المرحوم الشاعر فهد بورسلي

تصغير
تكبير
يجيد اللغتين الهندية والانكليزية ورفض طلب القنصلية البريطانية

فهد بورسلي... علامة مضيئة في مسيرة الشعر الكويتي

سلموا لي على اللي سم حالي فراقه

حسبي الله على اللي حال بيني وبينه

قايد الريم تاخذني عليه الشفاقه

ليتني دب دهري حيسة في يمينه

آه واقلبي اللي راح مني سراقه

تلّ عرج المودّه وانقطع في يدينه

هذه الابيات ذائعة الصيت كتبها شاعر الكويت الشعبي الكبير فهد راشد ناصر بورسلي الذي يعد علامة فارقة في تاريخ الشعر الكويتي. وهو من الشعراء النادرين الذين اشتهر أغلب شعرهم، خاصة وأنه طرق الكثير من المعاني، فكتب في الغزل وفي الشأن السياسي وفي نقد المجتمع بل، وحتى في الدعاية لبعض المنتجات والبضائع ومنها قصيدة عن نوع من أنواع السجائر.

ولد بالكويت سنة 1918م وتوفي بالكويت 25 ابريل 1951 حسبما تؤكد ابنته الأستاذة وسمية بورسلي.. لتصحيح ماشاع عن وفاته أنها كانت في عام 1960كان فهد بورسلي شاعراً شعبياً ينشد الشعر بلهجة أهل الكويت الجميلة، فعبر عن معاناتهم ونظم الشعر بلسانهم مستشفاً فِكَر قصائده من معاناتهم اليومية بجميع شؤون الحياة، وقد طرق كافة بحور الشعر، فانتشرت لقصائده تلك الألحان الشعرية المشهورة بكلمات دارجة لقيت القبول فحقق بذلك نجاحاً شعبياً كبيراً لم يحققه غيره اشتهرت له هذه الأبيات بصوت الفنانة الكويتية الراحلة عايشة المرطة وغناها فيما بعد باللحن نفسه عدد كبير من المطربين:

يا ناس دلوني

درب السنع وينه

ما شوف لي مرقى

من بير الأهوالي

من صد مظنوني

وخلى بلا دينه

يجاوب الورقا

من ضيجة البالي

عزاه يا عيوني

تبجي على عينه

بوشامة زرقا

بالحب قتالي

ياوي مزيوني

والطول وازينه

على كثر فرقا

والزلف ميالي

يلي تعذلوني

فرقا الضحى شينة

استطاع فهد بورسلي بأسلوبه المتميز الدخول إلى قلوب الناس فعرفه أهل الكويت والجزيرة وردد الناس قصائده في كل مكان... وقد حقق الصعب في شعرة من خلال نبوغه بقصائد السهل الممتنع، فشعره واضح، سريع الإيقاع قوي السبك يأخذ من لهجة العامة وكلماتهم فيعيد صياغتها بقالب شعري محبب وسهل الفهم يتغلغل في القلوب فيردده الكبار والصغار حتى يتحول إلى أغنية شعبية تسمعها من طفل يركض في فريج، أو أم تقف على السيف، أو رجل يتوجه إلى السوق.

أما الوجه الآخر لشاعرية بورسلي فهو إجادته التامة للشعر النبطي كأحد أعلامه الذين تميزوا فيه... يروي أحد معاصريه أن بورسلي حضر ذات مره إلى محفل (القلطة) وكان شعراء النبط من أهل البادية يتحاورون وحاول بعضهم تجاهل بورسلي كشاعر شعبي لا يستطيع مجاراتهم بصفته من شعراء الحاضرة الذين لايتقنون دفن المعاني وماعرف باسم «النقض والفتل» في عالم شعر القلطة الذي يتحاور فيه شاعران أمام جمهور كبير، كل شاعر يبتدع أبياتا يضمنهما معاني مخبوءة قد تكون تعريضا بالشاعر المقابل أو بفكره أو جماعته، فينقضها الطرف الآخر بأبيات تحور المعنى وتقلبه إلى ضده. وأعلن بورسلي تحدي الشعراء في ملعب (القلطة) ذاك واستطاع أن يضيق الخناق على الشعراء الذين حاوروه علماً بأنها كانت المرة الأولى التي يدخل فيها بورسلي للقلطة أما في مجال الرديات فكان للشاعربورسلي قصائد كثيرة بينه وبين بعض الشعراء يرسلها لهم ويجيبونه عليها أو العكس حتى أصبح أكثر الشعراء يحسبون حساباً لبورسلي كشاعر كبير يهابون معانيه ويحبون إرسال قصائدهم إليه.

يقول الكاتب وليد المجني عنه:

كان رحمة الله عليه شاعر الكويت الشعبي الذي عبر عن غالبية معاناة الكويتيين بأشعاره الشعبية مستشفاً جميع أشعاره من يوميات حياة الرجل الكويتي في السابق، امتاز فهد بورسلي بانتقاء البحور الشعرية السهلة الخفيفة المفهومة لدى الجميع كي يرددها الصغير قبل الكبير وبالفعل قد حقق نجاحاً لا حدوده له فكان شاعراً يجسد دولة بعد كتابته عن بعض الأزمات وكان أولها ازمة الماء التي حصلت في الكويت بالسابق:

شايبنا يمشي ويطيح.. نوبه يصوت نوبه يطيح

شـ زيد من هذا التصريح.. صوت ولاله حماي

وعجيزنا مثل البطه.. تشيل القوطي وتحطه

بذمه من دبر هالخطه.. خلا العالم رايح جاي

أما قصائد بورسلي النبطية فقد كانت مليئة بالمعاني الجميلة والعميقة، وكثيرا ماكتب قصائد يثبت من خلاله علو كعبه في كتابة الصعب من الشعر، خاصة حين نظم إحدى قصائده بدأ أبياتها بحرف الحاء وختمها أيضا بحرف الحاء مع حفاظه على تسلسل المعنى وجزالته، فقال:

حل الفـراق وخافـي السـد باحـي

حاولت أصبر والصبر عـذّب الـروح

حالـي تـردى ومتكسـر جنـاحـي

حزين من كثـر الهواجيـس والنـوح

حامـي الوقايـد لح جسمـي لحاحـي

حسبي على الفرقـا بها السـد مبيـوح

حفظـت سـدٍ كـاتمـه لا يبـاحـي

حارت دموع العيـن والدمع مفضـوح

ومن قصائده المعروفة التي أصبحت أهزوجة شعبية «ياهل الشرق» حيث يقول:

يا هل الشرق مروا بي على القيصرية

عضدوا لي وتلقون الأجر والثوابي

واطلبوا دختر العشاق يكشف عليه

بس يمسح على قلبي ويبرى صوابي

يا غريب لفانا من ديار مديه

الغريب الهله وانا عليّ العذابي

كود يرفي جروح بالضماير خفيه

من رفا جرح مسلم فاز يوم الحسابي

ومن قصائده الجميلة التي تغنى بها الكثير من الفنانين الشعبيين أغنية (جزى البارحة جفني):

جزى البارحة جفني عن النوم

جزى من غرابيل الزماني

صبرت أمس مع قبل امس واليوم

وأشوف العشر تصفى ثماني

عذاب على العشاق مقسوم

تولعت يوم الله بلاني

يلزم على الشوق تلزوم

وأنا يوم لزمته عصاني

سجيم الهوى ما يسمع اللوم

حنين الجفا سد الاذاني

شريف على التكيات مخدوم

لا هو من الطرز الجباني

طريح عن اللذات محروم

صوابه خطير بين المحاني

صدر لشاعرنا الكبير فهد بورسلي ديوان 1955وأعيد طبعه أكثر من مرة إلاّ أنه لم يحمل آثار هذا الشاعر كاملة... حتى صدر ديوانه ((سنة 1978م)) ولقد تناول الباحث في التراث خالد سالم الأنصاري بكتابه «السامريات» الشاعر فهد بورسلي وقال عنه انه شاعر شعبي كبير اهتم بمشاكل الحياة الاجتماعية والمعيشية للمواطنين خاصة تلك التي تتعلق بالحياة اليومية مثل التموين والكهرباء والماء والعلاج بالاضافة إلى انتقاده للاخطاء التي يراها او يسمع عنها في بعض الدوائر الحكومية، وله في هذه المجالات آراء جريئة جسدها في بعض قصائده ومنها قصيدته الشهيرة (أم أحمد العجافة) ينتمي فهد بورسلي إلى أسرة كويتية عريقة وكان والده ينظم الشعر وخاله الملا علي الموسى من الشعراء الشعبيين المجيدين في الكويت وكان يحرص على تثقيف نفسه بمطالعته الصحف والمجلات وبعض الكتب التي يحصل عليها، إلى جانب اهتمامه بما تبثه الإذاعات العربية وغيرها من برامج، كما كانت له لقاءات ومساجلات شعرية مع عدد من الشعراء ركب فهد بورسلي البحر مع والده، وامتهن بعض المهن البحرية شأنه شأن كل شباب الكويت في تلك الايام، كما اتيحت له عدة سفرات إلى كل من الهند والبحرين والسعودية والعراق. كما كان يتقن اللغة الهندية.

رأت ابنته وسمية فهد بورسلي ان والدها الذي نشر مختارات من اشعاره عام 1955 وطبعها في مطبعة مقهوي لم ينشر كثيرا من شعره، لذلك أقدمت في عام 1974م على جمع شعره وطبعه تحت عنوان: ديوان شاعر الكويت الشعبي فهد راشد بورسلي، وراجع الديوان وقدمه المؤرخ الاستاذ: أحمد البشر الرومي رحمه الله.

وتتوافر أشرطة صوتية لقصائد سجلها الشاعر بنفسه تحوي مجموعه من قصائده ويلاحظ السامع لها مدى تفاعل الشاعر مع الكلمة وإحساسه بها من طريقة الأداء والإلقاء.

وعن وعيها به كأب قالت ابنته وسمية في «ما أتذكر جيدا، لأنه لما انتقل لرحمة الله، كان عمري أربع سنين، لكنه كان أنيقا.. نظيفا ومرتبا، ووسيما جدا وعن سبب زواجه المتأخر في منتصف الثلاثينات من عمره قالت ضاحكة «رجال أول «الزغرتية» لا يتزوجون باكرا اوتضيف: كان أبي في الأناقة واللباس لا أحد يجاريه، كما كان «شاعرا مثقفا» يتكلم أربع لهجات من اللغة الهندية، بحكم انه درس في الهند، ويتكلم «اللغة الانجليزية بطلاقة مترجم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي