مسرحية تتضمن الكثير من القيم الإنسانية والمفاهيم التربوية

«الغولة»... تؤوي المشرّدين وتجنّد المتسوّلين !

تصغير
تكبير
• القصة توليفة من فيلمي «المتسوّل» و«أربع بنات وضابط» ورواية «أوليفر تويست»

• محمد الحملي حقق طفرة جديدة في مسرح العائلة... وكتب شهادة ميلاد الممثلة رهف
الإهمال يقود الأطفال إلى الضياع والتسول في الشارع !

هذا ما أرادت «الغولة» تحذير الآباء والأمهات جميعاً منه، من خلال رسائل إنسانية وتربوية عديدة قدمتها على مسرح محمد راشد الحملي، في دار المهن الطبية بمنطقة الجابرية.

صالة عرض المسرحية -العائلية بامتياز- شهدت طيلة أيام عيد الفطر السعيد حشداً جماهيرياً غفيراً، ضم مختلف الفئات والأعمار، فيما لم يتسن للكثيرين من عشاق مسرح العائلة الحصول على مقعد شاغر، الأمر الذي دفع القائمين إلى تمديد فترة العروض المسرحية إلى أسبوع إضافي.

مسرحية «الغولة» من إعداد وإخراج الفنان محمد الحملي، الذي جسد أيضاً دور البطولة، إلى جانب كوكبة من الفنانين منهم هبة الدري وأحمد إيراج ورهف وأحمد العوضي وحامد محمد ونوف السلطان وطارق خميس وعصام الكاظمي وعبد العزيز السعدون، إضافة إلى باقة كبيرة من النجوم الشباب، بالاشتراك مع فرقة «فلامنقو» الغنائية.

من وكر تديره الغولة، تنطلق أحداث المسرحية، حيث تستقطب مجموعة من الأطفال الذين تربى أغلبهم في الشارع، بعد ما تخلى عنهم آباؤهم وأمهاتهم لظروف متعددة، إما بسبب إهمال الأسرة لأبنائها، وعدم تربية الطفل بالطرق التربوية الصحيحية، أو لفقدان الأهلية.

فكان اللجوء إلى وكر «الغولة» من جانب الأطفال المشردين هو القدر المحتوم الذي لا مفر منه، ولا يمكن التمرد على القوانين العرفية التي تضعها صاحبة الوكر بكل حزم وشدة، حيث يخشاها الجميع ويمتثل لأوامرها الكبار قبل الصغار، من دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة، لاسيما أن الغولة امرأة قوية ومتسلطة، كما أنها هي من تؤوي الأيتام والمشردين واللصوص، وتؤمن لهم كافة المستلزمات المعيشية من طعام وشراب وملبس، وغيرها من الأمور التي قد لا يجدونها في مكان آخر، ولكن الرعاية التي تقوم «الغولة» بتوفيرها لهم، لا تأتي من باب الرحمة أو العطف عليهم، وإنما بغرض استغلالهم بغية العمل لحسابها، إما عبر التسول من المارة في الطرقات، أو عن طريق السرقة من جيوب الأغنياء والنبلاء، سواء أثناء تواجدهم في السوق أو من خلال السطو على قصورهم الفارهة التي تغص بالمجوهرات والممتلكات الثمينة.

فكرة المسرحية مقتسبة من رواية «أوليفر تويست» للأديب الإنجليزي تشارلز ديكنز، كما أنها تشبه إلى حد ما فيلم الأبيض والأسود الشهير«أربع بنات وضابط»، بطولة أنور وجدي ونعيمة عاكف وأمينة رزق ولبلبة ونجمة إبراهيم، وغيرهم من عمالقة السينما المصرية في الزمن الجميل، إضافة إلى الشبه الشديد بينها وبين قصة فيلم «المتسول» للنجم عادل إمام، وفيلم «العفاريت» لعمرو دياب، وغيرها.

ويلعب الفنان محمد الحملي الشخصية الرئيسية في العمل المسرحي، حيث يؤدي دور «سلام» وهو لص محترف في تعامله مع الزبائن، كما أنه ممثل بارع في فن الهروب من رجال الشرطة، المتربصين له في كل زاوية وزقاق، إذ يروغ منهم بأساليب عديدة، لكنه يفشل في خداع سيدة الوكر«الغولة» التي تتقمص شدخصيتها الفنانة رهف، حيث سرعان ما تكتشف أكاذيب «سلام» حول ثمن المسروقات التي يستولي عليها من ضحاياه، عندما تظهر حفنة سمينة من الأوراق المالية التي كان يخفيها في مخبأ سري بمعطفه، وهو المشهد ذاته الذي سبق وأن قدمه حسنين البرطوشي -الفنان عادل إمام- في فيلم «المتسول»، عندما أخفى أمواله عن المعلم هاموش -الفنان علي الشريف- لكن «البرطوشي» يرضخ لضغوط «المعلم هاموش» ويعطيه كل ما لديه من أموال جناها بفضل التسول من الناس.

وبالعودة إلى المسرحية، يقرر«سلام» التمرد على سلطان «الغولة»، والهرب من واقعه المزري، إلى عالم الشرفاء والمحترمين، بمعية شقيقته «كلام» التي تؤدي دورها الفنانة هبة الدري، قبل أن يكتشف أمرهما الشرطي «فرد» - الفنان أحمد إيراج- الذي ظل يتعقب أثر العصابة من مكان إلى آخر، عله يحصل على ترقية من ضابط الشرطة -الفنان حامد محمد-، وهو الضابط الذي يفقد سيطرته على زمام الأمور، خصوصاً أنه لا يحظى أصلاً باحترام زملاءه بسبب تزمته وعنجهيته، إضافه إلى عدم اعترافه بوجود ما يسمى «الغولة» أو عصابتها في المنطقة التي يتولى مسؤولية أمنها وحمايتها. العرض المسرحي، جاء رائعاً ومتكامل الأركان، وأضفى اعتماده على الحوار الغنائي أكثر من الكلام الكثير على الحبكة الدرامية وزادها تشويقاً وإبهاراً، إذ كانت اللوحات الفنية زاخرة بالقيم الهادفة، وشديدة التأثير على الشباب والنشء.

ونجح فريق العمل في تقديم رسائل تربوية وإنسانية عدة، أهمها التحذير من انعكاسات التفكك الأسري على الفرد، وانهيار الوحدة الأسرية التي يدفع ضريبتها الأبناء الصغار، كما يحذر العرض المسرحي الآباء والأمهات من مغبة الإهمال والحرمان والاضطهاد الذي يتعرض له الطفل داخل البيت، الأمر الذي قد يجبره على الخروج إلى الشارع للبحث عن ضالته في عالم الضياع، فيسلك طريقاً يقوده إلى منعطفات خطيرة لا يحمد عقباها.

ونجح المخرج والفنان محمد الحملي في تحقيق طفرة جديدة وحقيقية في مسرح العائلة تستحق الإشادة والتقدير، وهو الذي أبدع من قبل في أعمال مسرحية عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر مسرحيتي «سافانا» و«الأحدب»، كما يُحسب له إصدار شهادة ميلاد الممثلة رهف، التي أثبتت براعتها كممثلة ووضعت بصمتها على خشبة المسرح، بعد ما ترددت كثيراً في خوض التجربة، مختبئة خلف جدار الأغنية الكلاسيكية، غير أنها قطفت أخيراً ثمار المحبة من الجماهير عندما ما أبدعت في تجسيد شخصية الغولة.

أما الفنانة هبة الدري التي احتفلت قبل أيام بعيد ميلادها، فقد نالت نصيب الأسد من الهتاف والتشجيع الجماهيري، نظير تألقها اللافت في دور الفتاة الطيبة «كلام»، في حين جاء أداء الفنان الشاب حامد محمد مذهلاً، حينما لعب دور ضابط الشرطة الذي يسعى جاهداً إلى فرض هيبته وقوة شكيمته في مقر عمله، لكن من دون جدوى. كما أبدع الفنان أحمد إيراج في دور الشرطي «فرد» الذي يتجاوز على صلاحيات قائده الأعلى، في ملاحقته المستمرة للصوص والمتسولين وهو يراقب -عن كثب- تحركات أفراد العصابة واحداً تلو الآخر. كذلك أبدعت الفنانة نوف السلطان في دور «حبر»، وهي واحدة من أفراد العصابة المحترفين.

وجاءت لغة الجسد أبلغ من الكلام أحياناً، بالرغم من صعوبة الأدوار المسندة إلى الفنانين، وهو ما بدا لافتا في تجسيد الفنان أحمد العوضي دور نشال مبتور الأطراف، فضلا عن تعابير الوجه ومرحلة الانتقال من الحزن إلى الفرح التي أجادها الفنانون بحرفية واقتدار.

ولا يمكن أن نغفل الدور الكبير لفرقة «فلامنقو» الموسيقية، التي أسهمت في تقديم المتعة السمعية، من خلال عزفها لأجمل المقطوعات الموسيقية الحيّة، والموسيقى التصويرية التي أضفت أبعاداً أخرى على المشاهد المسرحية، ونجاحها في مسايرة الأحداث الدرامية خطوة خطوة، فاستمتعت حاسة السمع بجمالها الأخاذ الذي داعب الخيال ولامس المشاعر.

بينما قدمت الإضاءة المزيد من المتعة البصرية، وكانت الديكورات معبرة جداً خصوصاً في مشهد الوكر الذي يمكث فيه المشردين أو في مشهد السوق، وغيرهما من المشاهد الأخرى التي كان للديكور بالغ الأثر في اتقان الحبكة الدرامية فيها، أما الأزياء فهي حكاية بحد ذاتها، حيث جاءت مناسبة ومُفّصلة بمقاس الشخصيات الدرامية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي