حاويات القمامة ... مناجم لهؤلاء !

تصغير
تكبير
في منظر يومي أصبح مألوفاً، على الرغم مما يحمله من ألم وأبعاد إنسانية، لا يدركها إلا من يبحث في ما وراءه، ينتشر عمال النظافة مع ساعات الفجر الأولى يسابقون سيارات البلدية لاستخراج ما في الحاويات من مخلفات القمامة التي يكون لها قيمة بدريهمات يرونها كنزا لهم تسد ثغرة لهم أو لأهاليهم عبر البحار.

أحد تلك المناظر استوقفني، وآلمني في يوم شديد البرودة عند خروجي لصلاة الفجر في المسجد، حيث مجموعة من العمال لفوا على رؤوسهم «شماغات» حمر قديمة بالية، اثنان منهم داخل حاوية «ينظفون» ما بها من علب وكراتين تعتبر «نفائس» ورزقا لكل منهم في هذا اليوم، حيث يجمعونها ويبيعونها ويتقاسمون مبلغها الزهيد واثنان ممسكين بمكانس خشبية يدفعون قرابا الى صفيحة صنعوا منها جرافة بدائية.


الهموم والمعاناة كانت بادية على وجوههم بالرغم من الابتسامة الصفراء التي بدت على محياهم تخفي خوفهم عندما اقتربت منهم، لكنني بددت خوفهم، عندما سلمت عليهم وعرفتهم بنفسي واطمأنوا، ولاسيما لما رأوا الكاميرا على كتفي وبدأوا يتهامسون كأنهم يطمئنون بعضهم ان المتحدث لهم «صحافي».

حاولنا في وقفتنا السريعة أن نرصد معاناتهم ونعرف كواليس حياتهم، فحدثنا أولهم واسمه شاهد وقد تجاوز من العمر الاربعين، فقال انه يعمل في الكويت منذ 9 سنين في احدى الشركات التي يتجاوز عدد عمالتها 20 ألف عامل حيث توفر الشركة لهم غرفة في سكن العمال في صبحان يسكنها 8 افراد على أسرّة ذات طوابق ويقبض 60 دينارا كراتب.

واوضح شاهد ان العمل شاق خصوصا في الصيف، ولكن لا عذر مقبولا إلا للعمل مهما كانت الظروف،مشيرا الى ان الشركة توفر السكن الذي يؤثثه هو وزملاؤه على حسابهم، وكذلك يدفعون لوازم اكلهم واحتياجاتهم، وقد طلب من المعنيين زيادة الراتب لأن كل شيء غال في الكويت ولا نستطيع توفير شيء لأبنائنا، ما يدفعهم لالتقاط أي شيء يساعدهم في الحصول على أي مبلغ.

وايده بذلك زميله دولاب، حيث قال انه يعمل منذ 5 سنوات واستقر به الحال في هذه الشركة التي قد تعتبر الافضل اذا ما قورن بالشركات الاخرى التي لا تلتزم بدفع الرواتب ولا توفر لهم لوازم العيش الكريم، واضاف «رواتبنا لا تكفي ونحاول ان نجد لنا اعمالا اخرى مثل بيع العلب والكراتين حيث نبيع كيلو العلب بـ30 فلسا وكيلو الكراتين بـ15 فلسا بعد ان كان البيع اضعاف هذا المبلغ، ولكن التنافس وكثرة المعروض وقلة المشترين قلل من اسعارها».

واشار دولاب إلى ان «الشركة توفر لنا بدلة واحدة فقط، ونحن من نشتري الشماغ او الملابس الداخلية او الحذاء بالاضافة الى الحلاقة والاكل وكرت الهاتف وغيرها من لوازم نحتاجها في حياتنا، لدينا زملاء في شركات اخرى لا يتم دفع رواتبهم او يأخذونها اقل من المتفق عليه، اما بسبب ظلم صاحب العمل او الوسيط الذي يسلم العمال الرواتب فيخصم ما يريد ويأخذ نصيبه ولا احد يحاسبه».

وعن اتهام عمال النظافة انهم يسرقون ما يجدونه امام المنازل، فقد انكر ابو الخير هذا الكلام وقال نحن مسلمون ولا نسرق ولكن هناك شباب يسرقون بعد مرور سيارة البلدية فجرا فيعتقد الاهالي ان العمال هم من سرقوا الاغراض من امام المنازل او الحدائق.

واكد ابو الخير ان هناك تعاطفا كبيرا من الناس معنا وبعضهم يعطينا نقودا او ملابس وخصوصا في شهر رمضان، مشيرا الى ان «نفر كويتي واحد زين» وهو ما يخفف عليهم المعاناة.

واثناء مرورنا في احد شوارع المنطقة، رأينا كومة من النفايات يحمل اثقالها عامل عرفنا على نفسه باسم «سراط» وهو بنغلاديشي يقضي ساعات يومه منذ الخامسة فجرا جهدا وتعبا وهما يجمعها لقاء راتب شهري لا يتعدى 60 دينارا وهي لا تفي باحتياجاته، ويقول انه يعمل منذ سنين في الكويت وقد وعدت في بلدي ان اعمل بالكويت براتب 90 دينارا، وسكن واكل وملابس «وقد وصلت الى الحلم الذي كنت اعيشه لكي اعود لبلدي واتزوج حبيبتي وابني بيتي في خلال سنوات عدة».

واضاف «ان الصدمة الاولى ان الراتب 50 دينارا والسكن جماعي وانا اتحمل باقي احتياجاتي واصبحت بين نارين هل ارجع لبلدي ما في فلوس، وانا مطلوب هناك او اتحمل واصبر عسى ربي يرزقني، وهذا ما تم بالفعل وها أنا اعيش بالكويت كعامل نظافة منذ سنين والراتب كما هو».

وعن رأيه بالمجتمع الكويتي من ناحية النظافة قال سراط «الكويت بلد نظيف ولكن للاسف هناك عادات سلبية ونفر مو زين يرمي السجائر والعلب وورق الكلينكس ووجبات الطعام بالشارع، وكذلك لا يلتزمون بوضع الزبالة في اكياسها او في الحاويات ولا يخرجونها في وقتها وهو ما يسبب لنا معاناة ومشاكل مع الشركة ان العمال لا ينظفون المكان».

أسوأ مهنة... ومعاناة

ابو فهد، أحد المواطنين، رآني وانا اتحدث مع العمال فدخل على الخط وقال ان مهنة عمال النظافة هي اسوأ مهنة في الكويت بل في العالم العربي، ولا تنحصر معاناتهم في كمية النفايات التي يجمعونها وانواعها، بل الى اثرها الصحي عليه وكذلك انخفاض الوعي المجتمعي بأهمية عمل هؤلاء العمال الذين لا نستطيع ان نكابر، ونقول ما لنا حاجة لهم، بل بالعكس فهم يؤدون خدمة للمجتمع الذي يجب ان يدرك اهمية النظافة، مشيرا الى ان الشوارع التي تنظفها صباحا يكتشف في المساء انها عادت كما كانت عليه لعدم وعي المجتمع بالنظافة ولأنه يعرف ان هناك من ينظف بعده واستشهد ابو فهد بأيام الغزو عندما كانت الوساخة تملأ الشوارع والمناطق ونجبر على حرقها خوفا من انتشار الامراض والذباب.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي