يتسابقون على نشر الجرائم والأحداث على مواقع التواصل لزيادة شهرتهم بين أوساطها

اللبنانيون أبطال «افتراضيون»... و«شوفيني يا منيرة» تغلب على تصرفاتهم

تصغير
تكبير
• لبنان الذي كان دائماً يتغنّى بالديموقراطية... هل بات أسيراً للرغبات والحالات النفسية لدى بعض مواطنيه؟!

• المقيم بات خائفاً من تحوّله إلى ضحية لسبب «تافه» والمغترب يقول «خليني قاعد برا بلا ما انزل وموت»
أسد لبنان كم أظهر أنه ليس بـ «جبان»

أسد الغاب وجد في المسرح اللبناني متنفساً ليرتكب جريمة... كما لو أنه في غابة.

المفترس انقض على ضحيته طعناً ولكماً ورفساً... ومع وجود الجمهور المتفرج، انتشى أكثر وأكثر ولم يبرح المكان بل استمر في طعن ورفس من كان على الرمق الأخير من حياته.

مفارقة عاشها اللبنانيون حضوراً، حضور المتفرج على جريمة قتل حصلت في وضح النهار وتناقلوها لاحقاً مشهداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه هي حال القبضاي اللبناني والذي بدا وهو ينقض على ابن بلده كما يفتك أسد بفريسته.

مفارقة... هل هذا هو لبنان... لبنانيو جدهم المعرفة والفينيق والأحرف الأبجدية إلى العالم وجبران خليل جبران وفيروز «بحبك يا لبنان»، أم أن الحرب العبثية التي شمرت عن زنودها مطلع السبعينات من القرن الماضي وعصفت بالأخضر واليابس وبالحجر والبشر، أفرزت عقلية شريعة الغاب؟

كل يوم جريمة، وما أكثر من يرتكبها الرجال بحق زوجاتهم... وتكر السبحة!

... وإلى النموذج الجرمي..

امرأة تقتل ابنة زوجها لأنها تسبب إزعاجاً للعائلة، ولد يقتل مثيله بعد تحرشه به جنسياً، شاب يقضي على حياة آخر بسبب خلاف على أحقية مرور ليقضي هو الآخر على مستقبله، طعن شخص والجلوس بقربه مع تدخين النرجيلة كأن شيئاً لم يكن، عمليات خطف لأطفال ورجال أعمال وتجار وطلب فدية ضخمة للإفراج عنهم، تعذيب حيوانات على مرأى الأهل والأصدقاء، تناول المخدرات من دون رادع، التحرش الجنسي وممارسة الجنس على الطرقات، عناوين قد تصلح لعبارة «شريعة الغاب» التي تحكم العيش في المزارع وحرب العصابات، إلا أنها باتت من يوميات المواطن اللبناني في الفترة الأخيرة، وسط اقتناع الجميع أن الإنسانية ماتت في قلوب شعب جبل على التضحية وتحول أفراده إلى هاربين من الموت لأسباب تافهة، وإلى طالبي للشهرة «الافتراضية» على وسائل التواصل الاجتماعي.

التهليل لإقرار قانون زواج المثليين في أميركا، تنفيذ مظاهرة من قبل مجموعة شباب يلبسون أحذية نسائية (السكربينة) إحياء لحقوق المرأة، الاحتفال بالاتفاق النووي الإيراني، تبادل النكات بعد المعركة الحكومية الأخيرة بين رئيس الحكومة وأحد الوزراء المسيحيين، تبادل اتهامات التخوين بين أنصاري معسكري 8 و14 أذار (مارس)، أظهرت أن الشباب اللبناني بات فارغاً وبات يهرب من واقعه المعيشي إلى أمور سطحية لو حدثت في الغرب لكانت سبباً في إقالة وزارات وحبس مسؤولين وتغريم شركات.

فشل لبنان في اختيار رئيس يمثلهم لأكثر من عامين، التهجم على الجيش اللبناني، الهجوم على المقرات الرسمية للدولة، إقفال الطرقات بالإطارات المشتعلة وبالخيم، باتت الحال المخيمة على لبنان، وبات عمل الذين لا عمل لهم، وأضحى مصدراً مهماً للقنوات التلفزيونية اللبنانية من أجل زيادة متابعيها ونشر تقاريرها والحصول على أعلى حصة سوقية فيها، وسط تساؤلات عديدة هل تؤدي هذه الأفعال إلى تحقيق إنجازات على المستوى الوطني؟، أم تؤدي إلى زيادة مستويات التطرف العالية أصلاً في لبنان اليوم؟

ولعل المتابع لبعض الجرائم التي حصلت أخيراً في لبنان، بات يرى أن السباق بين الشاهدين عليها لا يقوم على إنقاذ الضحية، لا بل تحول إلى سباق على استخدام الهواتف الذكية وتصوير الجرائم ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي كـ «فايسبوك» و«تويتر»، بحثاً عن «لايك» إضافي من المتابعين على الصفحات، وشعبية «زائفة» تمنح صاحبها ثقة «كاذبة» بنفسه على أنه القادر على التغيير وتحقيق الإنجازات التي تبقى «افتراضية» وبعيدة عن الواقع بشكل كبير.

وقد يقول المطلع على سير الأمور في وطن الأرز، إن القائمين على الأمن فيه عاجزون عن تأمين الحماية لشعبه الأطفال منهم والشباب كما الكبار، إلا أن الحقيقة تظهر أن التساهل في تطبيق القوانين والمحسوبية التي تفرض نفسها على الأرض هي التي أوصلت البلد اليوم إلى ما يعانيه من مشاكل اجتماعية، وأن الصراع على التعيينات في المراكز العليا بدءاً من رئاسة الجمهورية وصولاً إلى أصغر المناصب في بلد تحول إلى «مزرعة» بفعل التصرفات الهمجية التي باتت تطبع يومياته، تعد المسبب الرئيسي لكل المصائب التي تنزل على رؤوس عائلات تفقد رب أسرها وفلذات كبدها في الأماكن الخاطئة.

ولا بد أن كل من رأى الفيديو الأخير الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن عملية قتل عن سابق تصور وتصميم لشاب لبناني يدعى جورج الريف على يد طارق يتيم، الذي انقض على ضحيته طعناً ولكماً ورفساً... ومع وجود الجمهور المتفرج، الذي رأى الواقعة من دون محاولة إنقاذ الضحية وعمدهم إلى تصوير الواقعة لنشرها على «فايسبوك» و«تويتر»، اللهم إلا بعض النساء اللاتي صرخن لثني المجرم عن هجومه ولكن لا حول لهن ولا قوة، وجعله يتساءل هل بات لبنان مرتعاً للغريزة الحيوانية في عقول بشرية، وهل بات الوطن الذي كان يتغنى دائماً بأنه بلد الديمقراطية أسيراً للرغبات والحالات النفسية لدى البعض من مواطنيه الذين لا يفكرون إلا بعرض عضلاتهم من دون خوف من العقاب.

وقد يقول البعض إن وسائل التواصل الاجتماعي هي مكان للمزاح والتواصل بين الأقرباء الذين تفرق بينهم المسافات، إلا أن طريقة استخدامها في لبنان يؤكد بلا شك أنه على السلطات منع استخدامها أو فرض قيود عليها، وتجعل الكثيرين على يقين أن «العيشان» الإلكتروني بات يؤذي اللبنانيين وسمعة لبنان على جميع الصعد السياحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

واقع صعب بات يعيشه اللبناني المقيم والمغترب، فالمقيم على أراضي لبنان بات خائفاً من تحوله إلى ضحية لسبب «تافه» يقضي على حياته، والمغترب بات يقول «خليني قاعد برا بلا ما انزل وموت»، بات تغييره بحاجة إلى معجزة كبير من مسببي هذه الحالة أنفسهم ومن المسؤولين والجهات العليا الحاكمة للبلد، التي ما تنفك تؤكد استقرار الأوضاع في لبنان، في حين أن الوقائع تظهر العكس وتبين التفلت الأمني الحاصل الذي يضاف إلى سلسلة من الويلات الأخرى التي يعاني منها لبنان، كبلوغ أكثر من نصف الشعب خط الفقر، والارتفاع المتواصل في الدين العام، وتأخير الرواتب في القطاعين الحكومي والخاص، وصرف الموظفين، والنمو المتواصل في عدد السكان مع المعارك الدائرة بالقرب منا، وسط لا مبالاة بعض «التافهين» المقيمين في الدولة والذين ينفّذون مقولة «شوفيني يا منيرة» بحذافيرها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي