«8 آذار» تهلّل و«14 آذار» تتريّث ومن بينهما... يرتاب

هل يكون لبنان أوّل ساحات اختبار مفاعيل الاتفاق النووي ؟

تصغير
تكبير
إذا أردتَ ان تعرف ماذا سيجري في لبنان فعليك ان تنتظر مفاعيل الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي وأيّ منطقة ستولد من رحم هذا التحوّل التاريخي وهل سيفضي الى مسار انفراجي او انفجاري في الملفات الإقليمية الشائكة.

لم يكن جفّ في فيينا حبر التوقيع على «النووي»، حتى برزت في بيروت مقاربتان لوهج هذا الاتفاق على لبنان:


الأولى اعتبرت ان لبنان سيكون اول المستفيدين من هذا التطور الإستراتيجي لأنه الملف الأسهل لافتتاح مرحلة بناء الثقة بين مراكز النفوذ في المنطقة وتحديداً بين طهران والرياض، كون أزمته السياسية - الدستورية القائمة على التوازن السلبي قابلة للحلّ على طريقة لا غالب ولا مغلوب، ولا تملي على القوتيْن الإقليميتيْن السعودية وإيران تقديم أي تنازلات مؤلمة او ذات طبيعة إستراتيجية.

اما المقاربة الثانية، فرأت ان لبنان قد يكون آخر عنقود الساحات التي ستتلقّف تداعيات الاتفاق النووي، باعتبار ان الاولوية ستكون للملفات اللاهبة، ولا سيما اليمن وسورية، فالأزمة اللبنانية التي تعبّر عن نفسها بالفراغ في رئاسة الجمهورية والشلل في البرلمان ومحاولة تعطيل الحكومة، اضافة الى تورّط «حزب الله» عسكرياً في سورية، تعتمل «على البارد» وما زالت تحت السيطرة في ظل الضوابط المانعة لانفلاتها بالكامل.

وعلى وقع هاتيْن المقاربتيْن، خضع الاتفاق النووي لمقياس الانقسام اللبناني في قراءة حسابات الربح والخسارة التي عبّر عنها، فيما مرّت الجلسة 26 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وكأنها لم تكن، في ظل تكرار مشهد عدم اكتمال النصاب نتيجة مقاطعة كتلتيْ العماد ميشال عون و«حزب الله» وإصرار الأول على بلوغه سدة الرئاسة تحت عنوان «الرئيس القوي».

ورغم عدم انكشاف كل خيوط «النووي» وآليات تطبيقه واذا كانت كواليس فيينا شهدت كلاماً ولو بالأحرف الاولى حول مسار المنطقة ما بعد الاتفاق، فإن فريق «8 آذار» بدا مهلِّلاً لهذا التطور، معتبراً اياه «انتصاراً ستنعكس تداعياته على صعيد المنطقة وأعطى طهران أسبقية في إطار إدارة ملفات المنطقة واعترافاً بدورها الإقليمي وهو ما سيُترجم في لبنان وساحات أخرى».

أما قوى «14 آذار» فراوحت قراءتها لهذا الاتفاق بين التريث بانتظار استكشاف كل ملابسات هذا التحوّل وملاحقه الإقليمية، وبين مَن رأى ان ما حصل في فيينا أنهى مرحلة «إيران الثورة» لمصلحة «ايران الدولة» التي عادت الى «بيت الطاعة الدولي»، مع ما يرتّبه ذلك من وجوب التزامها بتعديل سياساتها على النحو الذي ينسجم مع قواعد الشرعية الدولية، وان طهران ما بعد النووي لن تكون كما قبله، ولا سيما في ظل صعود نجم الإصلاحيين على حساب المتشددين داخلها، وهو ما سيلفح لبنان وساحات أخرى ولا سيما ان الغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة كان واضحاً في الإبقاء على ربْط نزاع مع ايران في عنوانيْ دعم الإرهاب وإثارة القلاقل في المحيط.

وبين القراءتيْن، لم تتوان بعض الأوساط عن «نعي» المنطقة بوجهها الحالي والتعاطي مع الاتفاق النووي على انه أطلق يد ايران على حساب العرب، وانه قد يفضي الى تغييرات عميقة شبيهة بمعاهدة «سايكس بيكو» او الى مسار صِدامي على غرار ما حصل في أعقاب اتفاق «كامب ديفيد»، ولا سيما في ضوء الانطباع بأن دول الثقل العربي لن تسلّم بأي «جوائز ترضية» لإيران في المنطقة.

وفي اللحظة التي كانت كل الأنظار شاخصة إلى تقويم نتائج الاتفاق النووي، قفز الجميع فوق الـ «لا جلسة» انتخاب رئيس للجمهورية التي كان موعدها أمس، والتي التحقت بسابقاتها الـ 25 وأرجئت الى 12 أغسطس المقبل، وسط تضاؤل الاهتمام السياسي والإعلامي بهذا «المسلسل» الذي طغت عليه الأزمة الحكومية التي تضرب موعداً بعد عيد الفطر مع استحقاق سيشكّل اختباراً لحقيقة النيّات الداخلية بالحفاظ على آخر المؤسسات الدستورية العامِلة في النظام ريثما ينقشع الغبار النووي.

وتشكّل الايام الفاصلة عن موعد جلسة مجلس الوزراء في 23 الجاري محطة لاستكمال اتصالات حثيثة يقوم بها «حزب الله» على خط رأب الصدع بين حليفيْه رئيس البرلمان نبيه بري والعماد عون اللذيْن يتواجهان على المكشوف داخل الحكومة وخارجها، اضافة الى جهود يبذلها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على خط تقريب وجهات النظر بين عون ورئيس الحكومة تمام سلام المتمسّك برفض اي منطق تعطيلي للحكومة رغم استعداده لمناقشة مطلب عون بالبحث في آلية عمل الحكومة الرئاسية من دون اي مساومة على حقه في وضع جدول الأعمال. علماً ان ملفّ التعيينات الأمنية الذي يصرّ فيه عون على تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش قد يحال حكماً على موعد 7 أغسطس، تاريخ استحقاق بت ملف رئاسة أركان الجيش اللبناني تمديداً او تعييناً، وسْط عدم بروز اي مخارج تسمح بتفادي كأس التمديد لقائد الجيش ايضاً، والذي يرفضه عون بشدّة وكان لوّح بقلب الطاولة على الجميع في حال السير به.

وبرزت في الساعات الماضية المعلومات عن ان وزيريْ «حزب الله» وقّعا مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب التي يطالب بها بري بقوّة، وسْط مناخ عن مرونة من جانب عون لجهة إمكان السير بالمرسوم في حال تم تضمينه بعض البنود التي كان يشترطها تحت عنوان «تشريع الضرورة» مثل قانون الانتخاب واستعادة الجنسية والموازنة، وذلك في إطار رسالة حسن نيّة في غمرة «الكباش» الحكومي الذي شكّل محوراً في اللقاء الذي جمع في جدة الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط على هامش زيارة الاخير للسعودية مع نجله ووفد نيابي للتعزية بالأمير سعود الفيصل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي