«الراي» تحدثت إلى المولى وعبد القادر عن أهميته و«العواصف» الدائرة من حوله
«باب المندب» يُفتَح على صراع استراتيجي بين العرب وإيران
باب المندب... هل يكون بوابة الصراع العربي الإيراني؟
• سعود المولى: كان ينبغي إدخال اليمن في مجلس التعاون الخليجي وتأمين الدعم التنموي لشعبه
• وصول إيران إلى «باب المندب» من خلال الحوثيين تهديد لمصالح العرب والغرب معاً
•نزار عبد القادر: سيطرة إيران عبر «الحوثيين» على «باب المندب» سيُعطيها دوراً جديداً في «الجيوبوليتيك»
• الظروف الدولية غير مواتية حالياً لتدخل إيران بشكل مباشر في اليمن لأنه سيكشف اللعبة المزدوجة التي تلعبها
• وصول إيران إلى «باب المندب» من خلال الحوثيين تهديد لمصالح العرب والغرب معاً
•نزار عبد القادر: سيطرة إيران عبر «الحوثيين» على «باب المندب» سيُعطيها دوراً جديداً في «الجيوبوليتيك»
• الظروف الدولية غير مواتية حالياً لتدخل إيران بشكل مباشر في اليمن لأنه سيكشف اللعبة المزدوجة التي تلعبها
عاد اليمن إلى دائرة الضوء من خلال الصراع «الأخوي» أو «القبَلي» بين جماعة «الحوثيين» برئاسة عبد الملك الحوثي والمعروفة بحركة «أنصار الله» المدعومة من إيران والمتحالفة مع «الحرس الجمهوري» الموالي للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وبين الجيش اليمني الممثّل الأوحد لشرعيّة الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي المدعوم من «الجامعة العربية».
تَقدُّم ملحوظ كانت شهدته الأشهر الماضية للجماعات «الحوثيّة»، الأمر الذي دفع المملكة العربيّة السعودية إلى التنبّه لمخاطر فعليّة تهدّد حدودها البريّة مع الدولة الجارة. لكن ما هي هذه الأخطار التي حملت الرياض وللمرّة الأولى على الدخول في حربٍ واسعة وضمن توليفةٍ عربيّة لضرب «الحوثيين» والمتمرّدين على حكم الرئيس هادي؟ وهل يُعتبر التدخل العربي هذا بمثابة اختبار حقيقي لجديّة دول الخليج في إحداث «توازن ردع» يمنع إيران وحلفاءها من أن يكون لهم موطئ قدم في اليمن وتحديداً على مضيق «باب المندب» المعروف بمكانته الاستراتيجية اقتصادياً وعسكريّاً بالنسبة إلى السعودية ولإيران أيضاً في حال تمكّنت من السيطرة عليه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؟
من المؤكد أن لمضيق «باب المندب» أهميّة كبرى تفوق بقيّة الموانئ والمناطق اليمنيّة، فعدا عن أنه نقطة ملاحية استراتيجية تصل الشرق بالغرب، فهو يُشكّل في الوقت عينه أهميّة إضافية بالنسبة إلى السعودية التي تمرّ عبره سفنها المُحمّلة بالنفط والمشتقّات المكرّرة والخام باتجاه الشرق الأقصى ودول آسيا. وخير دليل على تلك الأهميّة ما كان أعلنه العميد ركن السعودي أحمد العسيري المتحدث باسم عمليات «عاصفة الحزم» عن استهداف مقاتلات «التحالف» تجمعات كبيرة لـ «الحوثيين» في جزيرة «ميون» الواقعة على «باب المندب» كانوا ينوون تعطيل الملاحة فيه.
الباحث السياسي الدكتور سعود المولى يشرح أهميّة اليمن عموماً و«باب المندب» خصوصاً بالنسبة إلى دول الخليج فيقول: «اليمن مهم جدّاً للسعودية ولدول الخليج لأنه حديقتهم الخلفية، وكان ينبغي إدخال اليمن في مجلس التعاون الخليجي وتأمين الدعم التنموي لشعبه لكن ذلك لم يحدث. كما يُعتبر اليمن مهماً بالنسبة إلى مصر بسبب(باب المندب) تماماً كما هو مهم لدول أفريقية أيضاً مثل اريترياً والحبشة».
وهنا يشرح المولى أهمية مضيق «باب المندب» الذي يُعتبر أهم الممرّات المائية في العالم وأكثرها احتضاناً للسفن قائلاً: «يربط(باب المندب) بين البحر الأحمر وخليج عدن - المحيط الأطلسي وتمرّ منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7 في المئة من الملاحة العالمية، وفي العام 2006 مرّت عبرالمضيق سفن محملة (اجمالا) بـ 3.3 مليون برميل من النفط تمثل نحو 7.5 في المئة من كل حاملات النفط (بالسفن) في العالم في تلك السنة».
ويضيف: «تزيد أهمية(باب المندب) بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز. فهو مهم ّأولاً لمصر ثم للسعودية ودول الخليج ثم لاريتريا وجيبوتي ومن بعدهما اثيوبيا والصومال، ثم للغرب كله. وتمرّ منه الصادرات الخليجية أولاً والمنتجات الواردة من شرق آسيا ثانياً، ناهيك عن حاملات النفط، ويقال إنه في حال إغلاقه سيؤدي لارتفاع النفط بـ 5 دولارات لكل برميل، وهناك احتمال أن تؤدي عملية إغلاق المضيق إلى إعاقة وصول ناقلات النفط من الخليج إلى قناة السويس، وارتفاع في تكاليف الشحن بإضافة 6 آلاف ميل بحري زيادة بالنسبة للناقلات التي ستعبره، إضافة إلى توقعات بوصول التكاليف الإضافية للنقل لأكثرمن 45 مليون دولار يومياً».
ويشرح المولى أصول الحركة «الحوثية» فيشبّهها بـ «حزب الله» لناحية «التنظيم الديني الذي يجمع بين الانتماء المذهبي والطائفي من جهة وبين المشروع السياسي والأدوات التنظيمية والعسكرية الحديثة من جهة أخرى»،
لكن ما هو وجه التشبيه الفعلي بين «الحوثيين» و«حزب الله»؟ يجيب المولى: «تحوّلت الحركة(الحوثيّة) ظاهرة طائفيّة استعادت تجربة الحزب لجهة بناء منظّمة سياسية عسكرية ايديولوجية تمثل رأس الرمح لزيدية سياسية تعمل على المحاصصة الطائفية في النظام السياسي اليمني الجديد، وتملك في الوقت نفسه استراتيجية واضحة للهيمنة وليس للمشاركة الحقيقية، لذا وجد(الحوثيون) أن الظرف مناسب للتحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح لاحتلال اليمن كله والسيطرة على الحكم فيه من دون أيّ اعتبار للتوازنات الداخلية والخارجية.
وهنا تحالفت(الحوثية)مع إيران و)حزب الله) في حلف مصلحي له طابع طائفي، إذ إن القيادة(الحوثية) تنتمي إلى النسب الهاشمي، وبالتالي فهي تلعب على وتر التشيّع ما يوحي بأن(الحوثيين) شيعة اثنى عشرية وهذا غير صحيح، ولكنهم بالطبع حلفاء أساسيون لإيران يستفيدون من خبراتها ومالها ومساعداتها العسكرية والتنظيمية واللوجستية، في حين تستفيد إيران من بناء موطئ قدم على(باب المندب) وعلى حدود السعودية لتلعب لعبتها في التفاوض والابتزاز».
«... الردّ السعودي والخليجي على الخرق الإيراني في اليمن كان متوافقاً مع السلوك التقليدي لأيّ دولة في العالم»، هذا ما يراه المولى لجهة قيام السعودية مع بعض الدول العربيّة بعمليّة «عاصفة الحزم» في اليمن. وفي رأيه أنه «في أوقات الأزمات، يمكن للدول المتضررة اللجوء إلى القوّة عندما لا تعود قادرة على حماية مصالحها بوسائل أقلّ تكلفة. ثم ان الصراع في اليمن يهدّد المصالح السعودية ودول الخليج تهديداً حيويّاً وخطيراً وبالتالي فإن الردّ العسكري المباشر يصبح هو الحلّ الوحيد، وهذا ما فعلته إيران في العراق بعدما سيطر تنظيم(داعش)على(الموصل) ومعظم شمال غرب البلاد، وهذا ما تفعله إيران في سورية منذ نحو ثلاثة أعوام، فدول الخليج العربية مهدَّدة ليس في صميم مصالحها فقط، إنما في وجودها».
لكن ما الخطورة التي تشكلها الجماعات «الحوثية» على السعودية والعرب؟ يجيب: «خطورة ما حصل في اليمن بالنسبة للدول العربية يتمثّل في خروج اليمن من دائرة النفوذ الخليجي، ودخوله في دائرة النفوذ السياسي الإيراني، هذا ناهيك عن وصول ايران الى(باب المندب)مع ما يمثّله ذلك من تهديد لمصالح العرب ولمصالح الغرب في آن معاً».
ورغم الأهميّة البالغة التي تُبديها إيران تجاه اليمن، إلاّ أن المولى يعتبر أن الأولى لن تتدخّل في الحرب القائمة لأسباب يشرحها: «إيران تعرف أن اليمن صعب المنال والحروب فيه لا تنتهي، كما أن القوى(الحوثية)المُقاتلة مدعومة بقطاعات الجيش التابعة لعلي عبد الله صالح تستطيع القتال لوحدها. وإيران تعرف أيضاً أنها لن تتمكن من مواجهة العرب والغرب في اليمن، انما هي تشنّ الهجوم لفتح أبواب تفاوض جديدة تضاف إلى ملف مفاوضاتها مع الغرب فتحصل بذلك على شروط أفضل».
أمّا السؤال حول إذا كانت أميركا تريد فعلاً توريط إيران في حرب اليمن يجيب المولى: «لا أدري تماماً، ولكن ما أعرفه أن اميركا كما إيران فوجئتا بالحملة العربية. ولا ننسى أن أولى أولويّات اميركا في اليمن هي مواجهة تنظيم(القاعدة)، ولذلك فقد كانت في صدد التفاوض مع(الحوثيين)، كما انها تعتبر علي عبد الله صالح حليفاً لها».
كما تطرّق المولى إلى خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخير حول الوضع في اليمن فقال: «هو خطاب سيئ شكلاً ومضموناً وكان في غنى عنه لمصلحة حزبه ولمصلحة(الشيعة)العرب و(الشيعة)اللبنانيين خصوصاً. كما أن الخطاب يفتح صراعاً مع السعودية لا يُماشيه فيه أحد من العرب أو اللبنانيين الذين يرون في السعودية حليفاً والدولة الوحيدة التي تدعمهم اقتصادياً وخصوصاً بعد الهبة الأخيرة لدعم الجيش. ولا ننسى أن السعودية ودول الخليج العربي (قطر والإمارات والكويت) دعمت جنوب لبنان بعد حرب يوليو 2006 بشكل لا مثيل له وأعادت بناء قراه وطرقه وجسوره»، وأضاف: «أن الخطاب يعكس أزمة عميقة أكثر مما هو تعبير عن سياسة واضحة، وبالتالي فالنصيحة هنا للحزب بأن يبدأ بمراجعة سياسته لمعرفة أين الخطأ».
وعما يُحكى عن أزمة يعانيها حلف «الممانعة» (ايران، سورية و«حزب الله») في الوقت الراهن، يؤكد المولى أن «أزمة هؤلاء عميقة ونراها في سقوط إدلب بيد المعارضة السورية وفي عدم تحقيق(حزب الله) أي تقدّم في أي موقع في سورية، وفي قيام جبهة عربية واسعة قوية متضامنة ضد سياسات إيران والرئيس السوري بشار الأسد وضمت بعض قدامى حلفاء إيران مثل السودان والجزائر».
هذا كان في السياسة، أمّا في علم العسكر فلباب المندب أهميّة قد تفوق أهميّته الاقتصادية بالنسبة إلى دول الخليج وإيران. هذا ما يؤكده الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر.
ولكن قبل أن يشرح عبد القادر هذه الأهميّة يرى أنه لا بد من التطرّق بداية إلى موقعه الاستراتيجي، فيقول: «أهميّة(باب المندب) لم تنبع فقط من التنافس الدولي بين الشرق والغرب، ولكن أيضاً من خلال أهميته الخاصّة التي ولّدته إياها قناة(السويس) منذ بداية القرن العشرين والتي قصّرت المسافة بين القارّتين، ومن دون أن ننسى أنّ القوى المحلية قد أعطته من خلال تنافسها أهميّة معينة في(الجيوبوليتيك) الإقليمي. يعني رأينا من جهة إسرائيل وأثيوبيا الموجودتين على البحر الاحمر، ورأينا من الجهة الاخرى مصر وبقيّة الدول العربية ولا سيما دول شبه الجزيرة العربية وإيران».
ولـ «باب المندب» أهميّة استراتيجية بالنسبة إلى عبد القادر «تأتي من أهميّة البحر الأحمر كمنطقة تنافس بين القوى الدولية والإقليمية رغم أن عرضه الصالح لعبور السفن في الاتجاهين لا يتعدّى 3 كيلومترات أو أقل».
وهنا يدخل عبد القادر إلى أهميّة «المضيق» بالنسبة إلى إيران ليقول: «لم تلعب إيران دوراً تاريخيّاً في ما يختص بالموضوع الأمني أو السيطرة على(باب المندب)، فهي لديها مضيق(هرمز)الذي تُضاهي أهمّيته(باب المندب) نظراً لصعوبة الملاحة فيه وضيق مساحته. لكن يبدو أنّ إيران الآن وضعت عينها على الإمساك بهذين المضيقين دفعة واحدة بما يُمكّنها من أن تصبح قوّة إقليمية مهمة على الصعيد العالمي نظراً لمدى حاجة توريد الطاقة والتجارة الخارجية للدول العظمى في القارات الأربع. ولذلك إذا تمكّنت إيران عبر حلفائها(الحوثيين)وغيرهم من السيطرة على هذا المضيق فإن هذا سيُعطيها دوراً جديداً في(الجيوبوليتيك)الاقليمي والدولي».
والسعودية بدورها تولي أهمية لـ «باب المندب» قد تفوق تلك التي تعطيها إيران لهذا المضيق، فبحسب عبد القادر «النفط السعودي بما فيه المشتقّات المكرّرة والخام تصب في أنابيب على البحر الأحمر وهي تُحمّل من هناك باتجاه الشرق الأقصى وآسيا. كما نعلم أن هناك مدناً وموانئ أساسية للمملكة تقع على البحر الأحمر على رأسها(جدّة) التي تُعتبر من المراكز التجارية الأبرز في السعودية».
وللتذكير يقول إن «باب المندب» كان يخضع قبل اندلاع الحرب الأخيرة في اليمن لسيطرة دولة اليمن ولم يُشكّل أي مُشكلة أو أزمة ملاحة ولا حتى برزت تهديدات بقفله. لكن مع تقدم «الحوثيين» وسيطرتهم على صنعاء وعلى مختلف المناطق اليمينة ووصولهم مع حلفائهم إلى (باب المندب) يُمكن أن يتحوّل من خلال قوى يمنية تُحرّكها الاستراتيجية الإيرانية إلى نقطة خلاف وإلى تهديد للملاحة الدولية.
وفي رأيه أن الظروف الدولية حالياً غير مواتية لتدخل إيراني بشكل مباشر في النزاع اليمني فهذا«سيكشف اللعبة المزدوجة التي تلعبها إيران. ولكن الدور الإيراني لا يقتصر على هذا الشق فقط، إذ يُمكن لإيران التأثير في سير الأحداث في اليمن وجعل هذا البلد غير آمن وغير مستقر مما يُهدّد أمن السعودية. وأيضاً كدعم خارجي عبر المال والسلاح، يمكن أن تستمر إيران بهذه اللعبة الخطرة التي قد تستمر سنوات من دون أن تتمكن أي جهة من الحسم».
لكن في مثل ظروف كهذه هل تقف السعودية موقف المتفرّج؟ يجيب:«لا يمكن للسعودية أن تتهاون مع موضوع كهذا كونه يشكل الحديقة الخلفية للمملكة، ومن هنا تبرز الأهمية لإيجاد أرضية للتفاوض، وقد أقول إن إيران هي لاعب أساسي في تسهيل عملية الوصول إلى طاولة تفاوض سواء في الرياض أو الدوحة أو في أي مكان آخر».
وحول فرضية استمرار النزاع في اليمن والجهة التي يُمكن أن تسيطر على الأوضاع هناك، يعتبر عبد القادر أن«السعودية بعد التحالف الذي أقامته، باتت تملك اليد (العُليا) أو الأقوى في الاستراتيجية العسكرية الجارية في هذا البلد والتي يمكن أن تتطوّر في وقت ما إلى نوع من الصراع الإقليمي بشكل أوسع على حد ما هو الوضع في سورية وذلك في حال لم تقتنع إيران و(الحوثيون) بضرورة القبول بالوساطة التي تبذلها الآن دولة عُمان من أجل تقريب وجهات النظر وصولاً إلى طاولة المفاوضات».
ويبقى السؤال الأبرز، هل يمكن اعتبار السيطرة على«باب المندب»من قبل أي فريق سيطرة على اليمن؟ يردّ عبد القادر:«الموضوع بالنسبة إلى إيران أبعد من السيطرة على (باب المندب) بل يقع ضمن الاستراتيجية الشاملة التي تقودها على مستوى المنطقة، ورأينا كيف أنها تحرّك مختلف الجماعات الموالية لها المنتشرة في العالم العربي من أجل مدّ نفوذها بدءاً من لبنان مرورا بسورية ووصولاً الى العراق والآن الى (الجزيرة العربية)، وكلنا نذكر أنه قبل اليمن برزت محاولة أسقطتها قوّات (درع الجزيرة) بعد تدخل إيران في البحرين».
تَقدُّم ملحوظ كانت شهدته الأشهر الماضية للجماعات «الحوثيّة»، الأمر الذي دفع المملكة العربيّة السعودية إلى التنبّه لمخاطر فعليّة تهدّد حدودها البريّة مع الدولة الجارة. لكن ما هي هذه الأخطار التي حملت الرياض وللمرّة الأولى على الدخول في حربٍ واسعة وضمن توليفةٍ عربيّة لضرب «الحوثيين» والمتمرّدين على حكم الرئيس هادي؟ وهل يُعتبر التدخل العربي هذا بمثابة اختبار حقيقي لجديّة دول الخليج في إحداث «توازن ردع» يمنع إيران وحلفاءها من أن يكون لهم موطئ قدم في اليمن وتحديداً على مضيق «باب المندب» المعروف بمكانته الاستراتيجية اقتصادياً وعسكريّاً بالنسبة إلى السعودية ولإيران أيضاً في حال تمكّنت من السيطرة عليه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؟
من المؤكد أن لمضيق «باب المندب» أهميّة كبرى تفوق بقيّة الموانئ والمناطق اليمنيّة، فعدا عن أنه نقطة ملاحية استراتيجية تصل الشرق بالغرب، فهو يُشكّل في الوقت عينه أهميّة إضافية بالنسبة إلى السعودية التي تمرّ عبره سفنها المُحمّلة بالنفط والمشتقّات المكرّرة والخام باتجاه الشرق الأقصى ودول آسيا. وخير دليل على تلك الأهميّة ما كان أعلنه العميد ركن السعودي أحمد العسيري المتحدث باسم عمليات «عاصفة الحزم» عن استهداف مقاتلات «التحالف» تجمعات كبيرة لـ «الحوثيين» في جزيرة «ميون» الواقعة على «باب المندب» كانوا ينوون تعطيل الملاحة فيه.
الباحث السياسي الدكتور سعود المولى يشرح أهميّة اليمن عموماً و«باب المندب» خصوصاً بالنسبة إلى دول الخليج فيقول: «اليمن مهم جدّاً للسعودية ولدول الخليج لأنه حديقتهم الخلفية، وكان ينبغي إدخال اليمن في مجلس التعاون الخليجي وتأمين الدعم التنموي لشعبه لكن ذلك لم يحدث. كما يُعتبر اليمن مهماً بالنسبة إلى مصر بسبب(باب المندب) تماماً كما هو مهم لدول أفريقية أيضاً مثل اريترياً والحبشة».
وهنا يشرح المولى أهمية مضيق «باب المندب» الذي يُعتبر أهم الممرّات المائية في العالم وأكثرها احتضاناً للسفن قائلاً: «يربط(باب المندب) بين البحر الأحمر وخليج عدن - المحيط الأطلسي وتمرّ منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7 في المئة من الملاحة العالمية، وفي العام 2006 مرّت عبرالمضيق سفن محملة (اجمالا) بـ 3.3 مليون برميل من النفط تمثل نحو 7.5 في المئة من كل حاملات النفط (بالسفن) في العالم في تلك السنة».
ويضيف: «تزيد أهمية(باب المندب) بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز. فهو مهم ّأولاً لمصر ثم للسعودية ودول الخليج ثم لاريتريا وجيبوتي ومن بعدهما اثيوبيا والصومال، ثم للغرب كله. وتمرّ منه الصادرات الخليجية أولاً والمنتجات الواردة من شرق آسيا ثانياً، ناهيك عن حاملات النفط، ويقال إنه في حال إغلاقه سيؤدي لارتفاع النفط بـ 5 دولارات لكل برميل، وهناك احتمال أن تؤدي عملية إغلاق المضيق إلى إعاقة وصول ناقلات النفط من الخليج إلى قناة السويس، وارتفاع في تكاليف الشحن بإضافة 6 آلاف ميل بحري زيادة بالنسبة للناقلات التي ستعبره، إضافة إلى توقعات بوصول التكاليف الإضافية للنقل لأكثرمن 45 مليون دولار يومياً».
ويشرح المولى أصول الحركة «الحوثية» فيشبّهها بـ «حزب الله» لناحية «التنظيم الديني الذي يجمع بين الانتماء المذهبي والطائفي من جهة وبين المشروع السياسي والأدوات التنظيمية والعسكرية الحديثة من جهة أخرى»،
لكن ما هو وجه التشبيه الفعلي بين «الحوثيين» و«حزب الله»؟ يجيب المولى: «تحوّلت الحركة(الحوثيّة) ظاهرة طائفيّة استعادت تجربة الحزب لجهة بناء منظّمة سياسية عسكرية ايديولوجية تمثل رأس الرمح لزيدية سياسية تعمل على المحاصصة الطائفية في النظام السياسي اليمني الجديد، وتملك في الوقت نفسه استراتيجية واضحة للهيمنة وليس للمشاركة الحقيقية، لذا وجد(الحوثيون) أن الظرف مناسب للتحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح لاحتلال اليمن كله والسيطرة على الحكم فيه من دون أيّ اعتبار للتوازنات الداخلية والخارجية.
وهنا تحالفت(الحوثية)مع إيران و)حزب الله) في حلف مصلحي له طابع طائفي، إذ إن القيادة(الحوثية) تنتمي إلى النسب الهاشمي، وبالتالي فهي تلعب على وتر التشيّع ما يوحي بأن(الحوثيين) شيعة اثنى عشرية وهذا غير صحيح، ولكنهم بالطبع حلفاء أساسيون لإيران يستفيدون من خبراتها ومالها ومساعداتها العسكرية والتنظيمية واللوجستية، في حين تستفيد إيران من بناء موطئ قدم على(باب المندب) وعلى حدود السعودية لتلعب لعبتها في التفاوض والابتزاز».
«... الردّ السعودي والخليجي على الخرق الإيراني في اليمن كان متوافقاً مع السلوك التقليدي لأيّ دولة في العالم»، هذا ما يراه المولى لجهة قيام السعودية مع بعض الدول العربيّة بعمليّة «عاصفة الحزم» في اليمن. وفي رأيه أنه «في أوقات الأزمات، يمكن للدول المتضررة اللجوء إلى القوّة عندما لا تعود قادرة على حماية مصالحها بوسائل أقلّ تكلفة. ثم ان الصراع في اليمن يهدّد المصالح السعودية ودول الخليج تهديداً حيويّاً وخطيراً وبالتالي فإن الردّ العسكري المباشر يصبح هو الحلّ الوحيد، وهذا ما فعلته إيران في العراق بعدما سيطر تنظيم(داعش)على(الموصل) ومعظم شمال غرب البلاد، وهذا ما تفعله إيران في سورية منذ نحو ثلاثة أعوام، فدول الخليج العربية مهدَّدة ليس في صميم مصالحها فقط، إنما في وجودها».
لكن ما الخطورة التي تشكلها الجماعات «الحوثية» على السعودية والعرب؟ يجيب: «خطورة ما حصل في اليمن بالنسبة للدول العربية يتمثّل في خروج اليمن من دائرة النفوذ الخليجي، ودخوله في دائرة النفوذ السياسي الإيراني، هذا ناهيك عن وصول ايران الى(باب المندب)مع ما يمثّله ذلك من تهديد لمصالح العرب ولمصالح الغرب في آن معاً».
ورغم الأهميّة البالغة التي تُبديها إيران تجاه اليمن، إلاّ أن المولى يعتبر أن الأولى لن تتدخّل في الحرب القائمة لأسباب يشرحها: «إيران تعرف أن اليمن صعب المنال والحروب فيه لا تنتهي، كما أن القوى(الحوثية)المُقاتلة مدعومة بقطاعات الجيش التابعة لعلي عبد الله صالح تستطيع القتال لوحدها. وإيران تعرف أيضاً أنها لن تتمكن من مواجهة العرب والغرب في اليمن، انما هي تشنّ الهجوم لفتح أبواب تفاوض جديدة تضاف إلى ملف مفاوضاتها مع الغرب فتحصل بذلك على شروط أفضل».
أمّا السؤال حول إذا كانت أميركا تريد فعلاً توريط إيران في حرب اليمن يجيب المولى: «لا أدري تماماً، ولكن ما أعرفه أن اميركا كما إيران فوجئتا بالحملة العربية. ولا ننسى أن أولى أولويّات اميركا في اليمن هي مواجهة تنظيم(القاعدة)، ولذلك فقد كانت في صدد التفاوض مع(الحوثيين)، كما انها تعتبر علي عبد الله صالح حليفاً لها».
كما تطرّق المولى إلى خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الأخير حول الوضع في اليمن فقال: «هو خطاب سيئ شكلاً ومضموناً وكان في غنى عنه لمصلحة حزبه ولمصلحة(الشيعة)العرب و(الشيعة)اللبنانيين خصوصاً. كما أن الخطاب يفتح صراعاً مع السعودية لا يُماشيه فيه أحد من العرب أو اللبنانيين الذين يرون في السعودية حليفاً والدولة الوحيدة التي تدعمهم اقتصادياً وخصوصاً بعد الهبة الأخيرة لدعم الجيش. ولا ننسى أن السعودية ودول الخليج العربي (قطر والإمارات والكويت) دعمت جنوب لبنان بعد حرب يوليو 2006 بشكل لا مثيل له وأعادت بناء قراه وطرقه وجسوره»، وأضاف: «أن الخطاب يعكس أزمة عميقة أكثر مما هو تعبير عن سياسة واضحة، وبالتالي فالنصيحة هنا للحزب بأن يبدأ بمراجعة سياسته لمعرفة أين الخطأ».
وعما يُحكى عن أزمة يعانيها حلف «الممانعة» (ايران، سورية و«حزب الله») في الوقت الراهن، يؤكد المولى أن «أزمة هؤلاء عميقة ونراها في سقوط إدلب بيد المعارضة السورية وفي عدم تحقيق(حزب الله) أي تقدّم في أي موقع في سورية، وفي قيام جبهة عربية واسعة قوية متضامنة ضد سياسات إيران والرئيس السوري بشار الأسد وضمت بعض قدامى حلفاء إيران مثل السودان والجزائر».
هذا كان في السياسة، أمّا في علم العسكر فلباب المندب أهميّة قد تفوق أهميّته الاقتصادية بالنسبة إلى دول الخليج وإيران. هذا ما يؤكده الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر.
ولكن قبل أن يشرح عبد القادر هذه الأهميّة يرى أنه لا بد من التطرّق بداية إلى موقعه الاستراتيجي، فيقول: «أهميّة(باب المندب) لم تنبع فقط من التنافس الدولي بين الشرق والغرب، ولكن أيضاً من خلال أهميته الخاصّة التي ولّدته إياها قناة(السويس) منذ بداية القرن العشرين والتي قصّرت المسافة بين القارّتين، ومن دون أن ننسى أنّ القوى المحلية قد أعطته من خلال تنافسها أهميّة معينة في(الجيوبوليتيك) الإقليمي. يعني رأينا من جهة إسرائيل وأثيوبيا الموجودتين على البحر الاحمر، ورأينا من الجهة الاخرى مصر وبقيّة الدول العربية ولا سيما دول شبه الجزيرة العربية وإيران».
ولـ «باب المندب» أهميّة استراتيجية بالنسبة إلى عبد القادر «تأتي من أهميّة البحر الأحمر كمنطقة تنافس بين القوى الدولية والإقليمية رغم أن عرضه الصالح لعبور السفن في الاتجاهين لا يتعدّى 3 كيلومترات أو أقل».
وهنا يدخل عبد القادر إلى أهميّة «المضيق» بالنسبة إلى إيران ليقول: «لم تلعب إيران دوراً تاريخيّاً في ما يختص بالموضوع الأمني أو السيطرة على(باب المندب)، فهي لديها مضيق(هرمز)الذي تُضاهي أهمّيته(باب المندب) نظراً لصعوبة الملاحة فيه وضيق مساحته. لكن يبدو أنّ إيران الآن وضعت عينها على الإمساك بهذين المضيقين دفعة واحدة بما يُمكّنها من أن تصبح قوّة إقليمية مهمة على الصعيد العالمي نظراً لمدى حاجة توريد الطاقة والتجارة الخارجية للدول العظمى في القارات الأربع. ولذلك إذا تمكّنت إيران عبر حلفائها(الحوثيين)وغيرهم من السيطرة على هذا المضيق فإن هذا سيُعطيها دوراً جديداً في(الجيوبوليتيك)الاقليمي والدولي».
والسعودية بدورها تولي أهمية لـ «باب المندب» قد تفوق تلك التي تعطيها إيران لهذا المضيق، فبحسب عبد القادر «النفط السعودي بما فيه المشتقّات المكرّرة والخام تصب في أنابيب على البحر الأحمر وهي تُحمّل من هناك باتجاه الشرق الأقصى وآسيا. كما نعلم أن هناك مدناً وموانئ أساسية للمملكة تقع على البحر الأحمر على رأسها(جدّة) التي تُعتبر من المراكز التجارية الأبرز في السعودية».
وللتذكير يقول إن «باب المندب» كان يخضع قبل اندلاع الحرب الأخيرة في اليمن لسيطرة دولة اليمن ولم يُشكّل أي مُشكلة أو أزمة ملاحة ولا حتى برزت تهديدات بقفله. لكن مع تقدم «الحوثيين» وسيطرتهم على صنعاء وعلى مختلف المناطق اليمينة ووصولهم مع حلفائهم إلى (باب المندب) يُمكن أن يتحوّل من خلال قوى يمنية تُحرّكها الاستراتيجية الإيرانية إلى نقطة خلاف وإلى تهديد للملاحة الدولية.
وفي رأيه أن الظروف الدولية حالياً غير مواتية لتدخل إيراني بشكل مباشر في النزاع اليمني فهذا«سيكشف اللعبة المزدوجة التي تلعبها إيران. ولكن الدور الإيراني لا يقتصر على هذا الشق فقط، إذ يُمكن لإيران التأثير في سير الأحداث في اليمن وجعل هذا البلد غير آمن وغير مستقر مما يُهدّد أمن السعودية. وأيضاً كدعم خارجي عبر المال والسلاح، يمكن أن تستمر إيران بهذه اللعبة الخطرة التي قد تستمر سنوات من دون أن تتمكن أي جهة من الحسم».
لكن في مثل ظروف كهذه هل تقف السعودية موقف المتفرّج؟ يجيب:«لا يمكن للسعودية أن تتهاون مع موضوع كهذا كونه يشكل الحديقة الخلفية للمملكة، ومن هنا تبرز الأهمية لإيجاد أرضية للتفاوض، وقد أقول إن إيران هي لاعب أساسي في تسهيل عملية الوصول إلى طاولة تفاوض سواء في الرياض أو الدوحة أو في أي مكان آخر».
وحول فرضية استمرار النزاع في اليمن والجهة التي يُمكن أن تسيطر على الأوضاع هناك، يعتبر عبد القادر أن«السعودية بعد التحالف الذي أقامته، باتت تملك اليد (العُليا) أو الأقوى في الاستراتيجية العسكرية الجارية في هذا البلد والتي يمكن أن تتطوّر في وقت ما إلى نوع من الصراع الإقليمي بشكل أوسع على حد ما هو الوضع في سورية وذلك في حال لم تقتنع إيران و(الحوثيون) بضرورة القبول بالوساطة التي تبذلها الآن دولة عُمان من أجل تقريب وجهات النظر وصولاً إلى طاولة المفاوضات».
ويبقى السؤال الأبرز، هل يمكن اعتبار السيطرة على«باب المندب»من قبل أي فريق سيطرة على اليمن؟ يردّ عبد القادر:«الموضوع بالنسبة إلى إيران أبعد من السيطرة على (باب المندب) بل يقع ضمن الاستراتيجية الشاملة التي تقودها على مستوى المنطقة، ورأينا كيف أنها تحرّك مختلف الجماعات الموالية لها المنتشرة في العالم العربي من أجل مدّ نفوذها بدءاً من لبنان مرورا بسورية ووصولاً الى العراق والآن الى (الجزيرة العربية)، وكلنا نذكر أنه قبل اليمن برزت محاولة أسقطتها قوّات (درع الجزيرة) بعد تدخل إيران في البحرين».