سماسرة يبتزّون المعارضين وتكلفة «الباسبور» وصلت إلى 4000 دولار

جوازات سفر السوريين «أسيرة» التقارير الأمنية و«مافيا التزوير» والسوق السوداء تفاقم المشكلة

تصغير
تكبير
زادت «كوابيس» السوريين الواقعين بين «مطرقة» حرب «طاحنة» و«سندان» هجرة اضطرارية مع بروز «ازمة» جوازات السفر بعدما عمدت سلطات بلدهم قبل فترة الى اعتماد آلية جديدة تقوم على عدم تجديد الجوازات المنتهية الصلاحية وحاملوها خارج سورية، وهو ما يوقع السوريين في مشكلة في الدول التي يقيمون فيها اختيارياً او قسراً ويضعهم امام خيارات صعبة.

وتحوّل جواز السفر السوري «قضية وطنية عامة» بعد الإرباك الذي تسببت به الإجراءات المستحدثة لإصدار «باسبور» جديد التي تم التذرع لوضعها بالاسباب الامنية، وهي الإجراءات التي تتمثل بالحضور الشخصي لتقديم الطلب لدى دائرة الهجرة والجوازات ما يعرض المعارضين وعائلاتهم الى خطر الاعتقال، بالاضافة الى انتشار عصابات تعمل على اصدار جوازات بكلفة عالية، اذ ان تكلفة الجواز الرسمية هي 60 دولاراً في حين ان السماسرة يعمدون الى ابتزاز المعارضين وفرض شروطهم المالية بحيث قد تتجاوز تكلفة الباسبور 4000 دولار ولا تقل عن 1500 دولار وفق الحالة والحاجة. وما فاقم من المعاناة ان سوقاً سوداء «ازدهرت» لإصدار جوازات سفر مزوّرة من قبل معقبي معاملات داخل سورية، ونشطت مافيا الأختام المزورة، فسقط العديد من السوريين في «الفخ» واكتشفوا التزوير لدى وصولهم الى دول اجنبية وعربية، وبعضهم كان نصيبه إما السجن او «شراء» الحرية بالرشوة.

وتزداد المشكلة لدى السوريين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حيث لم يستطع الائتلاف الوطني السوري حتى الآن ايجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة التي تتفاقم يوما بعد يوم وتعرقل حياة السوريين وتنقلاتهم، وبالتالي توجِد أزمة جديدة للمعارضة. وقد حاول الائتلاف ايجاد حلول مناسبة مع الدول العربية والاجنبية، الا انه خُذل اكثر من مرة، وهو يبذل جهوداً في سبيل حل المشكلة اذ توصّل اخيراً الى طبع لاصقات في قطر لتجديد الباسبورات القديمة من دون ان يتوصل الى صيغة حل بإصدار جوازات جديدة رغم ان الموضوع طرح اكثر من مرة وكان رد الدول الاوروبية فاتراً، ودون اجوبة واضحة او اجراءات ملموسة.

تاريخياً، كان جواز السفر في سورية وسيلة ابتزاز وضغط استخدمها نظام البعث ضد الشخصيات المعارضة، وبالتالي عاش العديد منهم في ظل الاقامة الجبرية، وها هو النظام وفق معارضيه يكرر التجربة بشكل معاكس اذ يضع السوريين المنخرطين في الثورة وداعميها في الخارج في حالة الاقامة الجبرية في البلدان التي لجأوا اليها.

ويشرح احد الناشطين السياسيين في الثورة السورية في الداخل، الذي رفض التصريح باسمه الحقيقي، مفضّلا استخدام اللقب «ابو محمد» لــ «الراي» المشكلة بالقول: «هناك آلية لاستصدار جوازات السفر في الداخل السوري تقوم على ان على صاحب العلاقة حصراً التقدم بطلب الحصول على جواز سفر، وفي حال لم يكن صاحب العلاقة موجوداً، يجب ان يوكل رسمياً مَن يقوم بذلك عوضا عنه. وغالبية من شاركوا في الثورة وأصبحوا في عداد المطلوبين للنظام وكانوا متوارين عن الانظار او ما شابه لا يستطيعون التقدم مباشرة بطلباتهم، ومن جهة ثانية فان جزءاً كبيراً من هؤلاء لا يستطيع ان يوكل احداً مكانه لانه قد يكون موجوداً في دولة مجاورة ودخوله غير شرعي اليها، وبالتالي لا يستطيع التحرك».

ويضيف: «في حال استطاع اي شخص موجود في الخارج الاستحصال على وكالة شرعية بطريقة او باخرى وأرسلها الى موكل عنه، يمكن ان يكون مطلوباً ولديه اسم لدى الاجهزة الأمنية وبالتالي فالمشكلة قائمة، اذ تكون هناك اشارة على اسمه في ادارة الهجرة والجوازات، فلا يستطيع استصدار وثيقة سفر. وبعض الاسماء قد تمر في حال لم تكن النشرة الشرطية قد وصلت الى إدارة الهجرة والجوازات، ويمكن ان ينجح تالياً في الحصول على جواز سفر».

ويتدارك: «النظام قام بإجراء جديد، فحتى الموكّل في الداخل اصبح عليه مراجعة امن الدولة والمخابرات وفروع الامن العسكري في دمشق وغيرها. والسوريون يتوجسون من مراجعة فروع الأمن التابعة للنظام، ولذلك المشكلة كبيرة، ومَن يستطيعون حل مشكلاتهم مع جوازات السفر نسبتهم فقط 5 في المئة والبقية يعانون»، مشيراً الى أن هذه المشكلة تتفاقم لدى الذكور من عمر 17 عاماً او 18 سنة وهو عمر الخدمة العسكرية حتى الـ 42 عاماً، اما في ما يتعلق بالاناث والاطفال فاجراءاتهم اقل تعقيداً، لكن هناك اشخاصاً مطلوبين لا يتم تسهيل معاملات عائلاتهم، وغالباً ما يتم الاستفسار عن أوضاعهم. وعندما تكون المسألة متعلقة بأخت فلان او زوجة علان او ابنة شخصية معارِضة او مطلوب، تتم عرقلة المعاملات وفي أحيان كثيرة يجرى اعتقال نساء وأطفال اذا كانوا موجودين مباشرة واذا كانوا وكلوا احداً، ولكن اذا كانت هناك إشارة في النشرة الشرطية لا يتم استصدار اي جواز سفر لهم.

في ظل هذا الواقع، يكشف «ابو محمد» عن عدة امور استطاع من خلالها السوريون الالتفاف على تدابير سلطة الرئيس بشار الاسد، مشيراً الى ان «الذكور يلجأون الى السماسرة، وهم من معقّبي المعاملات من الدرجة البسيطة كانوا سابقاً وبعض المتنفذين من أزلام النظام، وهؤلاء لهم علاقة مع بعض الموظفين في فروع الهجرة والجوازات، ووفقا لهذه العلاقة يتم استصدار الجوازات بعد الرشوة طبعا. وتتراوح تكلفة الحصول على جواز سفر ما بين 1500 و 3500 دولار اميركي بحسب حالة الشخص والاسم طالب الجواز». ويضيف: «بعض المعارضين استحصل على الجواز بهذا الأسلوب، فيما قسم منهم لا يمكنه ان يلجأ الى هذه الطريقة لان الموظف الموجود في الداخل في فرعه ويتقاضى رشوة لا يمكن له المغامرة في تسهيل استصدار وثيقة سفر لمعارض معروف ومطلوب».

اما الحل بالنسبة للمعارضين الموجودين في الخارج، فيكمن بحسب «ابو محمد» في استخدام جوازات سفر اجنبية «اذ ان بعض معارضي الخارج كانوا اصلاً في دول اوروبية وغيرها ولديهم جنسية غير سورية، اما مَن اضطر الى الخروج منذ بداية الثورة الى الخارج فقد حصل على حق اللجوء وبالتالي على اقامة في الدول التي لجأ اليها، وهناك قسم خرج عن طريق التهريب ويحلّ المشكلة باستحصاله على ورقة مهمة من البلد الموجود فيه لحضور مؤتمر مثلاً او القيام بزيارة عمل الى الخارج، وهذه تدابير تلجأ اليها نخبة المعارضة ممّن هم في مواقع سياسية مسؤولة، اما المعارضون الآخرون فيضطرون الى استخدام الرشوة للحصول على جواز سفر رسمي من سلطات الاسد، وهذا أوقع المعارضين في مطبات كبيرة مع السماسرة الذين أصبحوا مثل «مصاصي الدماء» نتيجة جشعهم وطلب الاموال من الاهالي. علماً ان مشكلة أخرى برزت مع قيام مجموعات مافيوية أنشأت شبكات تزوير لجوازات السفر، والمواطن السوري لا يستطيع تمييز الجواز المزور عن غيره، وقد سقط في فخ هؤلاء كثير من اللاجئين المعارضين الموجودين في دول الجوار الذين رغبوا في اصلاح اوضاعهم القانونية في لبنان وغيره».

ويلفت الى «قيام سماسرة على الحدود قاموا بإصدار أختام مزوّرة ادت الى مشكلات قانونية وأوقعت معارضين في شباك القوى الامنية فتحول هؤلاء المعارضون الى ضحايا عصابات تزوير الأختام في الخروج والعودة على الحدود البرية».

ويروي محمد موسى الموجود حالياً في كيليس (تركيا) الصعوبات التي واجهته خلال سعيه لاصدار جواز السفر قائلاً: «عانيتُ الكثير للعبور من وإلى سورية. كنت أعتمد على المهربين لقطع الحدود في ادلب وحلب مع تركيا. وكان ذلك يكلفني الكثير بالاضافة للمشقة والخطورة»، وكاشفاً ان صديقاً له من ريف حلب نصحه بالحصول على جواز سفر العام 2013، فأعطاه معلومات عنه وزوّده بصور شخصية. فسعى الى استصدار جواز له من بلدة تل رفعت، في الريف الشمالي لحلب»، موضحا «لا اعرف ما الاسلوب الذي استخدمه من اجل ذلك الا انه طلب مني دفع مبلغ 800 دولار».

واذ شرح انه كان يحتاج الى هذا الجواز لاستخدامه «لقطع الحدود الى تركيا من أجل ممارسة عملي كإعلامي ومترجم مع الصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان»، أشار الى مواجهته مشكلة في السعودية في مطار جدة عندما كان مسافراً للحج الصيف الماضي، حيث تم توقيفه لأن جواز سفره لا يحتوي على معلومات في الشيفرة «فالشيفرة كانت فارغة تماماً».

ونسأل موسى هل اتصل بأحد للمساعدة؟ فيجيب: «لا...لكن احد ضباط الجيش الحر كان معي في الوفد مسافراً بجواز اتضح انه مزور أيضاً. وقد اتصل بأحد المسؤولين لحل المشكلة». ويوضح ان «تعاطي بعض الدول مع السوريين وكأنهم ارهابيون امر سيئ، فليس كل السوريين ارهابيين. لقد خرجنا ضد النظام وما زلنا، ولن توقفنا سياسة بعض الدول عما بدأناه في الثورة».

وعن الحلول الواجبة، يشير الى ان «المطلوب من الدول ولاسيما العربية مراعاة ظروف السوريين. ونتمنى من بعض دول الخليج اتخاذ قرار مشابه لتركيا باستيعاب بعض اللاجئين السوريين».

ويلفت الى «صعوبة الحصول على جواز سفر من عند النظام بالنسبة للمواطنين الموجودين خارج سورية او في المناطق المحررة، لكن يمكن إعطاء هذه السلطة الى جهة سورية مخوّلة بمنح جوازات سفر مثل الائتلاف الوطني السوري، والا فان التهريب هو الحل الثالث للخروج من سورية والدخول بالاضافة الى المعابر الرئيسية: باب الهوى وباب السلامة. وكذلك المعابر الإنسانية في بعض المناطق الحدودية».

ازاء هذه المشكلة تحرك الائتلاف واعلن اكثر من مرة عن سعيه لاستصدار جوازات سفر جديدة للمغتربين بالتنسيق مع دول اوروبية، على ان يتم طبع جوازات جديدة تلحق بالجوازات القديمة، الا ان التنفيذ لم يبدأ بعد.

ووفق مصادر معارضة، فان مساعي الائتلاف مستمرة لحل المشكلة، في محاولة لاستصدار جوازات جديدة خاصة «ولكن لم يتم اخذ موافقة خطية من الدول التي يتواجدون فيها بل جرى البحث في الموضوع مع تسجيل تفهُّم الوضع، اذ قيل لهم «ليست هناك مشكلة»، من دون ان يتبع هذا الامر اي تدابير عملية تنفيذية. وقد بدأ الائتلاف بطباعة لاصقات للتجديد اي ان كل معارض بالخارج بإمكانه اليوم تجديد جواز سفره عبر هذه اللاصقات وليس استصدار باسبور جديد، بل تجديد الوثيقة الصادرة عن النظام، وهذه اللاصقات طُبعت في دولة قطر بالتنسيق مع الائتلاف».

وعن الخطوة التالية تشير المصادر نفسها الى ان «السعي مستمر لاستصدار جوازات جديدة من الائتلاف. اللاصقات طُبعت ولم تُستخدم حتى الآن، اي لم يجر تجديد باسبور اي لم توضع قيد التنفيذ».

وعن توجهات الائتلاف في حال لم ينجح في استصدار جوازات جديدة، توضح المصادر «ان هناك مشروعاً جدياً يُدرس، والائتلاف يراسل الامم المتحدة ويمارس ضغوطاً عليها من خلال تقديمه احصاءات وشرح ما يصيب السوريين من ضرر نتيجة هذا الامر، لا سيما وان هناك حالات انسانية تستدعي المعالجة السريعة مثل معالجة الجرحى في الخارج، وهنا لابد للامم المتحدة من اتخاذ موقف واضح و وضع النظام السوري امام امر واقع. فإما ان تضغط على النظام لاستصدار جوازات لكل متقدم، او ان هناك شريكاً لهذا النظام يمكن ان يُخول باستصدار جواز او استصدار قرار دولي بإعطاء وثائق تسمح بالتحرك».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي