بعد مجزرة «المبعوجة» التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن حدودها

«سَلَمية» بين فكيْ كماشة «داعش» والنظام السوري ... تستصرخ «الائتلاف» إنقاذها

تصغير
تكبير
• الشاعر محمد الماغوط وصفها بدمعة الرومان والطفلة المتعثرة بثوب أوروبا

• ثوارها يتهمون سليمان الحراكي بالتحريض الطائفي وأهلها يرفضون التجنيد الإجباري في قوات الأسد

• أمل العلي: لا نشعر بالاستقرار وشبيحة الأسد يجبرون الأهالي على بيع عقاراتهم ويهددونهم بإدخال «داعش» إلى منازلهم

• «الفينيق الناري»: ما زلنا نؤيد الثورة وبعضنا ينتقد «أسلمتها» وتسلّحها
«سَلَمية»، هي مدينة سورية في محافظة حماة، تعاني الأمرّين اليوم من قوات الدفاع الوطني، أو بحسب ما يعرّفهم به الأهالي «ميليشيات بشار الأسد» ومن «داعش» التي تترصد الفرصة لدخولها، بعدما كفّرت أهلها الذين ينتمي نحو 65 بالمئة منهم إلى الطائفة الإسماعيلية.

وهكذا تبدو «سَلَمية» بين مطرقتيْ النظام وتنظيم «الدولة الإسلامية»، تعيش اسوأ الأحوال، وسط حديث أبنائها عن تواطوء الاثنين عليها، رافعين الصوت حيال تهديد قوات الأسد بالانسحاب من الحواجز حولها وفتح الطريق أمام «داعش»، الذي تتواجد قواته في ريف حماه وضمن مثلث الرستن ــ وتلبيسة وعز الدين غرباً، لدخولها وتهجير أهلها ووقوع مأساة جديدة، على غرار ما حصل أخيراً إذ ارتكب تنظيم «داعش» مجزرة في «المبعوجة» التي تبعد حوالي 20 كيلومترا عن سلمية.

ولسان حال الأهالي والنشطاء أن قوات النظام غطّت مجزرة «المبعوجة» بقصف عشوائي للمدنيين أدى إلى سقوط منازل بعضهم فوق رؤوسهم فيما منعوا أهالي «سَلَمية» من التحرك في الطرق لنجدة المبعوجة على مدى ثلاث ساعات قضاها مجرمو التنظيم قبل الانسحاب في قتل الأبرياء من كل الطوائف، وقد أدت هذه المجزرة لسقوط 60 شخصاً فيما جرى تشويه الجثث وخطف شباب من المدينة، علماً أنه سبق هذه المذبحة سيطرة عناصر التنظيم على قريتين في ريف «سلمية» وهما الحنيطة والشيخ هلال.

وهذه الأحداث فتحت ملف سَلَمية من الباب الواسع خشية حصول مجازر وتهجير على طريقة ما حصل مع الايزيديين، ما اضطر النشطاء في هذه المدينة إلى رفع الصوت وطلب حماية دولية، كما أن الائتلاف الوطني السوري كان واضحاً في اتهامه قوات النظام بإفساح مجالات التمدد والتحرك لعناصر تنظيم «داعش»، في ظل حديث ناشطين عن انخفاض نسبة المتطوعين في صفوف ما يسمى بجيش الدفاع الوطني.

بدوره أسقط رئيس الائتلاف خالد خوجة بناء لشكوى من تنسيقية السَلَمية عضوية سليمان الحراكي ممثل الحراك الثوري عن حماه في الائتلاف على خلفية إدانته لبيان الائتلاف حول المجزرة، معتبراً أنه تعامل مع القضية على أساس طائفي نظراً لأن غالبية الذين قضوا في قرية المبعوجة من الشيعة والإسماعيليون والعلويون ومن ضمنهم القيادي المرتبط بالحرس الثوري المدعو «الحاج أبو أمين».

وكان الحراكي كتب على صفحته على فايسبوك: «يتباكى بعض المعارضين على قتلى قرية المبعوجة النصيرية التي اقتحـمها تنظيم الدولة، والله لو تم اقتحام سلحب، أو القرداحة أهم معاقل النظام لتباكى بعض المعارضين عليها، معارضة أصبحت في قمة النفاق».

وأوضح الحراكي «ان اعضاء تنسيقية سَلَمية من طائفة واحدة، واستغلوا أن غالبية أهل السلمية من الطائفة الإسماعيلية المعارضة للنظام، ووصل الأمر إلى ما وصل إليه واعتُبرت القضية انها شحن طائفي مني تجاه قتلى مجزرة المبعوجة، علماً أن النظام هو من قام بنعي قتلى المجزرة، حيث كان من بينهم قيادات عسكرية في حزب الله، ومن ميليشيا الدفاع الوطني، والعديد من الجماعات التي تقاتل في صفوف النظام».

وبغض النظر عن هذا الجدل الذي لم يُحسم اتجاهه بعد، إذ ما يزال موضع أخذ ورد بين المعارضين، تبقى الأخطار تحيط بمدينة سَلَمية التي استضافت آلاف النازحين اليها من الجوار حتى فاض عدد سكانها الذين كانوا يعدون 200 ألف قبل الثورة.

تاريخياً كانت سَلَمية مقراً للدعوة الإسماعيلية، فمنها انطلق عبد الله المهدي إلى تونس ليصبح الخليفة الأول للدولة الفاطمية، ومنها أيضاً تخرّج عشرات المفكرين والمثقفين أمثال الشاعر محمد الماغوط وسليمان عواد وعلي الجندي وفايز خضور ومحمد عزوز ومحمود أمين وسامي وعاصم الجندي وأكرم قطريب وغيرهم، وكانت جسراً بين الشرق والغرب عبرتها قوافل عدة وهي كانت تتجدد عمرانياً في كل مرة تعرّضت لهجمات تسببت في تدميرها أو خراب أبنيتها، وهي تقع على طريق حلب ـــ السفيرة ـــ الأندرين ـــ قصر ابن وردان فالرستن حيث الاتجاه يكون إما نحو دمشق أو لبنان عبر جبال القلمون، وهي تبعد عن حماه 33 كيلومتراً فقط وفيها معالم أثرية مهمة منها قلعة سَلَمية وشميميس ومعبد زيوس ومزار الخضر والقنوات الرومانية وبيها قناة العاشق.

كتب فيها الماغوط قصيدة جميلة قال في أبياتها: «سَلَمية الدمعة التي ذرفها الرومان، على أول أسير فك قيوده بأسنانه ومات حنينا اليها، سَلَمية الطفلة التي تعثرت بطرف أوروبا وهي تلهو بأقراطها الفاطمية وشعرها الذهبي وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين، دميتها في البحر وأصابعها في الصحراء، يحدّها من الشمال الرعب ومن الجنوب الحزن ومن الشرق الغبار ومن الغرب الأطلال والغربات، فصولها متقابلة أبدا كعيون حزينة في قطار، نوافذها مفتوحة أبدا كأفواه تنادي، أفواه تلبي النداء في كل حفنة من ترابها، جناح فراشة أو قيد أسير، حرف للمتنبي أو سوط للحجاج، أسنان خليفة أو دمعة يتيم، زهورها لا تتفتح في الرمال، لأن الأشرعة مطوية في براعمها، لسنابلها أطواق من النمل ولكنها لا تعرف الجوع أبدا، لأن أطفالها بعدد غيومها، لكل مصباح فراشة، ولكل خروف جرس، ولكل عجوز موقد وعباءة ولكنها حزينة أبدا، لأن طيورها بلا مأوى، كلما هب النسيم في الليل، ارتجفت ستائرها كالعيون المطروفة، كلما مر قطار في الليل، اهتزت بيوتها الحزينة المطفأه، كسلسلة من الحقائب المعلقة في الريح، والنجوم أصابع مفتوحة لالتقاطها، مفتوحة منذ الأبد لالتقاطها».

«الراي» حاورت عدداً من الناشطين السياسيين في المدينة الذين شاركوا في نشاطات وفاعليات للثورة وبينهم مَن اعتُقل وحُقق معه أكثر من مرة، وهم حتى اليوم لا يكشفون عن أسمائهم الحقيقية بسبب سيطرة النظام على سَلَمية وانتشار فروع للمخابرات داخلها، ما يجعلهم في حال حذر دائم.

ويقول «الفينيق الناري» ـــ اسم حرَكي «سَلَمية انتفضت تأييداً لأطفال درعا مطالبة بالحرية منذ بداية انطلاقة الثورة، وأحبّت الحفاظ على سلميتها وكان للتظاهرات التي نُظمت فيها طابع خاص، وهي لم تكن طائفية أو دينية بل كانت فكرية وتميّزت بعدم خروج المتظاهرين من الجوامع، بل كان لهم ساحتهم الخاصة للتجمع، كما أن حراك سَلَمية كان إثباتاً على أن الثورة ليست طائفية. ولثوار سَلَمية دور كبير في استقبال النازحين لاحقاً من حماه والرستن، وأهلها تطوعوا في أعمال الاغاثة من نقل غذاء ودواء الى المناطق المحاصَرة».

ويوضح «كانت التظاهرات كبيرة، إلى أن تعرّضت المدينة لتضييق أمني شديد، لكن ذلك لم يمنعها من الانتفاضة بقوة أكبر في تشييع شهدائها عندما تعرضت لإطلاق رصاص حي على المتظاهرين من قوات الأسد بقيادة المخابرات الجوية».

ويشير إلى أن «مدينة سَلَمية تقع شرق محافظة حماه تماماً وتكمن أهميتها في كونها صلة وصل بين الجنوب والشمال والأهمّ في المنطقة الوسطى، وهي طريق إمداد وشريان لتمرير تعزيزات النظام لقواته وبوابة الريف الشرقي»، لافتاً إلى «وجود العديد من المنشقّين من أبناء المدينة ومنهم قائد كتيبة في»الجيش الحر«استُشهد قبل سنتين».

أما الناشطة أمل العلي وهي مدرّسة فُصلت من العمل بسبب نشاطها وتأييدها للثورة مثل كثيرين من أبناء المدينة الذين عاقبتهم الأجهزة الأمنية بحرمانهم من وظائفهم للتضييق على وضعهم المعيشي، فتقول: «النظام يحاصر المدينة ويحارب أهلها بلقمة عيشهم، ويضيّق عليهم أمنياً ويقوم باعتقالات تعسفية. وقد جرى ذلك في فترة الحراك السلمي في بدايات الثورة ولكنه ما يزال مستمراً إذ يُضيّق على الناشطين حتى الآن، لا سيما أولئك الذين قدّموا الكثير منذ بداية الثورة».

وعن أشكال التضييق الأمني، تشير إلى «مسألة طلب الشباب للاحتياط إضافة إلى الاعتقال والملاحقة الأمنية وقطع المواد الأساسية عن المدينة مثل الغاز والمازوت والكهرباء والماء، من دون إغفال عمليات الخطف ولا سيما بعد رفض الكثير من شباب المدينة الالتحاق بجيش الأسد، كما ان التضييق طال منشقين عن كتيبة المدفعية شرق المدينة أمّن عناصر من أبناء المدينة طريقاً لهم للخروج منها».

وتلفت إلى أن من «أبرز الحركات المسلحة لأبناء سَلَمية الآن تتمثل في لواء شباب سَلَمية الذي يضم أبناء المدينة ويعمل بصفته الجيش الحر، رغم أنه يتواجد ضمن نطاق عمل»الجماعات الإسلامية«وهناك تضييق عليه من قبلهم».

وتذكّر العلي «بأول شهيد من المدينة ويدعى ملهم رستم الذي سقط أثناء قيامه بنقل مواد إغاثية إلى مدينة الرستن وحوصر من النظام، إضافة لشهداء سقطوا تحت التعذيب في المعتقلات نذكر منهم خالد القصير، عصام المير، طه طه».

وتضيف «هناك الشهيد قاسم حمود الذي خُطف في وضح النهار وتم طلب فدية من أهله ومن ثم أُرسل شهيداً، حيث تم خنقه بلف شريط لاصق على كامل رأسه»، مشيرة إلى وجود معتقلين «إلى اليوم لم نسمع عنهم أخباراً ومنهم عادل حمد ونعمان النعوفي وحذيفة طنجير وإسماعيل حمودي، وقبل فترة اعتُقل مهندس (ح ج ) بعد فصله من عمله».

وتشرح أنه «بالنسبة للشباب اليوم، فبسبب عدم رغبتهم بالالتحاق بالاحتياط والقتال إلى جانب قوات الأسد إذ بهم يعمدون إلى الهرب خارج المدينة»، وتقول «طبعاً سَلَمية لم تدخل في نطاق معارك لكنها تعرضت للقصف وخسرت غالبية قرى ريفها الذي سقط بيد (داعش) التي احتلته بعد طرد الكتائب الأخرى، وقام النظام بتعزيز تمركزه داخل المدينة وتطويقها، كما حصلت فيها تفجيرات مدبرة في أقبية المخابرات».

وتصف احوال الناس قائلة «طبعاً الناس في المدينة لا يشعرون بالاستقرار، لأنهم بين فكيْ كماشة النظام الارهابي الأسدي من جهة وأزلامه الذين يعبثون بالمدينة وأمنها دون حسيب او رقيب، و»داعش«المتطرفة من جهة أخرى الموجودة على الحدود الشرقية للمدينة والتي تعتبر أهل سَلَمية من الرافضة والكفار، فيما النظام يعمد دائماً إلى التخويف والترهيب لزيادة الهجرة حيث يروّج شبيحته لنية دخول»داعش«المدينة ما يدفع الناس إلى الهجرة المنتشرة بكثرة نحو أوروبا وإلى بيع العقارات لشبيحة النظام الطائفيين الذين يخططون لامتلاك عقارات واسعة تدعم مخططاً طائفياً مخفياً للأسد».

ويعدد «الفينيق الناري» صور معاناة الأهالي في عيشهم اليومي ويقول:«هناك غلاء وأزمات في الكهرباء والمياه والبنزين، وعدم توافر مادة المازوت للتدفئة والغاز، وغالباً ما يقوم النظام بافتعال الأزمات بشكل منتظم، مما يسبب عبئاً كبيراً على الأهالي، كما أن هناك تضييقاً على التنقل بسبب إغلاق الشوارع بالحواجز الإسمنتية وانتشار الحواجز حول المدينة التي كانت مصدر نهب وسلب وبالأخص حاجز قرية خنيفس جنوب المدينة الذي يسميه حاجز المليون نظراً لحصول سرقة بالملايين عليه، والأهالي يحاولون إيجاد بدائل دائماً مما يبقيهم منشغلين في إيجاد حلول وتدبير أمورهم وسط هذه الأزمات».

وردا على سؤال عما إذا كان التضامن مع الثورة تراجع، يجيب: «التضامن لم يتراجع، بل إن الناشطين والأحرار بقوا على كلمتهم بتأييدهم لأهداف الثورة وإن كان بعضنا ينتقد أسلمتها وتسلحها، ولكن التضييق الأمني والحوادث الأخيرة التي مرّت بها الثورة في سَلَمية كمّمتها بشكل كامل، حالها حال الثورة والتظاهرات اليوم في سورية».

ويشير إلى أن «هناك شهادة بلسان ضابط للنظام يؤكد فيها أن النظام لا يريد إنهاء»داعش«من ريف سَلَمية رغم وجود الإمكانية، ولذلك كان النظام يقوم بسحب الشباب من أبناء المدينة ويضعهم على خط التماس مع»داعش«دون عتاد إلا القليل من الذخيرة، إذ لا يوجد إلا سبعة عناصر فقط على كل حاجز، لا يمدّهم بشيء وقد ظهرت نيته بالتضحية بالشباب وعدم محاربة داعش».

ويشدد على أن «الأهالي يقومون ببيع منازلهم والهجرة، وهذا ما يخدم النظام لأن شبيحته الطائفيين يقومون بشراء هذه العقارات بأموالهم التي يسرقونها، ومنهم أديب سلامة قائد المخابرات الجوية في حلب الذي وردت أنباء غير مؤكدة عن مقتله، وإخوته مجيب ومصيب وفراس المعروفين في هذه العائلة».

أما «لهب سوري» وهو اسم حرَكي أيضاً، ففي رأيه ان «ما تعرضت له الثورة السورية من مؤامرات، تم نسجها في دهاليز الانظمة العربية وما وراء الكواليس الدولية لإجهاض الحراك الشعبي الوطني السوري وإلباسه الرداء الطائفي القذر المدمّر للاوطان. ومدينة سَلَمية هي جزء من الوطن السوري وذات خصوصية طائفية، غلبتها الروح الوطنية المدنية، ولهذا غُيبت من الإعلام لأن ظهورها لا يخدم لا النظام ولا بعض الاعلام ومَن يموّله، فهي كسرت الخطاب الطائفي للنظام عن للثورة وكانت حضناً لنازحي ومنكوبي سورية حسب استطاعتها ومن دون أي دعم خارجي، لدرجة أن تركيا عندما»طبّلت وزمرت«حين وصل عدد اللاجئين فيها إلى عشرة آلاف، وهي الدولة الكبيرة الغنية، كان يوجد في سَلَمية نحو خمسة وعشرين ألف نازح استُقبلوا في بيوت أحرار سلمية».

ويضيف: «ما تعرض له أحرار سَلَمية من عمليات تنكيل واعتقال يفوق الوصف، إذ بدأت عمليات الاعتقال منذ الشهر الرابع من العام 2011 في أول حملة اعتقال جماعية، تبعتها حملات جماعية وفردية حتى لنكاد نقول ان ما يقارب العشرين الف الذين تظاهروا تم اعتقالهم. ولم تسلم النساء والصبايا من تلك الحملات، وتحولت سَلَمية فيما بعد سجناً كبيراً، إلا ان الملاحظ في تلك الفترة هو بدء نشاط»الكتائب الاسلامية«التي جاء دخولها ساحة الاحداث عسكرياً ليريح النظام، إذ قامت بطرد كتائب الجيش الحر من الريف الشرقي لمدينة سَلَمية وحولت الجبهة الملتهبة التي كانت أمل مدينة حمص اثناء حصارها إلى جبهة هادئة مريحة لقوات النظام التي سحبت غالبية قواتها منها وتوجّهت بها إلى حمص وغيرها من المدن السورية، وكانت»النصرة«في وقتها الحليف غير المعلن للنظام في طرد»الجيش الحر«في محاولة لتغيير اتجاه الحاضنة الشعبية للثورة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي