خواطر قلم

طارق القحطاني يعقب على «أساطير الجهاديين»

تصغير
تكبير
تفاعلاً مع مقالتي السابقة في جريدة «الراي» تحت عنوان «أساطير الجهاديين... نهاية إسرائيل... ودابق الدواعش 2-2» والمنشورة في عدد الاثنين الماضي، كتب الدكتور طارق بن سعيد القحطاني - عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - تعقيباً على ما ورد فيها بعنوان (تنزيل النصوص الشرعية على الواقع والمستقبل باستخدام الإعجاز العددي)، وفي الآتي نصها:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: تعليقا على مقال أخي الدكتور محمد العوضي (أساطير الجهاديين نهاية إسرائيل ودابق الدواعش 2-2).


أقول: لقد تنوعت أساليب الباحثين المعاصرين في تنزيل النصوص على الواقع دون مراعاة للضوابط الشرعية، والكلام عن هذا بحر لا ساحل له وقد أشار أخي الدكتور محمد إلى بعض من مفاتح تلك الأساليب، ولكن ما أود إضافته هو ما يتعلق بموضوع استخدام الأعداد وحساب الجمل وما يسمى بالإعجاز العددي وإسقاطها على الواقع وهو قريب من إسقاطات الجهاديين وبعض الحركيين؛ ولكون رسالتي في الماجستير كانت حول هذا الموضوع فيسرني أن أضيف توضيحا علميا لمثل هذه الأفكار؛ وذلك على النحو التالي:

أولاً: الإعجاز العددي التنبئي نظرة عقلية توجيهية استهوائية انتقائية؛ لإثبات صحة المقدمة المفروضة والمستهواة وهذا في المنظور العلمي المجرد: عبث لا يعتدُّ به.

ثانيا: نشأة استخدام الأعداد عموما:

يرجع البعض فكرة حساب الجمل إلى اليهود (القبالة أو القبَّالاة) - الصوفية اليهودية-. [ ينظر: المعجزة القرآنية الإعجاز العلمي والغيبي، د. محمد هيتو، ص298].

وبداية لم يعرف عند العلماء استخدام الأعداد بهذه الطريقة المسماة بالإعجاز العددي، وإنما عُرف ما يسمى الإحصاء المعين في القراءات وعلوم القرآن لتعلقه بالمكي والمدني، وعدد الآيات، وفواصلها.[ كنموذج ينظر: العدد المعتبر من الأوجه بين السور لأبي الفضل العراقي، وحسن المدد في فن العدد للعلامة الجعبري].

ثالثا: يمكن تقسيم مراحل نشأة علم الإعجاز العددي المعاصر إلى المراحل التالية:

الأولى: مرحلة بديع الزمان سعيد النوري الذي حاول معرفة التناسق العددي للألفاظ في القرآن، ولكنه وقع في أخطاء أثناء عده.[ ينظر: بحوث في الإعجاز والتفسير في رسائل النور، د. أحمد شكري، ص32].

الثانية: مرحلة رشاد خليفة- البهائي مدعي النبوة لاحقا-

فقد جعل دراساته في الرقم (19) ولم ينتبه الناس أنه كان بهائيا يُقدس الرقم(19) تبعا لعقيدته. [ ينظر للاستزادة في معتقد البهائية: البابية، إحسان إلهي ظهير، ص141-، مفتاح باب الأبواب، ميرزا محمد مهدي خان، ص206،270، البابية والبهائية،محمد حسين إسماعيل، ص531].

ولكن بعد ذلك اكتشف الناس أمره فتركوه ولكن بقيت فتنته وأفكاره.

الثالثة: مرحلة مابعد رشاد خليفة، أو ما يمكن أن نسميها بقايا فتنة رشاد خليفة، وتأثر بعض الباحثين بها، ولكن مع ذلك، المتأثرون به ليسوا سواءً فهم على صنفين:

- صنف وقع في أخطاء فقط ولم يقتحم معرفة الغيب: كعبدالرزاق نوفل.[ ولمزيد من الاطلاع عن نقد هذه الأخطاء التي وقع فيها عبد الرزاق نوفل ينظر: دراسات في الإعجاز العددي بين الحاضر في ضوء الكتاب والسنة لمصطفى الكندي، ص 107، 132- 145،160، اتجاهات التفسير في القرن الرابع للدكتور فهد الرومي، 2/‏ 698-702، ورسم المصحف والإعجاز العددي –للدكتور أشرف قطنة ص117-144].

- وأما الصنف الآخر المتأثر بفتنة رشاد خليفة فكان أكثر غلواً؛ وذلك لخوضه في علم الغيب باستخدام الأعداد وحساب الجمل، وأبرز ما يمثل هذا الصنف بسام جرار، الذي انتقد رشاد خليفة ليس في أصل طريقته وإنما في مسألة تلفيقه للأرقام أما من حيث البناء العددي للرقم (19) فهو يتفق معه[ينظر: زوال إسرائيل 2022م، بسام جرار، ص54].

وأيضا ممن يُعد من أصحاب هذا الاستخدام (الدكتور عايد طه ناصف)؛ الذي فاق بسام جرار غلواً؛ كونه بالغ في الاعتماد على المعطيات الفلكية مستدلاً بها في تحديد تاريخ زوال إسرائيل. [ ينظر للاستزادة: أسرار الحروف وحساب الجمل، ص283 وما بعدها].

ثم بعد ذلك تهافت بعض الباحثين على هذه الأفكار: كأمثال عدنان إبراهيم، ومحمد النوباني. [ راجع مقاطع لهما على اليوتيوب].

رابعا: خلاصة الأخطاء لمرحلة ما بعد رشاد خليفة:

1- افتراض أسس ومبادئ وأسرار متوهمة وبناء النتائج عليها، حيث يقوم المؤلف بالبحث عن العلاقة بين الحروف والكلمات وبين ترتيب السور أو أرقام الآيات؟!

والهدف ما هو؟

هو توجيه القرّاء إلى ربط هذه النتيجة بحدث معين في المستقبل.

2- إن هذه الدراسات ليست متجردة يعني ليس لها قانون مطرد - على فرض التسليم بقبولها- بل هي بحر لا ساحل له، فأي أحد ممكن أن يسقط ما يشاء عليها بحسب ما يريد وبحسب ماعنده من المعتقد والفكر وهذا هو الواقع.

فمثلًا: التكفيريون يستخدمون مثل هذا الإسقاط في ترويج أعمالهم فمثلا استنتج بعضهم الآية رقم (109) من سورة التوبة وطبقها على أحداث 11 سبتمبر التي وقعت في نيويورك بتاريخ11-9-2001م. وبعضهم أسقط ما يسمى بنبوءات نوستراداموس على أحداث 11 سبتمبر، وعلى أحاديث المهدي[ راجع: كتاب: نبوءات نوستراداموس، منصور عبدالحكيم، ص219، 230]

كذلك الفرق المختلفة: كالشيعة، والباطنية، والصوفية، كلهم يسقطون ويستخدمون الأعداد في تصحيح معتقدهم وادعاء الغيب![ راجع تفاصيل ذلك في أسرار الحروف وحساب الجمل، ص105-233]

فالقصد أن هذه الدراسات لا قانون ولا ممسك لها، فقط يضع مقدمات ويُطوع الآيات وحساباته عليها.

وما يؤكد عدم دقتها أن الأستاذ بسام جرار حاول أن يتتبع دراسة رشاد خليفة ويصححها فوقع هو أيضا في خطأ حسابي. [ راجع تفاصيل ذلك وإبطال هذه الدراسات: أسرار الحروف وحساب الجمل عرض ونقد، ص261-263].

وحتى لو لم يقع في خطأ حسابي لا تقبل منه؛ لأنه كما قلنا لا قانون لها مطردا، ويشوبها الكثير من الشوائب والمخالفات العقدية.

3- التنبؤ وادعاء علم الغيب قال تعالى:?قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ? [النمل: 65].

4- الابتداع في فهم القرآن وتفسيره.

5- استدلال بعضهم بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية وهذا هو عين التنجيم المحرّم المسمى: (بعلم التأثير).

هذا وندعو أصحاب هذه الدراسات إلى تدبر القرآن والعمل به على الوجه الصحيح، فلم نؤمر بِعدّ?ه ولا التكلف فيه، قال تعالى: ?قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ? [ص: 86].

وأخيرا أرجو إحسان الظن بهذا النقد، وألاّ يصرف إلى غير هدفه، فزوال إسرائيل وتحديد موعدٍ لزوالها خطأ، لكن الاعتماد على مؤشرات وسنن دون تحديد هو ما نرجوه ونتمناه ونتعبد به، وليس كما فهمه الدكتور عدنان إبراهيم على أنه حبٌ لإسرائيل ورضى بها -معاذ الله-.

[ راجع كلام د. عدنان إبراهيم على اليوتيوب بعنوان: زوال إسرائيل حتمي خلال ثماني سنوات...]. وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعليق:

كل الشكر للدكتور طارق القحطاني على هذا البيان والإيضاح الضروري لاسيما بعد انتشار التفسيرات العددية المتعسفة وإسقاطات النصوص الشرعية والأحداث التاريخية بشكل (هوليوودي) على الأحداث من جهاديين وغيرهم مع غفلة عن المنهج الضابط في فهم النصوص والواقع وسنن الله الكونية.

بل وصل الخلل في التفكير أن بعض المنسوبين للدعوة وخريجي الشريعة بدلا من دراسة وفحص أدلة المعتمدين على النبوءات وتفسيراتهم المستقبلية اتخذوا من انتظار تحقق أحلام بعض المشايخ والجهاديين والدواعش في نهاية إسرائيل وحرب دابق هي الدليل الحسي على أمنياتهم وكأنهم استبطأوا المهدي المنتظر باستعجال منتظرين كُثر.

محمد العوضي

@mh_awadi
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي