بسبب تدنّي التعليم ورواج ثقافة التسلية والدردشة على مواقع التواصل
الغباء ينتشر عربياً وعالمياً... وهذه الأسباب!
رسم بياني يظهر تراجع مستوى الذكاء عند أجيال المستقبل
زيادة انتشار الغباء المعرفي خصوصاً بين الأطفال والمراهقين
• الدول العربية مجتمعة تنتج سنوياً كتاباً واحداً لكل 13 ألف عربي بينما تنتج ألمانيا كتاباً لكل 600 مواطن
• خبراء يؤكدون أنه حتى لو أصبحنا أكثر غباء فمع تحسّن الرعاية الصحية والتكنولوجيا فلن يمثل الغباء مشكلة
• «اليونيسكو»: 43 في المئة من الأطفال العرب يفتقرون إلى المبادئ الأساسية للتعليم في المدارس أو خارجها
• طفل من بين كل 4 أطفال في الدول الفقيرة لا يستطيع قراءة جملة واحدة وتزيد النسبة في منطقة الصحراء الكبرى
• خبراء يؤكدون أنه حتى لو أصبحنا أكثر غباء فمع تحسّن الرعاية الصحية والتكنولوجيا فلن يمثل الغباء مشكلة
• «اليونيسكو»: 43 في المئة من الأطفال العرب يفتقرون إلى المبادئ الأساسية للتعليم في المدارس أو خارجها
• طفل من بين كل 4 أطفال في الدول الفقيرة لا يستطيع قراءة جملة واحدة وتزيد النسبة في منطقة الصحراء الكبرى
قد يخطأ البعض أنه بفضل انتشار التكنولوجيا وتراجع الأمية في العالم أصبح أغلب الناس أذكياء بل عكس ذلك. حيث ان هناك بوادر مؤشرات كارثة تعليمية قد تصل إلى سلوكية في دول عربية وغير عربية كثيرة ستفرز ظاهرة جهل من نوع جديد أو ما يسمى بالغباء المعرفي...
وفي دراسة أعدتها «الراي» تناولت «مسألة أثر تدني مستويات التعليم في العالم العربي على المعرفة والذكاء والعمل» تبين أن تراجع البحث العلمي والابتكار والمؤلفات العلمية والأدبية في الدول العربية سببه مشكلات تعليمية على مستوى الجيلين الأخيرين من العرب.
وأظهرت الدراسة تراجع الإنتاج الفكري حيث أكدت إحصاءات سابقة أن الدول العربية مجتمعة تنتج سنوياً كتاباً واحداً لكل 13 ألف مواطن عربي مقارنة مثلاً بألمانيا التي تنتج سنوياً كتاباً لكل ستمئة مواطن، أو إسرائيل التي تساهم بنحو 1 في المئة في الإنتاج العالمي من المعارف الإنسانية.
وحسب «اليونيسكو» فإن جوهر أزمة كفاءة المعرفة والتعليم يكمن في تراجع مستوى المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث في الدول النامية بينها الدول العربية. ويرتبط تراجع كفاءة الطالب أيضا بكفاءة منظومة التدريس، وكانت منظمة اليونيسكو أكدت ذلك في أكثر من تقرير، مشيرة إلى وجود أزمة تعليمية في دول عربية من حيث المناهج وطرق التلقين والحفظ والرياضيات.
ولعل أبرز نتيجة صادمة هي وجود دول عربية كثيرة في آواخر ترتيب الذكاء العالمي قياساً لقدرة الطلبة باعتماد قياس فهم الرياضيات، وكانت آخر النتائج التي توصلت إليها مراكز رصد تطور التعليم في العالم أكدت تراجع مؤشر حاصل الذكاء حتى في دول متقدمة مثل بريطانيا والدنمارك وأستراليا، حيث أثبتت دراسة سابقة لمجلة «نيو سايتنست» أن معدل الذكاء في تراجع مستمر في أغلب دول العالم خصوصا بين المراهقين.
وأثبتت الدراسة أن «المراهقين على سبيل المثال في بريطانيا هم أقل ذكاء من نظرائهم قبل 30 عاما»، فيما أرجع البعض حسب الدراسة نفسها تراجع الذكاء خصوصا لدى الأطفال والمراهقين إلى ثقافة شبابية سائدة موجهة نحو ألعاب الفيديو والدردشة أكثر منها للقراءة.
وأكدت الدراسة البريطانية أن «استعمال الانترنت بين الطلبة غير موجه أكثر للمعرفة بقدر ما هو موجه للتسلية».
الدراسة تحدثت كذلك عن «بوادر زيادة تقلص الذكاء الطبيعي بين أجيال المستقبل، مشيرة الى أن جينات الذكاء قد تورث عبر الأجيال وتقلصها أيضا قد يورث وقد نشهد مستقبلا يعج بالأغبياء».
وأوضحت دراسة نشرها موقع (ديلي ميل) في تقرير بعنوان (هل نصبح أكثر غباء؟) أن «درجات معدل الذكاء آخذة في التناقص»، ويرى بعض الخبراء أن البشر قد وصلوا الذروة الفكرية. وبينوا أن الذكاء بين البشر زاد إلى حد كبير منذ العام 1930 بفضل ظروف معيشية أفضل وبفضل التعليم، لكن اتجاه تحسن الذكاء أصبح نحو الانخفاض حيث أظهرت بعض الدراسات أن متوسط معدل الذكاء بين الغربيين انخفض بنحو 10 نقاط أو أكثر مقارنة بنحو 30 عاما الماضية، لكن بعض الخبراء الآخرين يقولون «إنه حتى لو أصبحنا أكثر غباء، فمع تحسن الرعاية الصحية والتكنولوجيا لن يمثل الغباء (مشكلة). اذ ان التكنولوجيا ستتكفل بمهمات البشر أحياناً حتى في التفكير والادارة والتدبير».
واذا كان أطفال الغرب يشكون من تراجع الذكاء وهي دول تعتبر من أكثر دول العالم تقدماً في منظومة التعليم والمعرفة، فكيف هي الحال في الدول العربية؟ حيث أكدت دراسات كثيرة بينها تقارير «اليونيسكو» ومؤسسة «بروكينغز» أن تدهور التعليم في الدول العربية شمل نحو نصف أطفال العرب. وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» ذكرت أن نحو 43 في المئة من الأطفال في الدول العربية يفتقرون إلى المبادئ الأساسية للتعليم سواء كانوا في المدارس أو خارجها.
ووفقا للتقرير، فإن طفلاً من بين كل أربعة أطفال، في الدول الفقيرة، وبينها دول عربية، لا يستطيع قراءة جملة واحدة، وتزيد النسبة في منطقة الصحراء الكبرى.
وكشف التقرير أن نتائج تراجع معدلات إجادة القراءة والكتابة والفهم والصياغة والتحليل وطريقة بناء الأفكار وإعداد المواضيع والبحوث وطرح فرضيات جديدة يبدو أنها ستتسبب لاحقاً على المدى القريب في تسطيح معارف الطلبة وتقلص جانب الإبداع والامتياز وزيادة التعويل على ذكاء التكنولوجيا أكثر من التعويل على الذاكرة والذكاء الطبيعي.
وبينت الدراسة أن أغلب مناهج التعليم المعتمدة في الدول العربية لم تستطع تحسين قدرات المعرفة والإبداع لدى الطلبة وأثرت سلباً على توجيه قدرات الذكاء لديهم، لافتة إلى أن زيادة ارتباط الطالب في التعليم على قدرات الحاسوب أسهمت كذلك سلباً في التأثير على حافز البحث والمعرفة والقراءة لديه، كما أن ضعف كفاءة خريجي التعليم في دول عربية تسبب في تأخر اندراجهم في سوق العمل وإخفاقهم في التمييز في العمل خصوصا في القطاع الخاص.
وأكد تقرير العام 2014 لبرنامج الأمم المتحدة للانماء(undp) أن «هناك ضعفاً في كفاءة خريجي الجامعات في دول عربية ما أثر على كفاءتهم واستعداداتهم للعمل».
إلى ذلك، فإن تقرير (بروكينغز) حول الشباب والتعليم والعمل «كشف ارتباط تراجع كفاءة التعليم بتراجع كفاءة الانتاج في العمل»، وذلك ينعكس على زيادة البطالة، وإن استمر تراجع كفاءة التعليم فإن طوابير من العاطلين ستزيد على الرغم من حاجة الشركات لموظفين، لكن موظفين بمهارات لا تمنحها مؤسسات التعليم.
إلى ذلك، فإن مناهج التلقين والتدريس المعتمدة على منظومة (خطأ أو صواب) أكثر من منظومة التحليل والبحث في مختلف مراحل الدراسة أثرت على تطور البناء الفكري وصولاً إلى تراجع قدرة التعبير بجمل مترابطة ومفهومة، حيث أثبتت إحصائيات «اليونيسكو» التي نشرها تقرير مؤسسة (بروكينغز) في 2014 أنه «باستخدام تقييمات التعلم المتاحة في 13 دولة عربية، يبلغ متوسط نسبة الأطفال الذين لا يتعلمون أثناء وجودهم في المدرسة 56 في المئة في المرحلة الابتدائية و48 في المئة في الثانوية».
هذا المؤشر خطير جداً إذا استمر في الارتفاع حيث سيزيد من مؤشر الغباء، وهذا الغباء الذي رصدت انتشاره بين الأطفال والمراهقين دراسات غربية مثل مجلة «نيو ساتينست» هو عبارة عن تجمع معارف كثيرة عند الطفل دون معرفة أصلها وحقيقتها وأخذها كما هي دون منهجية تعليمية موثقة ما يؤثر سلباً على القدرة على التحليل والتفكير والاستنتاج وخصوصا التركيز».
وبينت دراسات علمية أن زيادة وسائل التسلية التي يقدمها الانترنت والألعاب أثرت على تشتيت تركيز الطفل عند التعلم، وتجعله يستغني عن البحث عن أصل المعلومة والتفكير في الابتكار ويكتفي بالحصول على النتائج بسرعة، وبـ(كبسة) زر دون البحث في كيفية وصول المعلومة أو الخدمة أو الفكرة أو المنتوج له، كما أن عدم السؤال عن واقعية المعلومة وحقيقتها المعرفية وتاريخها وأثرها يجعل المتلقي ينساق وراء أي فكرة جديدة دون تمييز فائدتها من ضررها وهنا نتحدث عن تراجع منطق عقلانية الأمور.
إلى ذلك، فإن اعتماد الطالب على طرح الأسئلة المباشرة للمدرس تراجع في مقابل تعويله على مصادر معلومات أخرى مثل الإنترنت، وهذا ما أثر بشكل كبير على منطق الحوار والنقاش الذي يثري أفكار الطلبة ويلهم عقولهم أفكارا جديدة. وأثبتت دراسات تراجع عدد الباحثين في الدول العربية ما يعني تراجع الانتاج الفكري والابتكار. هذا التراجع على الرغم من تحسن الإنفاق نوعاً ما على مجال البحوث، من المفترض أن يرتبط بكفاءة الباحث ونوعية البحث ومواصفات المؤسسة البحثية والتعليمية، كما أن هذا التراجع في التميز العلمي بين الطلبة العرب من شأنه أن يؤثر على استعداد الطالب لتوجيه طاقة الحماسة فيه إلى العنف المجتمعي أو السلوكي بدل تفريغ طاقاته في أنشطة لديها فائدة على التحصيل المعرفي وطريقة التصرف الذي بدوره له أثر على الذكاء المعرفي.
وأوضحت الدراسات أن «زيادة عدد الأطفال والمراهقين الذين يدرسون ولا يجيدون المعرفة والتعليم من شأنه أن يدفع إلى زيادة ظواهر اجتماعية سلبية مثل التهميش والانحراف وصولاً إلى ارتفاع معدلات البطالة وتحول البعض إلى التعبير عن حماستهم بالعنف بدل الإبداع والتمييز في عمل ما أو النجاح في الإتيان بفكرة أو شيء ما لم يأت به الآخرون».
تراجع مؤشرات تعليم أجيال عرب المستقبل اقترن أيضا بتقلص نسبة المعارف وتدني مستوى إتقان الكثيرين للغات وخصوصا لغتهم الأم اللغة العربية، وهذا ما ينذر بتشتت معارف جيل عربي بأسره، حيث فشلت أنظمة تعليم عربية كثيرة في الارتقاء والنهوض بجيل من المقرر أن يقود العالم العربي مستقبلا. كما تراجعت المعارف حول التاريخ العربي، ولعل أهم أسبابها تراجع ميول أغلب الطلبة والتلاميذ للقراءة والمطالعة، وبذلك تراجع الإنتاج الثقافي والعلمي العربي. كل مؤشرات قدرات العربي على مستوى الذكاء والمعرفة في المستقبل يبدو أنها هي كذلك في تراجع.
كل هذه المؤشرات تقود إلى استنتاج خطير جدا يتمثل في أن تراجع المعارف والتضارب في المعلومات وعدم الإلمام بالإرث الحضاري العربي والإسلامي وارتباط المناهج بالتحديث الغربي يسهم في تسطيح فكر ملايين العرب مستقبلاً ما يؤثر سلباً حسب دراسات السلوك وعلم التصرف على قدرة الإدارة لدى الكثيرين من قياديي المستقبل.
التراجع المعرفي واللغوي وتأثيره على الذكاء عربياً وعالمياً قد يدفع جيل المستقبل -إذا لم تقم نهضة فكرية جديدة- إلى البقاء في تبعية أكثر من أي وقت مضى للغرب وللإنتاج الفكري الغربي الذي يشهد انزلاقاً أخلاقياً غير مسبوق دفع لزيادة ظهور أزمات اجتماعية يعاني منها الغرب لعل أولاها الإنجاب خارج الزواج والعنوسة والعنف النفسي والشذوذ.
كل هذه الآفات تهدد العالم العربي والإسلامي ويتم ترويج هذه السموم الفكرية عبر منافذ المعرفة الجديدة وهي الانترنت ومناهج التعليم والكتب الغربية الجديدة التي تروج للمعرفة والتي قد لا تعترف بالقيم، حتى لمع نجم تجارب غربية سرية تتنازل عن القيم مثل مسألة الاستنساخ والتجارب النووية على البشر وزيادة تكنولوجيات الدمار الشامل التي يتم تطويرها في دول غربية. مثل هذه الثقافة القاتلة يتم ترويجها لدى ملايين الشباب عبر معلومات تتدفق من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وهذه المعلومات أخذت حيزاً كبيراً في عقول البعض ومثلت عائقاً أمام المعرفة الإنسانية الإيجابية التي تدعو للتطوير والسلام والقيم.
إلى ذلك، فإن تطوير العلوم والآداب في دول غربية يشهد انتكاسة كبيرة حيث تزحف نسبة كبيرة من الطلبة في عدد من الدول المتقدمة إلى شعب التقنية والتكنولوجيا حيث لا تضطر أحياناً الجامعات والمدارس لتكثيف مواد مرتبطة بالقيم وترتبط المعرفة عندهم بلغة الأرقام أكثر. وأسهم المنعرج الجديد في المعرفة في الغرب إلى استنتاج جديد مهم وهو تطور مرحلة الرقي الفكري والاجتماعي من فصل الدين عن الدولة وحرية الفكر إلى فصل العلوم والتطور عن القيم، وهذا ما نبّه إليه الكثير من جمعيات غربية تناهض العولمة أو مناهج التعليم الجديدة التي تعتمد على الأرقام والتجارب أكثر مما تعتمد على قيمة الفكر ما دفع الكثيرين من الطلبة في العالم إلى بداية تحولهم إلى كيانات آلية تستغل الذكاء الفطري في تطوير الآلة وليس في تطوير الإنسان.
هذا التطور المعتمد على تقليص الارتباط بالقيم بسبب تراجع نفوذ الكنيسة في الغرب يهدد بقوة تراجع القيم والأصالة في دول عربية تغزوها بقوة أفكار غربية عبر الجامعات والمناهج التعليمية والكتب والمعارف الافتراضية عبر الانترنت، حتى ان ملايين من الطلبة العرب باتوا لا يجيدون لغتهم الأم أو غير ملمّين بتاريخهم الوطني والعربي بقدر ارتباط تعليمهم بمناهج وأفكار ومرجعيات الغرب.
الانفتاح الذي دعت إليه مدارس فكرية كثيرة حتى ينهل الطلبة من العلوم من أجل الرقي الفكري قد يصطدم اليوم بنتيجة عكسية تتمثل في زيادة انتشار الغباء المعرفي وارتفاع معدلات العنف الذاتي والنفسي واللفظي وتسطيح معارف الفرد.
وفي دراسة أعدتها «الراي» تناولت «مسألة أثر تدني مستويات التعليم في العالم العربي على المعرفة والذكاء والعمل» تبين أن تراجع البحث العلمي والابتكار والمؤلفات العلمية والأدبية في الدول العربية سببه مشكلات تعليمية على مستوى الجيلين الأخيرين من العرب.
وأظهرت الدراسة تراجع الإنتاج الفكري حيث أكدت إحصاءات سابقة أن الدول العربية مجتمعة تنتج سنوياً كتاباً واحداً لكل 13 ألف مواطن عربي مقارنة مثلاً بألمانيا التي تنتج سنوياً كتاباً لكل ستمئة مواطن، أو إسرائيل التي تساهم بنحو 1 في المئة في الإنتاج العالمي من المعارف الإنسانية.
وحسب «اليونيسكو» فإن جوهر أزمة كفاءة المعرفة والتعليم يكمن في تراجع مستوى المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث في الدول النامية بينها الدول العربية. ويرتبط تراجع كفاءة الطالب أيضا بكفاءة منظومة التدريس، وكانت منظمة اليونيسكو أكدت ذلك في أكثر من تقرير، مشيرة إلى وجود أزمة تعليمية في دول عربية من حيث المناهج وطرق التلقين والحفظ والرياضيات.
ولعل أبرز نتيجة صادمة هي وجود دول عربية كثيرة في آواخر ترتيب الذكاء العالمي قياساً لقدرة الطلبة باعتماد قياس فهم الرياضيات، وكانت آخر النتائج التي توصلت إليها مراكز رصد تطور التعليم في العالم أكدت تراجع مؤشر حاصل الذكاء حتى في دول متقدمة مثل بريطانيا والدنمارك وأستراليا، حيث أثبتت دراسة سابقة لمجلة «نيو سايتنست» أن معدل الذكاء في تراجع مستمر في أغلب دول العالم خصوصا بين المراهقين.
وأثبتت الدراسة أن «المراهقين على سبيل المثال في بريطانيا هم أقل ذكاء من نظرائهم قبل 30 عاما»، فيما أرجع البعض حسب الدراسة نفسها تراجع الذكاء خصوصا لدى الأطفال والمراهقين إلى ثقافة شبابية سائدة موجهة نحو ألعاب الفيديو والدردشة أكثر منها للقراءة.
وأكدت الدراسة البريطانية أن «استعمال الانترنت بين الطلبة غير موجه أكثر للمعرفة بقدر ما هو موجه للتسلية».
الدراسة تحدثت كذلك عن «بوادر زيادة تقلص الذكاء الطبيعي بين أجيال المستقبل، مشيرة الى أن جينات الذكاء قد تورث عبر الأجيال وتقلصها أيضا قد يورث وقد نشهد مستقبلا يعج بالأغبياء».
وأوضحت دراسة نشرها موقع (ديلي ميل) في تقرير بعنوان (هل نصبح أكثر غباء؟) أن «درجات معدل الذكاء آخذة في التناقص»، ويرى بعض الخبراء أن البشر قد وصلوا الذروة الفكرية. وبينوا أن الذكاء بين البشر زاد إلى حد كبير منذ العام 1930 بفضل ظروف معيشية أفضل وبفضل التعليم، لكن اتجاه تحسن الذكاء أصبح نحو الانخفاض حيث أظهرت بعض الدراسات أن متوسط معدل الذكاء بين الغربيين انخفض بنحو 10 نقاط أو أكثر مقارنة بنحو 30 عاما الماضية، لكن بعض الخبراء الآخرين يقولون «إنه حتى لو أصبحنا أكثر غباء، فمع تحسن الرعاية الصحية والتكنولوجيا لن يمثل الغباء (مشكلة). اذ ان التكنولوجيا ستتكفل بمهمات البشر أحياناً حتى في التفكير والادارة والتدبير».
واذا كان أطفال الغرب يشكون من تراجع الذكاء وهي دول تعتبر من أكثر دول العالم تقدماً في منظومة التعليم والمعرفة، فكيف هي الحال في الدول العربية؟ حيث أكدت دراسات كثيرة بينها تقارير «اليونيسكو» ومؤسسة «بروكينغز» أن تدهور التعليم في الدول العربية شمل نحو نصف أطفال العرب. وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» ذكرت أن نحو 43 في المئة من الأطفال في الدول العربية يفتقرون إلى المبادئ الأساسية للتعليم سواء كانوا في المدارس أو خارجها.
ووفقا للتقرير، فإن طفلاً من بين كل أربعة أطفال، في الدول الفقيرة، وبينها دول عربية، لا يستطيع قراءة جملة واحدة، وتزيد النسبة في منطقة الصحراء الكبرى.
وكشف التقرير أن نتائج تراجع معدلات إجادة القراءة والكتابة والفهم والصياغة والتحليل وطريقة بناء الأفكار وإعداد المواضيع والبحوث وطرح فرضيات جديدة يبدو أنها ستتسبب لاحقاً على المدى القريب في تسطيح معارف الطلبة وتقلص جانب الإبداع والامتياز وزيادة التعويل على ذكاء التكنولوجيا أكثر من التعويل على الذاكرة والذكاء الطبيعي.
وبينت الدراسة أن أغلب مناهج التعليم المعتمدة في الدول العربية لم تستطع تحسين قدرات المعرفة والإبداع لدى الطلبة وأثرت سلباً على توجيه قدرات الذكاء لديهم، لافتة إلى أن زيادة ارتباط الطالب في التعليم على قدرات الحاسوب أسهمت كذلك سلباً في التأثير على حافز البحث والمعرفة والقراءة لديه، كما أن ضعف كفاءة خريجي التعليم في دول عربية تسبب في تأخر اندراجهم في سوق العمل وإخفاقهم في التمييز في العمل خصوصا في القطاع الخاص.
وأكد تقرير العام 2014 لبرنامج الأمم المتحدة للانماء(undp) أن «هناك ضعفاً في كفاءة خريجي الجامعات في دول عربية ما أثر على كفاءتهم واستعداداتهم للعمل».
إلى ذلك، فإن تقرير (بروكينغز) حول الشباب والتعليم والعمل «كشف ارتباط تراجع كفاءة التعليم بتراجع كفاءة الانتاج في العمل»، وذلك ينعكس على زيادة البطالة، وإن استمر تراجع كفاءة التعليم فإن طوابير من العاطلين ستزيد على الرغم من حاجة الشركات لموظفين، لكن موظفين بمهارات لا تمنحها مؤسسات التعليم.
إلى ذلك، فإن مناهج التلقين والتدريس المعتمدة على منظومة (خطأ أو صواب) أكثر من منظومة التحليل والبحث في مختلف مراحل الدراسة أثرت على تطور البناء الفكري وصولاً إلى تراجع قدرة التعبير بجمل مترابطة ومفهومة، حيث أثبتت إحصائيات «اليونيسكو» التي نشرها تقرير مؤسسة (بروكينغز) في 2014 أنه «باستخدام تقييمات التعلم المتاحة في 13 دولة عربية، يبلغ متوسط نسبة الأطفال الذين لا يتعلمون أثناء وجودهم في المدرسة 56 في المئة في المرحلة الابتدائية و48 في المئة في الثانوية».
هذا المؤشر خطير جداً إذا استمر في الارتفاع حيث سيزيد من مؤشر الغباء، وهذا الغباء الذي رصدت انتشاره بين الأطفال والمراهقين دراسات غربية مثل مجلة «نيو ساتينست» هو عبارة عن تجمع معارف كثيرة عند الطفل دون معرفة أصلها وحقيقتها وأخذها كما هي دون منهجية تعليمية موثقة ما يؤثر سلباً على القدرة على التحليل والتفكير والاستنتاج وخصوصا التركيز».
وبينت دراسات علمية أن زيادة وسائل التسلية التي يقدمها الانترنت والألعاب أثرت على تشتيت تركيز الطفل عند التعلم، وتجعله يستغني عن البحث عن أصل المعلومة والتفكير في الابتكار ويكتفي بالحصول على النتائج بسرعة، وبـ(كبسة) زر دون البحث في كيفية وصول المعلومة أو الخدمة أو الفكرة أو المنتوج له، كما أن عدم السؤال عن واقعية المعلومة وحقيقتها المعرفية وتاريخها وأثرها يجعل المتلقي ينساق وراء أي فكرة جديدة دون تمييز فائدتها من ضررها وهنا نتحدث عن تراجع منطق عقلانية الأمور.
إلى ذلك، فإن اعتماد الطالب على طرح الأسئلة المباشرة للمدرس تراجع في مقابل تعويله على مصادر معلومات أخرى مثل الإنترنت، وهذا ما أثر بشكل كبير على منطق الحوار والنقاش الذي يثري أفكار الطلبة ويلهم عقولهم أفكارا جديدة. وأثبتت دراسات تراجع عدد الباحثين في الدول العربية ما يعني تراجع الانتاج الفكري والابتكار. هذا التراجع على الرغم من تحسن الإنفاق نوعاً ما على مجال البحوث، من المفترض أن يرتبط بكفاءة الباحث ونوعية البحث ومواصفات المؤسسة البحثية والتعليمية، كما أن هذا التراجع في التميز العلمي بين الطلبة العرب من شأنه أن يؤثر على استعداد الطالب لتوجيه طاقة الحماسة فيه إلى العنف المجتمعي أو السلوكي بدل تفريغ طاقاته في أنشطة لديها فائدة على التحصيل المعرفي وطريقة التصرف الذي بدوره له أثر على الذكاء المعرفي.
وأوضحت الدراسات أن «زيادة عدد الأطفال والمراهقين الذين يدرسون ولا يجيدون المعرفة والتعليم من شأنه أن يدفع إلى زيادة ظواهر اجتماعية سلبية مثل التهميش والانحراف وصولاً إلى ارتفاع معدلات البطالة وتحول البعض إلى التعبير عن حماستهم بالعنف بدل الإبداع والتمييز في عمل ما أو النجاح في الإتيان بفكرة أو شيء ما لم يأت به الآخرون».
تراجع مؤشرات تعليم أجيال عرب المستقبل اقترن أيضا بتقلص نسبة المعارف وتدني مستوى إتقان الكثيرين للغات وخصوصا لغتهم الأم اللغة العربية، وهذا ما ينذر بتشتت معارف جيل عربي بأسره، حيث فشلت أنظمة تعليم عربية كثيرة في الارتقاء والنهوض بجيل من المقرر أن يقود العالم العربي مستقبلا. كما تراجعت المعارف حول التاريخ العربي، ولعل أهم أسبابها تراجع ميول أغلب الطلبة والتلاميذ للقراءة والمطالعة، وبذلك تراجع الإنتاج الثقافي والعلمي العربي. كل مؤشرات قدرات العربي على مستوى الذكاء والمعرفة في المستقبل يبدو أنها هي كذلك في تراجع.
كل هذه المؤشرات تقود إلى استنتاج خطير جدا يتمثل في أن تراجع المعارف والتضارب في المعلومات وعدم الإلمام بالإرث الحضاري العربي والإسلامي وارتباط المناهج بالتحديث الغربي يسهم في تسطيح فكر ملايين العرب مستقبلاً ما يؤثر سلباً حسب دراسات السلوك وعلم التصرف على قدرة الإدارة لدى الكثيرين من قياديي المستقبل.
التراجع المعرفي واللغوي وتأثيره على الذكاء عربياً وعالمياً قد يدفع جيل المستقبل -إذا لم تقم نهضة فكرية جديدة- إلى البقاء في تبعية أكثر من أي وقت مضى للغرب وللإنتاج الفكري الغربي الذي يشهد انزلاقاً أخلاقياً غير مسبوق دفع لزيادة ظهور أزمات اجتماعية يعاني منها الغرب لعل أولاها الإنجاب خارج الزواج والعنوسة والعنف النفسي والشذوذ.
كل هذه الآفات تهدد العالم العربي والإسلامي ويتم ترويج هذه السموم الفكرية عبر منافذ المعرفة الجديدة وهي الانترنت ومناهج التعليم والكتب الغربية الجديدة التي تروج للمعرفة والتي قد لا تعترف بالقيم، حتى لمع نجم تجارب غربية سرية تتنازل عن القيم مثل مسألة الاستنساخ والتجارب النووية على البشر وزيادة تكنولوجيات الدمار الشامل التي يتم تطويرها في دول غربية. مثل هذه الثقافة القاتلة يتم ترويجها لدى ملايين الشباب عبر معلومات تتدفق من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وهذه المعلومات أخذت حيزاً كبيراً في عقول البعض ومثلت عائقاً أمام المعرفة الإنسانية الإيجابية التي تدعو للتطوير والسلام والقيم.
إلى ذلك، فإن تطوير العلوم والآداب في دول غربية يشهد انتكاسة كبيرة حيث تزحف نسبة كبيرة من الطلبة في عدد من الدول المتقدمة إلى شعب التقنية والتكنولوجيا حيث لا تضطر أحياناً الجامعات والمدارس لتكثيف مواد مرتبطة بالقيم وترتبط المعرفة عندهم بلغة الأرقام أكثر. وأسهم المنعرج الجديد في المعرفة في الغرب إلى استنتاج جديد مهم وهو تطور مرحلة الرقي الفكري والاجتماعي من فصل الدين عن الدولة وحرية الفكر إلى فصل العلوم والتطور عن القيم، وهذا ما نبّه إليه الكثير من جمعيات غربية تناهض العولمة أو مناهج التعليم الجديدة التي تعتمد على الأرقام والتجارب أكثر مما تعتمد على قيمة الفكر ما دفع الكثيرين من الطلبة في العالم إلى بداية تحولهم إلى كيانات آلية تستغل الذكاء الفطري في تطوير الآلة وليس في تطوير الإنسان.
هذا التطور المعتمد على تقليص الارتباط بالقيم بسبب تراجع نفوذ الكنيسة في الغرب يهدد بقوة تراجع القيم والأصالة في دول عربية تغزوها بقوة أفكار غربية عبر الجامعات والمناهج التعليمية والكتب والمعارف الافتراضية عبر الانترنت، حتى ان ملايين من الطلبة العرب باتوا لا يجيدون لغتهم الأم أو غير ملمّين بتاريخهم الوطني والعربي بقدر ارتباط تعليمهم بمناهج وأفكار ومرجعيات الغرب.
الانفتاح الذي دعت إليه مدارس فكرية كثيرة حتى ينهل الطلبة من العلوم من أجل الرقي الفكري قد يصطدم اليوم بنتيجة عكسية تتمثل في زيادة انتشار الغباء المعرفي وارتفاع معدلات العنف الذاتي والنفسي واللفظي وتسطيح معارف الفرد.