أعلنت ليبيا قبل أيام عدة أنها أوقفت إمدادات النفط إلى سويسرا وامتنعت عن تفريغ السفن السويسرية لحمولتها في موانئها، كما هددت بإجراءات تصعيدية أخرى ضدها لم تعرف نتائجها بعد، وهذه الإجراءات هي الرد الفعلي على تطبيق القانون السويسري في حق هنيبعل، نجل رئيس الجماهيرية العربية الليبية الديموقراطية الاشتراكية العظمى، وأعلن البيان الليبي أيضاً أن إجراءات سوف تتخذ لقطع العلاقات السياسية والاقتصادية والديبلوماسية وطرد الشركات السويسرية العاملة في ليبيا وسحب الودائع المالية منها، ما لم تعمل السلطات السويسرية على اغلاق ملف قضية هنيبعل القذافي وزوجته الحسناء وتقديم اعتذار إلى الشعب الليبي والنظام، هذا قبل أن يعود النظام الليبي عن قراره.
وسبب هذا كله أن السلطات السويسرية قامت باعتقال هنيبعل وزوجته وإدخالهما في الحبس لمدة يومين على خلفية شكوى تقدم بها طباخه المغربي وخادمته التونسية لسوء معاملتهما وقيامهما بضربهما، ولهذا السبب كانت ردة فعل الجماهيرية العربية الليبية الديموقراطية الاشتراكية العظمى عظمى كما أوردناها في الخبر اليقين، هذا الخبر الذي نشرته وكالات الأنباء عبر كل مراسليها في مختلف دول العالم، وهكذا يسير العالم العربي بمثل هذه الأمور، فهذا الابن المنعم الذي سُخرت له إمكانات الدولة لم يشأ إلا أن يصطحب معه في تنقلاته الدولية طباخه المغربي وخادمته التونسية لخدمته وزوجته التي شاء القدر أن تكون من نصيب هنيبعل، وأن تصبح نزيلة أحد سجون سويسرا بسبب النعيم الزائد على الحد وضربها مع زوجها الخادمين، في بلد الحضارات الإنسانية الذي لا يحترم مرتكبي الجرائم ومن يعتدون على حقوق الغير، مهما كانت مناصبهم في العالم أو في بلادهم من دون أن ينالوا عقابهم.
لكن اللافت في الأمر أن يعمل النظام الليبي بما يحتويه من شعب ويمتلكه من مال ونفط وأشجار وشاطئ طوله ألفا كيلومتر على البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى النهر العظيم، على إقامة الدنيا دون قعودها بهدف خدمة هنيبعل، ويفزع النظام بثقله المالي وموقعه الاستراتيجي لنصرة من ارتكب جرماً بحق الآخرين في بلد من أهم دول العالم ديموقراطية وحفاظاً لحقوق الإنسان، ويسخر الإمكانات الضخمة للبلد وشعبه لتغليب الباطل على الحق. وبدلاً من أن يقوم النظام بمعاقبة هنيبعل على جرائمه فإننا نرى تشجيعه له في ارتكاب الجرائم بحق الآخرين، بعد أن أمسك النظام بليبيا وجعلها مزرعة له وأخذ يتصرف فيها حسب رغبته ونزواته وأهوائه، كما وأنه يريد تطبيق هذه المعايير على الدول الأخرى وشعوبها، لأن في اعتقاده أن المال يصنع له كل شيء حتى تقييد حرية الإنسان وحقوقه.
لقد بعثر النظام أموال الشعب من المليارات على مواضيع عبثية، إذ دفع مبلغ مليارين وسبعمئة مليون دولار لعائلات ضحايا طائرة «بان أميركان» بعد اتهام مخابراته بإسقاطها في منطقة لوكيربي البريطانية عام 1987 وراح ضحيتها مئتان وسبعون شخصاً بريئاً كانوا على متنها، كما دفع مبلغ مئتي وثمانين مليون دولار على ضحايا الملهى الليلي الذي أحرقته مخابراته في ألمانيا، وعمل على دفع مبلغ ثمانين مليون دولار لجماعة أبو سياف في الفيليبين لفك أسر المحتجزين الغربيين لدى هذه الحركة، وقس على ذلك عشرات الملايين التي بعثرها النظام من أموال الشعب، نظراً إلى السياسة الخاطئة التي يسوسها النظام الذي تبرأ من الأمة العربية أخيراً، والتجأ إلى القارة الأفريقية السوداء بهدف حصوله على الزعامة.
والأمر الذي لا يحيد عنه العقل أن الآلاف من الليبيين في جميع مختلف بقاع الدنيا يبحثون عن لقمة العيش وأموالهم تتبعثر في أنحاء العالم كله على الخواء، فالمثقفون والمتعلمون منهم الذين لهم آراؤهم الصريحة في ما يقوم به النظام من عمل بحق الشعب الليبي لا وجود لهم على أرض بلادهم، وهم مطاردون في كل مكان، في هناك من يعبث ببلاهة في الأموال التي تنهمر على ليبيا مقابل تصدير النفط.
ليبيا يجب ألا تعاني من الفقر والجوع، رغم ما مرت به من أحوال قبل ظهور النفط. لقد جاء النظام بعد إسقاط حكم الملك إدريس السنوسي لينقذ أموال الشعب من النهب والسرقة والهدر، لكننا نراه اليوم بعد أن شبع من الجوع المهلك يضيع هذه الأموال المؤتمن عليها في أمور عبثية لا طائل من ورائها سوى الدمار والخراب للشعب الليبي الشقيق.
يعقوب العوضي
كاتب كويتي
[email protected]