بعد اعتراض فرنسا التي تعتبر الأمر إهانة لها

بلجيكا تتراجع عن سك قطعة نقدية من فئة 2 يورو تخليداً لمعركة واترلو

تصغير
تكبير
مرة أخرى، طفت على السطح، النزاعات والأحقاد الدفينة بين شعوب أوروبا، على نحو لافت للنظر، حيث اضطرت بلجيكا، امس، الى سحب مشروع تقدمت به إلى الاتحاد الأوروبي لسك قطعة نقدية جديدة من فئة 2 يورو تخليدا لمعركة «واترلو» بعد مرور قرنين عليها، والتي بدأت على الأراضي البلجيكية في 18 يونيو 1815 وهُزم فيها الجيش الفرنسي بقيادة العسكري الأسطوري نابليون بونابارت على يد تحالف عسكري من 7 جيوش ضمنها الجيش البريطاني بقيادة دوق ويلنغتون والجيش البروسي بقيادة غيبهارد فون بلوخار.

وتراجعت بلجيكا التي تبّنت اليورو كعملة موحّدة لها عن المشروع، نتيجة المعارضة الشديدة له من جانب الحكومة الفرنسية، إذ إن البلجيكيين يعتزون بالنصر على نابليون في «واترلو»، بينما يُشكّل هذا النصر مصدرا للحساسية لدى الفرنسيين، رغم مقتهم لنابليون الذي ألحق بفرنسا خسائر بشرية ومادية رهيبة نتيجة طموحاته السياسية ومغامراته العسكرية في القارة الأوروبية وعبر البحر المتوسط التي أوصلته إلى أبواب عكا في فلسطين بعد احتلاله لمصر وأبواب موسكو بعد اجتياح نابليون القارة الأوروبية للمرة الثانية وهزيمته المدوية في كلا المحوريْن، فمع ذلك ما زال الفرنسيون حتى اليوم يشعرون بالألم كلما تذكروا معركة «واترلو» الدامية التي بدأت على الأراضي البلجيكية وانتقلت إلى الأراضي الهولندية وسقط فيها نحو 26 ألف جندي فرنسي بين قتيل وجريح، ووقع في الأسر قرابة 7 آلاف، وتفرق شمل الجيش الفرنسي وهام 15 ألف جندي على وجوههم طلبا للنجاة.


وهذه ليست المرة الاولى التي تعترض فيها فرنسا على مشروع له علاقة بمعركة «واترلو»، إذ جمّدت في عقد الثمانينات الماضي العمل في مشروع خط القطار السريع «يورو ستار» بين باريس ولندن عبر نفق «يورو تانيل» الذي تم شقّه تحت قناة «لا مانش»، بعد أن اتضح للحكومة الفرنسية أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، قررت أن تكون محطة قطارات «واترلو» على الضفة الجنوبية لنهر التايمز في لندن، المحطة الأخيرة لخط القطار بين البلدين. فاعترض الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران على القرار، وتوقف العمل على المشروع التاريخي إلى أن تراجعت تاتشر ووافقت على اختيار محطة «كنغز كروس سانت بانكراس» بدلا من «واترلو».

وتذرّعت تاتشر حينها بأن العمل على مد خط القطار بين البلدين كان بدأ وأصبح الوقت متأخراً لتغيير المخططات، فعملت على إبقاء المحطة النهائية من جهة بريطانيا في «واترلو» في شكل موقت، ووعدت بنقلها إلى «كنغز كروس سانت بأنكراس» لاحقا، فجاء الردّ الفرنسي عاجلا بنقل المحطة النهائية في باريس من محطة «غار دي نور»، أي البوابة الشرقية، في باريس إلى محطة «أوسترليتز»، التي بناها الفرنسيون تخليدا لنصر الجيش الفرنسي بقيادة بونابارت ذاته في 2 ديسمبر 1805 على جيشيْ روسيا بقيادة القيصر ألكسندر الأول، والنمسا بقيادة إمبراطورها فرانسيس الثاني، الملقب بالإمبراطور الروماني المقدس. وأصرّت الحكومة الفرنسية على إبقاء محطة قطار الـ «يورو ستار» في «أوسترليتز» منذ افتتاح خط القطار عام 1994 إلى أن تم تجهيز محطة «كنغز كروس سانت بأنكراس» وافتتاحها كمحطة رئيسة لهذا الخط في عام 2007 في لندن.

وفيما كانت بريطانيا تراقب عن بعد مشروع سك قطعة الـ 2 يورو تخليدا لـ «واترلو» التي خلدتها من جهتها بتشييد محطة «واترلو» للقطارات في لندن عام 1848وبالنصب التذكاري لدوق ولنغتون في وسط لندن، يبدو أن المشروع أثار جدلا ليس بين فرنسا وبلجيكا فقط، بل داخل بلجيكا ذاتها، التي تتكون من العنصريْن القومييْن الفرنسي والفلامينكي، فعلى الأرجح أن المشروع من بنات أفكار أشخاص ينتمون للجالية الفلامينكية الكبيرة التي لا تنفك تتطالب بالاستقلال في الأقاليم الشمالية لبلجيكا المحاذية لهولاندا، الموطن الأصلي للقومية الفلامينكية. فالفلامينكيون يعتزون بـ «واترلو» لأن الجيش الهولندي الفلامينكي الذي شارك في تلك المعركة انتصر فيها، الأمر الذي يقابله رفض ومعارضة من الجالية الفرنسية في بلجيكا التي ترى في تخليد «واترلو» إهانة لها.

وكانت بلجيكا تشجعت من إقدام فرنسا على سك قطعة من فئة 2 يورو في العام الماضي، تخليدا لذكرى النصر على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، من دون أن يأخذ الفرنسيون بالحسبان مشاعر الشعب الألماني والحساسيات التي تنشأ عن مثل هذه الخطوة، فأقدمت الحكومة البلجيكية على طرح مشروعها لتخليد ذكرى «واترلو»، لتكتشف أن المسألة مختلفة. مع ذلك لم تتراجع بلجيكا عن الاستعدادات الجارية لديها لإحياء ذكرى النصر على نابليون في «واترلو» وهي ماضية قُدُما في البرنامج الذي وضعته الحكومة لتنظيم سلسلة احتفالات في جميع أنحاء بلجيكا بمرور 200 عام على المعركة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي