حديث الأيام

لماذا تفشل الأمم ؟

تصغير
تكبير
لماذا تفشل الأمم؟. سؤال ظريف وموجز ولكن الإجابة عنه احتاجت من الباحثين «دارون اسمو جلي»، و(جيمس روبنسون) كتاباً من 550 صفحة كي يشرحا لنا ذلك.

والجميل في الكتاب أنه يستهل مقدمته بالكلام عن الربيع العربي، ثم يلتفت إلى مصر، ويشرح في أسلوب بسيط كيف أن جهابذة الاقتصاد والسياسة هناك يردون فشل مصر في النهوض إلى أسباب جغرافية فيلقون باللائمة على طبيعة مصر الصحراوية، فيما يقول محللونا السياسيون إن السبب هو أن الرئيس حسني مبارك، ليس سوى مواطن مسكين، وكل المشاكل تأتي من تحت رأس مستشاريه، وبمعنى آخر البطانة الفاسدة! أصلح الله بطانتهم.


وبالطبع لم يقتنع جيمس وصديقه دارون بهذا التبرير الطفولي، فلديهم طريقتهم في تحليل الأمور وفهمها.

ولكي يثبت الكتاب أن مسألة فشل دولة ونجاح أخرى ليس مرتبطاً بالثقافة أو العرق أو الحظ فإنه يسرد قصة مدينة اسمها «نوكالس» في قارة أميركا الشمالية، وقدر هذه المدينة أنها مقسومة إلى قسمين، الأول ويقع في الولايات المتحدة الأميركية في ولاية «أريزونا»، والثاني في المكسيك ويطلق عليها «سونورا»، وهذان القسمان لا يفصلهما سوى بضعة أمتار فقط وسياج حديدي.

ويقول الكتاب عن (نوكالس) الأميركية: إن سكانها يتمتعون بمستوى عالٍ من التعليم وباقتصاد متين، والجميع لديهم وظائف، والأهم هو أن الفرص الاستثمارية متاحة للجميع، وصحة السكان هناك يحسدون عليها لما يتمتعون به من رعاية صحية خاصة، ومن البديهي أن السكان في الجزء الأميركي يتمتعون بحق التصويت والترشح للمجلس المحلي والبلدي والمحافظة والجمعيات أياً كان نوعها، وفوق كل شيء يستطيع أهلها الخروج من منازلهم إلى العمل دون خوف من أحد لتوافر الأمن هناك.

بينما الحال في (نوكالس) المكسيكية أو (سونورا) يدمي القلب، مع أنها تعد من المدن ذات المستوى الاقتصادي المحترم في المكسيك، إلا أن المواطنين هناك لا يحصلون على قدر كافٍ من التعليم، ورواتبهم متدنية جدا، والعاطلون عن العمل تغص بهم الشوارع، وبالتأكيد لا أحد يفكر في الفرص الاستثمارية هناك، والأمراض تنتشر بين أهلها لانعدام الرعاية الصحية، وفوق ذلك أهلها في خوف دائم لاختفاء الأمن في المدينة.

ولا يدع الكتاب مجالاً لأصحاب النظريات العرقية أو الاجتماعية التي تقيم الشعوب بناء على عرقها أو ثقافتها، أو من يقول بأن السبب في هذا التباين في المستوى المعيشي هو أن الشعب المكسيكي شعب ذو ثقافة متخلفة، فسكان هاتين المدينتين هم من نفس الأصول، وفي أحيان كثيرة أولاد عمومة، ولكن الإدارة السياسية السيئة هي التي جعلت المكسيكيين فقراء، والإدارة السياسية الناضجة هي التي جعلت من يسكنون في الجانب الأميركي أثرياء.

ويعترف الكاتبان بأن المسألة ليست بسيطة وأن كثيراً من الثورات فشلت وستفشل لأن السلطة تعود وتقع في يد نخبة معينة تصوغ القوانين على مقاسها، ولهذا السبب لم تنجح الثورات العربية على امتداد تاريخها، لأنها نقلت السلطة من المستعمر الخارجي إلى المستعمر الداخلي وإلى يد أحزاب اعتبرت نفسها نخبة، فاحتكرت السلطة واستغلت كل المصالح الاقتصادية لحسابها وعلى حساب شعوبها. وبناء على التحليل السابق يصل الكاتبان إلى أن ما تحتاجه الدول لكي تحقق النجاح والنمو هو مجموعة من القوانين التي تكفل الحريات للجميع، وتحد من تركز السلطة في يد شخص أو نخبة سياسية متحكمة، وعندها ستكون السلطة أو القوة موزعة بين أفراد المجتمع، فلا مجال للاحتكار، وستصبح الفرص الاستثمارية متاحة للجميع، وفي النهاية سيخلق هذا المناخ نوعاً من التنافس العادل الذي سيدفع بعجلة النمو والازدهار على أسس عادلة سليمة.

وعلى هذا الأساس خرج المخترع توماس أديسون، ورجل الصناعة هنري فورد في أميركا ولم يخرجا في المكسيك!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي