د. يعقوب أحمد الشراح?/ صدى الكلمة

بلاوي الرشاوى

تصغير
تكبير
عندما تغيب المساءلة وعدم تطبيق القانون يزداد الفساد بمختلف أشكاله، ويعيش المجتمع حالة من القلق والترقب خوفاً من تداعيات تكون أشد على النفس.

فأي شكل من أشكال الفساد مهما كان كبيراً أو محدوداً يظل فساداً معبراً عن التدهور في الأخلاق والقيم، ومربكاً للعلاقات بين الناس، وصور الفساد كثيرة تتمثل في السرقة والكذب والتحايل والنفاق والتطاول والازدراء والإهانة والتكبر والتعالي على الناس، والبغض والذم والمساس وقلة الاحترام، والرشوة والتسلط وغيرها..


لذلك فدائرة الفساد واسعة تعبر عن كل ما يجعل الإنسان مفسداً ومخالفاً في تفكيره وسلوكه للقيم والأخلاق.

والفساد يتباين في اتساعه من مجتمع لآخر نتيجة اختلاف العوامل المؤثرة فيه من تعليم وتربية وتعاليم دينية وسلوكية وثقافة سائدة وغيرها، فالرشوة مثلاً صورة من صور الفساد الذي أصبح شائعاً في مختلف المجتمعات، النامية والمتقدمة، لدرجة أن الرشوة تكاد تكون صفة لا تلازم الفقراء فقط، وإنما حتى الأغنياء لا يترددون في أن يكونوا راشين ومرتشين.. واكتشاف هذه الرشوة ليست صعبة رغم المحاولات التي تستخدم لحجبها من خلال اتباع وسائل مختلفة من الراشين أو المرتشين لإزالة أي أثر أو خيوط تساعد على اكتشاف الرشوة ودوافعها ومكانها والأطراف الداخلة فيها.

هذه المقدمة الطويلة نسردها لنبين أن الرشوة في المؤسسات الحكومية أصبحت على المكشوف بعد أن كانت حالة مستترة أو سلوكاً مرفوضاً.. فليس بمستغرب أو مستهجن أن يطلب منك المقابل أو المقسوم من طرف يفترض أن يقوم بواجبه في انجاز معاملة قانونية، وقد تتعثر معاملاتك في الدوائر الحكومية ليس بسبب عدم قانونيتها أو النقص في مسوغاتها، وإنما بعدم تقديم المقسوم في صورة مال يدفع أو مصلحة للمسؤول.

هناك حالات كثيرة يتحدث عنها الناس عن الرشوة و«بلاويها» حدثت لهم بعد أن تعثرت معاملاتهم بسبب معارضتهم لدفع المال أو المقايضة مقابل خدمة يحصل عليها المرتشي من أجل تخليص معاملة في دائرة حكومية.

ونتساءل مع المتسائلين عن العوامل التي تؤدي إلى الرشوة في مجتمع لا يعتبر فقيراً، والرواتب التي تقدمها الدولة للعاملين لديها مرتفعة، والغالبية تعيش حياة الرفاه؟ فلقد جرت العادة أن تسود الرشوة في المجتمعات الفقيرة، حيث لا عمل أو رواتب متدنية، والأفراد في هذه الحالة يستغلون أعمالهم للحصول على الرشاوى حيث لا مناص لدى الناس أمام هؤلاء المرتشين إلا دفع الرشوة لإنجاز مطالبهم غير المشروعة، نقول إن الرشاوى في مجتمع الرفاه ظاهرة شاذة رغم الإدراك بأن الإنسان جشع لا يرضى بالمقسوم ويستغل ما لديه من وسائل للحصول على أكثر من مبتغاه، خصوصاً عندما تكون الأمور أمامه ميسرة حيث لا محاسبة أو خوف من القانون.

لذلك لابد من خلق الوعي بأن الرشوة تتنافى مع القيم والأخلاق وتعاليم الدين، وأن تطبيق القانون بحزم في وجود أدوات الرقابة والمتابعة مسألة في غاية الأهمية أمام تنامي ظاهرة الراشين والمرتشين.

yaqub44@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي