نشرت احدى الصحف المحلية قبل ايام عدة خبرا يفيد ان «شركة نفط الكويت» طلبت من وكيل احدى شركات ناقلات النفط بدفع غرامة مقدارها اربعة وعشرين الف دينار كويتي، وذلك كقيمة لتنظيف منطقة ميناء الشعيبة، نظرا لتسبب احدى ناقلاته في تلوث بحري قرب رصيف الميناء رقم 5، وذلك اثر تسرب خمسمئة وثلاثين جالونا، فقط لا غير، من زيت الوقود الثقيل في شهر ابريل الماضي. انتهى الخبر.
التسريب النفطي ظاهرة عالمية لا تختص بها منطقة الخليج وحدها، ولكنه شائع بها لوجود غالبية المادة الحيوية «النفط» فيها، وحاجة كل دول العالم له دون استثناء، وبما ان التسرب يعمل على تلوث البيئة، التي اصبحت الموضوع الهاجس لغالبية دول العالم، واهتمامها بمراقبة مناطقه ومعرفة اسبابه، فهي تعمل بكل طاقتها على مكافحته، والعمل الذي قامت به «شركة نفط الكويت» العتيدة هو عمل وطني يجب على الجميع تقديم واجب الشكر والتقدير لها عليه، وذلك لسبب اسراعها في تغريم وكيل الشركة المدانة بالغرامة المذكورة اعلاه، لان كمية النفط المتسرب من الناقلة كان واضحا لعيون العاملين في «شركة نفط الكويت»، وبالتأكيد فإن ملاحظته تمت نهارا، ولذا فقد شاهده العاملون المختصون بمراقبة التلوث في الشركة، ولكن تلك العيون المتربصة والمترقبة والمتنبهة على الدوام، لم تستطع ان تلحظ او تراقب او تشاهد، او تتربص او ترى كمية التسرب التي حدثت قبل أكثر من عامين وتجاوز مقدارها أكثر من عشرين مليون برميل من النفط، وبسعر أكثر من مليار دولار اميركي وقتذاك، ولا نعرف ان كانت تلك الكمية المتسربة لم تطفو على سطح الماء لتكون تحت نظر المراقبين للتلوث في شركة النفط العتيدة، ام ان النفط بثقله المعروف عنه ترسب ليلا تحت جنح الظلام بسرعة هائلة إلى قاع البحر، وقد حجب الرؤية والنظر قبل ان ينبلج الفجر، وتشرق الشمس ويضاء الكون بنوره الوضاح فتلحظه آنذاك عيون العاملين وتشاهده وهو يتسرب من انابيب النفط إلى قاع البحر بدلا من ان تنقله إلى البواخر المنتظرة لتحمله إلى دولها. فهل هذه الكمية الرهيبة حدثت في ذلك الوقت القصير الذي لم يتح للعاملين مراقبته كي يبلغوا عنه لمسؤوليهم؟ ولذا تركوا التسرب يغوص في العمق المائي، لان الكمية التي ترسبت لا تستحق عناء المراقبة والمشاهدة والتبليغ، وقد «ركس» في القاع مختفيا عن النظر حتى لو استعمل العاملون النظارات المعظمة «الدربيل» لرؤيته، وبالمقارنة فقد كانت هذه العيون يقظة تماما ومتحفزة وجاهزة لمشاهدة خمسمئة وثلاثين جالونا من النفط وليس برميلا، وقد همّوا بانفسهم وبذلوا الجهد الكبير في المسارعة باكتشاف الكمية القليلة المتسربة من الناقلة المذكورة، كما سارعوا بابلاغ مسؤوليهم بما حدث، ولكنهم غضوا الطرف عن عشرين مليون برميل من النفط المتسرب الذي بامكانه ان يغطي مساحة المياه الاقليمية للكويت باكملها، وتحتاج ازالته إلى مئات الملايين من الدنانير، ولمدة قد تصل إلى اكثر من عام كامل من العمل الجاد، وهذا التسرب الرهيب لم تلحظه السلطة التنفيذية، بل لحظته السلطة التشريعية وطالبت الحكومة باتخاذ الاجراءات القانونية في حق المتسببين عن التسرب الذي لم يطفو على سطح الماء كما طفت عليه خمسمئة وثلاثون جالونا، وطالب مجلس الامة بمحاسبة المسؤول عن هذا العبث والهدر الكبير ولكن كانت النتيجة سلبية من دون طحن، حتى خرج علينا احد الفطاحل العاملين في الشركة العتيدة وقال بأعلى صوته ان هذا التسرب يحدث كثيرا وليس بمستغرب حدوثه في بلادنا، وهذا الجزء من القول لا غبار عليه، ولكن ما هي النتيجة؟ فهذا المسؤول العريق الفطحل الفلتة لم يشر الى الطريقة التي اتبعت لاحالة المسؤولين عن هذا التسرب العظيم إلى المساءلة القانونية، وقد اكتفى بهذه الكلمة المختصرة التي كان من الافضل الا يتلفظ بها حيث لم يضف شيئا للحدث الذي جاء على حساب اموال الدولة الامينة على اموال الشعب وهو مليار دولار دون محاسبة وغرامة، كما لم يشر هذا الفطحل إلى مقدار المبالغ المخصصة لتنظيف التلوث الذي حدث نتيجة التسرب الكبير، من اموال المواطنين التي ذهبت إلى المجهول، بما في ذلك قيمة عشرين مليون برميل المعادلة بسعر مليار دولار، ولا يعلم المواطنون كيفية العمل على استردادها من المستفيدين المدعين بالتسرب العظيم وتنظيفه، ناهيك عن الصمت والسكون المريب من العاملين بالدولة في جهاتها الكثيرة من حماة البيئة ودعاتها على اثارة مثل هذا التسرب الكبير «المزعوم» الملوث لكل بحر البلاد، فالتسرب ان كان قد حدث فعلا يكون مسببا لاكبر تلوث للبيئة الكويتية، بعد اجرام صدام حسين في حق الآبار النفطية، والمطالبة بتحقيق ما يلزم لمعرفة المتسبب في التسريب ليأخذ جزاءه، لماذا التزمت المؤسسات البيئية في البلاد الصمت والسكون تجاه ما حدث؟ وهي المتراكضة دوما نحو اي تلوث تحدثه اي جهة في الدولة مهما كان بسيطا في تلوثه وآثاره، مطالبة في ذلك اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة في حق المتسبب للتلوث، فالفساد له بيئته ومؤسساته وعشيرته وافراده واعوانه المنتشرين في كل مكان فلذلك تم التكتم على كل الاجراءات التي يجب ان تتخذ في حق المتسبب والمستفيد ..... والله يكون في عون أهل الكويت ووطنهم الكريم.
يعقوب العوضي
كاتب كويتي
[email protected]