هذه الدول وتحكُّمها بها من خلال التمويل والدعم بأشكاله المختلفة الامر الذي زاد حجم الهوة بين المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة».
وحول مواقف الدول المجاورة من موضوع المناطق الآمنة ولا سيما تلك التي تستوعب أعداداً كبيرة من اللاجئين قال: «لا شك في أن مواقف هذه الدول متباينة وهي ترتبط بمواقف حكومات هذه الدول من الثورة السورية ورؤيتها لها ومدى تقاطع مصالح هذه الدول في المستويين المنظور والاستراتيجي مع مصالح الشعب السوري وأهداف ثورته ومدى ارتباطها بنظام بشار الأسد، ولذلك اتخذت تركيا الموقف الداعم للثورة حيث رأت أن مصلحتها الاستراتيجية تتقاطع مع مصلحة الشعب السوري في إسقاط نظام الاستبداد. وعلى هذا الأساس فإن الاستقرار والأمن في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هو مصلحة لها ولذلك نراها تضغط باتجاه فرْض مناطق آمنة في شمال سورية، وخصوصاً أن هذه المناطق تخفف ضغط اللجوء إليها. في حين لم تنجح الحكومة اللبنانية بسياسة النأي بالنفس نتيجة هيمنة «حزب الله»عليها، وتَمثّل ذلك عملياً بالموقف وأسلوب التعامل مع اللاجئين السوريين في لبنان وكذلك في تصريحات وزراء «التيار الوطني الحر»، (يقوده العماد ميشال عون) العنصرية كتعبير سياسي واضح من الثورة السورية والسوريين عموماً، أما الأردن فلا يزال قادراً من الناحية السياسية على صوغ خطاب هادئ يحفظ أمنه الداخلي ويبعد الأردن عن تأثيرات الحالة السورية، في الوقت الذي يتحمل أعباء كبيرة للاجئين السوريين، ولذلك فإن إقامة مناطق آمنة في الجنوب مصلحة كبيرة له».
ورأى ان «المناطق الآمنة يمكن ان تحلّ مشكلة السوريين جزئياً وذلك بعد تنفيذ إجراءات عدة على أرض الواقع أهمها: حظر طيران نظام الأسد وحماية هذه المناطق من قصف قواته، إنشاء إدارات مدنية لهذه المناطق من أصحاب الاختصاص والكفاءات العلمية والإدارية، إنشاء سلطة قضائية مدنية مستقلة من القضاة والمحامين ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة. والأهمّ من ذلك، فإن الكارثة السورية لا يمكن حلّها او البدء بشكل عملي بحلها إلا بعد إسقاط نظام القتل وحلفائه من الميليشيات الطائفية والبدء بالمرحلة الانتقالية بكل استحقاقاتها وفق برامج وخطط متكاملة».
بدوره، يوضح آرام الدوماني وهو ناشط سياسي وإعلامي انه «لم يكن هناك قرار دولي بإنشاء مناطق عازلة و? يوجد نية حقيقية من المجتمع الدولي، ربما بسبب غياب تنسيق وعدم تهيئة الظروف للمعارضة السورية السياسية ووجود الكثير من الفصائل المقاتلة المتعددة الاتجاهات والتيارات، من إسلامية وثورية، علماً انه يترافق مع تطبيق قرار المناطق العازلة حظر جوي وتطبيق للفصل السابع من ميثاق مجلس الامن، وهذا المطلب غير مطروح خلال هذه الفترة. والمجتمع الدولي هو مَن يتحمل مسؤولية ما يجري من انتهاكات وإجرام ضد المدنيين لأن المناطق العازلة ستخفف من معاناة الشعب السوري في المناطق المحررة، وسيرتدع النظام السوري وتخفّ موجة القتل في المناطق الشمالية والجنوبية ويبتعد شبح البراميل التي تحصد مئات الأرواح البريئة».
ويشدد على أن «المعارضة السورية على الرغم من تشرذمها، فهي طالبت المجتمع الدولي بمناطق عازلة وبحظر جوي منذ بداية العمل المسلح وتأسيس الجيش الحر حيث كانت الظروف ملائمة أكثر ولم يكن هناك فصائل للقاعدة داخل سورية مثل (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش)، والعمل الآن على مناطق عازلة هو أمر ضروري وواجب إنساني يقع على عاتق المجتمع الدولي، وأيضاً لحماية حدود الدول المجاورة في الشمال والجنوب السوري ولا سيما بعد تحرير الجيش الحر جميع النقاط الحدودية مع تركيا والمملكة الاردنية الهاشمية».
ويرى أنه «عند تطبيق المناطق العازلة ستخف معاناة أكثر من مليون لاجىء في المخيمات لدى الدول المجاورة ولا سيما في تركيا والأردن، كما أن من شأن ذلك أن يمنع سقوط العشرات من البراميل المتفجرة التي يلقيها طيران الأسد على المدن والبلدات الحدودية، وسيساعد في فتح ممرات إنسانية باتجاه المناطق المحاصَرة في العمق السوري. والمطلوب للتوجه لهذا العمل هو تضافر الجهود السياسية والعسكرية للمعارضة السورية وأن تكون هناك مرونة بالتعامل معها من المجتمع الدولي وأن تبذل لتركيا والأردن الجهد الأكبر لتحقيق ذلك لأنهما معنيتان بهذا الموضوع».
فمنذ أن تحولت الثورة السلمية إلى انشقاقات وحرب شوارع في المدن والمناطق كافة، وجرى تهجير ممنهج للسوريين الذين اندفعوا إلى البلدان المجاورة لحماية أنفسهم وعائلاتهم من آلة الحرب، كان شعار إيجاد المناطق الآمنة لإيواء هؤلاء موضوعاً مطروحاً في أروقة دول القرار، إلا أنه لم يأخذ طريقاً نحو التنفيذ بسبب صراع النفوذ القائم من واشنطن إلى تركيا مروراً بأصدقاء سورية والأمم المتحدة ومبعوثيها، فبقي الموت اليومي للسوريين يُقابَل بخفة موصوفة من الكبار، واكتفت المعارضة السورية عبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة بالمطالبة بإنشاء هذه المناطق من دون أن تمارس ضغوطاً عبر تحريك قواها على الأرض في العواصم الفاعلة لفرض قرارات واضحة بهذا الشأن على الدول الكبيرة والمعنية بالصراع السوري.
والواقع أن هناك خلطاً بين مفهوميْ المناطق العازلة التي تقام بين بلديْن خصميْن على الحدود وتكون منزوعة السلاح، كما هي الحال في القسمين التركي واليوناني في قبرص أو بين سورية وإسرائيل في الجولان، وبين المناطق الآمنة وهي مصطلح لا وجود له في القانون الدولي، إلا أنه يعني وضع مناطق خارج الاستهداف العسكري لحماية المدنيين.
وبحسب اتفاقات جنيف الأربع التي وُضعت العام 1949 وملحقاتها فإن هناك ثلاثة أنواع من المناطق الآمنة: طبية ومحايدة ومنزوعة السلاح، وتتطلب لإنشائها الاتفاق بين الأطراف المتنازعة وإزالة الصفة العسكرية عنها وعدم حصول ترتيبات من الأطراف المتنازعة للدفاع عنها عسكرياً. وقد تردّدت في تجارب الحروب تعابير مختلفة في هذا الإطار، مثل الممرات الإنسانية والهادئة والمحايدة والملاذات الآمنة وكلها بغرض حماية اللاجئين.
ولذلك يصبح مفهوماً تركيز المعارضة السورية على المناطق الآمنة التي تحمي السوريين من قصف النظام وهجمات «داعش» والمتطرفين، وهي مطالب طلباتها الولايات المتحدة، إضافة إلى مطالبتها بتعزيز قوة الجيش السوري الحر والمجالس المحلية والحكومة المؤقتة، وكل ذلك من أجل السماح للاجئين السوريين بالعودة لهذه المناطق خلال المرحلة الانتقالية وتحضيراً لإسقاط نظام الأسد، ولتأسيس دولة مدنية تعدُّدية فيما بعد بمشاركة جميع المكونات السورية.
إلا ان وجهة النظر الأميركية كانت أن المناطق الآمنة تتطلب مهمة قتالية كبيرة وأن الحظر الجوي في سورية أمر يصعب التفكير فيه. كذلك فإن التحالف الدولي ضد «داعش» لم ير ضرورة لفرض منطقة آمنة في سورية، في حين أن تركيا أعلنت أكثر من مرة عن رغبتها في ذلك ولا سيما عند حدودها الجنوبية نظراً لكونها تتحمل عبء اللاجئين السوريين. وقد جاءت حادثة التفجير في منطقة سروج التركية لتعيد مسألة إيجاد منطقة عازلة إلى التداول لأن الأمن التركي على المحك هذه المرة ولا سبيل للتراجع. فتركيا تريد منطقة تمنع هجمات النظام السوري و«داعش» والفصائل الكردية وتمنع تسلل العناصر المسلحة إلى أراضيها وتؤمن حياة المدنيين السوريين الذين قد يهربون من معارك محتملة في الشمال السوري بين المعارضة والنظام.
«الراي» تابعت هذا الموضوع مع عدد من النشطاء في المعارضة السورية، إذ يشرح جودت السمان وهو ناشط في العلاقات الخارجية في المعارضة السورية أن «المناطق الآمنة لم يُتخذ بها أي قرار حتى نشير إلى فشلها ونعلل أسبابه، وكانت هناك أحاديث وتصريحات إعلامية فقط ولم يتم اتخاذ أي قرار بإنشاء مناطق آمنة أو ممرات آمنة، وهو ما يحتاج إلى قرار من المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن أو الجمعية العمومية للأمم المتحدة كونه يرتبط بعدد من الإجراءات على الأرض، من حماية جوية وبرية لهذه المناطق وهو ما يعني نشر قوات برية تتبع التحالف الدولي أو أحد دول الجوار بتكليف أممي».
ويشدد السمان على أن «اتخاذ قرار دولي بإقامة مناطق آمنة له دور كبير بتغيير واقع المعاناة ورفع جزء منها عن الشعب السوري في المناطق التي تشهد صراعات كبيرة، من حيث تأمين الغذاء والدواء لأبناء المناطق، ومن شأنه أيضاً أن يساهم بتغيير الديموغرافيا السكانية حيث سيلجأ الكثير من أبناء المناطق الأخرى إلى هذه المناطق طلباً للأمن والأمان».
ويشير إلى أن «المعارضة السورية حقيقة لا تملك رؤية موحدة في هذه المجالات، إذ تنقسم إلى عديد من الأقسام منها السياسي ومنها الديني ومنها العسكري ويوجد بينها تباين كبير وخلافات عميقة تجعل من الاتفاق على أي مشروع سياسي دولي أمراً صعباً. إنما يبقى القرار السياسي والعسكري ميالاً لمشروع المناطق الآمنة، فيما تنظر المعارضة الدينية إلى المناطق المحررة على أنها أراضٍ خصبة لإنشاء إمارات خاصة بها وهو ما نلاحظه على الأرض في بعض المناطق».
ورداً على سؤال حول المطلوب لتحقيق فكرة المناطق الآمنة على الأرض يقول السمان: «تسليح المعارضة بأسلحة نوعية، وقرار دولي بتوحيد الدعم لجهة عسكرية موحدة منظمة بشكل مؤسساتي مبني على أساس الضباط العسكريين الكبار وضرورة إبعاد وطرد العناصر المتشدده من الجيش الحر، تزامناً مع قرار دولي يقضي بفرض حظر جوي عربي - دولي».
من جهته، يقول الحقوقي والقيادي في حزب الشعب الديموقراطي السوري مصطفى سليمان إنه لا يمكن تسمية مناطق محررة في الجنوب أو الشمال بـ «المناطق الآمنة» وأعتقد أن التوصيف الدقيق هو أنها «المناطق الخارجة عن سيطرة النظام»، وذلك لأسباب عدة: أولاً أنها ما زالت خاضعة لقصف قوات نظام القتل بشار الأسد بمختلف أنواع الأسلحة من مدافع وصواريخ وبراميل متفجرة، بالإضافة إلى كونها معرضة لهجمات واختراقات «داعش» في أي لحظة من خلال العمليات الانتحارية وتفجير السيارات المفخخة. وثانياً لعدم وجود سلطة موحدة على هذه المناطق سواء في الجانب العسكري أو في الإدارة المدنية، وهذا مردّه إلى أن الفصائل المسلحة غير موحّدة، وثالثاً عدم وجود جهاز شرطة مدنية قوي وبأعداد كافية لحفظ الأمن والقيام بمهمات وواجبات الشرطة المتعارف عليها، وعدم وجود سلطة قضائية مستقلة وقضاة مؤهلين للقيام بمهمات وواجبات القضاء، وتولي الهيئات الشرعية لهذه السلطة وعدم أهليتها وانعدام استقلالها وتبعيتها للفصائل المسلحة وتَعدُّدها تبعاً لتَعدُّد هذه الفصائل، وبالتالي عجزها عن تأمين متطلبات الحد الأدنى لتحقيق العدالة. فهذه الأسباب مجتمعة أدّت إلى نزوح وهروب ملايين السوريين إلى دول اللجوء أو إلى المناطق الأكثر أمناً نسبياً مما أدى إلى تدني غالبية الإنتاج الزراعي والصناعي وتوقف شبه تام للفعالية الاقتصادية بشكل عام مع كل ما ترافق بها ونتج عنها من كارثة إنسانية بكل أبعادها».
ويرى أن المناطق المحررة كان يمكن «أن تحدث تغييرا في الواقع لو قُدّر أو هُيّئت الإمكانات لهذه المناطق وتم توفير الأمن والحماية لها من قصف قوات نظام القتل، إذ لكان ذلك أحدث فارقاً كبيراً في مستويات متعددة أهمها الإبقاء على الفعالية الاقتصادية وموارد الرزق والعمل لسكان هذه المناطق وبالتالي الحد إلى درجة كبيرة وربّما تامّة من اللجوء والنزوح، بالإضافة إلى توفير الموارد المالية اللازمة للمعارضة المسلحة لتأمين مستلزمات تسليحها ومواجهة قوات النظام والميليشيات الطائفية الداعمة له والاستفادة لدرجة كبيرة من التمويل الخارجي وما يستتبعه من استحقاقات سياسية وغيرها».
وأعرب عن اعتقاده «أن المعارضة ما زالت تدرك نظرياً أهمية ارتباطها بالداخل وأن تكون هي التعبير السياسي للقوى المسلحة، لكنها عملياً فشلت بذلك لأسباب عدة أهمها فشل هذه المعارضة بشكلها الحالي المتمثل بالائتلاف والحكومة المؤقتة في إيجاد صيغة تَعامُل عملي وفاعل مع هذه القوى المسلحة نتيجة ضعف، إن لم نقل فقدان الثقة بهذه المعارضة السياسية، بالإضافة إلى الضعف البنيوي لهذه المعارضة وضعف أدائها السياسي. من دون إغفال ارتهان الكثير من قوى المعارضة المسلحة للدول الداعمة وفقدانها استقلاليتها وخضوعها لتوجيهات هذه الدول وتحكُّمها بها من خلال التمويل والدعم بأشكاله المختلفة الامر الذي زاد حجم الهوة بين المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة».
وحول مواقف الدول المجاورة من موضوع المناطق الآمنة ولا سيما تلك التي تستوعب أعداداً كبيرة من اللاجئين قال: «لا شك في أن مواقف هذه الدول متباينة وهي ترتبط بمواقف حكومات هذه الدول من الثورة السورية ورؤيتها لها ومدى تقاطع مصالح هذه الدول في المستويين المنظور والاستراتيجي مع مصالح الشعب السوري وأهداف ثورته ومدى ارتباطها بنظام بشار الأسد، ولذلك اتخذت تركيا الموقف الداعم للثورة حيث رأت أن مصلحتها الاستراتيجية تتقاطع مع مصلحة الشعب السوري في إسقاط نظام الاستبداد. وعلى هذا الأساس فإن الاستقرار والأمن في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هو مصلحة لها ولذلك نراها تضغط باتجاه فرْض مناطق آمنة في شمال سورية، وخصوصاً أن هذه المناطق تخفف ضغط اللجوء إليها. في حين لم تنجح الحكومة اللبنانية بسياسة النأي بالنفس نتيجة هيمنة «حزب الله»عليها، وتَمثّل ذلك عملياً بالموقف وأسلوب التعامل مع اللاجئين السوريين في لبنان وكذلك في تصريحات وزراء «التيار الوطني الحر»، (يقوده العماد ميشال عون) العنصرية كتعبير سياسي واضح من الثورة السورية والسوريين عموماً، أما الأردن فلا يزال قادراً من الناحية السياسية على صوغ خطاب هادئ يحفظ أمنه الداخلي ويبعد الأردن عن تأثيرات الحالة السورية، في الوقت الذي يتحمل أعباء كبيرة للاجئين السوريين، ولذلك فإن إقامة مناطق آمنة في الجنوب مصلحة كبيرة له».
ورأى ان «المناطق الآمنة يمكن ان تحلّ مشكلة السوريين جزئياً وذلك بعد تنفيذ إجراءات عدة على أرض الواقع أهمها: حظر طيران نظام الأسد وحماية هذه المناطق من قصف قواته، إنشاء إدارات مدنية لهذه المناطق من أصحاب الاختصاص والكفاءات العلمية والإدارية، إنشاء سلطة قضائية مدنية مستقلة من القضاة والمحامين ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة. والأهمّ من ذلك، فإن الكارثة السورية لا يمكن حلّها او البدء بشكل عملي بحلها إلا بعد إسقاط نظام القتل وحلفائه من الميليشيات الطائفية والبدء بالمرحلة الانتقالية بكل استحقاقاتها وفق برامج وخطط متكاملة».
بدوره، يوضح آرام الدوماني وهو ناشط سياسي وإعلامي انه «لم يكن هناك قرار دولي بإنشاء مناطق عازلة و? يوجد نية حقيقية من المجتمع الدولي، ربما بسبب غياب تنسيق وعدم تهيئة الظروف للمعارضة السورية السياسية ووجود الكثير من الفصائل المقاتلة المتعددة الاتجاهات والتيارات، من إسلامية وثورية، علماً انه يترافق مع تطبيق قرار المناطق العازلة حظر جوي وتطبيق للفصل السابع من ميثاق مجلس الامن، وهذا المطلب غير مطروح خلال هذه الفترة. والمجتمع الدولي هو مَن يتحمل مسؤولية ما يجري من انتهاكات وإجرام ضد المدنيين لأن المناطق العازلة ستخفف من معاناة الشعب السوري في المناطق المحررة، وسيرتدع النظام السوري وتخفّ موجة القتل في المناطق الشمالية والجنوبية ويبتعد شبح البراميل التي تحصد مئات الأرواح البريئة».
ويشدد على أن «المعارضة السورية على الرغم من تشرذمها، فهي طالبت المجتمع الدولي بمناطق عازلة وبحظر جوي منذ بداية العمل المسلح وتأسيس الجيش الحر حيث كانت الظروف ملائمة أكثر ولم يكن هناك فصائل للقاعدة داخل سورية مثل (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش)، والعمل الآن على مناطق عازلة هو أمر ضروري وواجب إنساني يقع على عاتق المجتمع الدولي، وأيضاً لحماية حدود الدول المجاورة في الشمال والجنوب السوري ولا سيما بعد تحرير الجيش الحر جميع النقاط الحدودية مع تركيا والمملكة الاردنية الهاشمية».
ويرى أنه «عند تطبيق المناطق العازلة ستخف معاناة أكثر من مليون لاجىء في المخيمات لدى الدول المجاورة ولا سيما في تركيا والأردن، كما أن من شأن ذلك أن يمنع سقوط العشرات من البراميل المتفجرة التي يلقيها طيران الأسد على المدن والبلدات الحدودية، وسيساعد في فتح ممرات إنسانية باتجاه المناطق المحاصَرة في العمق السوري. والمطلوب للتوجه لهذا العمل هو تضافر الجهود السياسية والعسكرية للمعارضة السورية وأن تكون هناك مرونة بالتعامل معها من المجتمع الدولي وأن تبذل لتركيا والأردن الجهد الأكبر لتحقيق ذلك لأنهما معنيتان بهذا الموضوع».