من مناهضة إلى مؤيدة للمذهب التجريبي في البحث العلمي

ترجمة / «أصبع غاليليو الأوسط»... كتاب يرصد رحلة تحوّل مؤلفته

u063au0644u0627u0641 u0627u0644u0643u062au0627u0628 u0648u0645u0624u0644u0641u062au0647 u0622u0644u064au0633 u062fu0631u064au063au0631
غلاف الكتاب ومؤلفته آليس دريغر
تصغير
تكبير
في مطلع كتابها الجديد المثير للجدل «أصبع غاليليو الأوسط»، تكتب الكاتبة والمؤلفة الأميركية آليس دريغر المتخصصة في مجال الأخلاقيات البيولوجية والطبية قائلة: «عما قريب سأصل إلى التهديدات بالقتل وإلى التهم المتعلقة بالمثلية وعمليات الإبادة الجماعية المزعومة والأوبئة والكائنات الفضائية المختطفة والأخلاقيون الذين ليس لديهم أخلاق والمعركة مع مارتينا نافراتيلوفا، وبالطبع إصبع غاليليو الأوسط».

وكما هو الحال غالبا، فإن ما أوقع دريغر في المتاعب هو الجدال المتعلق بالأبحاث العلمية في مجال الميول الشهوانية الحميمة. فباعتبارها مؤرخة للعلوم والطب، دأبت دريغر في السابق على انتقاد النشطاء المؤيدين للتحول من جنس إلى آخر، والذين هاجموا باحثا في مجال الميول الفطرية الحميمة بسبب النتائج التي توصل إليها حول الأسباب التي تجعل بعض الناس يريدون التحول من الذكورة إلى الأنوثة أو العكس. وبعد أن هاجموا ذلك الباحث بلا شفقة ولا هوادة، تحول أولئك الناشطون إلى مهاجمة دريغر أيضا. والخبر السئ هو أن ذلك الهجوم كان صعبا على نفس دريغر ذاتها.

ورأت صحيفة نيويورك تايمز أن كتاب «أصبع غاليليو الأوسط» هو أشياء كثيرة: «فهو انتقاد صاخب، وبيان توضيحي، وكنز من المصطلحات الجديدة المثيرة للذكريات كما أنه سرد لمراحل تحوّل المؤلفة»من ناشطة كانت تلاحق وتنتقد علماء المؤسسة العلمية إلى معاونة شخصية للعلماء الذين وجدوا أنفسهم هدفا لناشطين أمثالي»حسب تعبيرها في الكتاب.

وكما يوحي عنوانه، فإن الكتاب هو أيضا عبارة عن إيماءة مفعمة بالتحدي موجهة إلى أولئك الذين يرفضون المذهب التجريبي في العلوم. ومع ذلك فإن ذلك «الأصبع الأوسط»(الذي هو في الواقع أصبع غاليليو الأوسط الفعلي الذي رأته دريغر بالصدفة في إيطاليا) يبقى مرفوعا كذلك من باب التوكيد على روح التحدي والعناد إزاء المعارضين.

وبطبيعة الحال، ووفقا لما اكتشفه غاليليو ودريغر بالطريقة الصعبة، فإن «الحقائق يمكن أن تغضب من هم في سدة السلطة». والواقع أن الاكتشاف التنشيطي الذي يقدمه هذا الكتاب هو أنه من يمسكون بزمام مثل تلك السلطة أحيانا لا يكونون المشتبهين المعتادين، كـ «الشقيق الأكبر»مثلا، بل يكونون وصاة فرضوا أنفسهم من بين الناس الذين ليس لديهم سلطة.

وتقول دريغر إنها أصبحت ناشطة فاعلة لأنها حتى بعد أن قبلت بأن الميول الجنسية هي شىء ذو تشعبات كثيرة وأكثر تنوعا بكثير مما تسمح به أفكارنا الثنائية إزاءه، فإن الجراحين واصلوا محاولات «إصلاح»الأطفال الذين يولدون بميول مزدوجة.

وقد كانت تلك هي مرحلة دريغر كناشطة. أما مرحلتها كمناهضة للناشطين فإنها بدأت عندما قررت أن تدافع عن عالم النفس والباحث جي مايكل بيلي، والذي كان قد أطلق عاصفة نارية بكتابه الذي نشره في العام 2003 تحت عنوان: «الرجل الذي يمكن أن يكون ملكة». فهذا الكتاب، القائم على أساس أبحاث مدعومة بشكل جيد من جانبه ومن جانب آخرين، طرح جدلية مفادها أن بعض الرجال يريدون تغيير جنسهم من الذكورة إلى الأنوثة ليس ببساطة لأنهم يولدون «محبوسين في الجسم الخطأ»- وهو ما تصفه دريغر باعتباره وجهة النظر العامة- بل لأننهم يستثارون حميميا بفكرة أن يكونوا نساء.

وقد أغضبت تلك الفكرة المناصرين الذين أصروا على أن التحول من الذكورة إلى الأنوثة أو العكس يأتي في كل الأحوال كنتاج لعدم انسجام حتمي بين العقل والجسد- أي أنه خطأ من جانب الطبيعة- ولم يأت مطلقا كنتاج للنوع في الذوق، وهو الشئ الذي قد يعتبره البعض نوعا من الانغماس. وقد سعى أولئك المناصرين ليس فقط إلى دحض وتفنيد رأي بيلي، بل إلى تدميره. وعندما دافعت عنه دريغر فإنهم استهدفوها هي الأخرى بالهجوم.

وتكتب دريغر أنها تعلمت درسا صامتا من وراء هذا الهجوم المتبادل ألا وهو: عندما يرصد أفراد مجموعة متحمسة ذات تكتيكات قبيحة استنتاجا علميا لا يروق لهم، فإنهم يستطيعون دائما أن يهيمنوا على النقاش العام بطريقة تستبدل قصة مزيفة بالقصة الحقيقية. ووحدهم العلماء الذين يتمتعون بشخصية غاليليو هم من يستطيعون مواجهة واقتحام تلك العاصفة. بل وحتى أمثال أولئك العلماء قد يتعرضون للنفي عمليا.

وتوضح المؤلفة دريغر هذا الأمر من خلال الحالة المقلقة الخاصة بماريا نيو، وهي طبيبة أطفال بارزة في كلية إيتشان للطب في نيويورك. فعلى مدى ثلاثة عقود تقريبا، دأبت نيو على إجراء ما تراه دريغر «تجربة سيئة التنظيم وخطيرة على المرضى الذين لا يملكون حيلة للدفاع عن أنفسهم ألا وهم الأجنة البشرية».

ووفقا لما كتبته دريغر فإن «نيو» تحاول أن تمنع حالة هورمونية تعرف طبيا باسم»فرط تنسج الكظر الخلقي«(C.A.H). ولدى الإناث، تتسبب تلك الحالة أحيانا في تخليق أعضاء ذكورية، كما تتسبب في بعض الحالات في مشاكل طبية يكون من السهل التعامل معها عادة. وإذا كشفت نتائج فحوص جينية أن أما معرضة لخطر ولادة هكذا طفل، فإن نيو تصف لها هورمون استرويدي يعرف باسم»dexamethasone«وهو هورمون يخترق الحاجز المشيمي ليغلف الجنين بهورمون بهدف جعل نموه طبيعيا وأكثر نمطية.

دريغر ترى أن الحسابات الرياضية الجينية ذات الصلة بهذا الأمر تعني أن واحدا فقط من بين كل ثمانية أجنة يتم علاجهم بهذه الطريقة يتعرض إلى الخطر، لكن في الوقت ذاته فإن ثمانية من بين كل ثمانية أجنة يتم تعريضهم إلى هورمون تشير الأدبيات الطبية الضئيلة إلى أنه قد يتسبب في خلق مشاكل تتعلق بالنمو، وهي المشاكل التي من بينها الاضطرابات المزاجية وحالات العجز الإدراكي الحاد.

ومن الواضح أننا في حاجة إلى أناس من أمثال المؤلفة دريغر من أجل الدفاع عن المنهج التجريبي في العلوم ومن أجل فضح الاحتيال. ولكن كيف لنا أن نميز ونكتشف الدجالين في هذا المجال؟ وكيف نستطيع أن نضع طوق الإدانة في رقاب المذنبين دون أن نضطهد الأبرياء؟

الواقع أن المؤلفة دريغر ترى أن الإجابة السهلة (والصحيحية) عن هذين السؤالين»صعبة إلى درجة غير معقولة».

وتختتم دريغر كتابها المفعم بروح التمرد بالتنويه إلى «أننا نفهم الأمر على النحو الصحيح عادة، ولكن ذلك لا يحصل إلا بعد أن تبرد الأمزجة وتتغير القيم ويضعف الأقوياء وتصبح الرهانات أقل إلحاحا. وبتعبير آخر، فإننا لا نفهم الأمر على النحو الصحيح إلا عندما نرى تلك النزاعات بنفس الطريقة التي يراها المؤرخون».

وإذا نحينا امتعاض ورثاء المؤلفة دريغر جانبا، فمما لا شك فيه أن معظم قراء الكتاب سيجدون أن كونها قد خاضت تلك المناوشات الجامحة يوفر نوعا رائعا من التثقيف المسلي في مجال الأخلاقيات وعلى صعيد مذهب الفاعلية وفي مجال العلوم.

* عنوان الكتاب: «أصبع غاليليو الأوسط» (GALILEO’S MIDDLE FINGER)

- المؤلفة: آليس دريغر

- عدد الصفحات: 337 صفحة

- الناشر: دار Penguin Press للنشر
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي