عِقْد على «14 آذار»... كيف «تصحو» من جديد؟

تصغير
تكبير
ماذا يعني عقدٌ من عمر انتفاضة، وهل تراكم السنوات يُعدّ تقدماً في تحقيق أهداف ثورة أم تراجعاً عنها، مزيداً من الإصرار للمضي قدماً أم الضياع والتراخي؟

لم تكن هذه الأسئلة مطروحة قبل عشرة أعوام، حين خرجت الحشود اللبنانية في يوم 14 مارس 2005 بعد شهر على اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري مطلقةً «انتفاضة الاستقلال» بوجه سورية والنظام الأمني اللبناني - السوري الذي كان قائماً حينها. ولا التحالف الذي أفرزه الانقسام السياسي مع سورية وضدها، وبايعته جماهير «14 آذار» في وجه تحالف «الثامن من آذار»، طرح هذه الأسئلة أيضاً. لكن التطورات المحلية والإقليمية، التي توالت على مدى عقد من الزمن، وحققت خلالها «قوى الاستقلال» انتصارات ومنيت بانتكاسات واغتيالات هي التي فرضت هذه الأسئلة.

الإجابة عن هذه التساؤلات، يرجح أن يحملها الاحتفال الذي تقيمه قوى «14 آذار» في الذكرى العاشرة لانطلاقة «ثورة الأرز»، لا سيما وأنها تزمع إطلاق «المجلس الوطني» كخطوة إدارية «لمواصلة السعي نحو بناء الدولة».

«الراي» فتحت الباب في هذه الذكرى أمام مجموعة شهادات لشخصيات من «14 آذار» ومن المجتمع المدني اللبناني محورها العقبات التي تحول اليوم دون استعادة «14 آذار» زمام المبادرة، و«القضية» التي يفترض بتحالف «ثورة الأرز» الاضطلاع بها بعد مرور عقد من الزمن على انطلاقته.

ميشال حجي: «14 آذار» فقدت روحها النقدية

للأسف، إن ما يسمى بحركة 14 آذار في إطارها العملي التقليدي، أي الأحزاب والقوى التقليدية، ما عادت قادرة اليوم على التأقلم مع الطموحات والأحلام والروحية الأساسية التي جسّدها يوم 14 مارس 2005.

ليس المقصود بهذا الكلام «التصويب» على الأحزاب والقوى التقليدية في 14 آذار التي تجد نفسها في مكان ما اليوم مضطرة للتعاطي مع واقع إقليمي ومحلي صعب جداً، وخصوصاً بعد فشل الثورة السورية في ظل القمع الذي لا مثيل له في المنطقة الذي يمارسه بشار الأسد ضد شعبه وهو ما فتح الطريق أمام التطرف الذي هو التوأم المنقذ أو العدو المنقذ بالنسبة للنظام السوري.

واذا كان هذا هو الواقع الذي وجدت القوى التقليدية والأحزاب المنضوية في 14 آذار نفسها مضطرة لأن تتأقلم معه، الا انني أعتقد أنه منذ العام 2005 - 2006 حدث شرخ أساسي في النظرة لما تجسده 14 آذار من رمز ومبادئ حيث تم الابتعاد عنها، وهذا الأمر نتحمل مسؤوليته جميعاً.

طرْح المجلس الوطني لقوى الرابع عشر من آذار جاء متأخراً، ولا أعلم ما الذي يمكن أن يضيفه اليوم. أنا لستُ ضده في المبدأ، لكن بعد طرْح «اللقاء الأرثوذكسي» (لقانون الانتخاب) والحوارات الثنائية التي تجري، ما يُبقي شيئاً إسمه 14 آذار هو «الناس» و«الرأي العام» الذي ما زال رغم كل الانتكاسات والإحباطات مقتنعاً بأن هذا هو الخيار الصحيح ويطمح إلى العيش بكرامة. فـ 14 آذار هي في الأساس توق للسلام والعيش بكرامة وبناء دولة الحق.

وأعتقد أن لحظة 14 مارس 2005 يجب ألا تعلق في ذهننا على أنها لحظة تشبه لحظة مايو 1968 في فرنسا، أي انها مجد مفقود ونحن نسعى إلى إحيائه بشكل اصطناعي. ففي رأيي هناك قضايا عملية بالإمكان العمل عليها. وعناوين 14 آذار معروفة وهي الممارسة الديموقراطية ليس فقط في وجه «حزب الله» والنظام السوري، بل داخل قوى 14 آذار نفسها، ولذا أعتبر أن فكرة المجلس الوطني لن تحسم هذا الجدل، و14 آذار السياسية تلعب اليوم دوراً وحيداً هو رفض العنف وان يقع لبنان في حفرة العنف التي وقعت فيها سورية والعراق واليمن، أي ان قوى 14 آذار عملياً تلعب دور الإطفائي. لكن كيف تلعب هذا الدور وما هي الأخطاء التي ترتكبها؟ في الواقع انها أخطاء عديدة، فمجرد التفكير في انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية هو خطيئة بالنسبة لـ 14 آذار.

غير أن 14 آذار كرأي عام ما زالت موجودة، وما زال خيارها السعي ليكون لبنان بالحد الأدنى مبنياً على عيش أبنائه بحرية، وليس ساحة حرب أبدية.

(كاتب وصحافي)

إلياس عطاالله: مشكلة «14 آذار» أنصاف حلول

مَن لا يتعلم من التجارب يستحيل عليه أن يكسب القضية التي يعمل من أجلها، فأيّ مراجعة لتجربة «انتفاضة الاستقلال» وشعاراتها تعزز الاقتناع الذي تولّد لديّ في يوم 14 مارس 2005 بأن أنصاف المعارك خيار خطر ومريع ويعيدنا إلى الخلف.

في «انتفاضة الاستقلال» رفعنا 3 شعارات: العدالة، أي المحكمة الدولية، إنهاء الانتداب السوري، ووضع حد لما عُرف بالنظام الأمني اللبناني - السوري الذي كان يرمز اليه الرئيس إميل لحود في قصر بعبدا.

الشعب اللبناني أعطانا كل ما يستطيع أن يعطيه في ذروة الانفجار الشعبي يوم 14 مارس 2005، وعندما طرحنا قضية التوجه إلى قصر بعبدا انهالت علينا النصائح لتجنب الذهاب الى هناك، وفي رأيي أنه كان لا بد من استكمال الانتفاضة لإقامة سلطة الاستقلال.

في اعتقادي أن الأمر كان يحتاج الى التخلص من النظام الأمني، ومركزه في بعبداـ ولو بدت المسألة انها مغامرة، فـ «نصف الثورة» مكّن «حزب الله» من وراثة المندوب السامي السوري، وكانت النتيجة استمرارية الاغتيالات واستمرار تخريب الدولة ومؤسساتها لا سيما في الأمن والقضاء، والابتعاد عن مشروع بناء الدولة العميقة الحامية لشعبها.

منذ تلك اللحظة، كشفت «14 آذار» عن عطب أساسي في ديناميّتها ومشروعها يتمثل في خياراتها القائمة على «أنصاف الحلول»، وهو ما تُرجم لاحقاً بـ «التحالف الرباعي» الذي جاء على حساب الديموقراطيين الشيعة الذين اكتشفوا أن لا مكان لهم في «انتفاضة الاستقلال» عندما سلّمنا بأن «الثنائي الشيعي» أي «حزب الله» وحركة «أمل» هو الممثل الشرعي الوحيد للشيعة اللبنانيين، وهو الأمر عينه الذي انسحب على تشكيل الحكومات وانتخاب رئاسة البرلمان.

وبهذا المعنى فإن «14 آذار» بدت وكأنها تضحي بانتفاضة الاستقلال التي هي عبارة عن حركة سياسية ووجدان شعبي... فخياراتها أدت إلى انصراف الناس إلى المنازل لتتحول حركة سياسية سلطوية، وليس أدل على ذلك من إحباطها آمال اللبنانيين عندما تهاونت مع «حزب الله» حين خطف السيادة اللبنانية في الـ2006، وسلمت بما أملاه «حزب الله» بعد عدوانه العسكري على بيروت في السابع من مايو 2008 في «اتفاق الدوحة»، فبدل أن نواجه «حزب الله» سلمياً يوم اجتاح بيروت أعطيناه كل أدوات التعطيل في «اتفاق الدوحة» الشبيه بـ «اتفاق القاهرة».

في اعتقادي أن «المجلس الوطني» الذي يُزمع إطلاقه لن يحلّ مشكلة «14 آذار». لستُ ضده، وفي حال نجاحه سأصفق له، مشكلتي ليست مع الأفراد بل مع الأفكار. كنتُ أنتظر ان تجتمع «14 آذار» لتخاطب شعبها وهو أمر لم يحدث رغم أننا في مرحلة نحتاج إلى أن تكون «14 آذار» مملكة ضمير لأنها في مواجهة وحوش لا ضمير لهم.

(رئيس حركة «اليسار الديموقراطي»)

كريم الرفاعي: «14 آذار» تخوض معركة وجودية للبنان

الحديث عن أن 14 آذار لا تملك أقله جزءاً من زمام المبادرة غير دقيق. فـ 14 آذار تمكنت من الاحتفاظ بجزء من زمام المبادرة، وهذا ما ظهر في إطلاق الحوار الوطني مع قوى الثامن من آذار، لا سيما مع «حزب الله» كمبادرة من قوى الرابع عشر من آذار لتحصين الساحة الداخلية عبر إنجاح الخطط الأمنية، وذلك بعد مرحلة تشكيل الحكومة وإعطاء رئاستها لأحد أعضاء هذه القوى وهو الرئيس تمام سلام، وعدم منح الثلث المعطل لـ 8 آذار. من هنا فإن الأمثلة كثيرة في هذا الإطار، وبالتالي القول ان 14 آذار في الوقت الحالي في حال تراخٍ وعدم قدرة على أخذ المبادرة غير دقيق.

هناك بالطبع واقع إقليمي يقيّد إلى حد ما حركة 14 آذار، وهذا أمر مفهوم، فالمنطقة كلها على حافة بركان إن لم تكن في البركان نفسه.

ومشروع 14 آذار واضح ومستمر، إذ ان كل الخطوات والمبادرات التي اتُخذت في الأشهر السابقة تصبّ في هذا الإطار. فـ 14 آذار ليس هدفها الانتصار على قوى الثامن من آذار أو «حزب الله» أو حتى على النظام السوري (سورية) لمجرد الانتصار، بل لتنتصر للبنان والدولة اللبنانية.

(ناشط سياسي)

وليد فخر الدين: «14 آذار» تسير في حقل ألغام

ما يمنع 14 آذار من استعادة زمام المبادرة أمور عدة؛ الواقع السياسي الموجود في المنطقة يؤثر سلباً على الحركة الاستقلالية في لبنان. والسبب الأساسي هو أن انتفاضة الاستقلال أو القوى الاستقلالية، هم أناس يطرحون مشروعاً بسيطاً هو سيادة الدولة وبناء دولة. وفي المقابل هناك خصم سياسي يقوم مشروعه على تدمير الدولة من خلال إيجاد الدولة البديلة، والتي هي جزء من مشروع أكبر من لبنان.

لذا فإن أي خطوة تقوم بها 14 آذار تُواجه بطرف مسلح قادر على أخذ البلد إلى الانفجار في أي لحظة. وبالتالي نحن نسير في حقل ألغام. لكن هذا لا يمنع وجود الكثير من التقصير من الأحزاب السياسية لأسباب كثيرة، دون تحميلها كامل المسؤولية. نعم هناك تقصير وعدم وضوح في التعاطي السياسي مع الجمهور حول المشاكل الأساسية التي تواجهها 14 آذار، لكن الحقيقة أن حجم المعركة التي تخاض في وجه تحالف يبدأ من طهران وصولاً إلى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ليس بالأمر السهل، ولا سيما في ظل وجود أيضاً حالة أخرى هي الأصولية السنية المتطرفة.

ومنذ زمن عندما بدأ النقاش حول المجلس الوطني، كان هناك همّ واحد مفاده أن هناك العديد من الشخصيات والناشطين والممثلين عن المجتمع المدني لا بد أن يكون لهم دور ومكان داخل 14 آذار؛ لذا فإن المجلس الوطني هو أحد الأطر التي تجمع وتؤمن مساحات لنتشاور فيها بين بعضنا البعض، لنقيّم المراحل ونضع سياسات للمرحلة المقبلة، على ان يكون هذا الإطار شريكاً للأحزاب السياسية الثلاثة، التي نشعر بأنها في مكان ما تأخذ كل زمام المبادرة مجتمعة أحياناً ومنقسمة أحياناً أخرى.

أما قضية 14 آذار فهي بسيطة جداً وتقوم على الحفاظ على سيادة هذا الكيان والوصول إلى دولة مدنية قادرة على الخروج من سجون المنطقة إلى دولة مدنية مبنية على مصلحة الفرد المواطن. قد لا تكون عندنا رؤية اقتصادية موحدة، لكن لدينا هم إقتصادي واحد، وكلنا يعلم أن الواقع الإقتصادي يجب ألا يظل على هذه الحال. نحن نحاول التوصل إلى توافق على أسس في مفهوم التمثيل والإنتخابات حتى لو لم نتفق على قانون انتخاب، فـ 14 آذار جبهة عريضة لا حزب، وهي أطر متنوعة فعلاً وديموقراطية على عكس المحور المقابل.

(أمين سر حركة اليسار الديموقراطي)

جيزيل خوري: مسيرتنا «راجعة» والأهم إنقاذ لبنان من الحريق الكبير

مع الذكرى العاشرة لـ «انتفاضة الاستقلال» تواجه 14 آذار سؤال ما الذي يحول دون استعادتها زمام المبادرة. ولكن ما هي المبادرة الممكنة وسط النار الملتهبة من حولنا لا سيما في سورية وفي ظل عملية خلط جميع الأوراق في المنطقة؟

ما يحصل حالياً هو اعتماد الحوار ليؤدي إلى «نجاة لبنان»، فنحن ندفع ثمناً باهظاً للثورة السورية. لذا كل ما يتم من خطوات هو عمل جيد، حتى لو أزعجتنا أحياناً بعض الأمور واعتبرناها غير منطقية، فالأهمّ هو إنقاذ لبنان من الحريق الكبير.

وفي ما يتعلق بالقضية التي لا بد أن تضطلع بها 14 آذار بعد مرور عقد من الزمن، أرى أنها ما زالت هي نفسها: الحرية والحفاظ على وجه لبنان التسامحي والتعايش والديموقراطية. وهذا الأمر غير موجود طبعاً، لكن نبقى نبحث عنه لنصل إليه.

صحيح أن ثورة 14 مارس 2005، التي شكّلت نموذجاً لثورات أخرى في العالم العربي نجح بعضها رغم مواجهته عقبات كبيرة، لم تكتمل عندنا الا اننا نجحنا في إخراج الجيش السوري. وقد يقول أحدهم ان الجيش السوري عاد بطريقة أخرى، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن كلنا يقين أننا حققنا شيئاً وقلنا كفى. مسيرتنا توقفت لفترة ولكنها «راجعة» ـ أنا متأكدة من ذلك - وسنرى لبنان أكثر جمالاً وسلاماً وتسامحاً وتمسكاً بالحرية والعيش المشترك وبالدولة وحدها، وذلك بالتأكيد بسبب خروج مليون لبناني إلى ساحة الشهداء في يوم 14 مارس 2005.

(إعلامية وأرملة الشهيد سمير قصير)

مي شدياق: «أم الصبي» مطالَبة بتصويب المسار

كل الجهد والانتصار الذي حققته «انتفاضة الاستقلال» في العام 2005، انقضّ عليه «حزب الله» عندما تسبب بحرب يوليو 2006 من خلال خطف الجنديين الإسرائيليين. وبدل أن نحصد نجاحات «ثورة الأرز»، وبالتالي إعادة تنظيم هيكلية المجتمع اللبناني والخط السياسي اللبناني بالطريقة التي تعيد لبنان إلى أن يكون دولة سيدة حرة مستقلة، خضعنا من جديد لاعتبارات أخرى لها علاقة بالحرب مع اسرائيل والمقاومة وما هي الأولويات في الوطن. ثم شيئاً فشيئاً تلاشت الحماسة، حيث من مرة إلى أخرى كانت 14 آذار «تأكل الضربة». وعوض أن تواجه، كانت تقدّم في بعض الأحيان التنازلات.

والمشكلة أن 14 آذار اعتبرت نفسها في مراحل عديدة «أم الصبي»، بينما هناك فريق آخر يرى أنه بالأساليب التي يستخدمها يأخذ لبنان إلى حيث أراد عندما قال «شكراً سورية» في الثامن من مارس 2005. وبالتالي كان هناك خطان، أحدهما باطني ويعلمو أطرافه إلى أين يريدون الوصول وكيف يريدون تحويل لبنان من خلال شراء الأراضي وربْط لبنان بالتحالف الإيراني، في مقابل فريق لبناني همّه كيفية تغليب مصلحة لبنان على أي مصلحة أخرى.

ووصلنا إلى مرحلة أن هناك فريقاً ما زال يحلم بلبنان، وآخر يسير بمخططه حيث أقحم لبنان بالحرب في سورية، وصوّر أن هناك «بعبعاً» وإرهابيين كان النظام السوري و«حزب الله» يتحدثان عنهم قبل أن يسمع أحد بعد بـ «داعش». وأذكّر هنا بما سمعناه قبل أيام عن أن شخصاً إسمه جورج (حسواني) يشتري النفط من «داعش» ليبيعه بثمن بخس للنظام السوري، ما يبيّن أن في بذور «داعش» تناغماً مع النظام السوري وإيران لإيصال مخطّطهم إلى حيث يشاؤون.

فعندما يكون كل فريق وحيداً نكون ضعفاء، بينما عندما اجتمعنا كلنا في 14 آذار كنا أقوياء.

وأنا لا أحب منطق جلد الذات، بالتأكيد هناك أخطاء ومَن لا يعمل لا يخطئ. أما في ما يتعلق بالمجلس الوطني لـ 14 آذار، فأنا أُعتبر رمزاً وركناً من أركان 14 آذار، ومع ذلك إلى الآن (موعد كتابة هذه السطور) لم يسألني أحد عن رأيي. ولا أعلم إن كانوا سيطلعونا على الموضوع. أنا أكنّ كل الثقة للأستاذ سمير فرنجية والدكتور فارس سعيد، وربما هما في طور التحضير لأمر ما ليطلعونا عليه لاحقاً. وأنا أعطي رأيي في الموضوع بعد أن أعرف ما المقصود بالمجلس الوطني. ولكن أشير هنا إلى أنه إذا كان المقصود بالمجلس الوطني أمر موازٍ لـ 14 آذار فأنا أرفضه، بل أريد ما يتكامل معها.

لكن يبقى أنه لا يمكنني الحكم على أمر إلا من خلال القراءات؛ وإعادة تصويب بعض المسارات أمر لا بأس به، فالمرء يراجع على المستوى الفردي حساباته ويصحح مساره وأخطاءه، فما بالك بنا نحن كأفرقاء اجتمعوا في 14 آذار، لكن في الأساس هناك كثير من الأمور التي تفرّق في ما بينهم. وأذكّر بأن الثورة الفرنسية لم تحقق غاياتها إلا بعد مئة عام.

(إعلامية ورئيسة مؤسسة مي شدياق)

مصطفى فحص: «حزب الدولة» أضاع قضيته ووقع في خيبات الأمل

لم تكن 14 آذار في لحظتها التاريخية ردة فعل على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري فقط، بل كانت نتيجة مجموعة تراكمات عاشها الشعب اللبناني في كل طبقاته بما فيها السياسية والمجتمع المدني، وذلك في مرحلة يمكن تعريفها بإلغاء الهوية والكيان اللبناني واعتبارهما جزءاً من نظام المصالح للنظام السوري. وأعتقد أن اليوم هناك تحوّل كبير يتمثل بوجود دولة اقليمية لا تتحكم بالقرار الوطني اللبناني ولكنها تتحكم بتعطيله، وهذا أيضاً ما قد يدفع 14 آذار إلى إعادة إمتلاك زمام المبادرة. إلا أن امتلاك زمام المبادرة في هذه اللحظة يحتاج إلى إمكانات وأدوات تفتقدها 14 آذار للأسف، اولاً بسبب سوء إدارتها لملفاتها الداخلية بين بعضها والوطنية بين الفرقاء الآخرين في البلد والذين هم خصومها وليسوا أعداءها.. وثانياً لأن 14 آذار جزء من مشروع عربي وهذا المشروع معطّل أو مفقود، كما انها فشلت في أن تحجز لنفسها مكاناً في سلسلة التحولات التي منها الداخلي والإقليمي والعربي، لأسباب جزء منها داخلي وآخر خارجي. أنا أشجع فكرة المجلس الوطني، لكنني أعتبرها نوستالجيا سياسية في الوقت الضائع. والمشكلة أن 14 آذار أضاعت قضاياها، وأضاعت القضية اللبنانية في لحظة التحولات التاريخية هذه. من الممكن القيام بأمر ما لتدارك الوضع، ولكن لهذا الأمر حسابات أخرى ودقيقة، لأن على 14 آذار مسؤولية الابتعاد عن الصراع السني ـ الشيعي الدائر في المنطقة وتحويل الصراع مع إيران إلى صراع عربي ـ فارسي وأن تتعامل مع الموضوع من هذا الانطلاق وإلا على لبنان السلام.. ولذلك 14 آذار معطّلة.

في الختام أنا لا أفقد الأمل، فهذه حركة وطنية شعبية، وفي اللحظة التي تملك فيها الإمكانات والإرادة وتتخلص من الضغوط الداخلية وحسابات بعض الأفرقاء فيها من محسوبيات ضيقة وصغيرة، أعتقد أن 14 آذار هي كنسيج وطني لبناني تمثل كتلة تاريخية جاءت في لحظة تاريخية.

ويبقى أن 14 آذار كتلة تاريخية لن تتكرر في تاريخ لبنان، أضاعت الكثير من الفرص، وقعت في خيبات الأمل، لكنها لم تفقد الأمل.

(ناشط سياسي لبناني)

كمال ريشا: السلام والعيش المشترك القضية المركزية لـ «14 آذار»

14 آذار تسعى اليوم إلى استعادة زمام المبادرة من خلال تأسيس المجلس الوطني والطريقة التي ستحيي فيها هذه الذكرى. فهي تعدّ لمانيفست سياسي، جزء منه كان محور نقاش في ورشة عمل سياسية في البيال قبل أسبوع، وقد جرى خلالها نوع من ترتيب الذاكرة لقوى 14 آذار وعرض كل الأحداث التي جرت منذ العام 2005 إلى العام 2015: الإخفاقات والنجاحات والتهديدات التي تعرضت لها 14 آذار، وما الذي قامت به وما الذي كان يمكن أن تقوم به.

وبعد هذه الورشة اعتبر المجتمعون في البيال أنفسهم هيئة تحضيرية للاحتفال الذي سيقام في 14 من الجاري وفي حالة انعقاد دائم، وأقروا أمرين أساسيين: الخروج بمانيفست سياسي جديد يأخذ في الإعتبار عملية ترتيب الذاكرة والمستجدات التي حصلت بعد الربيع العربي والإخفاقات التي حصلت، وتأسيس مجلس وطني لقوى 14 آذار ليكون بمثابة هيئة وصاية على كل مكوناتها.

ولا معوقات حالياً تحول دون متابعة 14 آذار لمسيرتها، فعلى الأقل هناك إتفاق بين مكونات 14 آذار على هذه الخطوات، إلا إذا حصلت مستجدات أمنية على غرار 7 مايو 2008 واستئناف الاغتيالات.

ترسيخ السلام في لبنان وتعزيز نموذج العيش المشترك، هو القضية المركزية لقوى 14 آذار. وهذا النموذج يصح أن يُطبق في أوروبا الحالية التي تعاني أزمات مع الجاليات أو حتى المسلمين الأوروبيين. كما يصح أن يُطبق في الولايات المتحدة حتى، فلبنان هو المختبر الوحيد في العالم، أقله بالنسبة لـ 14 آذار، الذي يتقاسم فيه المسلمون والمسيحيون السلطة.

(إعلامي وعضو الأمانة العامة في 14 آذار)

نسيم ضاهر: «حزب الله» لم يسيطر على الدولة و«14 آذار» لم تمُسك بها

يمكن تلخيص الوضع في لبنان بأن «حزب الله» لم يتمكن من السيطرة على الدولة، وأن 14 آذار لم تتمكن من الإمساك بها. هذا هو الواقع القائم، بالإضافة إلى وضع المنطقة غير المريح للطرفين.

ودائماً ما يُطرح سؤال: ما هي القضية التي يفترض بـ 14 آذار الإضطلاع بها بعد مرور عقد على انتفاضة الاستقلال؟ واذا كانت القضية موجودة دائماً وهي السيادة والاستقلال والكرامة والحرية، غير أن القضية هي عنوان عريض ولا تحل محل القراءة السياسية والعمل السياسي المباشر. وبالتالي ليست القضية هي المفقودة، والمرء لا يمكنه الارتكاز على القضية للاستمرار بالعمل، بل عليه أن يواظب على تجديد نفسه ومتابعة المتغيرات.

المجلس الوطني هو حاجة لـ 14 آذار؛ أولاً لجمهورها، فهو تعبير عن مزيد من التشارك على الأقل في القراءة والرؤى. وقد يكون المجلس الوطني أحد المهيئين والمنتجين بهذا المعنى، ولا سيما ان 14 آذار تتجاوز مكوّناتها السياسية، وهذه ريادتها مع ما يعنيه ذلك من تَشارُك وتعاون وعمل في بلد متعدد ومتنوع. فهذه هي تجربة 14 آذار والأحرى أن يكون هناك موقع يتيح أوسع تمثيل لكثيرين (المج-لس الوطني) وذلك للبحث وتَبادُل الرأي وإنتاج شيء مفيد للبلد.

(باحث)
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي