رجال الآثار

تصغير
تكبير
كان أدولف هتلر يأمر قواته كلما احتلت بلدا بسرقة الأعمال الفنية من منحوتات ولوحات وقطع أثرية وتفريغ المتاحف والمعارض والكنائس منها ونقلها لبلده.. أدولف هتلر الذي سفك دماء البشر وبطش وخلخل العالم كان رقيقا حين جاء الأمر للثقافة والفنون. تحول لإنسان ودود ولو بالسرقة، ولو بتدمير ثقافة وفنون الغير. كان يعلم تماما ماذا يعني أن يفنى جسده ويحيا متحف أو كنز.

أما الحلفاء فعملوا جاهدين تلك الأيام لإرجاع كل شيء. لكن شيئا قليلا جدا فقط هو الذي عاد.


خرج العسكري لحماية الكنوز والموسيقى واللوحات والتماثيل. كان ذلك يشكل جزءا مهما من المهمة الوطنية والإنسانية. الوطن المحظوظ فقط هو الذي ينتشر به الفنانون والأكثر حظا هو الذي يملك جيشا يحمي الفنون.

بذلت جهود وأرواح ومات جنود لحماية اللوحات المستهدفة أو البحث عن المسروق منها، لم يكن الهدف مونييه أو سيزان أو غوخ، بل ما حققه هؤلاء الفنانون، كانت المهمة تقضي بحماية الوجود البشري للمجتمعات، فحين تقتل التمثال وتريق عمره وحين تحطم القطع الأثرية وتحرق اللوحات والكتب لأنها لا توافق هواك، فإنك تنهي أمر المجموعة البشرية المنتجة. تخفيها من الوجود فلا يبقى لأهلها أثر بعد فنائهم.

هذا أيضا ما أراد جورج كلوني بطل(رجال الآثار) قوله مشجعا الجنود الذين كانوا معه بمهمة بحث الحلفاء عن اللوحات الفنية وحمايتها من أيدي النازيين..

بالطبع لم نكن نتوقع أن يظهر فيلم مصري أو عربي ينادي بحماية الآثار والمنحوتات التي تدمرها الميليشيات تحت حجج غير طبيعية. ولم نكن لنتوقع أن توجه هيئة الأمم المتحدة شكرا للسينما العربية، إنما وجهته لهوليوود لاهتمامها بالعالم وصناعة فيلم كرد فعل لمجازر سورية والعراق حيث أبيح شرف الفن حتى ذاب واختفى.

سيموت أي مجتمع بشري لكنه لن ينتهي، فثقافته سيخلدها الفن والشعر والموسيقى والأدب. هل مات أرسطو أو مات نيتشة أو دانتي أو طاغور؟ هل ماتت فرجينيا وولف؟

هل مات مجتمع خلفه جان جاك روسو أو مر به فولتيير أو غويا أو سلفادور دالي أو بيكاسو ؟

وهتلر أحرق عشرات الآلاف من الكتب بالميادين العامة وأحرق عددا من اللوحات المهمة بتهمة أنها تمثل الفن الهابط. لكنه مع ذلك آمن بأن ميراثا من الفن المسروق أو غير المسروق سيخلد ذكراه للأبد.

في برلين وقفت مع صديق قديم في ساحة بيبلبلاتز. وعلى ذكرى «هولوكوست الكتب» والحرق النازي للكتب ببرلين عام 1933 فهناك زجاجة مربعة في وسط أرضية ساحة الحريق ومن خلال الزجاج الشفاف يظهر قبو به جدران مليئة بأرفف الكتب الفارغة نفذها الفنان الإسرائيلي ميشا أولما، هناك قرأت عبارة مكتوبة للمفكر الألماني هاينرش هاين يقول فيها «فقط في الأماكن التي تحرق بها الكتب يغدو حرق الإنسان ممكنا أيضاً».

تصدح الأجراس وتعلو بفضاء برلين، تعزف موسيقى تطرب دون أن تؤذي مشاعر أحد، فقد ارتاحوا قديما من منح الفرصة لكل مارق للتفرقة بين الناس.

وعلى ذكر توحشه فكم مئة عام يحتاج وحوشنا للارتقاء الى منزلة هتلر ؟

كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي