«لتستمر الحياة»... حملة في حلب والغوطة الشرقية المحاصَرة تطالب بمعابر إنسانية

معاناة المناطق المحرّرة في سورية: براميل متفجّرة وحرب تجويع وخدمات... تحت الصفر

تصغير
تكبير
إنها الحرب...تقتل، تدمّر، تجرح، تجوّع وتعيد الانسان الى العصور الأولى. إلا ان الناس يبتدعون البدائل ويبحثون عن وسائل تبقي شعلة الحياة قائمة، رغم مرارة الواقع المعاش. وهذا ما ينطبق على الحال السورية، حيث معاناة الشعب السوري فاقت التصورات، وسط عدم استكانة المدنيين في مناطقهم المحاصَرة من قوات الرئيس بشار الاسد وحلفائه عن مواجهة آثار المعارك وقصْف البراميل المتفجرة حتى لا تخمد شعارات الثورة بفعل القتل والاعتقال والتعذيب وتشتيت الملايين هنا وهناك.

ومع تواصُل المعارك في سورية واشتعال الجبهات في هذه المنطقة او تلك، تكبر معاناة الاهالي الذين يخسرون أبناء وأقارب وملكيات وجني العمر، لكنهم لا يتوقفون عن المواجهة مهما كثر الألم او اشتدت وطأة القصف والحصار.

وبعد اربع سنوات على الثورة، تستمر المحاولات من اجل ادارة شؤون المناطق المحررة من قبل الائتلاف الوطني للثورة والحكومة الموقتة من خلال مجالس الادارة المحلية في 11 محافظة هي الحسكة وحلب وحمص ودير الزور ودمشق ودرعا والرقة وريف دمشق وطرطوس والقنيطرة واللاذقية، وذلك بعدما تخلى النظام عن تقديم الخدمات في هذه المناطق، فكان لابد من خطوة مناسبة تؤمن ما يلزم وتحمي الأمن والاستقرار. لكن نجاح ذلك كان متفاوتاً، اذ ان التجربة كانت تبغي تسيير أمور الناس الحياتية اعتماداً على الخبرات المحلية لضمان مصالح المواطنين، الا ان قلة الدعم الموعود تعرقل مشاريع كثيرة لاستمرارية الحياة، في ظل اوضاع معيشية سيئة للناس وواقع أمني يفاقم الأزمة ويسبّب حال إحباط من القيادات في الداخل والخارج، فيما البعض يسقط في فخ تنظيمات عنفية تتلقى الدعم وتقدم المساعدة ولاسيما في البيئات الفقيرة.

وبالرغم من هذه الصورة، فان المجالس المحلية تحاول تقديم حلول مناسبة قد تنجح حيناً وتفشل حيناً آخر. فمثلاً خلال الايام القليلة الماضية أطلق مجلس مدينة حلب حملة «لتستمر الحياة». وأوضح المسؤول الاعلامي في المجلس اسامة تلجو لــ «الراي» ان «الهدف الأساسي للحملة لفت الأنظار لمعاناة 613 موظفاً من العاملين في المجلس المحلي لمدينة حلب لم يقبضوا أي راتب منذ ثلاثة أشهر،ويعملون بشكل طوعي لتقديم الخدمات لأهالي المدينة كي تستمر الحياة فيها»، وقال: «استمرار الحياة بالأرقام يعني ترحيل 300 طن من النفايات يومياً، الاستجابة لــ 11 شكوى كهرباء يومياً، الاستجابة لشكوى مياه وشكوى صرف صحي يومياً، توزيع 1300 سلة إغاثية يومياً، تنفيذ مشروعيْ كهرباء أسبوعياً، تنفيذ مشروع صرف صحي أسبوعياً، دعم 137 مدرسة و33000 طالب، وهذا يحتاج الى تدخل جميع المعنيين أو المبادرين للمساهمة بتقديم ما يكفي لهؤلاء العاملين كي يستطيعوا الاستمرار بأداء واجبهم».

وعن طبيعة المشكلات التي تواجه عمل المجلس في ظل الظروف الامنية الصعبة، يشير تلجو الى ان «الأعمال في غالبيتها ميدانية، وهذا يعرّض العمال إلى خطر القصف والقنص من عصابات النظام وطائراته، وقد فقدنا العديد من العمال بسبب هذا القصف، كما فقدنا العديد من الآليات التي عانينا كثيراً للحصول عليها». ويضيف: «ضمن محاولات النظام لحصار مدينة حلب وخنْقها، يقوم باستهداف شاحنات الإغاثة وسيارات الإسعاف بشكل خاص ما يجعل السائقين عرضةً للخطر الشديد، وقد استشهد بعضهم على مداخل المدينة، كما ان مقرات المجلس وقطاعاته لم تكن بعيدة عن خطر القصف وقد تم استهدافها أيضاً مرات عدة بالبراميل، ولذلك نعتبر أي عامل في هذه الظروف مجاهداً لا يقلّ أهمية عن الواقفين على الخطوط الأولى. والمشكلة الأخرى التي نعانيها هي أن هذا القصف يستهلكنا ويستهلك مواردنا فتضيع غالبيّتها في تلافي آثار القصف والدمار وترحيل الأنقاض وإصلاحات الكهرباء والمياه والبنية التحتية، بدل إقامة مشاريع تساهم في بناء المدينة».

وعن كيفية العمل على الحلول المناسبة، يوضح تلجو «حلولنا غالبيتها إسعافية وغير كافية بسبب ما سبق، ونتيجة شحّ الموارد، فنعمد مثلاً إلى عدم تجميع الآليات والمحروقات في مكان واحد وإلى شراء بعض الآليات المستعملة بأسعار مناسبة وإجراء الصيانات لها، كما نقوم بتعديل بعض الآليات كي تستطيع القيام بوظائف آليات غير متوافرة لدينا»، ويقول: «حاجتنا الأساسية هي لوقف براميل الموت، وهذا ما لا نجد إرادة دولية لتحقيقه حتى الآن. وحاجاتنا الأخرى تبدأ برواتب ومصاريف تشغيلية مستمرة ومستقرة، ثم دعم المجلس بالآليات اللازمة وبالمشاريع التنموية الاستثمارية التي تحقق له دخلاً ذاتياً»، آملاً «من جميع المنظمات والجهات الداعمة التعامل مع المجلس باعتباره المؤسسة المنتخبة والشرعية التي تمثل المواطنين والثوار في مدينة حلب المحررة، وبالتنسيق ولو بحدّ أدنى».

وعن انجازت المجلس، يلفت الى انه «في السابق كانت هناك عدة جهات تقوم بتقديم الخدمات للمنطقة المحررة، تنظيم «الدولة» (داعش) بالدرجة الأولى، ثم الهيئة الشرعية والخدمات العامة ومجلس المدينة»، ويضيف: «بعد انسحاب «داعش» قمنا بتغطية جميع مناطقها، ثم قامت الهيئة الشرعية أيضاً بحل مكاتبها الخدمية والاكتفاء بدورها الشرعي والقضائي، والآن المجلس المحلي يقوم بتقديم جميع الخدمات لغالبية المنطقة المحررة، وتخديم 62 مجلس حي.وأخيراً استطعنا الاتفاق مع «جيش المجاهدين» وقوات الـ «بي واي دي» الكردية على تسليمنا قطاعيْ الأنصاري والشيخ مقصود على التوالي، وبالتالي أصبحت جميع القطاعات الخدمية تحت إدارة المجلس المحلي لمدينة حلب، هذا بالإضافة إلى أن أكثر من نصف المواد الإغاثية تقَّدم عبر المجلس، كما ان دعم جميع المدارس في المناطق المحررة بالحقائب والقرطاسية يتم أيضاً من خلال المجلس، ونقوم بدور رئيسي في استقرار سعر الخبز في المناطق المحررة وذلك بتدوير الطحين الموجود لدينا بسعر مخفض عند ارتفاع سعر نظيره في السوق السوداء.وعلى الصعيد الإداري نركز على تفعيل الإدارة الوسطى التنفيذية كي نستطيع تلافي خلل المرحلة الانتقالية عند انتخاب أعضاء جدد للمجلس.وقد أطلقنا عدة دوائر منها دائرة الموارد البشرية، والدائرة المالية، ودائرة المياه».

واذ يشير الى خطر القصف ببراميل النظام، يشدّد على وجود نوع آخر من المخاطر «وهو تسلّط الفصائل العسكرية على بعض الأمور المدنية، وقد استطعنا تلافي ذلك إلى حد كبير جداً، بفضل التواصل مع الفصائل وتطور الوعي الثوري والمؤسساتي لدى جميع الثوار المدنيين والعسكريين وبفضل تمكننا من إثبات وجودنا وقدرتنا على إدارة الشؤون المدنية».

ويرى انه «إذا كانت المشكلات تبدأ بالبراميل ولا تنتهي عند عدم توافر الرواتب مروراً بنقص الآليات، فإن الحلّ لا يكون بثبات المجاهدين العسكريين والمدنيين على الأرض فقط، بل بأن يأخذ المجتمع الدولي دوره المطلوب منه في وقف هذا الكم الهائل من الإجرام ووضع حد لجرائم الحرب التي تتجلى بقصف المناطق السكنية والمستشفيات وسيارات الإسعاف والإغاثة، والأمر الآخر تقديم الدعم الكافي للحكومة الموقتة كي تستطيع تقديم ما يلزم للمجالس المحلية والقيام بمشاريع تنموية استثمارية بمشاركة هذه المجالس، وكي نستطيع تأمين موارد ذاتية والاستغناء عن الدعم الخارجي».

ووصف الوضع في حلب بـ «الكارثي»، قائلاً: «في حال بقاء هذا النظام واستمراره بإجرامه هناك ثلاث ضرائب باهظة لن يستطيع المجتمع الدولي تحمّلها:الأولى هي ازدياد ونمو التّطرف والإرهاب.والثانية النّزوح والتّشرّد وما يتبعه من مشاكل اجتماعية وصحّية وبيئية.والثالثة الدّمار الذي يمكن أن يصل إلى حجم تستحيل معه إعادة الإعمار.وهذا ينطبق على سورية ككل وليس على حلب فقط».

ويعتبر أن «الأهالي حالياً هم الطرف الأضعف في المعادلة، وهم أكثر من يعاني، وقد تضطر غالبيتهم للنزوح أو الهجرة، ولكن يبقى وضعهم أفضل بكثير من مناطق النظام، فهم رغم معاناتهم يملكون قدراً كبيراً من الحرية يستطيعون فيها التعبير عن غضبهم واستيائهم، وليس أدلّ على ذلك من التظاهرات والاعتصامات التي قامت للمطالبة بالرواتب، والتظاهرات التي تخرج أحياناً للمطالبة بتوحيد فصائل الجيش الحر، أو بمعاقبة بعض المسيئين من الفصائل.وهذا أمر لم يحلم به الشعب السوري منذ خمسين عاماً وغير موجود على الإطلاق في الطرف الآخر من المدينة الخاضع لسيطرة عصابة النظام.أما عن غضبهم من إجرام النظام فليس بيدهم إلا أن يشكوا أمرهم إلى الله المنتقم الجبار، ويطالبوا الجيش الحر بالدفاع عنهم ضد هذا الإجرام، بما يملك من مصادر القوة. وفي النهاية أقول ان الثورة مستمرة وستنتصر، وسيذكر أبناؤها بالخير كل مَن وقف معهم في محنتهم، ولن يقفوا عند مَن خذلهم لأنهم سيكونون مشغولين بإعمار بلدهم وبناء حضارتهم».

ومن الغوطة الشرقية المحاصَرة ومعاناتها التي لم تتوقف منذ اكثر من سنتين، يشرح لنا محمد ابو كمال حال الناس قائلاً: «الحصار قبل كل شيء كان مفروضاً من قوات بشار الاسد، اذ فرضت طوقاً امنياً شديداً على المنطقة، ومنعت دخول الطعام والمواد الغذائية، الادوية، حليب الاطفال، المحروقات وكل الحاجات الاساسية اليومية للفرد، وفي بعض الاحيان يتم تهريب القليل من البضائع للمنطقة ولكن اسعارها مرتفعة بشدة، فلا يستطيع الفرد المعدوم تحمل نفقتها. فكيلوغرام الارز يعادل اكثر من 7 دولارات اميركية، وهذا الامر الذي ادى الى تدني مستوى المعيشة، كما ان ارتفاع نسبة البطالة تشكل مشكلة كبيرة تواجه ابناء المنطقة، فأكثر من ستين في المئة من الشباب فقدوا أعمالهم نتيجة انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات، الأمر الذي أدى بدوره الى ارتفاع نسبة السكان ما دون خط الفقر، ففي الغوطة الشرقية مَن لم يمت بالقصف، يهلك في الحصار».

ويرى ان «على الائتلاف والحكومة ـ علماً اننا فقدنا الامل من تحركاتهم التي لم تأت بحل جذري للمشكلة بالغوطة ـ المطالبة الدائمة والحثيثة بفتح طرق انسانية لإدخال المواد الغذائية والطبية لا لإخراج الاهالي من مساكنهم ومدنهم وقراهم». ويقول ان «التواصل مع الحكومة الموقتة يجري عبر المجالس المحلية للمدن والبلدات وهي تقدم بعض الدعم لهذه المجالس ولكن كما قلت كل ذلك هو انصاف حلول، فأقل ما يقال عن الوضع الحالي انه مزر ويسير نحو الأسوأ، والحل يكون بإسقاط النظام قبل كل شيء لانه سبب كل علة».

اما بالنسبة لكيفية تصرف جماعة النظام، فيقول: «لم يتغير شيء، التشبيح نفسه والدعوات لقتلنا مستمرة، ولا ننتظر من أولئك شيئاً».

ويختم: «الاهالي في الغوطة الشرقية هم شعب طيب، يسكت أياماً ليتكلم في يوم ويعبّر عن جوعه وحصاره ولكن ما من سامع. لقد نسي الاهالي ما وراء الحدود المرسومة لهم، وهم يحاولون التأقلم مع الوضع ولكن سيأتي يوم وأخاف من ذلك قد يحصد فيه الحصار أرواح العشرات يومياً».

ومن ريف اللاذقية تشرح الناطقة باسم الهيئة العامة للثورة بنان الحسن بكلمات الواقع وتقول: «هناك مدارس ستقفل لعدم قدرتها على الاستمرار، وفي البلد سرقات البيوت مستمرة وتكسير الاثاث يتواصل من قوات الدفاع الوطني المدعومة التي شكلها النظام، والغرض منها ترحيل و«تطفيش» من تبقى، وهو ما يزيد الطين بلة. القصف يومي والبراميل المتفجرة تهدم المنازل على قاطنيها، وهذا يؤدي الى تشريد العائلات، والمستشفيات قليلة، وحتى سيارات الاسعاف غير موجودة، وهناك ارتفاع كبير في اسعار الغاز ما يدفع الناس الى الاستغناء عنه وانتظار موعد الكهرباء ليطبخ على فرن كهربائي، ونسبة انقطاع الكهرباء هي 12 ساعة يومياً، ومَن يملك بيتاً ارضياً يطبخ على نشارة الخشب، التي يحضرها من عند النجارين في وسط المدينة، اما في الريف فالناس منذ زمن بعيد يعتمدون على الحطب. طبعاً المساعدات للاهالي قليلة، وهناك جمعيات خيرية تعمل بإمكانات متواضعة، وثمة منظمات دولية تقدم ايضاً، ولكن ذلك لا يؤمن الاكتفاء».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي