في ذكرى الاستقلال والتحرير... ليس بالشعارات أو الاحتفالات وإقامة المهرجانات تتحقق المواطنة
الوطن والمواطن...علاقة انتماء تنبع من القلب نظّمتها الشريعة الإسلامية على أساس الحق والواجب
مظهر من مظاهر الاحتفال بيومي الاستقلال والتحرير
•المواطنة في الإطار الإسلامي تركن إلى قيم الإسلام التي تحدد الحقوق والواجبات
•الإسلام أولى أهمية كبيرة للأرض بمعناها الجغرافي ومن هنا نشأت فكرة المواطنة
•المواطن في مقاصد الشريعة هو كل إنسان ينتسب إلى بلد ينشأ فيه وينتمي إلى قومه
•كل ممارسة وطنية تتعارض أو تتصادم مع كرامة الإنسان لا اعتبار لها في نظر الإسلام
• المؤمن الحق لا يقدم على خيانة وطنه الذي ترعرع فيه ونال من خيراته واستفاد من إمكاناته
•الإسلام أولى أهمية كبيرة للأرض بمعناها الجغرافي ومن هنا نشأت فكرة المواطنة
•المواطن في مقاصد الشريعة هو كل إنسان ينتسب إلى بلد ينشأ فيه وينتمي إلى قومه
•كل ممارسة وطنية تتعارض أو تتصادم مع كرامة الإنسان لا اعتبار لها في نظر الإسلام
• المؤمن الحق لا يقدم على خيانة وطنه الذي ترعرع فيه ونال من خيراته واستفاد من إمكاناته
حب الوطن فِطْرة في داخل الإنسان، ينبض به قلبه، ويجري به دمه، ولو كان الوطنُ كثبانَ رملٍ بصحراء، أو تعرض فيه للأذى والبلاء، وإن غادر الإنسان وطنَه لضرورة يبقى الشوق والحنينُ إليه ساكنًا في نفسه ووجدانِه، فإنه المكان الذي وُلِدَ وتربى ونشأ فيه، فالوطن فيه ذكرياتٌ لا تُنسى، فيه الأبناء والآباء والأجداد، والأهل والأحباب والأصحاب.
قال الغزالي: «والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص».
هذا الحب للوطن عبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية بعثته وحين هجرته، ففي بداية نزول الوحي عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغار حراء ذهبَ مع زوجتِه خديجة - رضي الله عنها - إلى ورقة بن نوفل، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه، وورقة يفسر له ذلك حتى قال: ( ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أَو مُخْرِجِيّ هم؟!، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا ) رواه البخاري.وتروي كتب السيرة أنه لما هاجر الصحابة - رضي الله عنهم - إلى المدينة أصابتهم الحمى حتى بلغت ببعضهم إلى الهذيان من شدتها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) وسأل الله أن ينقل حماها إلى مكان آخر.
في هذه الأيام من كل عام تتزين الكويت ،وترتدي أبهى حللها وتعم الفرحة أرجاءها ،وتتواصل الاحتفالات بكل أشكالها وأنواعها على مدار الشهر... يشارك فيها شرائح المجتمع المختلفة من الناحية الشعبية بالتناظر مع جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها... هذا الشهر الذي تجاور فيه يوما الاستقلال والتحرير... في الخامس والعشرين والسادس والعشرين منه، فيوم الاستقلال هو يوم إعلان الدولة ذات سيادة مستقلة وانضمامها إلى المجتمع الدولي كعضو فاعل، ويوم التحرير هو اليوم الذي عادت فيه أرض الكويت إلى أهلها وشعبها بعد أن تم أخذها غصباً من قبل غزو غاشم في العام 1990.فالحدثان عظيمان يستحقان الاحتفال بهما، وعلى قدر الحدث يكون الاحتفال به...ومواكبة للحدث وما يدور الآن على أرض الكويت تكون لنا هذه الوقفة... لكن لابد من أن نشير إلى أن ما يعنينا ليس الاحتفالات بذاتها، وإنما استثمار الحدث للحديث عن «الوطن والمواطن» من منظور إسلامي.
إن التعبير عن حب الوطن والانتماء إليه ليس بالشعارات أو الاحتفالات وإقامة المهرجانات فحسب... وإنما شعور بالانتماء نابع من القلب، تتم ترجمته إلى مجموعة من السلوكيات الإيجابية تجاه هذا الوطن للتعبير عن حبه وصدق الانتماء اليه... كما أن المواطنة في الإطار الإسلامي تركن إلى قيم الإسلام التي تحدد الحقوق والواجبات.
كما ان التأصيل الشرعي لمفهوم المواطنة ينبع من وحدة الأصل الإنساني، والنزعة الفطرية الإنسانية، فالكل سواء في أصلهم وجنسهم، ثم وحدة المصالح المشتركة والآمال التي تجعله كريماً عزيزاً ،والآلام التي قد تجعله معرضاً للمخاطر، مع التأكيد على أن الاجتماع البشري ضرورة إنسانية ،وأن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده ،كل ذلك في إطار أن الإسلام دين القسط والعدل والحق.
ولا ننسى أن الإسلام أولى أهمية كبيرة للأرض بمعناها الجغرافي، فجاء الأمر بعمارتها والاستخلاف فيها، ومنها نشأت فكرة المواطنة.
النّاس في الحقيقة لابدّ لهم من الاجتماع، فالاجتماع ضرورة لبني البشر، فلا يمكن للفرد أن يعيش وحده، لابدّ أن يعيش مع بني جنسه، للأنس في ما بينهم وللتّعاون على مصالحهم الدّينية والدّنيوية، فيحتاج إلى أن يحسن التّعامل مع مواطنيه، من أجل الألفة والتّعاون والتّعارف والتّآلف، ولهذا قالوا الإنسان مدني بالطّبع، لا يمكن أن يعيش وحده.
المواطن والواجب والحق
يقول الدكتور حامد الرفاعي في كتابه (الإسلام... وحقوق الإنسان وواجباته) إن مصدر الحقوق والواجبات بثباتها لأصحابها هو الله سبحانه وتعالى، فالشريعة الإسلامية تنظر للحق والواجب على أنهما من مقومات كرامة الإنسان هي المعيار لصحة واستقامة أداء الحقوق والواجبات وفق إرادة الله تعالى، فالحق والواجب في الشريعة الإسلامية مقيدان بتحقيق إرادة الله ومرضاته، كما أنهما مقيدان بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخرين، وللناس أن يتعارفوا ويتفقوا على حقوق وواجبات فيما استحدث من أمور حياتهم... بما لا يتعارض مع إرادة الله وشرعته وبما يضمن تحقيق كرامة الإنسان ومصالحه، ويحقق إقامة العدل بين الناس.
* فالحق في الشريعة الإسلامية هو: المصلحة الثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار، ويقرره المشرع الحكيم، وهو نوعان:
عام ،ويشمل كل عين أو مصلحة تكون للشخص بمقتضى الشرع ويعني هنا (الملك بأنواعه).
خاص، ويشمل المصالح الاعتبارية والاتفاقية في عرف الشرع مثل حق الشفعة، حق القصاص...والحق في الشريعة الإسلامية هو منحة يمنحها الخالق جلّ شأنه للأفراد وفق ما يقضي به صالح الجماعة... فهو حق مقيد وفق الشريعة الإسلامية بمراعاة مصلحة الآخر وعدم الإضرار بالجماعة، فليس للفرد مطلق الحرية في استعمال الحق بحيث لا يقيده سلطان شيء... بل هو مقيد بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخر وحقوقه، وهذا يستلزم واجبين اثنين:
- واجب على الناس أن يحترموا حق الشخص، وألا يتعرضوا له في تمتعه في استعمال الحق.
- واجب على صاحب الحق نفسه ،أن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين، ويستوي في هذا سائر الحقوق الخاصة والعامة.
* والواجب في الشريعة الإسلامية: هو كل ما ثبت وجوبه بدليل شرعي، وهو ما يثاب بفعله ويعاقب على تركه إلا بعذر... أي أن الواجب في الشريعة الإسلامية هو كل ما أوجبه المشرع جل شأنه على الشخص والجماعة، وكل ما من شأنه يحقق كرامة الإنسان ومصالحه وأمنه في إطار مصالح الجماعة وأمنها، وفق إرادة الله تعالى.
* والمواطن في مقاصد الشريعة: هو كل إنسان ينتسب إلى بلد قدر الله له أن ينشأ فيه وينتمي إلى قومه ويعيش معهم، فهو ملكهم وحماهم وموطن أمنهم واستقرارهم وحقهم في الحياة، يتحملون جميعا أمام الله تعالى مسؤولية أمانة عهد الاستخلاف فيها، وعليهم جميعا واجب الحفاظ والذود عن سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه، ومن يخالف ذلك وينتهكه إنما هو مخالف ومنتهك لعهد وميثاق المواطنة، ومخالف لأمانة الحفاظ على مصالح وسيادة الوطن والمستخلفين معه في الوطن الواحد.
وبعد فإن (المواطن والواجب والحق) تشكل بنظر الإسلام وقيمته ومبادئه منظومة حياتية شرعية متكاملة متلازمة، وضرورة شرعية وحتمية لضمان كرامة الإنسان وقدسية مصالحة وأمنه واستقراره، وهي كذلك ضرورة شرعية لتحقيق العدل بين الأفراد والجماعات والناس أجمعين وفق إرادة الله عزّ وجلّ.
فكرامة الإنسان وفق إرادة الله ،ومعايير الشرع الخالدة هي التي تحكم وتضبط معايير وقواعد ممارسة الحقوق والواجبات والمواطنة، فكل حق أو واجب أو ممارسة وطنية تتعارض أو تتصادم مع كرامة الإنسان وأمنه واستقراره وسيادته وفق إرادة الله تعالى لا اعتبار لها ،وهي باطلة في نظر الشريعة الإسلامية وقيمتها، باعتبارها أن كرامة الإنسان والأرض وسلامتها منحة من الله تعالى... وأن الحقوق والواجبات قيم متلازمة ومتكاملة لضمانها والمحافظة عليها وفق شرعة الله وارادته.
ومن جهة أخرى، فإن الحق والواجب في الشريعة الإسلامية أمران متقابلان متكاملان، فكل حق يقرره الإسلام يقابله واجب ،وعلى الناس كافة أن يحترموا هذه الحقوق والواجبات ،وألا يتعدوا عليها لأنها منحة من الله تعالى... وفي ما يلي نقدم نماذج للحقوق والواجبات وقيم المواطنة التي يقررها الإسلام في الوطن الواحد وفي اطار التعايش بين المجتمعات الدولية.
الانتماء الوطني والإسلامي
لقد أكد القرآن الكريم على مكانة الوطن، وأن للديار حرمة، والاعتداء عليها بإخراج أهلها منها أو اذلالهم فيها تعتبر فعلة شنعاء وجريمة في حق أهله، وللوطن حق على أهله ألا وهو الحب، وحب الوطن أساس لمن يعيش فيه؛ لذا يصبح هذا الانسان مواطنا له مكانته ووضعه.
جاء القرآن الكريم ليكون الضابط لعاطفة حب الوطن والمواطنة، وحسن توجيهها وتحديد مسارها، بحيث يكون مسلكاً وسطاً للأمة الاسلامية، لقد وردت الآيات القرآنية التي تدل على الوطن والمواطنة.
قال الله تعالى: (قل اِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَاِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ اِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: آية 24) «فالآباء، والأبناء، والاخوان، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والمساكن هذا هو الوطن ،منهي أن تكون أحب الى المسلم من الله ورسوله، وهذا يعني وجود الحب، والانتماء الى الوطن، ولكن الممنوع تقديمه على محبة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم»، فالآباء، والأبناء، والاخوان، والأزواج، والعشيرة، فهؤلاء هم المواطنون في أي وطن، والوطن فيه الأموال، والمساكن.
وقول الله تعالى: (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) «أي: لأنها مجمع لذلك كله، ولقد رتبها سبحانه أحسن ترتيب فإن الأب أحب المذكورين لما هنا من شائبة النصرة، وبعده الابن ثم الأخ ثم الزوج ثم العشير الجامع بالمسكن لأنه الغاية التي كل ما تقدم أسباب للاسترواح فيه والتجمل به».والمراد (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) أي: «المراد بالمساكن التي يرضونها المنازل التي تعجبهم، وتميل أنفسهم ويرون الاقامة فيها أحب اليهم»، فاذا أحب المواطن وطنه أحب الاقامة فيه هو وأهله وعشيرته، فكان هذا من الدواعي لأن يكون لهم حقوق وواجبات تعطى لهم.
قول الله تعالى: (وَاِذْ قَالَ اِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (ابراهيم: آية 35) ان من صفات المواطنة الحقة الدعاء لوطنه بالأمن والأمان، وزيادة الرزق اقتداءً بأبي الأنبياء ابراهيم ،عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فيتضح «من هذا الدعاء ما يفيض به قلب ابراهيم -عليه السلام - من حب لمستقر عبادته، وموطن أهله، والدعاء علامة من تعبير الحب، وتعبير عنه»، فحب الوطن لا يكون الا من مواطن غرست فيه المواطنة الصالحة؛ لذا تقتضي هذه المواطنة الدعاء للوطن ولأهله، لتحقيق السعادة الحقيقية، وهو العيش في الوطن في ضوء العدل والعزة والرخاء حيث لابد منها جميعاً لاستقرار الحياة السعيدة. قول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ اِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (النساء: آية 66).
فبين سبحانه وتعالى «في هذه السورة بقوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ) ما يشق احتماله كقتل الأنفس والخروج من الوطن لعصى الكثير منهم، ولم يطع الا القليل، وهم أصحاب العزائم القوية الذين يؤثرون رضوان الله على حظوظهم وشهواتهم».
ان المواطنة الصالحة تتحقق في أصحاب العزائم القوية؛ لذا يصعب عليها الخروج من الوطن، لأن حب الوطن أصيل في نفسه، وهو يؤثر الخير والسعادة لوطنه، ولا يؤثر الا رضوان الله على حظه وشهواته.
قول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلَيْهِمْ اِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: آية 8). ان الله سبحانه وتعالى قرن حب الدين مع حب المواطن لوطنه؛ لذا من حق المواطن العدل والبر الذي مأمور به من الله لمن لم يقاتل المسلم في دينه ولم يخرجه من وطنه، كما «ان الجمع بينهما دليل على مكانة كل منهما في الاسلام، وفي النفوس».
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ اِلَى الْمَلَاِ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى اِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ اِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا اِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة: آية 246).
قال الله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: آية 195) ان هذه الآيات تدل على أهمية الوطن، والقتال عنه وحمايته من شر الأعداء، وأثر اخراج المواطن من وطنه، والأجر المترتب على هذا الاخراج.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْاِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ اِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: آية 9) ومن خلال الآيات يصبح الانتماء الوطني بعداً من أبعاد الانتماء الاسلامي العام؛ اذ الوطن ضرورة من ضرورات اقامة الدين ليكون الوطن اسلامياً، وتـتحقق اسلامية عمرانه.
أفعال لا أقوال...!
ليس غريبًا أبدًا أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وشبَّ على ثراه، وترعرع بين جنباته. كما أنه ليس غريبًا أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء.
*إذا كان الإنسان يتأثّر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فأن لهذه البيئة عليه (بمن فيها من الكائنات، وما فيها من المكوّنات) حقوقًا وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوّة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها ويؤديها على الوجه المطلوب، وفاءً وحبًا منه لوطنه. وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض؛ ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات، فإن حُب الإنسان لوطنه وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى: {...هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...} [هود:61]
*إن حب الوطن واجب شرعي وديني وأخلاقي، هذا الحب يجب أن يترجم إلى واقع وإلى أفعال تؤكد هذا الحب وذلك الانتماء، حب الوطن هو شعور لا يجب أن يظل حبيسًا في الصدور ومكنونات النفس، حب الوطن يجب أن يترجم إلى أفعال والى أقوال، فالوطن يستدعي منا جميعًا أن نعّبر عن هذا الحب وأن يكون هذا الوطن ومصلحته وبقاؤه هو هدف أسمى لنا جميعًا، هذا الحب لا يترجم بحسب الهوى والمصالح الشخصية والذاتية، فليس من حب الوطن معادة الوطن وأهله، وليس من حب الوطن نهب خيراته وأمواله، وليس من حب الوطن العمل على الفرقة بين أبنائه وغرس ونشر ثقافة الكراهية والحقد والبغضاء والمناطقية والمذهبية بينهم، وليس من حب الوطن أن نبتز الوطن من أجل مصالح أنانية أو ذاتية، وليس من حب الوطن الاستقواء بالخارج، أو التهديد باستخدامه، وليس من حب الوطن التهديد بالانفصال وفك عرى وحدته. إن الفارق بين حب الوطن وخيانة الوطن أمر واضح جلي لا يحتاج منا إلى إجهاد فكر حتى نتوصل إليه، وحتى لو كانت النوايا حسنة في حب الوطن، فلن تشفع أبدًا في اختيار الوسيلة غير المناسبة للتعبير عن ذلك الحب.
*قبل أن ترفع علم بلدك وتجري لتهتف باسمها، فكر ماذا عملت لها، هل ساعدت في ظهورها بمظهر حضاري لائق؟ أو اشتركت في حملة توعية لخدمة مجتمعك؟ هل بدأت بنفسك لتكون مواطن متحضر ومنظم وتحترم القانون والنظام؟ لابد أن يبدأ كل فرد بنفسه، وعندها ستتغير الأمور كثيرًا وينشط الجميع وبالتدريج سوف تظهر معالم الرقي والتحضر، فنحن أحق الشعوب بهذه الألقاب؛ لأننا كنا أصحابها ولكن لا نملك الآن إلا آثارها.
*من هنا جاء واجبنا تجاه وطننا بالجد في طلب العلم واكتساب الخبرة، وبالتالي خدمة الوطن في شتى مجالات الحياة؛ ليتكون لدينا في المستقبل تقديم الأفضل للأجيال المهددة للغزو الثقافي، ومن واجب أفراد المجتمع التعاون في جميع بقاع الأرض؛ لتتحد كلماتهم وصفوفهم ويصبحوا كالبنيان المرصوص؛ فيستطيعوا إعادة العزة والمناعة لدولتهم وصد الأخطار عنها، كما لا يغيب عن بالنا ما للأخلاق من أهمية، بغرس الإيمان في النفوس والالتزام بالخير والحق والعدل والإخلاص في العمل وإتقانه، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالَى يحبُّ إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يُتقِنَه).
الشعور بالانتماء
من الأدلة على مشروعية حب الأوطان أن البلد المسلم إذا دهمه عدو كافرٌ وجب على كل أهل البلد الدفاع عنه وصار الجهاد فرض عين عليهم، لا يجوز لأحد ترك الدفاع عن وطنه المسلم، كما هو نص الفقهاء في جميع المذاهب، وقد قال الله عن بني إسرائيل: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} سورة البقرة (264). وترى في الفقه الإسلامي أن الإخراج من الوطن من العقوبات التي قرَّرها الإسلام بالنظر لقسوة فراق الأوطان:
فالتغريب عن الوطن من العقوبات المهمة شرعا، وإذا أكره الإنسان على أمر أو طُرد من بلده جوَّز له العلماء التماس المعاذير، وأنه يدخل في قول الله سبحانه: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مطمئن ) سورة النحل 106،
ومن الأدلة قوله سبحانه: عن المحاربين وقطاع الطريق: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أو يُصَلَّبُواْ أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أو يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} سورة المائدة (33). قال الشافعي: يكفيه مفارقة الوطن والعشيرة خذلاناً وذلاً...
ومن الأدلة أن الشارع جعل عقوبة الزاني البكر أن يبعد عن وطنه، فيُـغَـرَّب عاما، كي يتجرع مرارة الذنب الذي وقع فيه..
وحين تحتفل دولة من الدول بيومها الوطني فإنها تستلهم جميع معاني الانتماء للوطن، وتجدد له الولاء، وتبرأ من كل مّنْ يعاديه ويكيد له.
فما الذي يعنيه الانتماء وحب الوطن؟ وكيف يمكن للمواطن أن يرتقي بمستوى انتمائه وحبه للوطن؟ فالشعور بالانتماء كما هو متعارف عليه ينشأ من مجموع المشاعر الفردية التي تشكل رأياً عاماً وتماسكاً وتكافلاً في السراء والضراء لمجموع الأفراد وما يربطهم بكيانهم.
هذا الشعور بالانتماء يوجد لدى الحيوان في صورة غريزة تجعله يشعر من غير تفكير بالانتماء إلى القطيع الذي هو منه، وهذا الانتماء في مستوى الحيوان فيه الكثير من الغريزة وقليل من الإدراك والمعرفة، أما عند الإنسان فينقلب هذا الشعور إلى (وعي) تغذِّيه المعرفة والثقافة حتى ينتقل من حيز الغريزة إلى حيز التفكير المختار.
هذا الوعي الذاتي هو الذي يتحول في مراحل حياة هذا الفرد، إلى قوة، ويتميز به كل فرد عربيّ على وجه الخصوص، ذلك ان الانتماء هنا هو انتماء إلى (عقيدة) بالدرجة الأولى.. ثم يتحول إلى (واقع) أي ينتقل من مستوى الشعور إلى مستوى السلوك.. ولكن ليس أي نوع من السلوك، إنَّـه السلوك المضيء بنور العقيدة التي تشع في مختلف حنايا جسد المجتمع ومؤسساته.. وهذا ما يميزنا عن غيرنا من أمم الأرض).
قال الغزالي: «والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص».
هذا الحب للوطن عبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية بعثته وحين هجرته، ففي بداية نزول الوحي عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغار حراء ذهبَ مع زوجتِه خديجة - رضي الله عنها - إلى ورقة بن نوفل، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه، وورقة يفسر له ذلك حتى قال: ( ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أَو مُخْرِجِيّ هم؟!، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا ) رواه البخاري.وتروي كتب السيرة أنه لما هاجر الصحابة - رضي الله عنهم - إلى المدينة أصابتهم الحمى حتى بلغت ببعضهم إلى الهذيان من شدتها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) وسأل الله أن ينقل حماها إلى مكان آخر.
في هذه الأيام من كل عام تتزين الكويت ،وترتدي أبهى حللها وتعم الفرحة أرجاءها ،وتتواصل الاحتفالات بكل أشكالها وأنواعها على مدار الشهر... يشارك فيها شرائح المجتمع المختلفة من الناحية الشعبية بالتناظر مع جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها... هذا الشهر الذي تجاور فيه يوما الاستقلال والتحرير... في الخامس والعشرين والسادس والعشرين منه، فيوم الاستقلال هو يوم إعلان الدولة ذات سيادة مستقلة وانضمامها إلى المجتمع الدولي كعضو فاعل، ويوم التحرير هو اليوم الذي عادت فيه أرض الكويت إلى أهلها وشعبها بعد أن تم أخذها غصباً من قبل غزو غاشم في العام 1990.فالحدثان عظيمان يستحقان الاحتفال بهما، وعلى قدر الحدث يكون الاحتفال به...ومواكبة للحدث وما يدور الآن على أرض الكويت تكون لنا هذه الوقفة... لكن لابد من أن نشير إلى أن ما يعنينا ليس الاحتفالات بذاتها، وإنما استثمار الحدث للحديث عن «الوطن والمواطن» من منظور إسلامي.
إن التعبير عن حب الوطن والانتماء إليه ليس بالشعارات أو الاحتفالات وإقامة المهرجانات فحسب... وإنما شعور بالانتماء نابع من القلب، تتم ترجمته إلى مجموعة من السلوكيات الإيجابية تجاه هذا الوطن للتعبير عن حبه وصدق الانتماء اليه... كما أن المواطنة في الإطار الإسلامي تركن إلى قيم الإسلام التي تحدد الحقوق والواجبات.
كما ان التأصيل الشرعي لمفهوم المواطنة ينبع من وحدة الأصل الإنساني، والنزعة الفطرية الإنسانية، فالكل سواء في أصلهم وجنسهم، ثم وحدة المصالح المشتركة والآمال التي تجعله كريماً عزيزاً ،والآلام التي قد تجعله معرضاً للمخاطر، مع التأكيد على أن الاجتماع البشري ضرورة إنسانية ،وأن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده ،كل ذلك في إطار أن الإسلام دين القسط والعدل والحق.
ولا ننسى أن الإسلام أولى أهمية كبيرة للأرض بمعناها الجغرافي، فجاء الأمر بعمارتها والاستخلاف فيها، ومنها نشأت فكرة المواطنة.
النّاس في الحقيقة لابدّ لهم من الاجتماع، فالاجتماع ضرورة لبني البشر، فلا يمكن للفرد أن يعيش وحده، لابدّ أن يعيش مع بني جنسه، للأنس في ما بينهم وللتّعاون على مصالحهم الدّينية والدّنيوية، فيحتاج إلى أن يحسن التّعامل مع مواطنيه، من أجل الألفة والتّعاون والتّعارف والتّآلف، ولهذا قالوا الإنسان مدني بالطّبع، لا يمكن أن يعيش وحده.
المواطن والواجب والحق
يقول الدكتور حامد الرفاعي في كتابه (الإسلام... وحقوق الإنسان وواجباته) إن مصدر الحقوق والواجبات بثباتها لأصحابها هو الله سبحانه وتعالى، فالشريعة الإسلامية تنظر للحق والواجب على أنهما من مقومات كرامة الإنسان هي المعيار لصحة واستقامة أداء الحقوق والواجبات وفق إرادة الله تعالى، فالحق والواجب في الشريعة الإسلامية مقيدان بتحقيق إرادة الله ومرضاته، كما أنهما مقيدان بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخرين، وللناس أن يتعارفوا ويتفقوا على حقوق وواجبات فيما استحدث من أمور حياتهم... بما لا يتعارض مع إرادة الله وشرعته وبما يضمن تحقيق كرامة الإنسان ومصالحه، ويحقق إقامة العدل بين الناس.
* فالحق في الشريعة الإسلامية هو: المصلحة الثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار، ويقرره المشرع الحكيم، وهو نوعان:
عام ،ويشمل كل عين أو مصلحة تكون للشخص بمقتضى الشرع ويعني هنا (الملك بأنواعه).
خاص، ويشمل المصالح الاعتبارية والاتفاقية في عرف الشرع مثل حق الشفعة، حق القصاص...والحق في الشريعة الإسلامية هو منحة يمنحها الخالق جلّ شأنه للأفراد وفق ما يقضي به صالح الجماعة... فهو حق مقيد وفق الشريعة الإسلامية بمراعاة مصلحة الآخر وعدم الإضرار بالجماعة، فليس للفرد مطلق الحرية في استعمال الحق بحيث لا يقيده سلطان شيء... بل هو مقيد بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخر وحقوقه، وهذا يستلزم واجبين اثنين:
- واجب على الناس أن يحترموا حق الشخص، وألا يتعرضوا له في تمتعه في استعمال الحق.
- واجب على صاحب الحق نفسه ،أن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين، ويستوي في هذا سائر الحقوق الخاصة والعامة.
* والواجب في الشريعة الإسلامية: هو كل ما ثبت وجوبه بدليل شرعي، وهو ما يثاب بفعله ويعاقب على تركه إلا بعذر... أي أن الواجب في الشريعة الإسلامية هو كل ما أوجبه المشرع جل شأنه على الشخص والجماعة، وكل ما من شأنه يحقق كرامة الإنسان ومصالحه وأمنه في إطار مصالح الجماعة وأمنها، وفق إرادة الله تعالى.
* والمواطن في مقاصد الشريعة: هو كل إنسان ينتسب إلى بلد قدر الله له أن ينشأ فيه وينتمي إلى قومه ويعيش معهم، فهو ملكهم وحماهم وموطن أمنهم واستقرارهم وحقهم في الحياة، يتحملون جميعا أمام الله تعالى مسؤولية أمانة عهد الاستخلاف فيها، وعليهم جميعا واجب الحفاظ والذود عن سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه، ومن يخالف ذلك وينتهكه إنما هو مخالف ومنتهك لعهد وميثاق المواطنة، ومخالف لأمانة الحفاظ على مصالح وسيادة الوطن والمستخلفين معه في الوطن الواحد.
وبعد فإن (المواطن والواجب والحق) تشكل بنظر الإسلام وقيمته ومبادئه منظومة حياتية شرعية متكاملة متلازمة، وضرورة شرعية وحتمية لضمان كرامة الإنسان وقدسية مصالحة وأمنه واستقراره، وهي كذلك ضرورة شرعية لتحقيق العدل بين الأفراد والجماعات والناس أجمعين وفق إرادة الله عزّ وجلّ.
فكرامة الإنسان وفق إرادة الله ،ومعايير الشرع الخالدة هي التي تحكم وتضبط معايير وقواعد ممارسة الحقوق والواجبات والمواطنة، فكل حق أو واجب أو ممارسة وطنية تتعارض أو تتصادم مع كرامة الإنسان وأمنه واستقراره وسيادته وفق إرادة الله تعالى لا اعتبار لها ،وهي باطلة في نظر الشريعة الإسلامية وقيمتها، باعتبارها أن كرامة الإنسان والأرض وسلامتها منحة من الله تعالى... وأن الحقوق والواجبات قيم متلازمة ومتكاملة لضمانها والمحافظة عليها وفق شرعة الله وارادته.
ومن جهة أخرى، فإن الحق والواجب في الشريعة الإسلامية أمران متقابلان متكاملان، فكل حق يقرره الإسلام يقابله واجب ،وعلى الناس كافة أن يحترموا هذه الحقوق والواجبات ،وألا يتعدوا عليها لأنها منحة من الله تعالى... وفي ما يلي نقدم نماذج للحقوق والواجبات وقيم المواطنة التي يقررها الإسلام في الوطن الواحد وفي اطار التعايش بين المجتمعات الدولية.
الانتماء الوطني والإسلامي
لقد أكد القرآن الكريم على مكانة الوطن، وأن للديار حرمة، والاعتداء عليها بإخراج أهلها منها أو اذلالهم فيها تعتبر فعلة شنعاء وجريمة في حق أهله، وللوطن حق على أهله ألا وهو الحب، وحب الوطن أساس لمن يعيش فيه؛ لذا يصبح هذا الانسان مواطنا له مكانته ووضعه.
جاء القرآن الكريم ليكون الضابط لعاطفة حب الوطن والمواطنة، وحسن توجيهها وتحديد مسارها، بحيث يكون مسلكاً وسطاً للأمة الاسلامية، لقد وردت الآيات القرآنية التي تدل على الوطن والمواطنة.
قال الله تعالى: (قل اِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَاِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ اِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: آية 24) «فالآباء، والأبناء، والاخوان، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والمساكن هذا هو الوطن ،منهي أن تكون أحب الى المسلم من الله ورسوله، وهذا يعني وجود الحب، والانتماء الى الوطن، ولكن الممنوع تقديمه على محبة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم»، فالآباء، والأبناء، والاخوان، والأزواج، والعشيرة، فهؤلاء هم المواطنون في أي وطن، والوطن فيه الأموال، والمساكن.
وقول الله تعالى: (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) «أي: لأنها مجمع لذلك كله، ولقد رتبها سبحانه أحسن ترتيب فإن الأب أحب المذكورين لما هنا من شائبة النصرة، وبعده الابن ثم الأخ ثم الزوج ثم العشير الجامع بالمسكن لأنه الغاية التي كل ما تقدم أسباب للاسترواح فيه والتجمل به».والمراد (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) أي: «المراد بالمساكن التي يرضونها المنازل التي تعجبهم، وتميل أنفسهم ويرون الاقامة فيها أحب اليهم»، فاذا أحب المواطن وطنه أحب الاقامة فيه هو وأهله وعشيرته، فكان هذا من الدواعي لأن يكون لهم حقوق وواجبات تعطى لهم.
قول الله تعالى: (وَاِذْ قَالَ اِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (ابراهيم: آية 35) ان من صفات المواطنة الحقة الدعاء لوطنه بالأمن والأمان، وزيادة الرزق اقتداءً بأبي الأنبياء ابراهيم ،عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فيتضح «من هذا الدعاء ما يفيض به قلب ابراهيم -عليه السلام - من حب لمستقر عبادته، وموطن أهله، والدعاء علامة من تعبير الحب، وتعبير عنه»، فحب الوطن لا يكون الا من مواطن غرست فيه المواطنة الصالحة؛ لذا تقتضي هذه المواطنة الدعاء للوطن ولأهله، لتحقيق السعادة الحقيقية، وهو العيش في الوطن في ضوء العدل والعزة والرخاء حيث لابد منها جميعاً لاستقرار الحياة السعيدة. قول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ اِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (النساء: آية 66).
فبين سبحانه وتعالى «في هذه السورة بقوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ) ما يشق احتماله كقتل الأنفس والخروج من الوطن لعصى الكثير منهم، ولم يطع الا القليل، وهم أصحاب العزائم القوية الذين يؤثرون رضوان الله على حظوظهم وشهواتهم».
ان المواطنة الصالحة تتحقق في أصحاب العزائم القوية؛ لذا يصعب عليها الخروج من الوطن، لأن حب الوطن أصيل في نفسه، وهو يؤثر الخير والسعادة لوطنه، ولا يؤثر الا رضوان الله على حظه وشهواته.
قول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلَيْهِمْ اِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: آية 8). ان الله سبحانه وتعالى قرن حب الدين مع حب المواطن لوطنه؛ لذا من حق المواطن العدل والبر الذي مأمور به من الله لمن لم يقاتل المسلم في دينه ولم يخرجه من وطنه، كما «ان الجمع بينهما دليل على مكانة كل منهما في الاسلام، وفي النفوس».
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ اِلَى الْمَلَاِ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى اِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ اِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا اِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة: آية 246).
قال الله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: آية 195) ان هذه الآيات تدل على أهمية الوطن، والقتال عنه وحمايته من شر الأعداء، وأثر اخراج المواطن من وطنه، والأجر المترتب على هذا الاخراج.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْاِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ اِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: آية 9) ومن خلال الآيات يصبح الانتماء الوطني بعداً من أبعاد الانتماء الاسلامي العام؛ اذ الوطن ضرورة من ضرورات اقامة الدين ليكون الوطن اسلامياً، وتـتحقق اسلامية عمرانه.
أفعال لا أقوال...!
ليس غريبًا أبدًا أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وشبَّ على ثراه، وترعرع بين جنباته. كما أنه ليس غريبًا أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء.
*إذا كان الإنسان يتأثّر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فأن لهذه البيئة عليه (بمن فيها من الكائنات، وما فيها من المكوّنات) حقوقًا وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوّة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها ويؤديها على الوجه المطلوب، وفاءً وحبًا منه لوطنه. وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض؛ ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات، فإن حُب الإنسان لوطنه وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى: {...هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...} [هود:61]
*إن حب الوطن واجب شرعي وديني وأخلاقي، هذا الحب يجب أن يترجم إلى واقع وإلى أفعال تؤكد هذا الحب وذلك الانتماء، حب الوطن هو شعور لا يجب أن يظل حبيسًا في الصدور ومكنونات النفس، حب الوطن يجب أن يترجم إلى أفعال والى أقوال، فالوطن يستدعي منا جميعًا أن نعّبر عن هذا الحب وأن يكون هذا الوطن ومصلحته وبقاؤه هو هدف أسمى لنا جميعًا، هذا الحب لا يترجم بحسب الهوى والمصالح الشخصية والذاتية، فليس من حب الوطن معادة الوطن وأهله، وليس من حب الوطن نهب خيراته وأمواله، وليس من حب الوطن العمل على الفرقة بين أبنائه وغرس ونشر ثقافة الكراهية والحقد والبغضاء والمناطقية والمذهبية بينهم، وليس من حب الوطن أن نبتز الوطن من أجل مصالح أنانية أو ذاتية، وليس من حب الوطن الاستقواء بالخارج، أو التهديد باستخدامه، وليس من حب الوطن التهديد بالانفصال وفك عرى وحدته. إن الفارق بين حب الوطن وخيانة الوطن أمر واضح جلي لا يحتاج منا إلى إجهاد فكر حتى نتوصل إليه، وحتى لو كانت النوايا حسنة في حب الوطن، فلن تشفع أبدًا في اختيار الوسيلة غير المناسبة للتعبير عن ذلك الحب.
*قبل أن ترفع علم بلدك وتجري لتهتف باسمها، فكر ماذا عملت لها، هل ساعدت في ظهورها بمظهر حضاري لائق؟ أو اشتركت في حملة توعية لخدمة مجتمعك؟ هل بدأت بنفسك لتكون مواطن متحضر ومنظم وتحترم القانون والنظام؟ لابد أن يبدأ كل فرد بنفسه، وعندها ستتغير الأمور كثيرًا وينشط الجميع وبالتدريج سوف تظهر معالم الرقي والتحضر، فنحن أحق الشعوب بهذه الألقاب؛ لأننا كنا أصحابها ولكن لا نملك الآن إلا آثارها.
*من هنا جاء واجبنا تجاه وطننا بالجد في طلب العلم واكتساب الخبرة، وبالتالي خدمة الوطن في شتى مجالات الحياة؛ ليتكون لدينا في المستقبل تقديم الأفضل للأجيال المهددة للغزو الثقافي، ومن واجب أفراد المجتمع التعاون في جميع بقاع الأرض؛ لتتحد كلماتهم وصفوفهم ويصبحوا كالبنيان المرصوص؛ فيستطيعوا إعادة العزة والمناعة لدولتهم وصد الأخطار عنها، كما لا يغيب عن بالنا ما للأخلاق من أهمية، بغرس الإيمان في النفوس والالتزام بالخير والحق والعدل والإخلاص في العمل وإتقانه، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالَى يحبُّ إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يُتقِنَه).
الشعور بالانتماء
من الأدلة على مشروعية حب الأوطان أن البلد المسلم إذا دهمه عدو كافرٌ وجب على كل أهل البلد الدفاع عنه وصار الجهاد فرض عين عليهم، لا يجوز لأحد ترك الدفاع عن وطنه المسلم، كما هو نص الفقهاء في جميع المذاهب، وقد قال الله عن بني إسرائيل: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} سورة البقرة (264). وترى في الفقه الإسلامي أن الإخراج من الوطن من العقوبات التي قرَّرها الإسلام بالنظر لقسوة فراق الأوطان:
فالتغريب عن الوطن من العقوبات المهمة شرعا، وإذا أكره الإنسان على أمر أو طُرد من بلده جوَّز له العلماء التماس المعاذير، وأنه يدخل في قول الله سبحانه: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مطمئن ) سورة النحل 106،
ومن الأدلة قوله سبحانه: عن المحاربين وقطاع الطريق: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أو يُصَلَّبُواْ أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أو يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} سورة المائدة (33). قال الشافعي: يكفيه مفارقة الوطن والعشيرة خذلاناً وذلاً...
ومن الأدلة أن الشارع جعل عقوبة الزاني البكر أن يبعد عن وطنه، فيُـغَـرَّب عاما، كي يتجرع مرارة الذنب الذي وقع فيه..
وحين تحتفل دولة من الدول بيومها الوطني فإنها تستلهم جميع معاني الانتماء للوطن، وتجدد له الولاء، وتبرأ من كل مّنْ يعاديه ويكيد له.
فما الذي يعنيه الانتماء وحب الوطن؟ وكيف يمكن للمواطن أن يرتقي بمستوى انتمائه وحبه للوطن؟ فالشعور بالانتماء كما هو متعارف عليه ينشأ من مجموع المشاعر الفردية التي تشكل رأياً عاماً وتماسكاً وتكافلاً في السراء والضراء لمجموع الأفراد وما يربطهم بكيانهم.
هذا الشعور بالانتماء يوجد لدى الحيوان في صورة غريزة تجعله يشعر من غير تفكير بالانتماء إلى القطيع الذي هو منه، وهذا الانتماء في مستوى الحيوان فيه الكثير من الغريزة وقليل من الإدراك والمعرفة، أما عند الإنسان فينقلب هذا الشعور إلى (وعي) تغذِّيه المعرفة والثقافة حتى ينتقل من حيز الغريزة إلى حيز التفكير المختار.
هذا الوعي الذاتي هو الذي يتحول في مراحل حياة هذا الفرد، إلى قوة، ويتميز به كل فرد عربيّ على وجه الخصوص، ذلك ان الانتماء هنا هو انتماء إلى (عقيدة) بالدرجة الأولى.. ثم يتحول إلى (واقع) أي ينتقل من مستوى الشعور إلى مستوى السلوك.. ولكن ليس أي نوع من السلوك، إنَّـه السلوك المضيء بنور العقيدة التي تشع في مختلف حنايا جسد المجتمع ومؤسساته.. وهذا ما يميزنا عن غيرنا من أمم الأرض).