رثاء
«كل الذين أحبهم رحلوا معك» وداعا حامد الياقوت
منذ رحيلك والنوم يهرب منّي، حتى ساعات الصباح الأولى دموعاً وأرقاً، ولا أشعر بالراحة حتى أتنفس ملامحك وصوتك، ورائحتك التي لا تزال في كل مكان أخطو فيه.
منذ رحيلك يا أبي وشيء كبير فيّ انكسر، والكثير فيني قد انحسر، كم هو الفقد مؤلم فكيف لو كان أبي..!
منذ أن رحلت يا أبي وأنا أسمع صوتك، اسمك، ذكراك، أثرك في كل بقعة أكون فيها أينما أكون واذهب يكون لك أثر.
أفتقدك أكثر من كل شيء يا أبي أكثر من قدرتي حتى على احتمال غيابك ..!
كنت لي كل شيء، نوراً يضيء دربي وملهماً لأرتقي في حياتي، ومثالاً لأحتذي به و أطور من نفسي وقائداً لأتعامل مع ظروفي وصديقاً ناصحاً لي لأفضفض ما تشكو به نفسي، وقدوةً في كل شيء بعد الرسول الكريم صلى الله عليه والسلام ..
منذ رحيلك وأنا اتذكر شريطا من المواقف في رحلة العلاج معك قبل وفاتك رحمك الله بواسع رحمته اتذكر أنك لم تشكُ من الألم يوماً ، أنك لم تيأس لحظةً أنك لم تنسَ ذكر الله ثانيةً وتذكرنا بكل شيء حتى في مرضك تحدثنا عن نعم الله، عن الابتلاءات تقوينا وتعطينا الأمل نعم كان يعطينا و يحدثنا عن الأمل!!
كنت أتفكر في كلامك كل يوم وأتساءل من هو المريض؟ أنا أم هو؟
أشتكي من ألم في رأسي ويقول لي ما تشوف شر يا ولدي يا حبيبي خذ دواء وارتح، وهو الذي يعاني من السرطان والفشل الكلوي وفشل الكبد والسكر والجلطات التي نقوم بحقنه إبراً لكي تسيل دمه، كل ذلك ولم اسمعه قط قد اشتكى من الألم أو تذمر من المرض أو حتى تأوه من حالته، من غربته، من علاجه، من كل شيء، لا شيء كان يشتكي منه ، لا أعلم كيف يتحمّل كل هذا لا أعلم كيف ينام وهو مبتسم وهو راضٍ وهو واثق بما يقدّره الله له في كل أمر، إحدى المرات رجعت الكويت بسبب الظروف وكان اخواني معه في العلاج، كنَا نتناوب بالجلوس معه فغبت لمدة شهر ونصف الشهر ثم رجعت له وقد تغيّر كثيرا من شكله وصوته وحركته وحتى نظرته، فرأيته من الصدمة بكيت، فقال لي لماذا تبكي ، أليس الله هو من يدبر الامور؟ ألم تعرف عن صبر ايوب؟ الفرج دائماً بعد الصبر ، الفرح دائما بعد المعاناة ، يا ولدي يا خليفة انا عندي أمل أن الله ما يتخلّى عن عباده، الله رحيم و لطيف وخلك دائماً واثق بالله سبحانه بس علينا نجتهد والله هو من ييسر الأمور وانت لا تعلم ما الذي يخبئه القدر، كان لديه امل وتفاؤل عجيب منقطع النظير ليس له حد، كان كل من حوله من اطباء او مرضى او اناس تعامل معهم يحبونه ويفرحون بحضوره ووجوده كان رجلاً استثنائياً رجلاً عظيماً ، البسمة والله لا تفارقه يوماً و كان المسباح في يده دائما حامداً شاكراً مسبحاً ما استطاع.
كنت عندما انام عنده في المستشفى من شدة التعب والارهاق احياناً يغلبني النوم ولكن احاول جاهداً بأي حركة يقوم بها استيقظ واتفزز لأساعد أبي، فأحياناً لا أسمع له حسا وفجأة أراه ذاهبا لدورة المياه وحده وبنصف الليل وبالاجهزة التي في يده دون ان يحاول إيقاظي، مع أن حركته صعبة جداً وعندما يرى أنني قد فتحت عيني او استيقظت يحزن جداً ويتألم من ذلك، ويقول لي أنا اسف يا خليفة يا ولدي ايقظتك!! انا اسف اتعبتك!! انا اسف لم اجعلك ترتاح !! نام ارتاح يا ولدي !! ارتاح انت ما نمت شي !!
من هول الموقف والصدمة من ردة فعله علي اتساءل مع نفسي وأنا ابنه وابي بهذه الامراض كلها التي كانت بدايتها السرطان يعاملني هكذا؟ كيف يقول لي انا اسف أتعبتك ، أزعجتك و أيقظتك، فذهابي إلى المستشفى لأكون بجواره وأراعيه وأبرّه وأقدّم شيئا لعل الله يجعلني باراً بوالديّ وأحاول جاهداً أن أجعله راضياً عني وهو بهذا التعب يقلق إن كان قد أرهقني وأتعبني ويتساءل إن كان هو السبب في عدم راحتي!!
يؤلمني أنني في كل صورة تجمعنا يا أبي، أكاد أشعر بلمستك ورائحتك فيها، وفي كل مكان لك أثرٌ يفوح بك ذكرىً، فكيف بي ألا أفقدك ألا أبكي على رحيلك..!
كيف وذلك الشبه الكبير الذي أشعره بيننا، في اهتماماتنا بالقانون والكتب والثقافة وحب الدين والاخلاق التي ربيتنى عليها، يا الله يا أبي يا حبيبي كم ترتبط بك تفاصيلي.
ولكن ما يصبّرني يا أبي ،إيماني بأننا ما نحن على هذه الأرض إلا ضيوف سائرون، كثيرٌ هم الذين عبروا من هنا ورحلوا نسياً منسياً، وقليلٌ من عبروا وتركوا أثراً طيباً أنبت من الشجر أنفعه فلا يمر به جائع إلا وشبع من ثمره، كثير من مروا على الأرض ودمروها، أو وكأنهم لم يمروا، وقليل هم الذين عمروها كرما وطيبا، وأنت أحسبك منهم يا أبي ولا ازكي على الله أحداً .
لم تترك أحداً كان فقيراً أو غنياً، صغيراً أو كبيراً، إلا وقد تركت في قلبه وذاكرته طيب الذكر والأثر، والذين حضروا لجنازتك ألماً ودمعاً حتى دفنك، وبقوا جالسين في منظر مهيب من كثرتهم يدعون لك، عرفت حينها أنني كنت أعرف شيئاً قليلاً عن سيرتك وعن طيبتك.
مازال في البر متسع ومازلنا على العهد باقين، سنبرك حتى بعد وفاتك ونحافظ على سمعتك، ولن نحاول ان نخذلك ونواصل مسيرتك، سنكون كما عهدتنا كما ربيتنا، كما أنت معنا يا أبي، والحمدلله إنك كنت راضيا عنّا وهو ما يريح قلبي، وأسأل الله أن يتغمد روحك الجنة ويجمعك مع النبيين و الصالحين ويجمعك بوالديك واخي خالد ، عسى الله أن يشفع فيه، فهو طير من طيور الجنة ان يستقبلك في عليين..
ابنك وحبيبك
خليفة حامد الياقوت
منذ رحيلك يا أبي وشيء كبير فيّ انكسر، والكثير فيني قد انحسر، كم هو الفقد مؤلم فكيف لو كان أبي..!
منذ أن رحلت يا أبي وأنا أسمع صوتك، اسمك، ذكراك، أثرك في كل بقعة أكون فيها أينما أكون واذهب يكون لك أثر.
أفتقدك أكثر من كل شيء يا أبي أكثر من قدرتي حتى على احتمال غيابك ..!
كنت لي كل شيء، نوراً يضيء دربي وملهماً لأرتقي في حياتي، ومثالاً لأحتذي به و أطور من نفسي وقائداً لأتعامل مع ظروفي وصديقاً ناصحاً لي لأفضفض ما تشكو به نفسي، وقدوةً في كل شيء بعد الرسول الكريم صلى الله عليه والسلام ..
منذ رحيلك وأنا اتذكر شريطا من المواقف في رحلة العلاج معك قبل وفاتك رحمك الله بواسع رحمته اتذكر أنك لم تشكُ من الألم يوماً ، أنك لم تيأس لحظةً أنك لم تنسَ ذكر الله ثانيةً وتذكرنا بكل شيء حتى في مرضك تحدثنا عن نعم الله، عن الابتلاءات تقوينا وتعطينا الأمل نعم كان يعطينا و يحدثنا عن الأمل!!
كنت أتفكر في كلامك كل يوم وأتساءل من هو المريض؟ أنا أم هو؟
أشتكي من ألم في رأسي ويقول لي ما تشوف شر يا ولدي يا حبيبي خذ دواء وارتح، وهو الذي يعاني من السرطان والفشل الكلوي وفشل الكبد والسكر والجلطات التي نقوم بحقنه إبراً لكي تسيل دمه، كل ذلك ولم اسمعه قط قد اشتكى من الألم أو تذمر من المرض أو حتى تأوه من حالته، من غربته، من علاجه، من كل شيء، لا شيء كان يشتكي منه ، لا أعلم كيف يتحمّل كل هذا لا أعلم كيف ينام وهو مبتسم وهو راضٍ وهو واثق بما يقدّره الله له في كل أمر، إحدى المرات رجعت الكويت بسبب الظروف وكان اخواني معه في العلاج، كنَا نتناوب بالجلوس معه فغبت لمدة شهر ونصف الشهر ثم رجعت له وقد تغيّر كثيرا من شكله وصوته وحركته وحتى نظرته، فرأيته من الصدمة بكيت، فقال لي لماذا تبكي ، أليس الله هو من يدبر الامور؟ ألم تعرف عن صبر ايوب؟ الفرج دائماً بعد الصبر ، الفرح دائما بعد المعاناة ، يا ولدي يا خليفة انا عندي أمل أن الله ما يتخلّى عن عباده، الله رحيم و لطيف وخلك دائماً واثق بالله سبحانه بس علينا نجتهد والله هو من ييسر الأمور وانت لا تعلم ما الذي يخبئه القدر، كان لديه امل وتفاؤل عجيب منقطع النظير ليس له حد، كان كل من حوله من اطباء او مرضى او اناس تعامل معهم يحبونه ويفرحون بحضوره ووجوده كان رجلاً استثنائياً رجلاً عظيماً ، البسمة والله لا تفارقه يوماً و كان المسباح في يده دائما حامداً شاكراً مسبحاً ما استطاع.
كنت عندما انام عنده في المستشفى من شدة التعب والارهاق احياناً يغلبني النوم ولكن احاول جاهداً بأي حركة يقوم بها استيقظ واتفزز لأساعد أبي، فأحياناً لا أسمع له حسا وفجأة أراه ذاهبا لدورة المياه وحده وبنصف الليل وبالاجهزة التي في يده دون ان يحاول إيقاظي، مع أن حركته صعبة جداً وعندما يرى أنني قد فتحت عيني او استيقظت يحزن جداً ويتألم من ذلك، ويقول لي أنا اسف يا خليفة يا ولدي ايقظتك!! انا اسف اتعبتك!! انا اسف لم اجعلك ترتاح !! نام ارتاح يا ولدي !! ارتاح انت ما نمت شي !!
من هول الموقف والصدمة من ردة فعله علي اتساءل مع نفسي وأنا ابنه وابي بهذه الامراض كلها التي كانت بدايتها السرطان يعاملني هكذا؟ كيف يقول لي انا اسف أتعبتك ، أزعجتك و أيقظتك، فذهابي إلى المستشفى لأكون بجواره وأراعيه وأبرّه وأقدّم شيئا لعل الله يجعلني باراً بوالديّ وأحاول جاهداً أن أجعله راضياً عني وهو بهذا التعب يقلق إن كان قد أرهقني وأتعبني ويتساءل إن كان هو السبب في عدم راحتي!!
يؤلمني أنني في كل صورة تجمعنا يا أبي، أكاد أشعر بلمستك ورائحتك فيها، وفي كل مكان لك أثرٌ يفوح بك ذكرىً، فكيف بي ألا أفقدك ألا أبكي على رحيلك..!
كيف وذلك الشبه الكبير الذي أشعره بيننا، في اهتماماتنا بالقانون والكتب والثقافة وحب الدين والاخلاق التي ربيتنى عليها، يا الله يا أبي يا حبيبي كم ترتبط بك تفاصيلي.
ولكن ما يصبّرني يا أبي ،إيماني بأننا ما نحن على هذه الأرض إلا ضيوف سائرون، كثيرٌ هم الذين عبروا من هنا ورحلوا نسياً منسياً، وقليلٌ من عبروا وتركوا أثراً طيباً أنبت من الشجر أنفعه فلا يمر به جائع إلا وشبع من ثمره، كثير من مروا على الأرض ودمروها، أو وكأنهم لم يمروا، وقليل هم الذين عمروها كرما وطيبا، وأنت أحسبك منهم يا أبي ولا ازكي على الله أحداً .
لم تترك أحداً كان فقيراً أو غنياً، صغيراً أو كبيراً، إلا وقد تركت في قلبه وذاكرته طيب الذكر والأثر، والذين حضروا لجنازتك ألماً ودمعاً حتى دفنك، وبقوا جالسين في منظر مهيب من كثرتهم يدعون لك، عرفت حينها أنني كنت أعرف شيئاً قليلاً عن سيرتك وعن طيبتك.
مازال في البر متسع ومازلنا على العهد باقين، سنبرك حتى بعد وفاتك ونحافظ على سمعتك، ولن نحاول ان نخذلك ونواصل مسيرتك، سنكون كما عهدتنا كما ربيتنا، كما أنت معنا يا أبي، والحمدلله إنك كنت راضيا عنّا وهو ما يريح قلبي، وأسأل الله أن يتغمد روحك الجنة ويجمعك مع النبيين و الصالحين ويجمعك بوالديك واخي خالد ، عسى الله أن يشفع فيه، فهو طير من طيور الجنة ان يستقبلك في عليين..
ابنك وحبيبك
خليفة حامد الياقوت