«الراي» تتحرى عن خلفيات الاشتباكات بين جيش النظام والأكراد
لماذا حرّك الأسد «خلاياه النائمة» في الحسكة؟
مدنيون يلوّحون في تجمّع حاشد بالأعلام الكردية
• كنجو: التفرّد نتيجة إهمال الخصوصية الكردية من قبل المعارضة
• محمد: لإنهاء سياسة حزب العمال الإقصائية ومنع التهجير
• محمد: لإنهاء سياسة حزب العمال الإقصائية ومنع التهجير
طرحت الاشتباكات التي حصلت للمرة الاولى بين النظام السوري ومقاتلين أكراد في محافظة الحسكة الواقعة الى الشمال الشرقي من سورية منتصف يناير السؤال مجدداً حول أفق العلاقة التي تربط النظام السوري بما يسمى «وحدات حماية الشعب الكردي» التي يشرف عليها حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي»، وهو فرع لحزب العمال الكردستاني، في الحسكة والقامشلي والمناطق التي يتواجد فيها الاكراد في الشمال الشرقي، قبل ان يقوم وفد أمني سوري بإجراء محادثات لتثبيت هدنة موقتة بين الطرفين، في اطار السعي لتثبيت اتفاق نهائي يعيد اجواء الهدوء الى المنطقة التي يتقاسم الطرفان السيطرة عليها.
وجاءت هذه الاحداث التي أدت الى سقوط اكثر من عشرين قتيلاً وعدد كبير من الجرحى وعمليات تهجير نتيجة الاشتباكات والقصف بالبراميل المتفجرة في مناطق ريفية في الحسكة وحصول مجزرة اودت باكثر من ستين قتيلاً في قصف استهدف سوقا للاغنام، لتكشف هشاشة التنسيق الامني بين قوات النظام السوري و«وحدات حماية الشعب الكردية» والاتفاق المشترك بينهما الذي استمرت مفاعيله أشهراً طويلة في مدينة الحسكة وغيرها من المناطق التي تتواجد فيها الاقلية الكردية، التي تشكل ما نسبته 18 في المئة من الشعب السوري.
وكانت الاشتباكات اندلعت بين الطرفين، بعد رفْض «قوات حماية الشعب الكردية» نصب حاجز للنظام في منطقة دوار الإطفائية قرب شارع روتكو، انتهى بسيطرة الأولى على الحاجز بعد اعتقالها عدداً من عناصر قوات النظام، وقد توسعت الاشتباكات بعد مهاجمة «كتائب البعث» نقاط تمركز القوات الكردية في محيط الكنيسة الآشورية شمال المدينة، وقصف حاجز المستشفى الجديد قرب محطة مرشو، الأمر الذي أجبر القوات الكردية على الانسحاب، والقيام بهجوم على نقاط تمركز قوات النظام في الأحياء الشمالية من مدينة الحسكة، اذ تمكنت من السيطرة على عدد من المواقع واعتقال عناصر من قوات الاسد التي لجأت لاحقاً الى تغطية خسارتها بقصف الاحياء في المدينة ما ادى الى حركة نزوح لافتة للسكان وسط تخوف من تشريد جديد للاكراد وتفريغ المنطقة، كما حصل في كوباني.
وكانت الحسكة شهدت تنسيقاً بين قوات النظام و«قوات حماية الشعب الكردية» ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي هاجم الحواجز المشتركة للطرفين جنوب وشرق مدينة الحسكة عدة مرات في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. والمعروف ان حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» الذي تتبع له «قوات حماية الشعب»، وقّع مع المجلس الوطني الكردي الذي يضم الأحزاب الكردية السورية المعارضة للنظام السوري في نهاية اكتوبر الماضي اتفاقاً في مدينة دهوك في إقليم كردستان العراق ينص على ضم أحزاب المجلس الوطني الكردي للإدارة الذاتية للمناطق التي تسيطرعليها «قوات حماية الشعب الكردية». وكان من المتوقع أن تؤدي هذه الاتفاقية في حال تطبيقها إلى إبعاد «الاتحاد الديموقراطي» عن النظام السوري، نظراً لتعارض التنسيق الأمني بين قوات النظام و«قوات حماية الشعب» مع اتفاقية دهوك التي نصّت على مشاركة أحزاب المجلس الوطني الكردي في مجلس موحّد مع حزب «الاتحاد الديموقراطي» لإدارة المناطق ذات الغالبية الكردية شمال شرق سورية، إلا أن ذلك لم يحصل إذ لم يتم تشكيل المجلس الكردي المشترك، كما أن الجسم السياسي الموحّد الذي تحدثت عنه الاتفاقية لم يتم تشكيله أيضاً، واتضح ان الاتفاقية وُقّعت بهدف التصدي لأزمة هجوم «داعش» على مدينة عين العرب، وتغطية تسليح ودعم وحدات «حماية الشعب الكردية» في المدينة، ودعم طيران التحالف الدولي لها لوقف تقدم «داعش».
والواضح أن «الاتحاد الديموقراطي» لا يملك القرار في مصير الإدارة الذّاتية، فقرار إشراك مكونات فيها يعود إلى النظام السوري، اذ ان كل الأطراف المطروحة للمشاركة في هذه الإدارة تتألف من مكوّنات عربية، آشورية، سريانية وكُردية موالية للنظام السوري فقط.
ويقول الناشط السياسي والإعلامي رامان كنجو الذي نظم الى جانب الناشطة رزان زيتونة الاعتصام الشهير الذي جرى امام وزارة الداخلية السورية احتجاجاً على الاعتقالات التي جرت بحق الناشطين في الثورة، لــ «الراي» تعليقاً على المعارك التي جرت بين القوات الكردية وملثمي النظام السوري في محافظة الحسكة انها «ترجمت الواقع، فحزب الاتحاد الديموقراطي PYD عقد صفقة أمنية مع النظام السوري تحت شعار الحفاظ على أمن المناطق الكردية وسارع الى فرض التجنيد الإجباري على الاكراد والعرب في منطقة الجزيرة السورية والتي تضم محافظة الحسكة مع أريافها، وقد تضخم عدد القوات الكردية في مناطق الجزيرة وقويت شوكتها العسكرية، إلا أن النظام لم يتقبل فكرة ظهور قوة عسكرية كردية منافسة له في المنطقة، ما دفعه الى تحريك خلاياه النائمة فاندلعت المعارك. وايضا هناك احتقان ناتج عن قيام قوات النظام بتجنيد العشرات من الشبان من قبائل وعشائر عربية ضد الكرد في الحسكة والقامشلي. ومن جانب آخر، عند محاولة تنظيم «داعش» اجتياح كوباني، كان رئيس حزب «الاتحاد الديموقراطي» PYD طلب المساعدة من الرئيس مسعود البارزاني، بعدما خذله الكثير من القوى الإقليمية، تدخل قوات التحالف الأميركي لمساعدة الاكراد في الدفاع عن المناطق الكردية، فكان هناك شرط أميركي يقضي بأن يقطع حزب الاتحاد الديموقراطي علاقاته مع النظام السوري، وهذا ما أقلق النظام السوري بالدرجة الأولى ودفعه الى فتح معركة.
واذ يعتبر ان «الجسم الكردي في سورية جزء من النسيج السوري ويتكوّن من عدة أحزاب سياسية»، فإنه يستثني «حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) الذي يملك قوة عسكرية على الأرض وينسق مع النظام».
وبالعودة الى موقف الأكراد من الثورة، يقول كنجو انه «مع بدء الثورة السورية الشعبية ضد (الرئيس) بشار الأسد، سارع الشارع الكردي الى المشاركة في التظاهرات التي كان ينظمها النشطاء المستقلون عن الاحزاب في المناطق الكردية، بدءاً بكوباني وانتهاءً بالمناطق الكردية في العاصمة دمشق. وقد سارعت بعض القوى السياسية الكردية لتنظيم التظاهرات وسط مشاركة الشباب الكردي المتحمس للثورة، في وقت كانت أحزاب اخرى تحاول ابقاء الشارع الكردي هادئاً وساكناً وتروّج لعدم المشاركة في التظاهرات الداعية لاسقاط النظام، الا انه عموما يمكن القول ان الشارع الكردي بجماهيره تمسّك بمبدأ المشاركة في الثورة جنباً الى جنب مع إخوانهم العرب السوريين، ولم تكن هناك معارضة كردية عسكرية بل كانوا سلميين ومطالبين بحقوقهم، ولكن بعد تهديد الإرهابيين للمناطق الكردية قام الاكراد بتأسيس مؤسسة عسكرية تحمل اسم قوات الحماية الشعبية و«قوات حماية المرأة» لحماية مناطقهم من الخطر الإرهابي، سواء كان من النظام السوري أو من الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة أو غيرها من الكتائب».
ويوضح انه خلال أحداث سورية «هناك بعض القوى العسكرية الكردية شاركت الجيش الحر في العديد من المعارك التي خاضها ضد النظام السوري، في مختلف المناطق السورية، مثل كتائب يوسف العظمة وقوات الكوملة وقوات شمس الشمال».
وعن الانشقاقات في الحركة السياسية الكردية على مستوى الثورة السورية، يشير الى انه «حصلت عدة انشقاقات داخل الأحزاب وممثلي الشارع الكردي، البعض منهم اتبع سياسة «المجلس الوطني السوري» والبعض الآخر اتبع سياسة «هيئة التنسيق الوطنية»، وهناك مَن شكّل مجلساً وطنياً كردياً تحت عنوان «المجلس الوطني الكردي»، وهناك مَن شكل «مجلس الشعب لغربي كردستان»، ولكل منهم أجندة خاصة به».
ويؤكد ان «الأكراد في سورية كانوا وما زالوا معارضين لنظام الأسد، وإذا قلّبنا بصفحات تاريخ النضال الكردي في سورية وتوقفنا عند العام 2004، لرأينا ان هناك انتفاضة كردية حصلت في القامشلي وكوباني وعفرين وهي دلالة على مدى اعتراض الاكراد على سياسة النظام السوري الاستبدادي، وكان ثمن مشاركة الاكراد في بداية الثورة اغتيال وتصفيه كبار السياسيين من الكرد (الشهيد مشعل تمو والشيخ معشوق الخزنوي)».
أما بالنسبة الى موقفهم من الثورة والمعارضة ولا سيما بعد دخول الثورة عامها الثاني وتحوّلها ثورة مسلحة، فيقول كنجو: «مع بدء التشكل التنظيمي للقوى الوطنية للمعارضة السورية، كان الأكراد يأخذون في الاعتبار الانضمام والمشاركة في القوى السورية الأخرى، ولكن مع الأسف لم يلقوا الاهتمام ولم يتم النظر الى الخصوصية الكردية من المعارضة، ما دفع بالساسة الكرد الى التفرد بالقرارات السياسية والعسكرية تحت شعار الحفاظ على حقوق الاكراد وخصوصيتهم في الداخل السوري، ولا سيما بعد التشتت الذي لحق بالمعارضة السورية وعدم مبالاة الشعب السوري بالقوى المعارضة الممثلة بالائتلاف و«المجلس الوطني السوري» وهيئة التنسيق المحلية».
بدوره، يشير الكاتب الكردي مسعود فوزي محمد في حديث لــ «الراي» الى ان «الاشتباكات الاخيرة (في الحسكة) تأتي على خلفية ما كان رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، قد ألمح اليه خلال حديثه عن أنه بات على اطلاع ومعرفة تامة بمَن كان يقف وراء هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على قضاء شنكال من جهة، والإعلان المفاجئ لحزب العمال الكردستاني عن الرغبة في إقامة كانتون شنكال من جهةٍ أخرى، متهماً قيادة «PKK» بارتباطات اقليمية، كأن ثمة إملاءات حادة وقوية من الأقطاب المؤثرة على قرار حزب العمال الكردستاني من استخبارات الأنظمة المؤثرة المجاورة».
ويشرح مسعود محمد ان «إيران والنظام السوري لم يفكا أواصر ارتباطاتهما مع زعيم حزب العمال ولا لحظة، ومن الجهة الأخرى فإن تركيا ليست بعيدة عن هذا العِراك الضمني بين الكتل الكردية الرئيسية، ولذا كان تركيز الاعلام التركي واضحاً على ما صدر عن رئيس الاقليم بخصوص شنكال»، لافتاً إلى أن «إيران تمارس ضغوطها من خلال مَن يمثلون الخط الشيعي في حزب العمال الكردستاني».
ويوضح ان «وحدات الجيش النظامي ومراكز المخابرات ما زالت موجودة رسمياً في القامشلي وهناك تنسيق بينها وبين العديد من الأحزاب والشخصيات الكردية، ولذلك قُتل مشعل تمو فهو كان أكبر محرّض ضدهم، واعتبر انه لا توجد معارضة كردية مع الثورة، هناك شخصيات وبعض التنسيقيات التي خنقت. لقد عملنا لتحريك الشارع الكردي وفشلنا، فالاكراد يعملون ويريدون الفيديرالية، ولذلك سلم النظام المنطقة لحزب العمال ليتحكم بها وحتى يُفشِل اي حركة انفصالية».
وبنظره فإن «كوباني جغرافياً ليست مهمة، وأهميتها انها معركة أفرغت 3000 قرية كردية، فعدد الاكراد 1.5 مليون في سورية، ومعركة كوباني أخرجت 250 الفاً منهم، والاشتباكات في مدينة الحسكة اليوم تهدف الى تشريد أكبر عدد من الاكراد من المنطقة الكردية بعد تفريغ كوباني والقرى المحيطة بها».
ويضع مسعود محمد المثقف الكردي في قفص الاتهام حيال ما يحصل اليوم، ويقول: «وضع الاكراد في سورية اصبح كارثياً على جميع الاصعدة ولا يمكن للشعب الكردي تحمل كل هذا الفشل والعيش معه، فهجرة الأكراد جنونية ومخيفة، وقد فشلت الحركة السياسية الكردية بكل أطيافها وتلاوينها في وقفها او الحد منها كونها تهدد الوجود الكردي»، محمّلاً «الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني المسؤولية فهو يساهم بشكل مباشر وبقوة في ذلك ويشجع الهجرة من خلال سياسة الاستبداد التي يمارسها يومياً ضد الشعب الكردي من دون غيره من الشعوب والطوائف الموجودة في المناطق الكردية».
ويؤكد ان «هذا الوضع كارثي ويفرض على الجميع ومن دون استثناء التحرك بسرعة من أجل إنقاذ البقية المتبقية، من خلال الضغط على الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني في سورية من اجل التخلي عن سياسة الاقصاء هذه، وكذلك على الطرف الآخر المتمثل بالمجلس الوطني الكردي التحرك الفوري في وجه (ب ي د) ومشاريعه المشبوهة في «كردستان سورية» بالطرق السلمية».
ويقول ان «الفشل الحالي لا يتحمله فقط السياسي الكردي (الحزبي) ولكن المثقف الكردي يتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك، فأفق التخبط في الوضع الكردي اصبح مسدوداً، لأن المثقف الكردي سلبي في تعامله مع الوضع، وهو يعاني عدم الثبات في مواقفه والتفكك والتشرذم ويعيش في حالة صراع داخلي، ولم يقدم شيئاً ملموساً لشعبنا سوى وصف وعرض الحالة الكردية والأزمة التي يعانيها من دون ان يقدم اي حل او خطط او برامج لإنقاذ شعبنا ومستقبله من الانهيار». ويرى ان «غالبية المثقفين الاكراد يعانون عدم الاستقرار في أفكارهم ومواقفهم وينطلقون من مواقف كيدية للانتقام من المخالفين لهم في الرأي، ويستخدمون العنف في طرح المشكلة ويناقضون انفسهم ويظهرون وكأنهم مجرد طبّالين ومدّاحين لهذا الشخص او لهذا الحزب ويحملون الكثير من العقد الاجتماعية، وبعضهم بعدما تضاربت مصالحه وفشل في تحقيق طموح شخصي، انتقل الى الخندق الآخر تحت حجة الاختلاف وحرية الرأي، ودخل في صراعات لا نهاية لها، بينما المطلوب الوضوح في المواقف من قبل السياسي والاعلامي والمثقف، لا الصراع من اجل الصراع واتباع سياسة الانتقام من مخالفيه في الرأي او التشفي او التحريض وتحميل الناس اموراً لا طاقة لهم بها كما يفعل أصحاب الامة الديموقراطية في كردستان سورية، عندما يريدون تحقيق بعض المكاسب الوهمية ولو كانت على حساب تدمير مناطقنا الكردية وتهجير شعبنا كما حدث لـ «كري سبي ـ تل ابيض» و«شيخ مقصود» و«الاشرفية» و«كوباني» وكما يفعل اليوم الكثير من المثقفين والاعلاميين من خلال الدفع والتلويح بالحرب الكردية - الكردية وتأزيم الامور مع طرف معروف بارتباطاته مع الاستخبارات الاقليمية التي لا تريد الخير لشعبنا. هذا في الوقت الذي تعيش فيه غالبية هؤلاء في بلاد «الافرنجة» على حساب عرق جبين الآخرين وتحت رحمة وحماية الأجهزة الامنية، حياة بذخ وترف ويطالبون شعبنا في عامودا وبقية المناطق الكردية بالخروج في التظاهرات ومواجهة ميليشيات حزب «العمال الكردستاني» في صراع غير متكافئ».
وجاءت هذه الاحداث التي أدت الى سقوط اكثر من عشرين قتيلاً وعدد كبير من الجرحى وعمليات تهجير نتيجة الاشتباكات والقصف بالبراميل المتفجرة في مناطق ريفية في الحسكة وحصول مجزرة اودت باكثر من ستين قتيلاً في قصف استهدف سوقا للاغنام، لتكشف هشاشة التنسيق الامني بين قوات النظام السوري و«وحدات حماية الشعب الكردية» والاتفاق المشترك بينهما الذي استمرت مفاعيله أشهراً طويلة في مدينة الحسكة وغيرها من المناطق التي تتواجد فيها الاقلية الكردية، التي تشكل ما نسبته 18 في المئة من الشعب السوري.
وكانت الاشتباكات اندلعت بين الطرفين، بعد رفْض «قوات حماية الشعب الكردية» نصب حاجز للنظام في منطقة دوار الإطفائية قرب شارع روتكو، انتهى بسيطرة الأولى على الحاجز بعد اعتقالها عدداً من عناصر قوات النظام، وقد توسعت الاشتباكات بعد مهاجمة «كتائب البعث» نقاط تمركز القوات الكردية في محيط الكنيسة الآشورية شمال المدينة، وقصف حاجز المستشفى الجديد قرب محطة مرشو، الأمر الذي أجبر القوات الكردية على الانسحاب، والقيام بهجوم على نقاط تمركز قوات النظام في الأحياء الشمالية من مدينة الحسكة، اذ تمكنت من السيطرة على عدد من المواقع واعتقال عناصر من قوات الاسد التي لجأت لاحقاً الى تغطية خسارتها بقصف الاحياء في المدينة ما ادى الى حركة نزوح لافتة للسكان وسط تخوف من تشريد جديد للاكراد وتفريغ المنطقة، كما حصل في كوباني.
وكانت الحسكة شهدت تنسيقاً بين قوات النظام و«قوات حماية الشعب الكردية» ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي هاجم الحواجز المشتركة للطرفين جنوب وشرق مدينة الحسكة عدة مرات في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. والمعروف ان حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» الذي تتبع له «قوات حماية الشعب»، وقّع مع المجلس الوطني الكردي الذي يضم الأحزاب الكردية السورية المعارضة للنظام السوري في نهاية اكتوبر الماضي اتفاقاً في مدينة دهوك في إقليم كردستان العراق ينص على ضم أحزاب المجلس الوطني الكردي للإدارة الذاتية للمناطق التي تسيطرعليها «قوات حماية الشعب الكردية». وكان من المتوقع أن تؤدي هذه الاتفاقية في حال تطبيقها إلى إبعاد «الاتحاد الديموقراطي» عن النظام السوري، نظراً لتعارض التنسيق الأمني بين قوات النظام و«قوات حماية الشعب» مع اتفاقية دهوك التي نصّت على مشاركة أحزاب المجلس الوطني الكردي في مجلس موحّد مع حزب «الاتحاد الديموقراطي» لإدارة المناطق ذات الغالبية الكردية شمال شرق سورية، إلا أن ذلك لم يحصل إذ لم يتم تشكيل المجلس الكردي المشترك، كما أن الجسم السياسي الموحّد الذي تحدثت عنه الاتفاقية لم يتم تشكيله أيضاً، واتضح ان الاتفاقية وُقّعت بهدف التصدي لأزمة هجوم «داعش» على مدينة عين العرب، وتغطية تسليح ودعم وحدات «حماية الشعب الكردية» في المدينة، ودعم طيران التحالف الدولي لها لوقف تقدم «داعش».
والواضح أن «الاتحاد الديموقراطي» لا يملك القرار في مصير الإدارة الذّاتية، فقرار إشراك مكونات فيها يعود إلى النظام السوري، اذ ان كل الأطراف المطروحة للمشاركة في هذه الإدارة تتألف من مكوّنات عربية، آشورية، سريانية وكُردية موالية للنظام السوري فقط.
ويقول الناشط السياسي والإعلامي رامان كنجو الذي نظم الى جانب الناشطة رزان زيتونة الاعتصام الشهير الذي جرى امام وزارة الداخلية السورية احتجاجاً على الاعتقالات التي جرت بحق الناشطين في الثورة، لــ «الراي» تعليقاً على المعارك التي جرت بين القوات الكردية وملثمي النظام السوري في محافظة الحسكة انها «ترجمت الواقع، فحزب الاتحاد الديموقراطي PYD عقد صفقة أمنية مع النظام السوري تحت شعار الحفاظ على أمن المناطق الكردية وسارع الى فرض التجنيد الإجباري على الاكراد والعرب في منطقة الجزيرة السورية والتي تضم محافظة الحسكة مع أريافها، وقد تضخم عدد القوات الكردية في مناطق الجزيرة وقويت شوكتها العسكرية، إلا أن النظام لم يتقبل فكرة ظهور قوة عسكرية كردية منافسة له في المنطقة، ما دفعه الى تحريك خلاياه النائمة فاندلعت المعارك. وايضا هناك احتقان ناتج عن قيام قوات النظام بتجنيد العشرات من الشبان من قبائل وعشائر عربية ضد الكرد في الحسكة والقامشلي. ومن جانب آخر، عند محاولة تنظيم «داعش» اجتياح كوباني، كان رئيس حزب «الاتحاد الديموقراطي» PYD طلب المساعدة من الرئيس مسعود البارزاني، بعدما خذله الكثير من القوى الإقليمية، تدخل قوات التحالف الأميركي لمساعدة الاكراد في الدفاع عن المناطق الكردية، فكان هناك شرط أميركي يقضي بأن يقطع حزب الاتحاد الديموقراطي علاقاته مع النظام السوري، وهذا ما أقلق النظام السوري بالدرجة الأولى ودفعه الى فتح معركة.
واذ يعتبر ان «الجسم الكردي في سورية جزء من النسيج السوري ويتكوّن من عدة أحزاب سياسية»، فإنه يستثني «حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) الذي يملك قوة عسكرية على الأرض وينسق مع النظام».
وبالعودة الى موقف الأكراد من الثورة، يقول كنجو انه «مع بدء الثورة السورية الشعبية ضد (الرئيس) بشار الأسد، سارع الشارع الكردي الى المشاركة في التظاهرات التي كان ينظمها النشطاء المستقلون عن الاحزاب في المناطق الكردية، بدءاً بكوباني وانتهاءً بالمناطق الكردية في العاصمة دمشق. وقد سارعت بعض القوى السياسية الكردية لتنظيم التظاهرات وسط مشاركة الشباب الكردي المتحمس للثورة، في وقت كانت أحزاب اخرى تحاول ابقاء الشارع الكردي هادئاً وساكناً وتروّج لعدم المشاركة في التظاهرات الداعية لاسقاط النظام، الا انه عموما يمكن القول ان الشارع الكردي بجماهيره تمسّك بمبدأ المشاركة في الثورة جنباً الى جنب مع إخوانهم العرب السوريين، ولم تكن هناك معارضة كردية عسكرية بل كانوا سلميين ومطالبين بحقوقهم، ولكن بعد تهديد الإرهابيين للمناطق الكردية قام الاكراد بتأسيس مؤسسة عسكرية تحمل اسم قوات الحماية الشعبية و«قوات حماية المرأة» لحماية مناطقهم من الخطر الإرهابي، سواء كان من النظام السوري أو من الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة أو غيرها من الكتائب».
ويوضح انه خلال أحداث سورية «هناك بعض القوى العسكرية الكردية شاركت الجيش الحر في العديد من المعارك التي خاضها ضد النظام السوري، في مختلف المناطق السورية، مثل كتائب يوسف العظمة وقوات الكوملة وقوات شمس الشمال».
وعن الانشقاقات في الحركة السياسية الكردية على مستوى الثورة السورية، يشير الى انه «حصلت عدة انشقاقات داخل الأحزاب وممثلي الشارع الكردي، البعض منهم اتبع سياسة «المجلس الوطني السوري» والبعض الآخر اتبع سياسة «هيئة التنسيق الوطنية»، وهناك مَن شكّل مجلساً وطنياً كردياً تحت عنوان «المجلس الوطني الكردي»، وهناك مَن شكل «مجلس الشعب لغربي كردستان»، ولكل منهم أجندة خاصة به».
ويؤكد ان «الأكراد في سورية كانوا وما زالوا معارضين لنظام الأسد، وإذا قلّبنا بصفحات تاريخ النضال الكردي في سورية وتوقفنا عند العام 2004، لرأينا ان هناك انتفاضة كردية حصلت في القامشلي وكوباني وعفرين وهي دلالة على مدى اعتراض الاكراد على سياسة النظام السوري الاستبدادي، وكان ثمن مشاركة الاكراد في بداية الثورة اغتيال وتصفيه كبار السياسيين من الكرد (الشهيد مشعل تمو والشيخ معشوق الخزنوي)».
أما بالنسبة الى موقفهم من الثورة والمعارضة ولا سيما بعد دخول الثورة عامها الثاني وتحوّلها ثورة مسلحة، فيقول كنجو: «مع بدء التشكل التنظيمي للقوى الوطنية للمعارضة السورية، كان الأكراد يأخذون في الاعتبار الانضمام والمشاركة في القوى السورية الأخرى، ولكن مع الأسف لم يلقوا الاهتمام ولم يتم النظر الى الخصوصية الكردية من المعارضة، ما دفع بالساسة الكرد الى التفرد بالقرارات السياسية والعسكرية تحت شعار الحفاظ على حقوق الاكراد وخصوصيتهم في الداخل السوري، ولا سيما بعد التشتت الذي لحق بالمعارضة السورية وعدم مبالاة الشعب السوري بالقوى المعارضة الممثلة بالائتلاف و«المجلس الوطني السوري» وهيئة التنسيق المحلية».
بدوره، يشير الكاتب الكردي مسعود فوزي محمد في حديث لــ «الراي» الى ان «الاشتباكات الاخيرة (في الحسكة) تأتي على خلفية ما كان رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، قد ألمح اليه خلال حديثه عن أنه بات على اطلاع ومعرفة تامة بمَن كان يقف وراء هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على قضاء شنكال من جهة، والإعلان المفاجئ لحزب العمال الكردستاني عن الرغبة في إقامة كانتون شنكال من جهةٍ أخرى، متهماً قيادة «PKK» بارتباطات اقليمية، كأن ثمة إملاءات حادة وقوية من الأقطاب المؤثرة على قرار حزب العمال الكردستاني من استخبارات الأنظمة المؤثرة المجاورة».
ويشرح مسعود محمد ان «إيران والنظام السوري لم يفكا أواصر ارتباطاتهما مع زعيم حزب العمال ولا لحظة، ومن الجهة الأخرى فإن تركيا ليست بعيدة عن هذا العِراك الضمني بين الكتل الكردية الرئيسية، ولذا كان تركيز الاعلام التركي واضحاً على ما صدر عن رئيس الاقليم بخصوص شنكال»، لافتاً إلى أن «إيران تمارس ضغوطها من خلال مَن يمثلون الخط الشيعي في حزب العمال الكردستاني».
ويوضح ان «وحدات الجيش النظامي ومراكز المخابرات ما زالت موجودة رسمياً في القامشلي وهناك تنسيق بينها وبين العديد من الأحزاب والشخصيات الكردية، ولذلك قُتل مشعل تمو فهو كان أكبر محرّض ضدهم، واعتبر انه لا توجد معارضة كردية مع الثورة، هناك شخصيات وبعض التنسيقيات التي خنقت. لقد عملنا لتحريك الشارع الكردي وفشلنا، فالاكراد يعملون ويريدون الفيديرالية، ولذلك سلم النظام المنطقة لحزب العمال ليتحكم بها وحتى يُفشِل اي حركة انفصالية».
وبنظره فإن «كوباني جغرافياً ليست مهمة، وأهميتها انها معركة أفرغت 3000 قرية كردية، فعدد الاكراد 1.5 مليون في سورية، ومعركة كوباني أخرجت 250 الفاً منهم، والاشتباكات في مدينة الحسكة اليوم تهدف الى تشريد أكبر عدد من الاكراد من المنطقة الكردية بعد تفريغ كوباني والقرى المحيطة بها».
ويضع مسعود محمد المثقف الكردي في قفص الاتهام حيال ما يحصل اليوم، ويقول: «وضع الاكراد في سورية اصبح كارثياً على جميع الاصعدة ولا يمكن للشعب الكردي تحمل كل هذا الفشل والعيش معه، فهجرة الأكراد جنونية ومخيفة، وقد فشلت الحركة السياسية الكردية بكل أطيافها وتلاوينها في وقفها او الحد منها كونها تهدد الوجود الكردي»، محمّلاً «الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني المسؤولية فهو يساهم بشكل مباشر وبقوة في ذلك ويشجع الهجرة من خلال سياسة الاستبداد التي يمارسها يومياً ضد الشعب الكردي من دون غيره من الشعوب والطوائف الموجودة في المناطق الكردية».
ويؤكد ان «هذا الوضع كارثي ويفرض على الجميع ومن دون استثناء التحرك بسرعة من أجل إنقاذ البقية المتبقية، من خلال الضغط على الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني في سورية من اجل التخلي عن سياسة الاقصاء هذه، وكذلك على الطرف الآخر المتمثل بالمجلس الوطني الكردي التحرك الفوري في وجه (ب ي د) ومشاريعه المشبوهة في «كردستان سورية» بالطرق السلمية».
ويقول ان «الفشل الحالي لا يتحمله فقط السياسي الكردي (الحزبي) ولكن المثقف الكردي يتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك، فأفق التخبط في الوضع الكردي اصبح مسدوداً، لأن المثقف الكردي سلبي في تعامله مع الوضع، وهو يعاني عدم الثبات في مواقفه والتفكك والتشرذم ويعيش في حالة صراع داخلي، ولم يقدم شيئاً ملموساً لشعبنا سوى وصف وعرض الحالة الكردية والأزمة التي يعانيها من دون ان يقدم اي حل او خطط او برامج لإنقاذ شعبنا ومستقبله من الانهيار». ويرى ان «غالبية المثقفين الاكراد يعانون عدم الاستقرار في أفكارهم ومواقفهم وينطلقون من مواقف كيدية للانتقام من المخالفين لهم في الرأي، ويستخدمون العنف في طرح المشكلة ويناقضون انفسهم ويظهرون وكأنهم مجرد طبّالين ومدّاحين لهذا الشخص او لهذا الحزب ويحملون الكثير من العقد الاجتماعية، وبعضهم بعدما تضاربت مصالحه وفشل في تحقيق طموح شخصي، انتقل الى الخندق الآخر تحت حجة الاختلاف وحرية الرأي، ودخل في صراعات لا نهاية لها، بينما المطلوب الوضوح في المواقف من قبل السياسي والاعلامي والمثقف، لا الصراع من اجل الصراع واتباع سياسة الانتقام من مخالفيه في الرأي او التشفي او التحريض وتحميل الناس اموراً لا طاقة لهم بها كما يفعل أصحاب الامة الديموقراطية في كردستان سورية، عندما يريدون تحقيق بعض المكاسب الوهمية ولو كانت على حساب تدمير مناطقنا الكردية وتهجير شعبنا كما حدث لـ «كري سبي ـ تل ابيض» و«شيخ مقصود» و«الاشرفية» و«كوباني» وكما يفعل اليوم الكثير من المثقفين والاعلاميين من خلال الدفع والتلويح بالحرب الكردية - الكردية وتأزيم الامور مع طرف معروف بارتباطاته مع الاستخبارات الاقليمية التي لا تريد الخير لشعبنا. هذا في الوقت الذي تعيش فيه غالبية هؤلاء في بلاد «الافرنجة» على حساب عرق جبين الآخرين وتحت رحمة وحماية الأجهزة الامنية، حياة بذخ وترف ويطالبون شعبنا في عامودا وبقية المناطق الكردية بالخروج في التظاهرات ومواجهة ميليشيات حزب «العمال الكردستاني» في صراع غير متكافئ».