«مسؤولية الخطاب الطائفي يتحملها من استجلب مرتزقة لحماية نظامه المتهاوي»
سهير الأتاسي لـ «الراي»: الضغط العسكري يُلزم الأسد بالتفاوض على تسليم السلطة
سهير الأتاسي
• وحدة المعارضة مجرّد ذريعة استخدمها المجتمع الدولي كي لا يتدخّل في سورية لوقف شلال الدماء النازف منذ 5 سنوات
• الفارق شاسع بين حوار موجَّه غايته إعادة تأهيل السفّاحين وحوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد
• دون التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية فإن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ستدخل في دوّامة من العنف
• لا مصلحة لأحد بالاتصال بمجرم حربٍ منبوذ من المجتمع الدولي ومحاصَر في جحره تحت حراسة إيرانية
• إيران تحتلّ بلداً عربياً وتفجّر المنطقة طائفياً وعلى الدول العربية أن تدرك هذا قبل فوات الأوان
• الفارق شاسع بين حوار موجَّه غايته إعادة تأهيل السفّاحين وحوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد
• دون التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية فإن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ستدخل في دوّامة من العنف
• لا مصلحة لأحد بالاتصال بمجرم حربٍ منبوذ من المجتمع الدولي ومحاصَر في جحره تحت حراسة إيرانية
• إيران تحتلّ بلداً عربياً وتفجّر المنطقة طائفياً وعلى الدول العربية أن تدرك هذا قبل فوات الأوان
رأت عضو الائتلاف الوطني السوري سهير الأتاسي «أن المصير الطبيعي والعادل لرأس النظام ودائرة القتل من حوله هو المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية»، معتبرة انه «لو كانت المعارضة السورية موحّدة وتقوم بعمل مؤسساتي متناغم، فإنها لنْ تستطيع تغيير السياسات الخارجية للدول العظمى».
وشددت الأتاسي في حديث لـ«الراي» على أن «أي حوار بين السوريين ضروري وإيجابي في هذه المرحلة الصعبة، وهو خطوة لتقريب وجهات النظر، ولكن يبقى الفارق شاسعاً بين حوار موجَّه مسبَق النتائج وغايته إعادة تأهيل السفاحين، وبين حوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد و«القاعدة»على السواء، باعتبارها خطوة أولى باتجاه دولة الحرية والمواطَنة والديموقراطية، مشيرة إلى أن «الحلّ السياسي وحده لم يعد ممكناً، فلا بدّ من ضغط عسكري يلزم الأسد بالرضوخ للتفاوض على تسليم السلطة».
وشددت الأتاسي على أنه من دون التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية فإن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ستدخل في دوّامة من العنف، لافتة إلى أن هناك فرقاً شاسعاً بين حوار موجَّه غايته إعادة تأهيل السفاحين وبين حوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد.
وفيما يلى تفاصيل الحوار:
? هل الأزمة السورية على طريق الحل في رأيك؟
- مصطلح «الأزمة السورية» بالنسبة لنا يعني وجود نظام مجرم أصبح بمثابة عصابة مارقة، تقتل وتهجّر منذ خمس سنوات وتمارس سياسة التجويع كسلاح حرب في مواجهة الشعب السوري. هناك تحرّكات إقليمية واضحة لفعل شيء جدّي بخصوص سورية، ولكنها ما زالت تتسم بشيء من التخبّط بدل التراكم، ابتداءً من مؤتمر موسكو مروراً بكازاخستان والقاهرة، وصولاً إلى مشاورات «دي ميستورا» في جنيف دون برنامج عمل واضح ومعايير معلَنة لجهات المعارضة التي تمت دعوتها. وما زالت هذه التحركات تسير ببطء شديد نظراً لتعقيد الأزمة السورية وارتباطها بقضايا إقليمية ودولية عدة.
? هل سيتم تذليل الخلاف الحاصل بين المعارضة والدول حول مصير رأس النظام؟
- المصير الطبيعي والعادل لرأس النظام ودائرة القتْل من حوله هو المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، فجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتبكها رأسُ النظام وكبار ضبّاط الجيش والأمن أصبحتْ موثقة بعشرات الأدلّة، ولا سيّما تقرير بعثة التحقيق الأممية حول استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، وتقرير «قيصر» المقدّم أمام مجلس الأمن.
أما موضوع وحدة المعارضة السورية، فهو مجرّد ذريعة استخدمها المجتمع الدولي كي لا يتدخّل في سورية ليُوقف شلال الدماء النازف منذ خمس سنوات. هل المعارضة التركية موحّدة؟، هل المعارضة الفرنسيّة موحدة؟ من الطبيعي أنْ تتألف المعارضة من أحزاب وتيارات سياسيّة عدّة لكلٍّ منها أيديولوجيا معينة. أما التأخير في عملية إنهاء النظام فتقع مسؤوليته على مجلس الأمن الدولي المعطّل، ولا سيما بعدما أصبحت الأزمة السورية أزمةً إقليمية ودوليّة. فحتى لو كانت المعارضة السورية موحّدة وتقوم بعمل مؤسساتي متناغم، فإنها لنْ تستطيع تغيير السياسات الخارجية للدول العظمى.
? ماذا انتجت الحوارات بين المعارضة؟
- أي حوار بين السوريين ضروري وإيجابي في هذه المرحلة الصعبة، وهو خطوة لتقريب وجهات النظر، ولكن يبقى الفارق شاسعاً بين حوار موجَّه مسبَق النتائج غايته إعادة تأهيل السفاحين، وبين حوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد و«القاعدة» على حدّ سواء، باعتبارها خطوة أولى باتجاه دولة الحرية والمواطَنة والديموقراطية. ورغم أن مؤتمر القاهرة تميّز بتأكيده في بيانه الختامي «ضرورة إسقاط السلطة الحاكمة في دمشق بكافة رموزها السياسية» كما تشديده على ضرورة «محاسبة مرتكبي الانتهاكات في سورية»، لكنه يبقى خطوة ناقصة شابها الإقصاء والواقعية. فلم يعد السؤال الأساسي كيف يكون الحل السياسي في سورية؟ بل أصبح: هل ما زال الحل السياسي ممكناً بعدما انتهك نظام الأسد كافة مقوماته؟ ويبقى مؤتمر القاهرة خطوةً جيدة في سبيل تقريب وجهات النظر.
? مَن المعارضة المعتدلة؟ وهل ممثلها هو الائتلاف؟ وما علاقتها بالمعارضات الأخرى ولا سيما التي تحمل شعارات دينية تُسمي بها فصائلها العسكرية؟
- لا يجوز لنا أن نعتمد، في رأيي الشخصي، توصيفات لطالما اعتمدها النظام في عملية توزيع صكوك الوطنية والتمييز بين معارضة داخل وخارج باعتبار الأولى وطنية والثانية عميلة، أو الأولى معتدلة والثانية متطرفة. نعم يوجد معارضة في الداخل جغرافياً، وهي تتألف من أحزاب سياسية وتجمعات ثورية عدة وفصائل عسكرية، مثلما يوجد معارضة في الخارج حُكم عليها بالمنفى لكنها كانت أساساً، ومنذ اليوم الأول لانطلاق الثورة تدعم استمراريتها وصمودها من خلال مساندتها إعلامياً وسياسياً وديبلوماسياً وإنسانياً. والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هو المظلّة الأكبر التي تضمّ غالبية أطياف المعارضة بغض النظر عن تموْضعاتها الجغرافية، مع ممثلين للمجالس المحلية والحراك الثوري، وكذلك المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر.
وبالنسبة للتسميات التي تحمل رمزاً دينياً أو تاريخياً، فهي من طبيعة الشعب السوري وهويّته العربية الإسلامية الغالبة، وهذه التسميات كانت تُطلق على الشوارع والمدارس والساحات في سورية منذ زمن بعيد. أما إذا كنّا نقصد بروز تيارات السلفية الجهادية، فلهذه الظاهرة أسباب كثيرة لا مجال لشرحها هنا، ومنها سياسة حزب البعث الاستبدادية والإقصائية على مدى خمسين عاماً، ما أفرغ الساحة السورية تقريباً من التيارات السياسية والمدنية، وسياسة نظام الأسد التمييزية على أساس طائفي، وهناك أسباب عالمية تتعلّق بالظلم والاضطهاد الذي يتعرّض له المسلمون في مختلف دول العالم، ولا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر.
? الخطاب الطائفي في الداخل لبعض المعارضة مؤثّر على الشارع السوري أكثر من خطاب معارضة الخارج لماذا؟
- بالطبع فإن خطاب القوى الثورية على الأرض مؤثر أكثر من قوى المعارضة في الخارج، ولكن لا يمكن وصفه بالخطاب الطائفي، فنحن لم نسمع كلاماً طائفياً من أحد ممثلي الثورة أو شبابها خلال العام الأول من الثورة، إلى أنْ ظهرتْ بعض ردود الفعل على الجرائم الطائفية التي ارتكبتها الميليشيات الموالية لنظام الأسد، لا سيّما مجازر الحولة والتريمسة، وكذلك بعد التدخل العسكري من «حزب الله» واحتلاله لبلدات سورية عدة في القلمون وحمص، بالإضافة إلى قيام النظام باستجلاب ميليشيات طائفية من إيران والعراق وأفغانستان. إذاً الخطاب الطائفي الذي نرفضه قطعاً، تقع مسؤوليته على مَن بدأ بارتكاب جرائم على أساس طائفي، واستجلاب ميليشيات طائفية مرتزقة لحمايه نظامه المتهاوي.
? ما المعوقات امام انتقال الحكومة الموقته الى الداخل السوري؟
- لأنها حكومة لم يُسمح لها بأنْ تملك مقوّمات النجاح، حيث اعتمدت في تمويلها على دعم من «أصدقاء سورية»، ولم تتلقَّ دعماً حقيقياً سوى من دولة قطر الشقيقة، بينما تركتْها بقيةُ دول «أصدقاء سورية» وتخلّتْ عنها. كما أنها حكومة لم تحظَ بالاعتراف السياسي والقانوني كي تتصرّف كبقية حكومات الدول. وبما أن غالبية دول «أصدقاء سورية» لا يعتمدون على المؤسسات الرسمية لتقديم الدعم إلى الشعب السوري، وهي (الائتلاف، الحكومة الموقتة، وحدة تنسيق الدعم، المجلس العسكري الأعلى)، بل يوجّهون الدعم عبر أشخاص معيّنين وجهات معينة، أصبحَ موقفُ السوريين في الداخل سلبياً تجاه مؤسسات المعارضة، وهذه سياسة مقصودة من بعض الدول الغربية، حيث إنهم يطالبوننا ببناء مؤسسات ليعملوا عن طريقها، ثم يتركونها ويعملُون عن طريق الأفراد، مما يزيد الانقسامات بين السوريين، وينعكس سلباً على الشعب السوري.
? هل سينجح الائتلاف بتشكيل جيش سوري موحد؟
- لا يمكن تشكيل هذا الجيش السوري الموحّد إلا بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات التي نصّ عليها (بيان جنيف 1) عام 2012، حيث تتمتع هذه الهيئة بكافة الصلاحيات الرئاسية والعسكرية والأمنية، وتقوم بتشكيل جيش وطني موحد، وتدعو بقية الفصائل للانضمام إليه. ومع ذلك يحاول الائتلاف العمل اليوم على إعادة هيكلة المجلس العسكري الأعلى ليكون المؤسسة التي تمثّل الفصائل العسكرية الفاعلة على الأرض وتنسّق فيما بينها على أساس ميثاق وطني واستراتيجية عسكرية.
? كيف تقرأين الموقفين الدولي والعربي من دعم المعارضة؟
- التحركات الدولية تسير ببطء شديد كما سبق وذكرتُ، والحلّ السياسي وحده لم يعد ممكناً، فلا بدّ من ضغط عسكري يلزم الأسد بالرضوخ للتفاوض على تسليم السلطة. الحل السياسي يمكن أن يأتي في ربع الساعة الأخير. حلّ يتبنّى مطالب الثوار ويحقق أهداف الثورة بالانتقال إلى نظام ديموقراطي تعددي يسوده القانون. ودون الوصول إلى هذا الحلّ، فإن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ستدخل في دوّامة من العنف، لن تسْلَم منها حتى الدول البعيدة جغرافياً.
? هل ستكون سورية دون الاسد؟
- المطلوب تغيير موازين القوى على الأرض وصولاً إلى تشكيل هيئة الحكم الانتقالية بصلاحيات كاملة، وإحالة الملف السوري على المحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن، ومحاسبة مرتكبي الجرائم من كافة الأطراف، وبعدها نحتاج إلى فترة طويلة من تطبيق العدالة الانتقالية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمّرها نظام الاستبداد والفساد على مدى نصف قرن.
? نسمع انتقادات من معارضين لآداء رئيس الائتلاف خالد خوجة والائتلاف بشكل عام، هل أنتِ راضية عن هذا الآداء وكيف تفسرين ما يحصل؟
- إن تقييم أداء أيّ رئيس مرّ على الائتلاف، يجب أنْ يأخذ في الاعتبار الإمكانات المتاحة بين يديْ هذا الرئيس. والدكتور خالد خوجة، للإنصاف، تسلم رئاسة الائتلاف في ظروف إقليمية ودولية صعبة. لكن الائتلاف عندما يتعامل كمؤسسة بهيكلية وصلاحيات واضحة المعالم وبروح فريق العمل سيكون قادراً بالتأكيد على قيادة المرحلة بالتعاون مع الثوار على الأرض وهو باعتقادي يسير بهذا الاتجاه بعد معاناة طويلة مع التفرّد والانفصال عن الفصائل العسكرية والقوى المدنية، بشرط أنْ يتوفّر له الدعم السياسي والعسكري والإنساني الذي وعدتْ به «دول أصدقاء سورية» عند تشكيل الائتلاف.
? قيل ان نتائج الانتخابات التركية ستؤثر سلباً على المعارضة هل توافقين على وجهة النظر هذه؟
- لا نعتقد أنها ستؤثّر، أولاً لأنّ تركيا دولة مؤسسات، وثانياً لأن حزب «العدالة والتنمية» ما زال الأقوى داخلياً وخارجياً، ولا أعتقد أن المعارضة التركية ستفتح حواراً مع الأسد، فلا مصلحة لأي حزب بالاتصال مع مجرم حربٍ منبوذ من المجتمع الدولي، ومحاصَر في جحره تحت حراسة إيرانية.
قد تحدث تغييرات في السياسة التركية بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ربما غالبيتها في السياسة الداخلية، أما من حيث السياسة الخارجية فإنّ الظروف الإقليمية والدولية ستُبقي الموقف التركي - مما يجري في سورية - كما هو.
? كيف يمكن وضع حد في رأيك لمشكلة التدخل الإيراني في سورية؟
- التدخل الإيراني وصل إلى مرحلة الاحتلال العسكري المباشر، واليوم ينتشر مئات العسكريين الإيرانيين من خبراء وضباط وجنود في دمشق العاصمة، وفي غرف إدارة العمليات في المحافظات الأخرى. ولهذا التدخل دورٌ كارثي على سورية وعلى المنطقة بأكملها، وله دور رئيسي ومقصود في إشعال الفتنة الطائفية في المنطقة. إيران تحتلّ بلداً عربياً وتفجّر المنطقة طائفياً، وعلى الدول العربية أن تدرك هذا قبل فوات الأوان.
التخلّص من «داعش» يكون بالتخلّص من الأسباب التي أدّتْ إلى ظهوره، وليس بمعالجة النتيجة دونَ أسبابها. ومن أسباب ظهور «داعش»: أنظمة الاستبداد والإرهاب والفساد التي حكمتْ عدداً من الدول العربية، والتدخل العسكري الغربي فيها، والتدخل الإيراني السافر في العراق وسورية ولبنان واليمن، ومحاولاتها الدائمة لتفجير المنطقة طائفياً.
اما بالنسبة لاحتمال تقسيم سورية، فهو ما يسعى إليه نظام الأسد وحلفاؤه، فالتقسيم هو الخطة (ب) للنظام، بعد أن فشل بتنفيذ الخطة (أ) وهي القضاء على الثورة بالقوة العسكرية، وأعتقد أنه من الصعب على نظام الأسد تشكيل دويلته الخاصة، لأنه أضعف من ذلك، وهو غير قادر على حماية نفسه. كما أن فرضيّة التقسيم ستكون لها انعكاسات خطيرة على الدول المجاورة لسورية، ولا سيّما العراق ولبنان وتركيا وحتى دول الخليج، وعلينا جميعاً أن ندرك خطورة هذا الأمر وأن نسخّر كل الإمكانات للوقوف في مواجهته، وهو بكل تأكيد مخالف تماماً لإرادة الشعب السوري العظيم. فلا بدّ أن يستجيب القدَر.
وشددت الأتاسي في حديث لـ«الراي» على أن «أي حوار بين السوريين ضروري وإيجابي في هذه المرحلة الصعبة، وهو خطوة لتقريب وجهات النظر، ولكن يبقى الفارق شاسعاً بين حوار موجَّه مسبَق النتائج وغايته إعادة تأهيل السفاحين، وبين حوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد و«القاعدة»على السواء، باعتبارها خطوة أولى باتجاه دولة الحرية والمواطَنة والديموقراطية، مشيرة إلى أن «الحلّ السياسي وحده لم يعد ممكناً، فلا بدّ من ضغط عسكري يلزم الأسد بالرضوخ للتفاوض على تسليم السلطة».
وشددت الأتاسي على أنه من دون التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية فإن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ستدخل في دوّامة من العنف، لافتة إلى أن هناك فرقاً شاسعاً بين حوار موجَّه غايته إعادة تأهيل السفاحين وبين حوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد.
وفيما يلى تفاصيل الحوار:
? هل الأزمة السورية على طريق الحل في رأيك؟
- مصطلح «الأزمة السورية» بالنسبة لنا يعني وجود نظام مجرم أصبح بمثابة عصابة مارقة، تقتل وتهجّر منذ خمس سنوات وتمارس سياسة التجويع كسلاح حرب في مواجهة الشعب السوري. هناك تحرّكات إقليمية واضحة لفعل شيء جدّي بخصوص سورية، ولكنها ما زالت تتسم بشيء من التخبّط بدل التراكم، ابتداءً من مؤتمر موسكو مروراً بكازاخستان والقاهرة، وصولاً إلى مشاورات «دي ميستورا» في جنيف دون برنامج عمل واضح ومعايير معلَنة لجهات المعارضة التي تمت دعوتها. وما زالت هذه التحركات تسير ببطء شديد نظراً لتعقيد الأزمة السورية وارتباطها بقضايا إقليمية ودولية عدة.
? هل سيتم تذليل الخلاف الحاصل بين المعارضة والدول حول مصير رأس النظام؟
- المصير الطبيعي والعادل لرأس النظام ودائرة القتْل من حوله هو المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، فجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتبكها رأسُ النظام وكبار ضبّاط الجيش والأمن أصبحتْ موثقة بعشرات الأدلّة، ولا سيّما تقرير بعثة التحقيق الأممية حول استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، وتقرير «قيصر» المقدّم أمام مجلس الأمن.
أما موضوع وحدة المعارضة السورية، فهو مجرّد ذريعة استخدمها المجتمع الدولي كي لا يتدخّل في سورية ليُوقف شلال الدماء النازف منذ خمس سنوات. هل المعارضة التركية موحّدة؟، هل المعارضة الفرنسيّة موحدة؟ من الطبيعي أنْ تتألف المعارضة من أحزاب وتيارات سياسيّة عدّة لكلٍّ منها أيديولوجيا معينة. أما التأخير في عملية إنهاء النظام فتقع مسؤوليته على مجلس الأمن الدولي المعطّل، ولا سيما بعدما أصبحت الأزمة السورية أزمةً إقليمية ودوليّة. فحتى لو كانت المعارضة السورية موحّدة وتقوم بعمل مؤسساتي متناغم، فإنها لنْ تستطيع تغيير السياسات الخارجية للدول العظمى.
? ماذا انتجت الحوارات بين المعارضة؟
- أي حوار بين السوريين ضروري وإيجابي في هذه المرحلة الصعبة، وهو خطوة لتقريب وجهات النظر، ولكن يبقى الفارق شاسعاً بين حوار موجَّه مسبَق النتائج غايته إعادة تأهيل السفاحين، وبين حوار حقيقي يتلمّس فعلاً سبل نجاة السوريين من إرهاب نظام الأسد و«القاعدة» على حدّ سواء، باعتبارها خطوة أولى باتجاه دولة الحرية والمواطَنة والديموقراطية. ورغم أن مؤتمر القاهرة تميّز بتأكيده في بيانه الختامي «ضرورة إسقاط السلطة الحاكمة في دمشق بكافة رموزها السياسية» كما تشديده على ضرورة «محاسبة مرتكبي الانتهاكات في سورية»، لكنه يبقى خطوة ناقصة شابها الإقصاء والواقعية. فلم يعد السؤال الأساسي كيف يكون الحل السياسي في سورية؟ بل أصبح: هل ما زال الحل السياسي ممكناً بعدما انتهك نظام الأسد كافة مقوماته؟ ويبقى مؤتمر القاهرة خطوةً جيدة في سبيل تقريب وجهات النظر.
? مَن المعارضة المعتدلة؟ وهل ممثلها هو الائتلاف؟ وما علاقتها بالمعارضات الأخرى ولا سيما التي تحمل شعارات دينية تُسمي بها فصائلها العسكرية؟
- لا يجوز لنا أن نعتمد، في رأيي الشخصي، توصيفات لطالما اعتمدها النظام في عملية توزيع صكوك الوطنية والتمييز بين معارضة داخل وخارج باعتبار الأولى وطنية والثانية عميلة، أو الأولى معتدلة والثانية متطرفة. نعم يوجد معارضة في الداخل جغرافياً، وهي تتألف من أحزاب سياسية وتجمعات ثورية عدة وفصائل عسكرية، مثلما يوجد معارضة في الخارج حُكم عليها بالمنفى لكنها كانت أساساً، ومنذ اليوم الأول لانطلاق الثورة تدعم استمراريتها وصمودها من خلال مساندتها إعلامياً وسياسياً وديبلوماسياً وإنسانياً. والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هو المظلّة الأكبر التي تضمّ غالبية أطياف المعارضة بغض النظر عن تموْضعاتها الجغرافية، مع ممثلين للمجالس المحلية والحراك الثوري، وكذلك المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر.
وبالنسبة للتسميات التي تحمل رمزاً دينياً أو تاريخياً، فهي من طبيعة الشعب السوري وهويّته العربية الإسلامية الغالبة، وهذه التسميات كانت تُطلق على الشوارع والمدارس والساحات في سورية منذ زمن بعيد. أما إذا كنّا نقصد بروز تيارات السلفية الجهادية، فلهذه الظاهرة أسباب كثيرة لا مجال لشرحها هنا، ومنها سياسة حزب البعث الاستبدادية والإقصائية على مدى خمسين عاماً، ما أفرغ الساحة السورية تقريباً من التيارات السياسية والمدنية، وسياسة نظام الأسد التمييزية على أساس طائفي، وهناك أسباب عالمية تتعلّق بالظلم والاضطهاد الذي يتعرّض له المسلمون في مختلف دول العالم، ولا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر.
? الخطاب الطائفي في الداخل لبعض المعارضة مؤثّر على الشارع السوري أكثر من خطاب معارضة الخارج لماذا؟
- بالطبع فإن خطاب القوى الثورية على الأرض مؤثر أكثر من قوى المعارضة في الخارج، ولكن لا يمكن وصفه بالخطاب الطائفي، فنحن لم نسمع كلاماً طائفياً من أحد ممثلي الثورة أو شبابها خلال العام الأول من الثورة، إلى أنْ ظهرتْ بعض ردود الفعل على الجرائم الطائفية التي ارتكبتها الميليشيات الموالية لنظام الأسد، لا سيّما مجازر الحولة والتريمسة، وكذلك بعد التدخل العسكري من «حزب الله» واحتلاله لبلدات سورية عدة في القلمون وحمص، بالإضافة إلى قيام النظام باستجلاب ميليشيات طائفية من إيران والعراق وأفغانستان. إذاً الخطاب الطائفي الذي نرفضه قطعاً، تقع مسؤوليته على مَن بدأ بارتكاب جرائم على أساس طائفي، واستجلاب ميليشيات طائفية مرتزقة لحمايه نظامه المتهاوي.
? ما المعوقات امام انتقال الحكومة الموقته الى الداخل السوري؟
- لأنها حكومة لم يُسمح لها بأنْ تملك مقوّمات النجاح، حيث اعتمدت في تمويلها على دعم من «أصدقاء سورية»، ولم تتلقَّ دعماً حقيقياً سوى من دولة قطر الشقيقة، بينما تركتْها بقيةُ دول «أصدقاء سورية» وتخلّتْ عنها. كما أنها حكومة لم تحظَ بالاعتراف السياسي والقانوني كي تتصرّف كبقية حكومات الدول. وبما أن غالبية دول «أصدقاء سورية» لا يعتمدون على المؤسسات الرسمية لتقديم الدعم إلى الشعب السوري، وهي (الائتلاف، الحكومة الموقتة، وحدة تنسيق الدعم، المجلس العسكري الأعلى)، بل يوجّهون الدعم عبر أشخاص معيّنين وجهات معينة، أصبحَ موقفُ السوريين في الداخل سلبياً تجاه مؤسسات المعارضة، وهذه سياسة مقصودة من بعض الدول الغربية، حيث إنهم يطالبوننا ببناء مؤسسات ليعملوا عن طريقها، ثم يتركونها ويعملُون عن طريق الأفراد، مما يزيد الانقسامات بين السوريين، وينعكس سلباً على الشعب السوري.
? هل سينجح الائتلاف بتشكيل جيش سوري موحد؟
- لا يمكن تشكيل هذا الجيش السوري الموحّد إلا بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات التي نصّ عليها (بيان جنيف 1) عام 2012، حيث تتمتع هذه الهيئة بكافة الصلاحيات الرئاسية والعسكرية والأمنية، وتقوم بتشكيل جيش وطني موحد، وتدعو بقية الفصائل للانضمام إليه. ومع ذلك يحاول الائتلاف العمل اليوم على إعادة هيكلة المجلس العسكري الأعلى ليكون المؤسسة التي تمثّل الفصائل العسكرية الفاعلة على الأرض وتنسّق فيما بينها على أساس ميثاق وطني واستراتيجية عسكرية.
? كيف تقرأين الموقفين الدولي والعربي من دعم المعارضة؟
- التحركات الدولية تسير ببطء شديد كما سبق وذكرتُ، والحلّ السياسي وحده لم يعد ممكناً، فلا بدّ من ضغط عسكري يلزم الأسد بالرضوخ للتفاوض على تسليم السلطة. الحل السياسي يمكن أن يأتي في ربع الساعة الأخير. حلّ يتبنّى مطالب الثوار ويحقق أهداف الثورة بالانتقال إلى نظام ديموقراطي تعددي يسوده القانون. ودون الوصول إلى هذا الحلّ، فإن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ستدخل في دوّامة من العنف، لن تسْلَم منها حتى الدول البعيدة جغرافياً.
? هل ستكون سورية دون الاسد؟
- المطلوب تغيير موازين القوى على الأرض وصولاً إلى تشكيل هيئة الحكم الانتقالية بصلاحيات كاملة، وإحالة الملف السوري على المحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن، ومحاسبة مرتكبي الجرائم من كافة الأطراف، وبعدها نحتاج إلى فترة طويلة من تطبيق العدالة الانتقالية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمّرها نظام الاستبداد والفساد على مدى نصف قرن.
? نسمع انتقادات من معارضين لآداء رئيس الائتلاف خالد خوجة والائتلاف بشكل عام، هل أنتِ راضية عن هذا الآداء وكيف تفسرين ما يحصل؟
- إن تقييم أداء أيّ رئيس مرّ على الائتلاف، يجب أنْ يأخذ في الاعتبار الإمكانات المتاحة بين يديْ هذا الرئيس. والدكتور خالد خوجة، للإنصاف، تسلم رئاسة الائتلاف في ظروف إقليمية ودولية صعبة. لكن الائتلاف عندما يتعامل كمؤسسة بهيكلية وصلاحيات واضحة المعالم وبروح فريق العمل سيكون قادراً بالتأكيد على قيادة المرحلة بالتعاون مع الثوار على الأرض وهو باعتقادي يسير بهذا الاتجاه بعد معاناة طويلة مع التفرّد والانفصال عن الفصائل العسكرية والقوى المدنية، بشرط أنْ يتوفّر له الدعم السياسي والعسكري والإنساني الذي وعدتْ به «دول أصدقاء سورية» عند تشكيل الائتلاف.
? قيل ان نتائج الانتخابات التركية ستؤثر سلباً على المعارضة هل توافقين على وجهة النظر هذه؟
- لا نعتقد أنها ستؤثّر، أولاً لأنّ تركيا دولة مؤسسات، وثانياً لأن حزب «العدالة والتنمية» ما زال الأقوى داخلياً وخارجياً، ولا أعتقد أن المعارضة التركية ستفتح حواراً مع الأسد، فلا مصلحة لأي حزب بالاتصال مع مجرم حربٍ منبوذ من المجتمع الدولي، ومحاصَر في جحره تحت حراسة إيرانية.
قد تحدث تغييرات في السياسة التركية بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ربما غالبيتها في السياسة الداخلية، أما من حيث السياسة الخارجية فإنّ الظروف الإقليمية والدولية ستُبقي الموقف التركي - مما يجري في سورية - كما هو.
? كيف يمكن وضع حد في رأيك لمشكلة التدخل الإيراني في سورية؟
- التدخل الإيراني وصل إلى مرحلة الاحتلال العسكري المباشر، واليوم ينتشر مئات العسكريين الإيرانيين من خبراء وضباط وجنود في دمشق العاصمة، وفي غرف إدارة العمليات في المحافظات الأخرى. ولهذا التدخل دورٌ كارثي على سورية وعلى المنطقة بأكملها، وله دور رئيسي ومقصود في إشعال الفتنة الطائفية في المنطقة. إيران تحتلّ بلداً عربياً وتفجّر المنطقة طائفياً، وعلى الدول العربية أن تدرك هذا قبل فوات الأوان.
التخلّص من «داعش» يكون بالتخلّص من الأسباب التي أدّتْ إلى ظهوره، وليس بمعالجة النتيجة دونَ أسبابها. ومن أسباب ظهور «داعش»: أنظمة الاستبداد والإرهاب والفساد التي حكمتْ عدداً من الدول العربية، والتدخل العسكري الغربي فيها، والتدخل الإيراني السافر في العراق وسورية ولبنان واليمن، ومحاولاتها الدائمة لتفجير المنطقة طائفياً.
اما بالنسبة لاحتمال تقسيم سورية، فهو ما يسعى إليه نظام الأسد وحلفاؤه، فالتقسيم هو الخطة (ب) للنظام، بعد أن فشل بتنفيذ الخطة (أ) وهي القضاء على الثورة بالقوة العسكرية، وأعتقد أنه من الصعب على نظام الأسد تشكيل دويلته الخاصة، لأنه أضعف من ذلك، وهو غير قادر على حماية نفسه. كما أن فرضيّة التقسيم ستكون لها انعكاسات خطيرة على الدول المجاورة لسورية، ولا سيّما العراق ولبنان وتركيا وحتى دول الخليج، وعلينا جميعاً أن ندرك خطورة هذا الأمر وأن نسخّر كل الإمكانات للوقوف في مواجهته، وهو بكل تأكيد مخالف تماماً لإرادة الشعب السوري العظيم. فلا بدّ أن يستجيب القدَر.