مصر وإيران من أهم دول الشرق الأوسط، بل لا أبالغ إذا قلت والعالم من ناحية التاريخ والحضارة، وكان لافتاً في تاريخ العلاقات بينهما العام 1939 زواج الأميرة فوزية شقيقة فاروق ملك مصر السابق من شاه إيران محمد رضا، وهو زواج لم يستقر، فكان الطلاق كحال العلاقات المصرية -الإيرانية، وبعد ستين عاماً في العام 1979 انقطعت العلاقات الرسمية بسبب استضافة الرئيس السادات لشاه إيران بعد طرده من إيران عقب الثورة الإيرانية، وتهربت جميع دول العالم من استضافته، حتى أميركا التي دعمته بكل الدعم تهربت من استضافته، ولكن السادات استضافه ومات ودفن في مصر إلى جانب طليقته في مقابر أسرة محمد علي في مسجد الرفاعي.
لكن أهم محطة توتر في العلاقات المصرية - الإيرانية كانت العام 1981، عندما اغتيل السادات واحتفلت إيران باغتياله وأطلقت اسم خالد الإسلامبولي «قاتل السادات» على أهم شارع في طهران، وزينته بصورة كبيرة لافتة لخالد الإسلامبولي، وتواترت أخبار صحافية عن استضافة إيران في فترة سابقة لوالدة خالد الإسلامبولي وشقيقه، وكان لافتاً أن اسم هذا الشارع كان محوراً من أهم المحاور التي تعقدت عليها محاولات عودة العلاقات كثيراً.
وفي الأيام الأخيرة شهدت الصحافة المصرية حملة ضارية بسبب عرض إيران لفيلم وثائقي يُسمى «إعدام فرعون»، وهو فيلم - حسب ما نُشر - منتج من الهيئة العالمية لشهداء النهضة الإسلامية الإيرانية، ويتعرض إلى ما سمّته عملية «إعدام السادات»، وقالت إنه يتعرض إلى أسباب «الإعدام الثوري للرئيس المصري الخائن أنور السادات» على يد «الشهيد خالد الإسلامبولي».
ومدة الفيلم ساعة تحتوي شهادات لخبراء سياسيين وأمنيين، ويعرض أيضاً لقطات من مشهد اغتيال الرئيس المصري الراحل. ويشير الفيلم - حسب تعبيرهم - إلى أن سبب الاغتيال هو توقيع «الرئيس الخائن على اتفاقية كامب ديفيد الحقيرة لتكون مصر هي أول دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني».
ورغم أن الأمر كله يتلخص في فيلم وموقف سياسي ليس بجديد، إلا أنه كان لافتاً الحملة الضارية في الصحافة المصرية التي حملت عناوين صارخة مثل عنوان «جليطة إيرانية فجة»، وعنوان «وقاحة إيرانية جديدة في حق مصر»، وتداخلت أسرة الرئيس السادات، لتعلن أنها بصدد مقاضاة منتجي الفيلم قانونياً، بزعم أن الفيلم شوه صورة الرئيس السادات.
الحقيقة أن الأزمة ليست بسبب الفيلم، وإن كان هو شماعتها، فالأزمة في العلاقات ترجع إلى الاختلاف السياسي التام بين الدولتين في معظم الملفات الشائكة، خصوصاً ملف العلاقة مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وملف العراق، وكلتا الدولتين لها طموحها المستمد من تاريخها.
ولكن في ظل عالم لا يعرف إلا القوة يأمل كثيرون من الحالمين لو تغيرت العلاقة المصرية - الإيرانية، إلى التوافق من أجل قوة إقليمية في منطقة يتكالب عليها الشرق والغرب طمعاً ليس في خيراتها وحسب، بل في تغيير تاريخها الذي صنع بدماء وتضحيات الأجداد.
ولكن في ظل واقع معقد وخلافات معقدة وتاريخ لا يخلو من الخلافات يظل هذا الأمل حلماً وتظل الخلافات المصرية - الإيرانية، تتجدد حتى لو بفيلم.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]