صاحب «حكايات بعد النوم».. يرى البشر «ضيوف ثقلاء» في هذا العالم
حوار / أحمد الديب لـ «الراي»: اخترت القصة القصيرة... لأنني أبحث عن قارئ نادر
أحمد الديب
غلاف المجموعة
• فقر الجمهور... لم يصنعه إلا فقر خيال الكتَاب
• شغفي بمطاردة المعنى... أكبر من شغفي برسم الكلمات
• شغفي بمطاردة المعنى... أكبر من شغفي برسم الكلمات
حفاوة بالغة قوبل بها العمل الأول للكاتب المصري الشاب أحمد الديب.
ثناءات عديدة من كتاب، من بينهم الراحلة رضوى عاشور ومحمد المنسي قنديل على تجربته الأولى في المجموعة القصصية «حكايات بعد النوم».
وقال الديب، إنه اختار القصة القصيرة ليس من قبيل «التمرين» على كتابة الأدب كما يفعل البعض، اختارها لأن الكتابة تخيفه وتؤلمه، والنتيجة هي أنه يكتب مئة صفحة كل ستة أعوام، ولأنه شغوف بمطاردة المعنى أكثر من شغفه برسم الكلمات.
معترفا، في حوار مع «الراي»، أنه كاتب كسول وملول يكتب 100 صفحة كل 6 أعوام.
حول مجموعته القصصية وعالمه الأدبي، كان لنا معه هذا الحوار:
• هل توقعت أن تقابل مجموعتك الأولى بهذا القدر من الحفاوة ولماذا تأخرت عن نشرها؟
- تأخرت في النشر لأنني تأخرت في الكتابة، فأول قصة كُتبت عام 2008، وآخرها العام 2013، والكتاب كله لم يتعدَّ المئة صفحة، لأنني أخاف من الكتابة في الحقيقة، وأعاني عندما تخرج العبارات مني.
أما فيما يخص الحفاوة فبمعناها العام ليست في أول اهتماماتي، لأن الحفاوة- بالنسبة لي- هي استقبال القارئ الذي يسمع ويعي، ويرى ويشعر، وهو نوع نادر من القراء، ولم أتأخر في الكتابة إلا من أجل إرضائه، ولم أكتب أصلا إلا من أجل مخاطبته.
• في مجموعتك تناولت بالكتابة موضوعات تعتبر مهجورة كعالم الحيوان والنبات- السنجاب والشجرة والياسمينة والفراشة- كيف تقيم أهمية مثل تلك التفاصيل؟
- تناولت هذه المخلوقات في قصصي لأنها سكنت هذا العالم طويلا قبلنا، وربما ستسكنه طويلا بعدنا، لأننا في هذا العالم كالضيف السخيف الثقيل الذي لا يرى إلا نفسه، ولا يراعي حقوق جيرانه الأقدم والأكثر وداعة.
وربما لإحساس البشر بأهميتهم البالغة هذه، لم يلتفت منهم ومن كُتابهم إلى تلك العوالم الرائعة إلا قلة استطاعت- كبطل أول «حكايات بعد النوم»- أن ترى ما لا يراه الناس.
• لماذا تم اقتصار تناول الحيوانات والجماد كشخصات أدبية على عالم الأطفال والكتابات الموجهة إليهم، من أين نشأ ذلك الرابط بين الطفل والأبطال من هذا العالم ولما يختفي ذلك الرابط كلما تطورت المراحل العمرية التي يتوجه لها الكاتب؟
- يولد الإنسان على الفطرة، ثم تمضي به الحياة كل يوم بعيدا عنها، فالطفل تشغله المخلوقات الأخرى، ويتابعها بشغف، قبل أن يكبر شيئا فشيئا ليكتشف أنه هو المهم حقا، وأن كل تلك المخلوقات هي محض اهتمامات أطفال، ومجرد «ديكور» للعالم الذي سيسعى كل يوم نحو امتلاك قطعة أكبر منه.
• أي الحيوانات أقرب لنفسك وما هو الحيوان أو الجماد الذي تمنيت الكتابة عنه ولم تكتب بعد؟
- عندي شغف بالحيتان بأنواعها، برغم ذلك لم أكتب عنها في «حكايات بعد النوم»، ربما لأن «هيرمان ميلفيل» كتب في تحفته «موبي ديك» عن حوت العنبر بطريقة أتعبت كل من سيحاول الكتابة بعده.
لكنني لن أستريح- مثل الكابتن آهاب- حتى أكتب عن حوتي الخاص، الذي لن يكون في الغالب حوتا جبارا أبيض يُذكر الإنسان بحجمه في العالم، لكنه، ربما، سيكون حوتا أحدب، يجوب بحار العالم مدفوعا برحابة قلبه الهائلة.
• هل تشعر أن ثمة خجلا لدى الكتاب من الغوص بكتاباتهم في عالم الخيال؟
- لو كان أغلب الكُتاب يشعرون بالخجل أصلا لما ظهر من الكتب شيء، لكن الذي ينأى عن الخيال عموما يفعل ذلك عن فقر أو عن كسل، لا عن خجل.
• كيف تقيم مساحة الخيال في أعمال الكتاب المصريين والعرب وهل يدل الانخراط في الواقعية على نضوج الكاتب كما يروج البعض؟
- يكاد الخيال في أدبنا العربي المعاصر أن يختنق من مزاحمة الواقع بكل تفاصيله الثقيلة، والانخراط في الواقعية، والبعد عن الخيال يدل على نضوج التاجر وموظف البنك ومدير المبيعات، لا على نضوج الكاتب، والكاتب يكبر كلما اتسع خياله، لكن الكاتب لا «ينضج» أبدا.
• لماذا يغيب عن عالمنا العربي أعمال خيالية من عينة «الهوبيت»؟ هل هو فقر خيال أم فقر جمهور؟
- فقر الجمهور لم يصنعه إلا فقر خيال الذين يكتبون، الذين جاءوا- بدورهم- من جمهور فقير، وحلقة الفقر مغلقة لا يكسرها إلا أبطال أسطوريون مثل تولكين، صاحب الهوبيت.
• كيف تؤثر الأعمال الخيالية في الجمهور برأيك وهل يختلف مجتمع يحتفي كتابه بالخيال عن مجتمع آخر غارق في الواقعية؟
- إجابة هذا السؤال تحتاج- صدقا- إلى زمرة فذة من علماء الاجتماع، لكنني أحب أن أرى- في خيالي فقط- مجتمعا يحفظ فيه الأطفال حواديت «هانز أندرسن»، ويتندر فيه الكبار بحكايات «أوسكار وايلد»، ويُدرس فيه المعلمون ملاحم «تولكين»، ويحذرون فيه طلابهم من أخ «أورويل» الأكبر، وينظر الجميع فيه إلى السماء المظلمة وتراودهم الرؤى عن «اوديسا الفضاء».
• كيف ترى هذا الميل الشهير لدى دارسي العلوم إلى كتابة الأدب هل تجد رابطا بين الأمرين؟
- دراسة العلوم بمجالاتها– إن كانت دراسة حقيقية بالطبع - تفتح أبوابا لم يكن العقل يراها أصلا، وتطرح أسئلة بشأن العالم وما فيه وما وراءه، وتُشعر الإنسان بضآلته كلما أبحر أكثر، وترده طفلا يتساءل من جديد: لماذا السماء زرقاء؟
• لماذا اخترت أن تكون بدايتك مع القصة القصيرة جدا، ما الذي يمثله لك هذا الفن وهل تنوي مواصلة الكتابة في إطاره ؟
- اخترت القصة القصيرة لأن الكتابة – كما ذكرت – تخيفني وتؤلمني، والنتيجة هي أنني أكتب مئة صفحة كل ستة أعوام.
واخترت القصة القصيرة لأن شغفي بمطاردة المعنى أكبر كثيرا من شغفي برسم الكلمات.
واخترت القصة القصيرة لأن فيها سحر الحكاية وقوة القصيد.
واخترت القصة القصيرة لإيماني بأن الفنان الحقيقي قد يشيد قصرا أو قد ينقش خاتما.
واخترت القصة القصيرة لأنني كسول، ولأنني ملول، واخترت القصة القصيرة لأنني أبحث- كما ذكرت- عن قارئ نادر، يعرف – عندما يقرأ – لماذا اخترت القصة القصيرة.
• هل تنوي مواصلة الكتابة في إطار عوالم خيالية عبر أعمالك المقبلة؟
- لا أعرف حقا متى تكون هناك «أعمال قادمة»، إن كانت أصلا، لكنني أعرف أنني سأواصل الإبحار كل يوم في عوالم الخيال، ربما صادفتُ ما أحببت واستطعت وتذكرت أن أحكيه يوما، وربما لاقيتُ ما يُعجز قدرتي على التعبير، وتختلط فيه الذاكرة بالتوهم، وتحدثني أصوات هامسة بأن أحتفظ به لي، وحدي.
ثناءات عديدة من كتاب، من بينهم الراحلة رضوى عاشور ومحمد المنسي قنديل على تجربته الأولى في المجموعة القصصية «حكايات بعد النوم».
وقال الديب، إنه اختار القصة القصيرة ليس من قبيل «التمرين» على كتابة الأدب كما يفعل البعض، اختارها لأن الكتابة تخيفه وتؤلمه، والنتيجة هي أنه يكتب مئة صفحة كل ستة أعوام، ولأنه شغوف بمطاردة المعنى أكثر من شغفه برسم الكلمات.
معترفا، في حوار مع «الراي»، أنه كاتب كسول وملول يكتب 100 صفحة كل 6 أعوام.
حول مجموعته القصصية وعالمه الأدبي، كان لنا معه هذا الحوار:
• هل توقعت أن تقابل مجموعتك الأولى بهذا القدر من الحفاوة ولماذا تأخرت عن نشرها؟
- تأخرت في النشر لأنني تأخرت في الكتابة، فأول قصة كُتبت عام 2008، وآخرها العام 2013، والكتاب كله لم يتعدَّ المئة صفحة، لأنني أخاف من الكتابة في الحقيقة، وأعاني عندما تخرج العبارات مني.
أما فيما يخص الحفاوة فبمعناها العام ليست في أول اهتماماتي، لأن الحفاوة- بالنسبة لي- هي استقبال القارئ الذي يسمع ويعي، ويرى ويشعر، وهو نوع نادر من القراء، ولم أتأخر في الكتابة إلا من أجل إرضائه، ولم أكتب أصلا إلا من أجل مخاطبته.
• في مجموعتك تناولت بالكتابة موضوعات تعتبر مهجورة كعالم الحيوان والنبات- السنجاب والشجرة والياسمينة والفراشة- كيف تقيم أهمية مثل تلك التفاصيل؟
- تناولت هذه المخلوقات في قصصي لأنها سكنت هذا العالم طويلا قبلنا، وربما ستسكنه طويلا بعدنا، لأننا في هذا العالم كالضيف السخيف الثقيل الذي لا يرى إلا نفسه، ولا يراعي حقوق جيرانه الأقدم والأكثر وداعة.
وربما لإحساس البشر بأهميتهم البالغة هذه، لم يلتفت منهم ومن كُتابهم إلى تلك العوالم الرائعة إلا قلة استطاعت- كبطل أول «حكايات بعد النوم»- أن ترى ما لا يراه الناس.
• لماذا تم اقتصار تناول الحيوانات والجماد كشخصات أدبية على عالم الأطفال والكتابات الموجهة إليهم، من أين نشأ ذلك الرابط بين الطفل والأبطال من هذا العالم ولما يختفي ذلك الرابط كلما تطورت المراحل العمرية التي يتوجه لها الكاتب؟
- يولد الإنسان على الفطرة، ثم تمضي به الحياة كل يوم بعيدا عنها، فالطفل تشغله المخلوقات الأخرى، ويتابعها بشغف، قبل أن يكبر شيئا فشيئا ليكتشف أنه هو المهم حقا، وأن كل تلك المخلوقات هي محض اهتمامات أطفال، ومجرد «ديكور» للعالم الذي سيسعى كل يوم نحو امتلاك قطعة أكبر منه.
• أي الحيوانات أقرب لنفسك وما هو الحيوان أو الجماد الذي تمنيت الكتابة عنه ولم تكتب بعد؟
- عندي شغف بالحيتان بأنواعها، برغم ذلك لم أكتب عنها في «حكايات بعد النوم»، ربما لأن «هيرمان ميلفيل» كتب في تحفته «موبي ديك» عن حوت العنبر بطريقة أتعبت كل من سيحاول الكتابة بعده.
لكنني لن أستريح- مثل الكابتن آهاب- حتى أكتب عن حوتي الخاص، الذي لن يكون في الغالب حوتا جبارا أبيض يُذكر الإنسان بحجمه في العالم، لكنه، ربما، سيكون حوتا أحدب، يجوب بحار العالم مدفوعا برحابة قلبه الهائلة.
• هل تشعر أن ثمة خجلا لدى الكتاب من الغوص بكتاباتهم في عالم الخيال؟
- لو كان أغلب الكُتاب يشعرون بالخجل أصلا لما ظهر من الكتب شيء، لكن الذي ينأى عن الخيال عموما يفعل ذلك عن فقر أو عن كسل، لا عن خجل.
• كيف تقيم مساحة الخيال في أعمال الكتاب المصريين والعرب وهل يدل الانخراط في الواقعية على نضوج الكاتب كما يروج البعض؟
- يكاد الخيال في أدبنا العربي المعاصر أن يختنق من مزاحمة الواقع بكل تفاصيله الثقيلة، والانخراط في الواقعية، والبعد عن الخيال يدل على نضوج التاجر وموظف البنك ومدير المبيعات، لا على نضوج الكاتب، والكاتب يكبر كلما اتسع خياله، لكن الكاتب لا «ينضج» أبدا.
• لماذا يغيب عن عالمنا العربي أعمال خيالية من عينة «الهوبيت»؟ هل هو فقر خيال أم فقر جمهور؟
- فقر الجمهور لم يصنعه إلا فقر خيال الذين يكتبون، الذين جاءوا- بدورهم- من جمهور فقير، وحلقة الفقر مغلقة لا يكسرها إلا أبطال أسطوريون مثل تولكين، صاحب الهوبيت.
• كيف تؤثر الأعمال الخيالية في الجمهور برأيك وهل يختلف مجتمع يحتفي كتابه بالخيال عن مجتمع آخر غارق في الواقعية؟
- إجابة هذا السؤال تحتاج- صدقا- إلى زمرة فذة من علماء الاجتماع، لكنني أحب أن أرى- في خيالي فقط- مجتمعا يحفظ فيه الأطفال حواديت «هانز أندرسن»، ويتندر فيه الكبار بحكايات «أوسكار وايلد»، ويُدرس فيه المعلمون ملاحم «تولكين»، ويحذرون فيه طلابهم من أخ «أورويل» الأكبر، وينظر الجميع فيه إلى السماء المظلمة وتراودهم الرؤى عن «اوديسا الفضاء».
• كيف ترى هذا الميل الشهير لدى دارسي العلوم إلى كتابة الأدب هل تجد رابطا بين الأمرين؟
- دراسة العلوم بمجالاتها– إن كانت دراسة حقيقية بالطبع - تفتح أبوابا لم يكن العقل يراها أصلا، وتطرح أسئلة بشأن العالم وما فيه وما وراءه، وتُشعر الإنسان بضآلته كلما أبحر أكثر، وترده طفلا يتساءل من جديد: لماذا السماء زرقاء؟
• لماذا اخترت أن تكون بدايتك مع القصة القصيرة جدا، ما الذي يمثله لك هذا الفن وهل تنوي مواصلة الكتابة في إطاره ؟
- اخترت القصة القصيرة لأن الكتابة – كما ذكرت – تخيفني وتؤلمني، والنتيجة هي أنني أكتب مئة صفحة كل ستة أعوام.
واخترت القصة القصيرة لأن شغفي بمطاردة المعنى أكبر كثيرا من شغفي برسم الكلمات.
واخترت القصة القصيرة لأن فيها سحر الحكاية وقوة القصيد.
واخترت القصة القصيرة لإيماني بأن الفنان الحقيقي قد يشيد قصرا أو قد ينقش خاتما.
واخترت القصة القصيرة لأنني كسول، ولأنني ملول، واخترت القصة القصيرة لأنني أبحث- كما ذكرت- عن قارئ نادر، يعرف – عندما يقرأ – لماذا اخترت القصة القصيرة.
• هل تنوي مواصلة الكتابة في إطار عوالم خيالية عبر أعمالك المقبلة؟
- لا أعرف حقا متى تكون هناك «أعمال قادمة»، إن كانت أصلا، لكنني أعرف أنني سأواصل الإبحار كل يوم في عوالم الخيال، ربما صادفتُ ما أحببت واستطعت وتذكرت أن أحكيه يوما، وربما لاقيتُ ما يُعجز قدرتي على التعبير، وتختلط فيه الذاكرة بالتوهم، وتحدثني أصوات هامسة بأن أحتفظ به لي، وحدي.