أين السعادة؟

ترى عندما ننطق كلمة سعادة ماذا يتوارد إلى خاطرنا؟ هل السعادة تعني لنا السعادات الفخمة؟ تلك السعادات التي لا تتكرر إلا قليلا في العمر؟ السعادات التي تتطلب منا انتظارا طويلا و تفكيرا طويلا و أموالا كثيرة وأحلاما كثيرة وتخطيطات كثيرة؟ هل يحصر غالبية البشر سعاداتهم في تلك الاشياء الصعبة والبعيدة المنال؟ ويظنون عبثا أن كل لحظة سعادة لابد قبلها من مقدمات وإجراءات طويلة؟ هل السعادة حكر على اللحظات المطرزة المليئة بالتعقيدات؟ إذا كان مفهومنا عن السعادة بهذا التعقيد فأبشرك عزيزي القارئ أنت تتمسك بالزئبق الهارب. لماذا؟ لأن كل شيء في هذه الحياة مؤقت. فالمال مؤقت والمنصب مؤقت في زمن تلاطمت فيه المصالح وانتشرت الحروب والفبركات الاقتصادية والسياسية، فما تملكه بيدك الآن قد يصبح فجأة بيد غيرك، ومن يدعمك سياسيا أو اقتصاديا قد يدير لك ظهره و يصافح مصالحه في مكان آخر،أما الحب؟ كذلك قد يكون مؤقتا فمن يحبك الآن يتخلى عنك غدا ومن تحبه أنت قد تأخذه منك الدنيا في لحظة لم تتوقعها، قد يخفق قلبك مرة ومرتين وثلاثة وفي كل مرة تظن أنها النهاية ثم تتغير نظرتك للشخص ولمكان السعادة والحب الذي ستستقر إليه في النهاية. العمل؟ بالطبع لا فمديرك قد يرضى عنك لسنوات قد ينسى قيمتك بلحظة أو بخطأ عابر. والأمثلة كثيرة لخيالات الإنسان المؤقتة. إذاً أين تكمن السعادة؟ السعادة الحقيقية هي السعادات التي لا تعقيد فيها هي السعادات العابرة الحقيقية والتي يمكن الحصول عليها كل يوم. فعناق طويل من أحبابك هو السعادة، ضحكك المفرط مع أصدقائك هو السعادة، اللعب مع الأطفال المفعمين بالحياة سعادة، لحظات الحب الأولى سعادة، الابتسامة في وجه العابرين سعادة، الأحاديث العفوية مع من لا تعرفهم سعادة، جلوسك مع قهوتك في لحظات سلام وصفاء سعادة، السعادة قد تكون في سجدة لله ودمعة خشوع.قدرتك على مساعدة الآخرين سعادة وقدرتك على خدمة نفسك أيضا سعادة، إيمان الآخرين بك سعادة، السعادة قد تكون وردة من شخص يكن لك الود دون مصلحة أو هدف. أو حتى كلمة أو دعوة، أو أغنية جميلة.السعادة الحقيقية هي التي تقدم لك نفسها من دون متطلبات ووعود ودون تعلق واهم بالدنيا، السعادة الحقيقية هي التي لا ترتبط بتوقيت أو كلفة أو خطوات. استمتع بلحظاتك السعيدة البسيطة ولا تكن عبدا لسعادات الحياة الكبيرة والمؤقتة. دمتم بمحبة وسعادة حقيقية!

* أكاديمية في الجامعة الأميركية في الكويت

Twitter: maysaa_alsharif