«الراي» تضيء على دراسة «مخيفة» عن واقعهم تعكس «فوبيا» المجتمعات المضيفة

السوريون في لبنان... لا أمن ولا أمان

تصغير
تكبير
• كارول الشاراباتي: ما تم التوصل إليه من أرقام يبيّن أن هناك قنبلة موقوتة بوجود هذا العدد الكبير من اللاجئين

• ملحم شاوول: سينظر إلى الخارجي نظرة متوترة تصل إلى حد العنصرية بسبب الظروف التي يعيشها لبنان
متى سيروي النازحون السوريون ذكريات حقبة اللجوء القسري؟ متى ستنتهي مأساتهم أصلاً ويعودون أدراجهم إلى الأحبة والديار أو إلى أطلال الإثنين في سورية؟ هل سيذكرون ما قاسوه في بلدان شتاتهم أم أن فرحة العودة ستنسيهم مرارة الأيام وعلقم الظروف وشظف العيش داخل أشباه البيوت وفي العراء؟

إلى ذلك الحين تراوح الأزمة السورية مكانها. لا حلول. الحرب واقع لا مفر منه، والبراميل المتفجرة ما زالت تمطر هنا وهناك على الأبنية والرؤوس، فيما يتولى سكين الإرهاب نحر الرقاب وإحراق الأجساد وإغراقها.

منذ عسْكرة الثورة ودخول الإرهاب على خط القضاء على حراك الشعب السوري وضرب مطلبه بالحرية، سويّت أرضاً مبانٍ شاهقة وأحياء بأمها وأبيها، كذلك طموحات كانت ذات يوم شامخة وشاخصة نحو المستقبل فهبطت معدلات الأمل فيها إلى الحضيض.

هل يتأقْلم سوريو «الداخل» مع فكرة الموت الذي بات يتهددهم في كل حين؟ هل بات القصف والدمار وأشرطة النحر والتفجير تفصيلاً من روتين حياتهم اليومية؟ أم هو «النفَس الطويل» والأناة الأطول والصبر الذي لا حدود له هو ما يبقيهم على «قيد» الصمود؟ الإجابة عن هذه التساؤلات هي مزيد من المراوحة ومزيد من الصمود يقابله مزيد من الموت.

في دول الشتات التي لجأ إليها السوريون تباعاً طلباً للأمن والأمان، وبعد مرور السنة تلو الأخرى على إقامتهم «المفتوحة» على أراضي الجيران، يتراجع شعور النازحين بالأمان.

قد يكون منطق الأمور أن يندمج السوريون يوماً بعد آخر في بيئتهم الجديدة. اللغة المشتركة والقيم المتطابقة والعادات المتشابهة كفيلة بتبديد الشعور بالخوف وبإزالة أي حاجز بين المجتمعيْن الضيف والمضيف.

غير أن واقع الأمر على الأرض مختلف تماماً. ففي لبنان، كشفت دراسة ميدانية أعدّها معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف بدعم من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبتمويل من RDPP حملت عنوان «دراسة عن مدى إحساس اللاجئين السوريين بالأمان في لبنان»، عن أرقام مثيرة للخوف بحد ذاتها.

الدراسة التي أجريت على عيّنة قوامها 1200 مُستَطلع سوري و600 لبناني، اختيرت وفقاً لبيانات المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بما بتناسب مع توزع النازحين السوريين على المناطق اللبنانية، وفي حين تمحورت الأسئلة التي وُجهت إلى اللبنانيين حول تأثير السوريين في الخدمات العامة والصداقات معهم وصولاً إلى التشابه الثقافي والاستعداد لتوظيفهم، تركزت الأسئلة التي طُرحت على السوريين على «الشعور تجاه اللبنانيين» والتعرض لأي نوع من الاعتداء الجسدي واللفظي وتقييد الحركة والحصول على الخدمات، فتبيّن أن 34 في المئة من السوريين في بيروت لا يشعرون بالأمان، وتصبح هذه النسبة 30 في المئة في الشمال، 27 في المئة في البقاع، 18 في المئة في جبل لبنان و13 في المئة في الجنوب.

كما كشفت الدراسة التي قام بها طلبة لبنانيون وسوريون بإشراف من أساتذتهم أن 76 في المئة من السوريين في بيروت لا يشعرون بأنهم مرحَب بهم، بينما تصل هذه النسبة إلى 64 في المئة في الشمال، 62 في المئة في البقاع، 63 في المئة في جبل لبنان و51 في المئة في الجنوب. وأشارت إلى أن الشعور الأعلى بالأمان هو لدى السوريين الذين يقيمون في الشقق والأدنى بين مَن يسكنون في المخيمات.

وكان من المؤشرات اللافتة حصول 293 حالة اعتداء على شخص أو عائلة من أصل 1200 مستطلع، وتم تحميل مسؤوليتها إلى معتدين لبنانيين، بينما سجل معدل الإهانات اللفظية 43 في المئة.

هذه الأرقام اللافتة تم التقديم لها من قبل معدي الدراسة بأن العلاقات بين اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة تشهد تحولات دائمة مع استمرار الأزمة السورية، إذ إن وضع هؤلاء السوريين يصبح أكثر هشاشة في حين تؤدي أزمة اللجوء إلى قلق متزايد لدى المجتمعات اللبنانية المضيفة.

الدكتورة كارول الشاراباتي التي أوضحت أن للدراسة أهدافاً عدة أحدها أكاديمي وآخر لمعرفة الواقع ومدى تلاؤم القرارات التي تُتخذ معه، لفتت عبر «الراي» إلى أن «ما تم التوصل إليه من أرقام يبيّن أن هناك قنبلة موقوتة بوجود هذا العدد الكبير من اللاجئين، حيث يظهر أن 70 في المئة منهم غير مسجلين قانونياً، وبالتالي لا يتمتعون بحقوق وواجبات منها المرور على الحواجز وتقديم شكوى في المخافر، الأمر الذي يجبر هؤلاء على التزام منازلهم ودفع أطفالهم إلى العمل»، مشيرة إلى «أن السبب في ذلك هو قرار وزارة الداخلية الذي يفرض على السوريين للحصول على أوراق قانونية وجود عقد إيجار ودفع مبلغ 200 دولار أميركي والتعهد بعدم العمل وتأمين كفيل، في حين أن الكل يعلم أن هذه شروط مستحيلة إذ كيف يمكن للنازح تأمينها»، مضيفة: «مسألة الأوراق القانونية تولّد خوفاً وشعوراً بعدم الأمان وتؤثر على حياة النازحين بشكل مؤذٍ، الأمر الذي سيرتدّ علينا لاحقاً كمجتمع لبناني».

شاراباتي التي كانت بدورها على الأرض تملأ الاستمارات، شكت مما شاهدته على الأرض «من حالات انعزال نسوة في منازلهن وعدم تواصُل وتفاعُل أولادهن مع أولاد الجيران اللبنانيين»، مؤكدة أن «مسألة الاندماج الاجتماعي لا بد من العمل عليها من خلال مشاريع للمجتمع المدني والجمعيات والمؤسسات الدولية»، ومشيرة إلى أن «هذه المشكلة أكبر عند النساء، فالرجال انخرطوا في المجتمع من خلال العمل بينما النساء هنّ أقلّ انخراطاً».

غير أن شاراباتي أكدت أن العينة اللبنانية لا تمثل الشعب اللبناني، بل كان الهدف من اختيارها إعطاء لمحة عن الوضع على الأرض، عازية خوف اللبناني إلى «رُهاب» وتخوف غير مرتبط بوقائع على الأرض.

وعما إذا كانت هذه الأرقام مسيئة إلى المجتمع اللبناني، أجابت: «لا بد من إجراء نقد ذاتي، فالأكيد أن هناك ما يحصل على الأرض»، مضيفة: «أنا كأكاديمية لا أبحث عن لوم، بل أبحث عن أسباب. وقد يكون لدى اللبناني ذاكرة وخوف بسبب ذكريات المخيمات الفلسطينية والحرب، لكن السياسات العامة التي تضعها الدولة اللبنانية تزيد هذا الخوف لدى اللبنانيين، بما فيها اللافتات التي ترفعها بعض البلديات مانعةً تجول السوريين ليلاً. سياسات الدولة تنمي هذه(الفوبيا) فيما نحن شعب مضياف وتحمّل أكثر من قدرته على التحمل».

وعن توصيات الدراسة، أجابت: «أردنا إظهار أهمية العمل على جبهات عدة، على صعيد الأوراق القانونية، الأمن، المجتمع والتفاعل الاجتماعي... ولا بد ربما من تعيين وزير للاجئين السوريين»، لافتة إلى «أننا سنقدّم هذه الدراسة إلى كل المسؤولين المعنيين».

«الراي» سألت بدورها الباحث في علم الإجتماع الدكتور ملحم شاوول عن قراءته للأرقام التي خلصت إليها هذه الدراسة، فقال: «لهذه المعطيات أساس موضوعي»، مضيفاً: «في أحد قوانين علم الاجتماع، مهما كان البلد مضيافاً، فعندما يلجأ إليه مهجّرون في حالة أزمة، لا يمكن أن يتم التعامل مع هذا الأمر بشكل طبيعي».

واذ أوضح ان «البلد يكون مضيافاً في أوضاع طبيعية وسليمة وبوجود الدولة، التي تأخذ على عاتقها القيام بالإدارة وتكون على قدر من التخطيط والضبط لعملية قدوم مهجرين إليها»، لفت الى انه «في لبنان، مع قدوم اللاجئين الفلسطينيين في خمسينات القرن الماضي، ضبطت الدولة هذا الأمر حتى العام 1969، أما اليوم فالمجتمع اللبناني مأزوم وعناصره المكوّنة في حالة من التدهور الاقتصادي وتراجُع الخدمات الإجتماعية وأيضاً في حالة من إنحلال الدولة، وبالتالي أي قدوم خارجي ستكون النظرة إليه متوترة وتصل إلى حدود العنصرية، وهذا يصحّ ليس فقط على لبنان بل على كل دولة تعيش ظروفاً مماثلة»،لافتاً إلى أن «هذا الأمر يزداد حين يتصرف المهجرون بطريقة تستفز المحليين في عملهم والمضاربة على مهن يقومون بها، فيتحول البلد من مضياف إلى ذي سياسة رفْض وعزْل لهذه الجماعة القادمة». واختصر الأمر بالقول: «بوجود دولة ورفاه ووضع اقتصادي جيد، بالإمكان استقبال أناس من الخارج والتعاطي معهم بطريقة جيدة تتناسب مع الحالة التي تفترضها متطلبات العمل الاجتماعي والعناية بهم. في المقابل، إذا كانت حالة البلد متراجعة والدولة متراجعة، تتراكم كل المشاكل (علماً أن بعضها يكون مرتبطاً بوجود النازحين وبعضها الآخر بنيوي في نظامنا)، إلا أنه يتم التركيز على حالة واحدة تُعتبر سبباً لكل المشاكل».

ورأى «أن الإختلاف في النسب التي بيّنتها الدراسة مرتبط بتفاوت توزيع النازحين السوريين على المناطق اللبنانية»، موضحاً انه «في المناطق التي نزح إليها عدد كبير من النازحين نجد رفضاً قوياً، وفي المناطق التي نزح إليها عددٌ أقل يكون الرفض أقل. هذا دون أن نفتح الملف السياسي، حيث يتم النظر إلى النازحين على أنهم إما حلفاء محتملون أو أعداء محتملون في غياب الدولة».

وإذ أكد «أن الاستطلاع ليس الواقع بل ما يُتوقع حدوثه ويعبّر عن رأي عينة نتيجة المعلومات المتوافرة لديها من وضع إعلامي تتلقى منه الأخبار»، رأى بالتالي أنه يحتمل الخطأ، قائلاً: «ماذا سيكون عليه الرأي إن جاء مَن يخبر هؤلاء أن الظروف الأمنية في سورية ستتحسن خلال أشهر وستلتئم طاولة حوار؟ هل سيبقى الرأي على حاله؟. بالطبع لا».

وختم: «اللعب بالتكوين الديموغرافي في أي بلد يُعدّ من الأمور التي يمكن أن تغير الوجه والهوية ومشروع البلد نفسه، فالتلاعب بالديموغرافيا الإجتماعية هو الأخطر»، متحدثاً في ظلّ وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين في لبنان عن «خطرٍ على التركيبة الاجتماعية الديموغرافية التي من الممكن أن تؤثر على الهوية».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي