لمسؤولون الذين يتبوأون المراكز العليا في الدولة دائما ما يدلون بتصريحاتهم المتكررة المملة عبر الصحافة اليومية باصرارهم على تطبيق القانون ومحاربة الفساد الذي انتشر في البلاد وفي جميع اركان الدولة من وزارات ومؤسسات وهيئات عامة ... وهذه التصريحات هي في غالبيتها كلام فارغ لا قيمة له ولا نتيجة ملموسة منه، وقد اشار إلى تعريف الفساد على شكل سؤال نشر في جريدة «الراي» بتاريخ 4/8/2008 وجهه العضو البارز المحترم السيد احمد السعدون بسؤال برلماني إلى السيد وزير الداخلية ووزير الشؤون الاجتماعية ووزير البلدية، وتساءل بالتفصيل الكامل عن موضوع الاعلانات الانتخابية الماضية التي انتشرت في بعض مناطق البلاد دون الاخرى، إذ تولت احدى الشركات مناقصة حملة هذه الاعلانات من دون ان تدخل في مسابقة المنافسة كغيرها من الشركات الثلاث التي قدمت عروضها إلى لجنة المناقصات المركزية، فالشركة الفائزة كانت اسعارها اكثر بعشر مرات من اسعار الشركات المنافسة، وبلغ سعرها الذي حصلت بموجبه على الترسية مبلغ خمسة ملايين وثلاثمئة الف دينار مع وجود المبلغ الاقل سعرا تقدمت به احدى الشركات وهو لم يزد على اربعمئة وخمسين الف دينار فقط لا غير، وقد فاجأت هذه الموافقة الشركات المنافسة بموافقة وزارة الداخلية على هذا المبلغ الهائل من دون ان تمر المناقصة عبر آليتها المعهودة من لجنة المناقصات وديوان المحاسبة وتخصيص مبلغ مسبق ضمن ميزانية وزارة المالية لعام الانتخابات...
والموضوع برمته تم بطريق غير قانوني، والذي دائما ما تصرح به الحكومة بانها دولة قانون، ولكن يبدو انها لا نستعمل هذه المقولة الا كسيف يصلت على من لا ظهر له، وما نعلمه من واقع تجربتنا الفعلية في العمل المالي ان المناقصات التي تزيد اسعارها عن مبلغ خمسة آلاف دينار لابد من الحصول على اذن من لجنة المناقصات المركزية وديوان المحاسبة لأخذ موافقتها في شأن طرحها على الشركات المؤهلة لتتم الترسية عليها بعد ذلك، وهذا الامر يأخذ وقتا طويلا من الزمن للوصول إلى هذه النتيجة ويتم تنفيذها وليس بالسرعة الهائلة التي حصلت الموافقة عليها! ويا ليت مواضيع الدولة كلها تتم بهذه السرعة الفائقة بالتنفيذ لأصبحت الكويت اكثر دول العالم تقدماً! واما الامر المباشر «الممارسة» فهي تتم كقرار لوكيل الوزارة المختص من دون الحصول على اذن من ديوان المحاسبة ولجنة المناقصات المركزية، وذلك بقيمة خمسة الاف دينار فقط لا غير، ورغم ذلك فهي تمر ايضا عبر آلية محددة من دون تطبيقها بطريقة عشوائية، وليس خمسة ملايين كما اشار إلى ذلك العضو المحترم السيد احمد السعدون في سؤاله المفصل للوزراء المعنيين بالامر.
وسؤالنا الذي وددنا ان نسأله المختصين في الدولة بتفسيرهم للقوانين والاحداث والمرئيات والمخفيات، وهو المتعلق بتعريف شامل لكلمة الفساد وتحديدها بالتفصيل الكامل وتفسيرها بما تحويه من معان متعددة بما في ذلك تفسير كلمة السرقة التي اخذت عدة مناحٍ في الكويت، فهل لهذين السؤالين معنى غير ذلك المتعارف عليه عند الناس وليس عند الحكومة، وما نعرفه ان الفساد هو الاعتداء على مصالح الغير مهما كان هذا الغير ومهما كان الحق المسلوب من صاحبه دون وجه حق، والسرقة هي ما يأخذه الفرد ويستولي عليه من مالٍ واراض وغيرهما من الغير، كما في الطرح الاول دون وجه حق ايضا. ونحن نتمنى على السادة اصحاب الرأي والخبرة في التفسير المعنوي والمادي للكلمات في ان يعملوا على تثقيف الشعب ويخبروه بالمعنى الحقيقي الذي تحمله كلمتا الفساد والسرقة التي ربما تكون قد غمضت عليهم ليعرفوا بعد ذلك معنى ان تتم ترسية مناقصة على شركة واحدة للاعلانات الانتخابية الماضية بمبلغ خمسة ملايين وثلاثمئة الف دينار مع وجود ثلاث شركات اخرى قدمت اسعارا لا تزيد على اربعمئة وخمسين الف دينار للاعلانات والمواصفات نفسها، ولكن شاء صاحب الشركة المحظوظ ان تبيت الخمسة ملايين وثلاثمئة الف دينار في حضنه الدافئ من دون الدخول في متاهات لجنة المناقصات المركزية واسئلتها واطروحاتها المتعددة ليستقر عندها الرأي النهائي واسناد المناقصة على من يستحقها، فهل هذا التصرف يدخل من باب الفساد او من باب السرقة؟ والله يكون في عون هذا الشعب الذي مل سماع كلمة تطبيق القانون، وهو يرى امواله العامة «تهدر» للبعض من دون ان يستطيع احدهم اتخاذ القرار بتحويل الهادر إلى جهات الاختصاص.
يعقوب العوضي
كاتب كويتي
[email protected]