«الراي» تحدّثت إلى معارِضين عن مفاعيل الاتفاق بين طهران والغرب

سورية ما بعد «النووي»... سخاء إيران يدعم الأسد لكنه لن يبقيه

تصغير
تكبير
• أحمد كامل: إيران تمثل قوة شر ودمار والاتفاق لن يستطيع فرض إبقاء بشار

• إيران والتنظيمات التابعة لها استنفدوا كل طاقتهم «الشريرة» لوقف ثورة الشعب السوري وفشلوا فشلاً ذريعاً

• ماهر الجنيدي: الإفراج عن الأرصدة المجمدة سيزيد المغامرة الإيرانية في سورية

• من الطريف أن نرى النظام السوري يهنّئ طهران على هذا الاتفاق في إيحاء أن ثمة انتصاراً إيرانياً ما قد تحقق

• غسان إبراهيم: الاتفاق سيؤمّن الدعم المالي للأسد ولن يستطيع توفير الموارد البشرية له

• نرى أن المزيد من الحرص والحذر مطلوب تجاه هذا الجار الذي جَارَ على جيرانه أكثر من مرة
ماذا بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني وما تأثيراته على الواقع السوري؟، هل يضع الأزمة السورية على طريق الحلّ؟، أم سيزيد من حال الاستقطاب الإقليمي على الساحة السورية ويصعّب الحلول، ولا سيما في ظل اعتبار البعض أن نظام الرئيس بشار الأسد سيستفيد حكماً من رفْع العقوبات إذ سيكون بإمكان إيران دعم ميليشياتها مادياً وعسكرياً في سورية والمنطقة، في حين لن تسلّم قوى الثقل العربي والإقليمي الأخرى بسهولة بأن يشكل الاتفاق النووي غطاء لتكريس النفوذ الإيراني متفيئاً عنوان الحرب على الإرهاب و«السباق» الدولي على قطف الثمار الاقتصادية لرفع العقوبات عن طهران؟

أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال، وقد حملتها «الراي» إلى عدد من المحللين السياسيين والشخصيات السورية المعارضة، في محاولة لاستكشاف صورة الأوضاع مستقبلاً.

يعتبر المستشار الإعلامي لرئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد كامل أن «الاتفاق النووي سيكرّس رسمياً وضعاً موجوداً على الأرض منذ أعوام»، ويقول: «منذ سنوات تعترف إدارة الرئيس باراك أوباما بدور عابر للحدود لنظام الملالي الإيراني، وهذا ما يشمل سورية، ودولاً تربط سورية بها علاقات قوية تصل حد التداخل، وهي لبنان والعراق. وهكذا من المتوقع أن تُدعى إيران إلى مؤتمرات تضييع الوقت مثل مؤتمرات موسكو، وإلى مؤتمرات التأمل مثل التي تجري في إسبانيا والنرويج والنمسا، وربما تُدعى إلى مؤتمرات أكثر جدية مثل مؤتمر جنيف 3 المنتظر في الأشهر المقبلة. هذا على الصعيد السياسي والبروتوكولي، أما على الأرض فلن يتغيّر شيء كثير، فإيران والتنظيمات التابعة لها استنفدوا كل طاقتهم الشريرة لوقف ثورة الشعب السوري وفشلوا فشلاً ذريعاً. ومنذ خمسة أشهر يتراجع النظام باستمرار، ويخسر المدينة تلو الأخرى، والموقع الاستراتيجي تلو الموقع، من دون أن تستطيع إيران و(حزب الله) والميليشيات العراقية أن تعيد له حتى موقعاً واحداً. إيران لم تستطع ولن تستطيع وقف مسيرة الشعب السوري نحو الحرية والانعتاق من نظام الاستعباد الأسدي».

وعما اذا كان الاتفاق سيقرّب الحلول الدولية للأزمة السورية أم يبعدها، يشدّد على «عدم وجود حلول دولية للقضية السورية»، موضحاً أن «العالم منقسم بين متفرّج على المذبحة التي يتعرّض لها الشعب السوري، وبين داعم لمَن يرتكب هذه المذبحة، وهناك عدد محدود من الدول تدعم حق السوريين في الحياة والحرية والكرامة، هي دول الخليج العربي وتركيا وفرنسا». ويضيف: «مواقف هذه الجهات الثلاث لن تتغيّر بعد توقيع الاتفاق النووي. ربما يقلّ حياء مَن كان يستحي التصريح بدعمه للنظام، لكن هذا لن يغيّر من المواقف الحقيقية للدول. وطبعاً لن يغيّر مواقف النظام السوري، ولا موقف الشعب السوري. قد نشهد حركة مؤتمرات محمومة أكثر من السابق، لكنها ستبقى مؤتمرات احتفالية، وشكلية، ولإبراء الذمة. الحلول الجدية ستأتي عندما يدخول الثوار إلى دمشق أو إلى الساحل السوري، وقبل ذلك لن يفكر أحد في حل».

ويأسف لأن «الإدارة الأميركية أبدت قدراً كبيراً من اللامبالاة بحياة السوريين، واللبنانيين واليمنيين والعراقيين وبأمن المنطقة واستقرارها، ولم تشر في اتفاقها مع طهران ولو بكلمة واحدة إلى حق الشعب الإيراني ولا شعوب المنطقة بالتمتع بالمبادئ التي ترفعها الولايات المتحدة: الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وهذا مؤشر سلبي للغاية للسوريين وللشعب العربي»، مضيفاً: «يبدو أن الإدارة الأميركية متأثرة سلفاً برؤية نظام الملالي الإيراني للثورة السورية، وللوضع في المنطقة كلها. لكن فيما يخص بقاء الأسد، تواصل الولايات المتحدة إعلان أن لا مستقبل لبشار الأسد، وهذا ربما لأنها تعلم أكثر من غيرها أن بقاءه بات مستحيلاً، وأن قبول بقائه يساوي إعلان الحرب على الشعب السوري. وحتى لو قبِل العالم كله ببقاء الأسد فهو لن يبقى، ولن يقبل الشعب السوري بذلك».

ويتابع: «أي إعلان لأميركا أن بقاء الأسد بات مقبولاً بعدما قتل 300 ألف سوري، يساوي إعلانها إقامة تمثال لهتلر في مقابل تمثال الحرية. سيكون صدمة كبيرة وخيانة لكل المبادئ التي ترفعها الولايات المتحدة منذ وجدت. فالولايات المتحدة تجد صعوبة في إعلان قبولها لوجود بشار في السلطة لفترة قصيرة وانتقالية، فكيف ستعلن أنها تقبل بقاءه بصورة دائمة؟ سيكون الأمر بالغ الصعوبة».

وحول تأثير رفع العقوبات عن إيران كما نص الاتفاق واستفادة النظام السوري من ذلك، يتوقع كمال أن «تزيد إيران مساعداتها المالية للنظام، وربما تكون أكثر سخاءً في تمويل مليشيات (حزب الله) وأبو الفضل العباس والمرتزقة الأفغان والباكستانيين الذين تسلّطهم لقتل السوريين. وربما تسدد فواتير صفقات أسلحة للنظام من روسيا. هذا سيزيد معاناة الشعب السوري ويطيلها، لكنه لن يعيد النظام إلى ما كان عليه قبل الثورة ولن ينقذه من السقوط، وعلى الأرجح لن يساعد في إعادة تأهيله عربياً ودولياً».

وعن مواجهة المعارضة لمرحلة ما بعد الاتفاق، يرى أن «المطلوب من المعارضة رصّ الصفوف مع المعسكر العربي المناهض للهيمنة الإيرانية، ورفْع الصوت عالياً لتشرح لشعوب العالم، ولا سيما الأوربيين والأميركيين منهم أن إيران تمثل قوة شر ودمار، وانها تصدّر للسوريين وللعراقيين واليمنيين واللبنانيين أسلحة وميليشيات قتل، وتهدم مؤسسات هذه الدول وتهدد وحدة مجتمعاتها»، مضيفاً: «النظام الإيراني لا يستخدم ولو كذباً أو رياءً أو نفاقاً مصطلحات الأمن والاستقرار والحرية والديموقراطية والسلام والتنمية، وهو خطر حقيقي على شعوب المنطقة وبالتالي على العالم لأن هذه المنطقة تسيطر على قلب العالم، وطاقته، ومعابره. ومطلوب من المعارضة السورية دائماً رص الصف الداخلي وإعادة ألق الثورة السورية وصورتها البهية التي انطلقت بها، ومواصلة مسيرة إبعاد (داعش) وشقيقاتها عن الصف الوطني».

ويؤكد عدم وجود مؤشرات إلى أن «إيران ستتحول قوة استقرار وسلام ووحدة بعد توقيع الاتفاق النووي، بل بالعكس تماماً ستكون إيران أكثر رغبة بابتزاز العالم وتهديده بأدواتها التخريبية في لبنان وسورية والعراق واليمن». ويختم: «لن تتخلى إيران عن (حزب الله)، ولا يوجد أي سبب يجعلها تتخلى عنه. إن ضعف المواقف الأميركية والغربية تجاه إيران سيدفعها للمزيد من التشدد والمزيد من اللعب بأوراقها عبر وكلائها في المنطقة وأولهم (حزب الله). وإن تركيبة النظام الإيراني تتناقض جوهرياً مع الاستقرار والسلام والتعاون والتكامل بين الشعوب، وقائمة كلياً على إثارة الفتن والتفرقة والفوضى وإشعال الحرائق، وهي ستتمادى في هذا السلوك التخريبي بعد توقيع الاتفاق النووي الذي هو في الحقيقة مكافأة لإيران على مجرد تفكيرها بامتلاك سلاح الدمار الشامل».

ويرى الكاتب الصحافي والباحث ماهر الجنيدي ان «من المبكّر جداً معرفة تداعيات الاتفاق النووي على السوريين، فضلاً عن ارتداداته على الوضع الإقليمي المضطرب. ولا بد أولاً من الاعتراف بأن المفاوض الإيراني بارع في شراء الوقت وفي بيع تناقضات الداخل الإيراني كورقة في مفاوضاته مع اللاعبين الدوليين، وفي المناورة لتغليف جميع تنازلاته في لبوسات تَقدُّم (بازاريّ) سيحرزه على هذه الجبهة أو تلك».

ويقول: «من الطريف في هذا السياق أن نرى قيادة النظام السوري وهي تهنّئ قيادة النظام الإيراني على هذا الاتفاق، في رغبة بالإيحاء أن ثمة انتصاراً إيرانياً ما قد تحقق، وفي محاولة لنقل حالة من الشعور بالنصر إلى أنصار النظام في الداخل».

ويتدارك الجندي: «من المشكوك فيه حقيقةً أن يحصل النظام على دعم أكثر مما هو حاصل عليه بالفعل. فالملف النووي يتمتع، ديبلوماسياً وسياسياً، باستقلالية نسبية عن بقية الملفات الكثيرة بغضّ النظر عن أهميتها، وبينها العدوان الإيراني على السوريين. والمسار الذي تتعبه القيادة الإيرانية، واستتباعاً القيادة السورية، في الميدان السوري هو في كل الأحوال المسار الأكثر تفتيتاً لسورية والأكثر فتكاً بالسوريين».

ويؤكد ان «النظام الإيراني في وضع صعب داخلياً، وسيعطي الداخل أولوية لترميم جراحه ومعالجة مشاكله. لكن الإفراج عن مليارات الدولارات من الأرصدة المجمدة قد يزيد المغامرة الإيرانية في سورية، وقد يمنحها فرصة شراء ذمم ومواقف فئات جديدة، فضلاً عن شراء منشآت حيوية جديدة في سورية. لكن ما يجب ألا يغيب عن بالنا إطلاقاً أن مستقبل سورية مرهون أولاً وقبل كل شيء برغبات السوريين على اختلاف مكوّناتهم وتياراتهم، وأن النظام لا يمكن أن يحافظ على بقائه على رأس دويلة محصورة جغرافياً، إلا بدعم قوات احتلال أجنبية إيرانية ولبنانية».

أما المحلل السياسي غسان إبراهيم، فيشير إلى أن الاتفاق النووي «سيكون له تأثير سلبي على الوضع العربي بشكل عام وعلى الوضع في سورية بشكل خاص، فنظام الديكتاتور بشار الأسد يعتمد على الدعم المالي والعسكري المقدّم من إيران بشكل شبه كامل، وتوقيع هذا الاتفاق سيرفع العقوبات عن إيران».

ويقول: «بكلام اخر، الإمكانات المالية لإيران ستكون أكبر نظراً لقدرتها على الانفتاح الاقتصادي على السوق الدولية، أي أنه ستكون لديها قدرة مالية أكبر للانفاق على ميليشياتها في سورية سواء كانت الحرس الثوري أو (حزب الله) اللبناني أو المجموعات العراقية بالاضافة إلى ميليشيات بشار الأسد».

ويوضح إبراهيم أن «الاتفاق نظرياً سيطوّل عمر النظام، فالدعم المالي سيساعده على التحمل أكثر، وهذا سيجعل النظام أكثر تشدداً في قبول أي حلول دولية وفق أجندة جنيف التي تدعو إلى هيئة حكم انتقالية لا يكون الأسد جزءاً منها، بالإضافة إلى ذلك فإن إيران ستشعر بأنها في وضع يجعلها أكثر قدرة على المناورة سياسياً من أجل دعم النظام».

لكن إبراهيم يشير إلى أن «هذا لا يعني أبداً أن إيران ستستطيع إبقاء الأسد وفرْضه في أي حلّ نهائي»، مضيفاً: «نعم قد تستطيع إطالة عمره، ولكن بالتأكيد فإن حرب الاستنزاف ستستمر في سورية ولن ترضخ المعارضة والثوار لأي حل يكون الاسد جزءاً فيه. سورية المستقبل لا يمكن ان تكون تحت النفوذ الإيراني بل ستعود إلى الحضن العربي. وبداية الطريق إلى الحضن العربي تبدأ بالتخلص من نظام الأسد».

ويعتبر إبراهيم أن «النظام سيستفيد مالياً واقتصادياً وستزداد قدرته على استيراد السلاح الروسي بالمال الإيراني، ولكن هذا لا يعني أنه سيستطيع أن يرمم نفسه بشكل جذري بل بشكل جزئي بما يساهم في إطالة عمره في بعض المدن السورية أو أجزاء من المدن السورية»، مضيفاً: «حرب التحرير التي يقودها الثوار لن تتوقف بل ستستمر، وأي محاولة لترميم النظام ستُستنزف وبالتالي سيجد نفسه في دائرة مغلقة، بمعنى أنه كلما حصل على المزيد من الدعم كلما واجه صموداً أكبر من الثوار، وهنا علينا أن نتذكر أن أكبر تحديات النظام هي نقص الموارد البشرية في ميليشياته. نعم الاتفاق النووي قد يؤمن له مزيداً من الدعم المالي ولكن لن يستطيع أن يوفّر له موارد بشرية ولن يستطيع أن يؤمن له المزيد من المقاتلين لدعمه، فهذه هي معضلته الأساسية والتي لم ولن تتغير عما كانت عليه قبل الاتفاق النووي».

ويجد إبراهيم أن على المعارضة السورية «الاستعداد لمعركة استنزاف تمتدّ لفترة أطول، مما يعني المزيد من الصبر والتضحيات في المعارك لإنهاك النظام وإيران. بالإضافة إلى ضرورة أن تعتمد المعارضة على إقامة حلف عربي لمواجهة نظام الأسد».

مضيفاً: «إن المناطق السورية التي ما زالت خاضعة لنظام الأسد هي في الحقيقة محتلة من إيران. والخطر الإيراني ليس فقط على الشعب السوري بل على العالم العربي ككل. وبالتالي فإن المعركة في سورية، على الرغم من أن الشعب السوري هو مَن يدفع ثمنها، إلا أن انتصار الثورة السورية هو انتصار للشعوب العربية في مواجهة العدوان والاحتلال الإيراني في سورية والدور الإيراني التخريبي في العالم العربي. وعلى المعارضة السورية العمل والتنسيق مع كل الإخوة العرب والاستعداد لمعركة إخراج إيران من العالم العربي ومنعها من التخريب وزعزعة أمن البلدان العربية».

وعما إذا كان يتوقع وجود اتفاقات من تحت الطاولة، يقول إبراهيم: «كل هذه الاحتمالات تظل قائمة، ولكن على المعارضة السورية والدول العربية أخذ أسوأ السيناريوات والاستعداد لها، فإذا كانت نتيجة الاتفاق إطلاق يد إيران في العالم العربي، فعلينا وضع الخطط المناسبة لمواجهة ذلك في سورية والعالم العربي. وإذا كانت السيناريوات جيدة كتحجيم (حزب الله) في لبنان أو التخلي عن الأسد في سورية أو غيرها، فهنا لا يمكننا أن نصدّق هذه الطروحات حتى نراها على أرض الواقع. فتجربتنا مع إيران على مدار أكثر من 30 سنة أثبتت أنها تحاول التوغل في الجسم العربي. نعم الشكل تغيّر أكثر من مرة ولكن مضمونها التخريبي للأسف لم يتغيّر. لا يوجد الكثير من الأمور في هذا الاتفاق تدعو إلى التفاؤل. ونرى أن المزيد من الحرص والحذر مطلوب تجاه هذا الجار الذي جَارَ على جيرانه أكثر من مرة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي