«رائحة» أزمة رواتب... ونفايات بيروت قد تُرحّل إلى الخارج

حكومة سلام كأنها في «الإقامة الجبرية» ... لا عمل ولا استقالة

تصغير
تكبير
ينزلق لبنان نحو قعر مفتوح من الأزمات المتعاظمة، التي كان أشدّها مأسوية وفضائحية اخيراً، العجز المتمادي عن ايجاد الدولة بـ «قواها السياسية» مطمر نفايات على جغرافيا الجمهورية بجهاتها الأربع لإنقاذ العاصمة بيروت، التي كانت تفاخر بأنها «ست الدنيا»، من طوفان النفايات التي استوطنت شوارعها وأزقّتها وساحاتها لنحو أسبوع قبل «ابتكار» مخرج طارئ بتجميعها في أحد الامكنة (الكرنتينا) في انتظار حلٍّ ما قد يفضي انعدامه الى ترحيل نفايات بيروت الى خارج لبنان وتسفيرها الى واحدة من جهات الدنيا الواسعة.

هذا المأزق الكوارثي والموجع شكّل عيّنة لمستوى الانهيار السياسي - المؤسساتي الذي بلغه لبنان، الذي دفع به الصراع الاقليمي الى قلب محنة كبرى تتجلى مظاهرها باستمرار خطف الانتخابات الرئاسية منذ عام وثلاثة اشهر، وشلّ عمل البرلمان، ومحاولة فرْض ما يشبه «الاقامة الاجبارية» على الحكومة ورئيسها تمام سلام من خلال منْعها من العمل وتحذير رئيسها من وضْع تلويحه بالاستقالة موضع التنفيذ، اضافة الى توريط لبنان بحرائق المنطقة، من سورية الى اليمن.


ويترافق هذا الرقص اللبناني فوق الحبل المشدود مع وقائع داخلية واقليمية تشي بأن الأشهر المقبلة قد تكون أكثر خطراً نظراً لاتكاء تحالف زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون و«حزب الله» على الدور الايراني المرشّح لمزيد من التشدد في المنطقة في لحظة استثمار طهران لمفاعيل الاتفاق النووي مع الغرب، وسط اتجاه للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الى عدم التسليم بأيّ «جوائز ترضية» لايران في معرض سعيها الى تكريس مواقع نفوذ في الاقليم.

وبدت مظاهر التشدد الايراني في عدم إبداء طهران ايّ «حسن نية» حيال الملف اللبناني بعد اتفاقها النووي مع الغرب، وذلك من خلال ادارة «الاذن الصماء» لإلحاح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيس بالحاجة الى المساعدة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان خلال محادثات الاخير في طهران، وهو الأمر الذي اعتُبر في رأي دوائر مراقبة في بيروت إشارة كافية الى ان الواقع اللبناني سيستمرّ معلقاً الى أمد غير قريب.

ويلاقي تحالفُ عون - حزب الله هذا التشدّد الايراني بقفل الابواب في وجه اي محاولات لكسر المأزق الحكومي الناجم عن معادلةٍ يمضي بها قدماً زعيم «التيار الوطني الحر» وتقوم إما على انصياع الحكومة لـ «دفتر شروطه» وإما منْعها من العمل وشلّ قدرتها على اتخاذ اي قرارات، وهو الأمر الذي دفع رئيسها تمام سلام الى عدم الدعوة الى جلسة جديدة لمجلس الوزراء في تطور يؤشر الى امكان لجوئه الى «اعتكاف مكتوم» بعدما حذّر من ان الخيارات أمامه ستكون مفتوحة اذا وُضع امام حائط مسدود، في تلويحٍ باستقالةٍ، تعتقد الدوائر السياسية في بيروت انها مستبعدة كونها تشكل قفزاً في المجهول.

وفيما يمرّ العيد السبعين للجيش اللبناني اليوم بلا احتفال رسمي وذلك للسنة الثانية على التوالي بسبب الشغور الرئاسي، بدت بيروت امام مجموعة مؤشرات سلبية تعكس مخاوف على المستويات السياسية والامنية والاقتصادية - المالية حيال ما ينتظر لبنان، وهي:

? التوقعات بان يتخذ الواقع السياسي وتالياً الحكومي منحى أكثر احتداماً بعد السابع من اغسطس تاريخ بت مصير رئاسة الاركان في الجيش اللبناني وسط مسار محسوم سيفضي الى التمديد للواء الركن وليد سلمان في هذا المنصب، ما سيعني استطراداً تمديداً مماثلاً في سبتمبر لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وهو ما يعترض عليه العماد عون بقوة ويشكل جوهر المعركة التي يخوضها وذلك بهدف تعيين صهره العميد شامل روكز على رأس المؤسسة العسكرية، وإن كان غلّف هذه المعركة بعنوان «حقوق المسيحيين» والإصرار على مشاركة رئيس الحكومة في وضع جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء ورفض بت اي بند قبل تعيين روكز.

وثمة توقعات في بيروت بان سلوك عون ما بعد السابع من اغسطس سيدفع عون الى خيارات «احتياطية» لا يُعرف تداعياتها على مجمل الوضع اللبناني وكيف ستنسجم مع تمسك كل الاطراف، اقله العلني ببقاء الحكومة، علماً ان ثمة تقديرات بان عدم تحديد سلام موعداً لجلسة الحكومة الاسبوع المقبل حتى الساعة ربما يساهم في تمرير «عاصفة» التمديد لرئيس الاركان بأقل الأضرار.

? دعوة دولة الكويت رعاياها الراغبين في السفر الى لبنان للتريث في سفرهم، مهيبة بالكويتيين الموجودين في لبنان بضرورة اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر عند تنقلاتهم و«تجنب الأماكن المشبوهة والتواصل والتنسيق مع السفارة الكويتية في بيروت عند الضرورة حفاظاً على امنهم وسلامتهم وتجنباً للمخاطر».

واعتُبرت الخطوة الكويتية بمثابة اشارة قلق معبّرة حيال ما يمكن ان يكون لبنان مقبلاً عليه أمنياً ربطاً بالتطورات في سورية، فيما تلقّف القطاع السياحي هذا التحذير بالخشية على ما تبقى من الموسم السياحي، وسط ترقب لما اذا كانت دعوة الكويت «اول الغيث» في إجراءات لدول خليجية أخرى.

? الكلفة المالية الباهظة للأزمة الحكومية والتي ظهّرها سلام أمام مجلس الوزراء اول من امس حين حذّر من مغبة استمرار هذا النهج لا سيما وأنّ «هناك مجموعة اتفاقيات تتعلق بهبات وقروض معلقة مقدمة إلى لبنان تبلغ قيمتها أكثر من 743 مليون دولار، منبّهاً في الوقت عينه إلى وجود استحقاقات مالية داهمة يشكل عدم الالتزام بها»خطراً على لبنان«سواء في ما يتعلق بموضوع إصدار واستبدال سندات خزينة أو في ما يتعلق بتأمين الرواتب، فيما نُقل عن رئيس الحكومة أنّ استمرار الوضع على حاله سيؤدي إلى وقف الرواتب في شهر سبتمبر المقبل.

وفي موازاة ذلك، استوقف دوائر سياسية«أمر اليوم»الذي وجّهه العماد قهوجي للعسكريين ولا سيما دعوته اياهم لأن«يضعوا نصب العيون أن قوة مؤسستكم تكمن في وحدتها وبقائها على مسافة واحدة من الجميع بعيدا عن أي سجالات داخلية ومصالح ضيقة، والتزامها مبادئ وثيقة الوفاق الوطني التي أجمع عليها اللبنانيون».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي