حوار / «تحذيراتي قبل نصف قرن ذهبت أدراج الرياح... وأعمالي سبقت عصرها»

سعد الفرج لـ «الراي»: «دقّت الساعة»... واستيقظت الفتن في البلاد

تصغير
تكبير
• منتجون يستغلون اسمي لتسويق أعمالهم... ولا أعلم شيئاً عن «لو أني أعرف»

• تلفزيون الكويت أهدر حقوقي والرقابة إما جاهلة أومُسَيّرة... تجيز الرديء وتجتز النصوص الجيدة

• «أبو الفنون» آيل إلى السقوط... متى استعادت الكويت نهضتها سيرجع إلى تألّقه

• بذور الإرهاب تبدأ من البيت... والمجتمع يتعهّدها بالرعاية تحت نظر الدولة

• لكل زمان دولة ورجال... والشركات المعلنة أضحت تتحكم في إنتاج تلفزيون الدولة

• حرق الكساسبة لا يمت للإسلام... والدين بريء مما يقترفه من يتمسّحون به

• لا يسعدني أن أكون نائباً في مجلس فاقت فيه الاستجوابات الإنجازات وأهمل أعضاؤه مصالح البلاد والعباد

• الكويت في حالة جزر... ونترقب عودة المد إلى سواحلها

• البلد في مرحلة مفصلية... إما تعود «درة الخليج» أو تمضي في «درب الزلق»
«عرّاب» الدراما وزعيم المسرح السياسي أضحى غريباً في تلفزيون الكويت، وضحية «لعبة كبار»، يحرّك خيوطها «متنفذون في وزارة الإعلام»، حيث أُجهِضت أعماله وأُهدِرت حقوقه، «بين مزاجية المسؤولين وجهل الرقابة الفنية، التي تجتز الجيد وتجيز الرديء ولا تفرّق بين الغث والسمين».

هذا ما كشفه الفنان القدير سعد الفرج، الذي يشكو جور أحفاده في «البيت القديم»، بعد ما أصيب بخيبة أمل وإحباط شديد وصل إلى ذروة القهر.


ولأنه «حامي الديار»، لم يفقد الأمل، ولا يزال يرى أن هناك بصيصاً من نور يلوح دائماً في الأفق، حتى يعود المد إلى سواحل البلاد من جديد، بعد سنوات عجاف عاشتها الكويت، فتستعيد دورها الريادي في المجالات الفنية والرياضية والتنموية كافة.

«الراي» التقت الفنان القدير سعد الفرج في حوار مطوّل قرع من خلاله نواقيس الخطر، محذراً من استيقاظ الفتن، ومؤكداً أنه «دقت الساعة» للتنبيه من انزلاق الوطن في «درب الزلق» الطائفي، قبل أن تتحمل «الأقدار» مسؤولية حسم الصراعات السياسية.

وفي الحوار الذي جاء بنكهة السياسة، تطرق صاحب «تورا بورا» إلى الحرب ضد الإرهاب، وحاضر ومستقبل الجماعات الإرهابية، معبّراً عن الأسف أن بذور الإرهاب تزرع في البيت، ويسقيها المجتمع إلى أن تتفرع أغصانها تحت أنظار الدولة، مشيراً إلى أن بعض الإخوان المسلمين انزلقوا إلى الإرهاب والتطرف، والتفاصيل في السطور الآتية:

? في البداية نود التعرف على ما في جعبتك من أعمال فنية جديدة؟

- لدي عدد من النصوص الفنية المزمع تصويرها قريباً، تمهيداً لعرضها في شهر رمضان المقبل، غير أنني لم أبدِ موافقتي حتى الآن على المشاركة أو الاعتذار عن أي منها. وقبل المفاضلة، أقوم أولاً بالإطلاع بإسهاب على مضمون الرسائل التي تحملها تلك الأعمال، وسبر أغوار الشخصيات التي أجسدها من جميع الجوانب بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة، خصوصاً أنني لا أحبذ الظهور في أعمال تتناول قضايا سطحية وبعيدة عن الواقع، أو تمر مرور الكرام على المشكلات التي يكابدها الناس في المجتمع الخليجي بصورة يومية.

? وهل كان هذا من أسباب انسحابك أخيراً من مسلسل «لو أني أعرف» للمنتج حبيب غلوم وزوجته الفنانة هيفاء حسين؟

- أنا لا أعلم شيئاً عن هذا العمل، ولم أتلق دعوة للمشاركة في المسلسل المذكور لكي أنسحب منه. كما أنني لم أبرم عقداً مع أحد من المنتجين بخصوصه أو بخصوص غيره من الأعمال الفنية الأخرى.

? لكن صورك انتشرت على ملصق العمل بمعية باقة من نجوم الدراما الخليجيين؟

- يبدو أن البعض من المنتجين يسعون إلى تسويق أعمالهم الفنية على حسابي ومن دون علمي. وأنا من خلال «الراي» أنفي بشدة علاقتي من قريب أو بعيد بمسلسل «لو أني أعرف».

? لم نعد نرى لك أعمالاً كوميدية رفيعة المستوى على غرار «درب الزلق» و«الأقدار»، فهل نضب الحس الكوميدي لدى رواد الكوميديا؟

- كلا على الإطلاق، فأنا قدمت قبل سنوات مسلسل «لعبة كبار»، الذي يعد واحداً من أجمل ما كتبت في الكوميديا على الإطلاق، وهو من إخراج محمد السيد عيسى، وشاركني البطولة الفنانون مريم الصالح وعبد الرحمن العقل وولد الديرة وغيرهم.

? لكننا لم نشاهد العمل؟

- المسلسل عرض على تلفزيون الكويت قبل سنوات، ولكنه أجهض قبل ولادته، من خلال بثه الساعة الثالثة فجراً في رمضان، وهو توقيت «ميت»، حيث الناس إما نيام في هذه «الحزة»، أو أنهم منشغلون في تناول وجبة السحور. وسلّط «لعبة كبار» الضوء على قضايا بالغة الأهمية وعالج مشكلات شديدة الخطورة، حيث كشف عن معاناة المتقاعدين بأسلوب شيق ولا يخلو من روح الدعابة، وقام بتقسيم المتقاعدين إلى قسمين، الأول يشكو أعراض الشيخوخة ويصارع الأمراض حتى يصل إلى مرحلة اليأس فيطلب الموت، بينما ينتظر القسم الثاني موعد الراتب التقاعدي على أحر من الجمر، للسفر إلى الخارج بغية الاسترخاء على شواطئ بانكوك أو الاستجمام في ربوع باريس.

? وكيف كان موقفك من كلا الفريقين في العمل؟

- أنا كنت أجسد دور مدير عام في إحدى الدوائر الحكومية، يحال إلى التقاعد، ويجد نفسه تائهاً بين الناس وغريباً في بيته، لا سيما بعد أن أفنى سنوات شبابه في دهاليز العمل، لأداء واجبه الوطني في خدمة الناس، بعيداً عن زوجته التي تدير ظهرها عنه في أوج حاجته لها، متذرعة بانشغالها في رعاية أحفادها ومراقبة زوجات أولادها.

?وما مدى إمكانية إعادة عرض المسلسل مرة أخرى، خصوصاً أنه تعرّض للظلم ولم يحظ بمشاهدة عالية كما قلت؟

- لا أدري، ولكنني أتمنى أن يعاد عرضه في وقت مناسب، حتى يتسنى للجميع مشاهدته والاستمتاع بالكوميديا الشيقة فيه، فضلاً عن التعايش مع أحداثه التي تلامس هموم شريحة واسعة من المتقاعدين، في الخليج عامة والكويت بشكل خاص.

? بصفتك «عرّاب الدراما» في تلفزيون الكويت، لماذا تراجعت الأعمال المحلية في السنوات الأخيرة؟

- لكل زمان دولة ورجال. والشركات المعلنة أضحت تتحكم في إنتاج تلفزيون الدولة، بل وتحدد أسماء بعينها من الفنانين لفرضها قسراً على وزارة الإعلام، ناهيك عن الرقابة الفنية التي يبدو إنها إما جاهلة أومُسَيّرة، فهي لا تفرق بين الغث والسمين، وتجيز الأعمال الرديئة في حين تجتز النصوص الجيدة.

? لهذا السبب هجرت بيتك القديم؟

- الأسباب كثيرة ولا تحصى، خصوصاً أن تلفزيون الكويت بخس حقوقي وأهدر قيمة أعمالي الفنية.

? لا يزال مسلسل «تورا بورا» حبيساً داخل زنزانة الأعمال الدرامية المثيرة للجدل، فمتى سيطلق سراح العمل ويخرج إلى النور؟

- بصراحة، أصبحت لا أعرف ما يجري في الكواليس، و«تورا بورا» جاهز للعرض منذ فترة طويلة، حيث انتهينا من تصوير جميع المشاهد والحلقات في بعض البلدان منها المغرب، وبمشاركة نخبة من النجوم أمثال خالد أمين وأسمهان توفيق، إلى جانب عدد من الفنانين الشباب، فيما تولى وليد العوضي مهام الإنتاج والإخراج.

? تردد أنك تلقيت تهديدات بعد عرض فيلم «تورا بورا»، الذي تطرق إلى تشدد الجماعات المسلحة، مثل تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية؟

- لم أتلق تهديداً من أحد، ولا سيما الجماعات المتطرفة التي لا تتحدث إلا بلغة التكفير. وأنا لا أخشى في الحق لومة لائم، ولدي عمل آخر بعنوان «القهر»، يناقش أسباب انجراف الشباب وراء الإرهاب، ويوضح أن بذور الإرهاب تبدأ من المنزل، من خلال قسوة الآباء على الأبناء، ويتعهدها المجتمع بالرعاية حتى تتفرع أغصانها تحت أنظار الدولة، فيتحول الأشخاص إلى قنابل موقوتة تهدد البشرية بأسرها.

? من هي الجماعات الإرهابية في رأيك، وهل إدراج الإخوان المسلمين ضمن القائمة السوداء أمر صحيح؟

- عدا من تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء، بذريعة نصرة الإسلام والمسلمين، فإن كل الإخوان المسلمين ليسوا إرهابيين، والدين بريء مما يقترفه من يتمسحون به من جرائم وحشية، يندى لها جبين الإنسانية خجلاً، وآخرها حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة بطريقة لا تمت إلى الدين الإسلامي بصلة.

? محلياً، كيف ترى المشهد السياسي في البلاد حالياً؟

- للأسف فإن الرؤية معدومة، وتحجبها العواصف السياسية الهوجاء التي تعصف بالبلاد وتحرق الأخضر واليابس، حتى شحبت ملامح الكويت وذبلت أغصانها، بعد سنوات عجاف عاشتها بسبب التناحر السياسي والتراشق المذهبي، فأصبحنا طوائف وأحزاباً وفئات يحمل كل منها معاول الهدم والتخريب، بعدما كنا يداً واحدة في حمل أزميل البناء والإعمار. فالبلاد تمر حالياً بمرحلة مفصلية في تاريخها، فإما أن تعود «درة الخليج» إلى سابق عهدها وازدهارها، أو نمضي في الطريق المجهول الذي يكتنفه الغموض والظلام السياسي الحالك.

?حديثك المليء بالشجون والآلام يوحي بأن رؤيتك أن القادم أسوأ لا محالة؟

- بالرغم من ضباب التأزيم الذي أضحى يخيّم على سماء الكويت، إلا أنني ما زلت أرى بصيصاً من الأمل، وكلي تفاؤل أن تعود أعضاء الجسد الكويتي إلى نصابها، ويتعاضد أبناء الشعب من أجل البلد، فيستمدوا الهمم من الآباء والأجداد، الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل رفعة الوطن الغالي.

? في مسرحية «دقت الساعة» التي قدمتها أواخر الثمانينات بمعية نخبة من الرواد في مقدمهم الفنان الراحل خالد النفيسي، حذرتم من الفتنة الطائفية التي كانت نائمة في تلك الفترة، فهل استيقظت الآن؟

- «دقت الساعة» سبقت عصرها، وقرعت نواقيس الخطر منذ عشرات السنين، قبل أن تستيقظ الفتن الطائفية، غير أن الحكومة هي من كانت نائمة في تلك الفترة ولم تزل غارقة في سبات عميق.

? أيضاً في مسرحية «حامي الديار»، ولا سيما مشهد مجلس الأمة، قدمت اقتراحاً للحكومة أن يتم شطب اسم القبيلة من الأوراق الرسمية للأفراد، هل ما زلت ترى أهمية لطرح مثل هذا الاقتراح في المجلس الحالي؟

- لا يخفى أن أفراد الشعب الكويتي ذوي حسب ونسب، كما أن جميع المواطنين يتحدرون من أصول معروفة وقبائل عريقة، وهم ليسوا «نبتة» تخرج من باطن الأرض ولا يعرف عمق جذورها، لذا ما من داع لوضع اسم هذه القبيلة أو تلك الفئة في البطاقة الشخصية للمواطنين، خصوصاً أن القبلية والفئوية والمحسوبية أمست تنخر في الجسد الكويتي، وتسهم إلى حد ما في اهتراء النسيج الاجتماعي وضرب الوحدة الوطنية، وأنا أنحي باللائمة على الدولة، التي لعبت دوراً أساسياً في توسيع الهوة بين المواطنين، سواء بقصد منها أو من دون قصد.

? هذا يدفعنا لسؤالك عن أوجه الشبه والاختلاف بين كويت الماضي والحاضر؟

- البون شاسع بين خمسينيات وستينيات القرن الماضي والألفية الثانية، ففيما كان يجسد أهل الكويت روح الأسرة الواحدة، التي كانت تضم الحضر والبدو ولا تفرق بين الشيعي أو السني، فإن الصورة الآن مرعبة، حيث انقسمت شرائح المجتمع وتجزأت إلى ألوان وأطياف متخاصمة، وما زلت على أمل أن يقتدي الجيل الحالي بالأجيال السابقة، لكي تعود البلاد إلى أوج نهضتها.

? وكيف ترى قضية سحب الجناسي من بعض المواطنين في الفترة الماضية؟

- عقاب المواطن بسحب جنسيته أمر غير مقبول، فهناك الكثير من الخيارات لمعاقبة المذنب، وبالطرق القانونية السليمة وفقاً للدستور. أنا أؤيد سحب جناسي المزورين والمزدوجين فقط، وأعارض سحبها من المواطنين الأصليين، ممن لا تحوم حولهم شبهات التزوير وليس لديهم ولاء أو انتماء إلى بلد آخر غير الكويت.

? لو كنت نائباً في البرلمان، ما القضايا التي سوف تتبناها؟

- لا يسعدني أن أكون عضواً في مجلس فاقت فيه الاستجوابات نسبة الإنجازات، وأهمل نوابه مصالح البلاد والعباد، وانشغلوا في صراعات لا تخدم إلا أجنداتهم الشخصية.

? في كل عمل مسرحي قدمته، كنت تطرح قضية سياسية معينة، فما القضايا السياسية والاجتماعية التي لم يسمح لك الوقت لطرحها؟

- أعتقد أنني على مدى أكثر من نصف قرن، قدمت العديد من القضايا الشائكة عبر كثير من الأعمال الفنية والمسرحية، ولا يوجد في الوقت الراهن قضية أهم من التشبث بالوحدة الوطنية، فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى رص صفوف الشعب لكبح جماح الفتن ووأدها في مهدها، قبل أن تتضخم الأمور وتخرج على السيطرة حتى لا يتأجج الصراع، ويحدث ما لا يحمد عقباه.

? وأين المسرح السياسي الكويتي الذي كان حاضراً بقوة في أواخر القرن الماضي لمعالجة مثل هذه الصراعات المذهبية؟

- المسرح الكويتي بأكمله يعيش في حالة جزر منذ سنوات طوال، فقد أضحى «أبو الفنون» آيلاً إلى السقوط في أية لحظة لأسباب متعددة، على رأسها الصراعات السياسية التي تشهدها البلاد، ما انعكس سلباً على جميع المجالات الفنية والرياضية والتنموية، حتى أصبحنا في ذيل القائمة. فمتى عاد المد إلى سواحل البلد، سوف تدب الحياة في شرايين الكويت، وتستعيد دورها الريادي والطبيعي في المنطقة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي