المعارضة السورية «تقرأ» في «مربّع النار» الجديد على تخوم الجولان المحتلّ

هل تكون الغارة الإسرائيلية في القنيطرة «الجسر الصغير» إلى حرب إقليمية؟

تصغير
تكبير
• المعارضة تتحدث عن خبراء روس ومواقع تجسُّس محروسة من «حزب الله» والحرس الثوري في القنيطرة

• سكان المنطقة يعانون انقطاع الكهرباء والهاتف وشح مياه الشرب والمواد الغذائية ووقود التدفئة

• المخاوف تتوزّع بين «البراميل المتفجّرة» للنظام من جهة وتوعّد «حزب الله» وإيران من جهة أخرى واستنفار إسرائيل من جهة ثالثة
القنيطرة او «الجسر الصغير» كما يعني اسمها، مدينة سورية أشهَر من ان تُعرّف، اذ ان موقعها الاستراتيجي جنوب غرب سورية على مرتفع في هضبة الجولان، أكسبها أهمية كبرى كونها تقع على خط إطلاق النار مع اسرائيل.

وقد دخلت القنيطرة بقوة على خط الحرب السورية، اذ سعى «الجيش السوري الحر» الى إحكام سيطرته على البوابة الفاصلة عن الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان اواسط العام الماضي، حيث اشتعلت المنطقة باشتباكات ضارية مع قوات النظام السوري، وسقط بنتيجتها قادة وكوادر عسكرية مهمة في ما عُرف بـ«معارك ريف القنيطرة» وذلك بعدما نجحت المعارضة قبيل اندلاع المعارك في توحيد صفوف الكتائب المسلحة للجيش الحر الموجودة في هذه البقعة من خلال تشكيل قيادة عسكرية موحدة استطاعت ان تُحدِث تغييراً ايجابياً على الارض لمصلحة قوى الثورة التي استطاع مقاتلوها التمدد في مناطق عدة في قرى المحافظة بما فيها المعبر الحدودي.

وشكّلت المواجهات التي جرت في نوفمبر الماضي منعطفاً مهماً حيث سيطر الثوار على حوالي 80 في المئة من اراضي محافظة القنيطرة التي تحدّ ريف دمشق من الجهة الشمالية، وهو ما اعتُبر مؤشراً واضحاً الى سعي الجيش الحر لتحقيق طموح اوسع يتجلى بفتح مواجهة جديدة مع قوات النظام في ريف دمشق المحاصَر انطلاقاً من ريف القنيطرة، وسط هواجس من امكان سيطرة المتطرفين عليها كما حصل في محافظة الرقة سابقاً حيث حرر الجيش الحر المحافظة فاذ بتنظيم «داعش» يهيمن عليها، علماً ان هناك ايضاً تواجداً لـ «جبهة النصرة» في عدد من قرى القنيطرة وقد تعاونت مع «الجيش الحر» في تحريرها.

وقبل ايام اتخذ «الصراع» في القنيطرة و«عليها» بُعداً جديداً مع تلقي «حزب الله» ضربة قاسية مع قوات الحرس الثوري الايراني الموجودة في المنطقة، اذ فقد كوادر عسكرية مهمة في غارة اسرائيلية مفاجئة، وسط مقاربتيْن لسلوك الحزب المحتمل بعد هذا التطور: الاولى تعتبر انه سـ«يعضّ على الجرح» لأن ليست لديه قدرة على التحرك وهو ينشر قوات له في سورية والعراق واليمن ما يجعل من الصعب ان يعلن حرباً على اسرائيل على غرار ما حصل العام 2006 انطلاقاً من الحدود اللبنانية، واضعة التصريحات الايرانية العالية النبرة والتهديدات بالانتقام في سياق محاولة «رد الاعتبار» الى «حزب الله» الذي يفقد في سورية قيادات عسكرية مهمة.

اما المقاربة الثانية فترى انه في حال حصل رد على الغارة الاسرائيلية، سواء كان ذلك في لبنان ام في سورية ام في الخارج، فإن هذا الرد سيبدل في سير الأحداث في المنطقة ويزلزل أنظمة وقد يطيح بحكم الاسد ويفجّر صراعاً اقليمياً شاملاً يغيّر المعادلات الموجودة اليوم في الشرق الاوسط، وخصوصاً بعد التطورات اليمنية التي يرى فيها البعض رداً ايرانياً على الغارة عبر دعم الحوثيين.

وثمة مَن يرى ان «حزب الله» وايران سعيا الى استخدام القنيطرة في خطة واضحة بهدف جعلها منصة كما هو الأمر في جنوب لبنان، ضدّ المعارضة السورية في المقام الأول لأن هذه المنطقة السورية الحدودية مع إسرائيل ليست بعيدة عن الحدود مع لبنان وهي قريبة من محيط مزارع شبعا، ويمكنها أن تشكل «صندوق بريد» لتوجيه رسائل معينة إلى إسرائيل التي تستبق الأحداث عبر غارات جوية مفاجئة في اطار الحرب الاستباقية واحباط اي عمليات عسكرية يتوقع ان تقوم بها عناصر الحزب تحت عنوان «المقاومة».

والمعروف ان وجود «حزب الله» العسكري المعلن في الاراضي السورية بدأ في العام 2012، اولاً تحت ذريعة الدفاع عن الشيعة اللبنانيين في القرى السورية الحدودية، ثم تطوّر الامر الى رفْع شعار الدفاع عن المقامات الشيعية. وبعد انهيار قوات الاسد امام تقدًّم «الحر»، انطلقت حملة تخوين ضدّ المعارضة السورية التي اتهمها «حزب الله» بالتنسيق مع اسرائيل في القنيطرة وبأن الدولة العبرية ساعدت الجيش الحر في معاركه ضد النظام السوري هناك، وصولاً الى إثارة موضوع تهريب جرحى سوريين سقطوا في معارك القنيطرة الى الداخل الاسرائيلي للعلاج. الا ان جواب المعارضة على «حزب الله» كان واضحاً عبر تبيان سلوكيات النظام السوري الذي لم يردّ ولا على اي غارة اسرائيلية استهدفت مواقع له في القنيطرة وغيرها، مذكّرة بان هذا النظام امّن لـ «العدو» في الجولان جبهة مستقرة امنياً طوال اربعين عاماً، ومركّزة على ان اسرائيل تساعد النظام وتنقذه كلما كان على وشك «لفظ انفاسه» - كما حصل بعد ضرب الغوطة بالكيميائي - وكلما كان الجيش الحر على وشك السيطرة على مستودعات الاسلحة الفتاكة التي يملكها ويستخدمها ضدّ شعبه.

وتبدو منطقة القنيطرة اليوم امام تحديات كبيرة، فقصف البراميل المتفجرة من النظام يتصاعد على القرى، و«حزب الله» وايران يتوعّدان اعلامياً بحرب مفتوحة في الجولان، واسرائيل مستنفرة، وبحسب ما قالت مصادر في المعارضة السورية لــ «الراي» فان الغارة ضد موكب الحرس الثوري الايراني و«حزب الله» جاءت على خلفية «ما يقوم به الحزب الذي يتخذ من ثكن النظام السوري في المنطقة بالتعاون مع خبراء روس ومجموعات من الحرس الثوري محطة تجسس على اسرائيل والاردن ومقاتلي الجيش الحر في القنيطرة، عبر استخدام اجهزة روسية متقدمة الصنع ومتطورة جداً».

ويوضح احد الناشطين الاعلاميين في الثورة السورية ماهر الحمدان الذي زار المنطقة لـ «الراي» ان «الغارة الاسرائيلية استهدفت المنطقة «لوجود أجهزة رصد طائرات من دون طيار روسية الصنع موجودة بالقرب من تل احمر - عين النورية حيث يتواجد خبراء روس تحرسهم مجموعة عسكرية من «حزب الله» والحرس «الثوري الايراني» لتأمين الحماية، وقد تم الدفع بتعزيزات امنية الى هذه النقاط نظراً لاهميتها، وبعدما تبين وجود خسائر كبيرة في العتاد الحديثة الصنع والاجهزة الروسية المتطورة الصنع».

وذكر ان «حالة الاستنفار عند الاسرائيليين كانت كبيرة، وقد عمدت قوات النظام اثر الغارة الى إرسال سيارات إسعاف وإطفاء وقد شاهد الجميع بأم العين مرور هذه السيارات التي نقلت القتلى والمصابين وعبرت طريق عين النورية الى مركز مدينة الشهداء «البعث سابقاً» الى مشفى الشهيد ممدوح اباظة، والحصيلة كانت مقتل 11 من الحرس الثوري الايراني وحزب الله واصابة 13 اخرين بالاضافة الى إصابة خبير روسي إصابة خفيفة».

وبسخرية يتابع: «هذه المرة لم تحتفظ قوات النظام والإجرام بالردّ على تلك الضربة بل ردت وصعدت الرد بالمضادات على منازل المدنيين الآمنين في بلدة الحميدية والصمدانية ومسحرة وام باطنة من تل الشعار وتل كروم جبا وتل بزاق».

ويفيد الحمدان بأن هذه الغارة «ليست الأولى من نوعها اذ سبق للطيران الاسرائيلي ان قصف مواقع لجيش الأسد في القنيطرة، في الريف الشمالي، وأسقط طائرتين فوق مركز مدينة القنيطرة وتلة الحارة، كما قصف قيادة اللواء 90 وتلة الشعار وثكنة بلدة الحميدية ما اوقع خسائر كبيرة في صفوف الأسد وادى الى مقتل عشرات من عناصره وتدمير مدافع 23 و 14.5».

ويقول المسؤول الإعلامي العام لألوية سيف الشام «أبو غياث الشامي» وهو أحد ألوية الجيش الحر لـ الراي» ان «الميليشيات الطائفية الايرانية واللبنانية والعراقية تقتل وتغتصب أرض سورية الحبيبة، ونعتبر تدخّلهم إجراماً في حق السوريين لانه تدخّل لدعم نظام طائفي مجرم، وقلب موازين الثورة السورية والعمل على تحويلها من ثورة شعب من اجل الحرية الى ثورة طائفية بسبب ممارسات «حزب الله» وأشباهه وداعميه، وهو تلقى ضربة مؤلمة من اسرائيل، وهذا يعني ان عليه التفكير في الانسحاب من ارض ليست ارضه وهو غريب عنها»، مضيفاً: «اسرائيل قصفته كما يقصف التحالف الدولي المجموعات المتطرفة الاخرى الموجودة على الاراضي السورية، ونحن نؤكد ضرورة انسحاب جميع الميليشيات الاجنبية المقاتلة من الاراضي السورية ووضع حد لممارساتها الاجرامية ضد الشعب السوري، فالمقاومة لا تكون على ارض القنيطرة والجبهة الجنوبية، «حزب الله» يحمي حصون الاسد بالتعاون مع خبراء عسكريين روس وإيرانيين من ضربات «الجيش الحر» في الجبهة الجنوبية وهو زاد من حجم تدخله بعد الخسائر الكبيرة والضربات المؤلمة التي تلقتها قوات الاسد من الجيش الحر، واليوم عليه الانسحاب وعدم التدخل بالشأن السوري».

اما الناشط السياسي في القنيطرة رائد طعمة فيرى عبر «الراي» ان «حزب الله» «ضعيف ويدّعي القوة، وهو تلقى ضربة من باطلٍ أقوى منه بسبب تدخله في سورية ومحاربته الشعب السوري من اجل ان يحمي الاسد وعصابته المجرمة، حيث يعمد الى مساعدته في ارتكاب المجازر الوحشية وفي أفعاله الإجرامية، وهو لم يعد مقاومة كما يدّعي بل مجرد ميليشيا، وما دامت طائرات التحالف الدولي تقوم بغارات فوق ا?راضي السورية لضرب تنظيمات اسلامية متطرفة، فأرى أننا لن نقول لا ?ي يد تمتدّ لضرب مَن جاء لقتلنا، أياً كانت تلك الدولة او الجهة.وسنسعد بأي ضربات يتلقاها ا?سد وأعوانه بغض النظر عمن يقوم بها، فليعُد «حزب الله» من سورية الى بلاده وليترك الشعب السوري يحدد مصيره».

وبحسب مصادر عسكرية من المعارضة السورية «فإن حزب الله يتواجد مع قوات الحرس الثوري في القنيطرة في عدة مواقع منها موقع تل الشعار، الواقع في ريف القنيطرة الشمالي وتحديداً في بلدة إيوبا، وهو من اهم التلال العسكرية المتبقية لدى قوات الأسد في المحافظة ويتخذ منه خبراء روس وإيرانيون وعناصر حزب الله مقراً أوليا لقيادة معارك ريف القنيطرة، وفيه أجهزة روسية للتجسس. وهناك ايضاً مقر اللواء 90 في منطقة الكوم شمال ريف القنيطرة الذي يُعتبر مركزاً أساسياً للتخطيط ويتواجد فيه قيادات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وقيادات من النظام وخبراء روس. كما يتواجد حزب الله في «معكسر الطلائع» و«سرية المشاة» قرب مزارع الأمل وهو ثكنة تجسس يديرها خبراء روس، وهناك موقع «تل الأحمر» الواقع في بلدة عين النورية شرق بلدة مزارع الأمل وهو ثاني اهم المواقع العسكرية كونه يقع على التلال المشرفة على عدة قرى في محافظة القنيطرة وفيه اجهزة روسية الصنع يديرها خبراء روس وايرانيون ومخصص لقيادة معارك الريف الشمالي في القنيطرة وعلى صلة مباشرة بموقعي «تل الشعار» و«اللواء 90»، من دون إغفال معسكر الطلائع في مدينة الشهداء «البعث سابقاً» وفيه مجموعات عسكرية للحزب والحرس الايراني لا يتجاوز عددها الـ 75 عنصراً بينهم قيادات عسكرية كبيرة وهؤلاء يشرفون على المعارك مع كتائب الثوار باتجاه المعبر الحدودي ومسؤوليتهم حماية مركز المدينة من السقوط في يد الثوار».

وقد اتهمت مصادر في المعارضة السورية «حزب الله» وايران بالسعي الى انشاء «حزب الله السوري»، متحدثة عن «ان قادة من الحرس الثوري وآخرين من مكتب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يشرفون على عمليات التجنيد وان «حزب الله السوري» لا يخضع لقرارات السلطات السورية وانما يأتمر بأوامر ايرانية كما هو حال «حزب الله» اللبناني وان تركيبته اساسها شيعة سوريون وعلويون وان المتدربين يخضعون لدورات قتالية ونفسية في ايران، كما يضم في صفوفه شيعة لبنانيين من مناصري الحزب يعيشون في سورية، وايضاً عراقيين وايرانيين تم توحيدهم في هيكلية تنظيمية وقيادة موحدة تتلقى الدعم المالي والتدريب من ايران».

وتستشهد مصادر المعارضة السورية بكلام القائد السابق للحرس الثوري الإيراني حسين همداني الذي اعلن عن استعداد ايران لارسال 130 ألف عنصر من الباسيج الى سورية، وبقول المستشار العسكري للمرشد الأعلى السيد علي الخامنئي اللواء يحيى صفوي «ان نفوذ ايران يمتد إلى البحر المتوسط، وحدودنا الدفاعية تمتد حتى جنوب لبنان مع اسرائيل، وعمق دفاعنا الاستراتيجي الى عمق اسرائيل».

وفي عودة الى وضع منطقة القنيطرة حالياً، يفيد احد الناشطين السياسيين رفض ذكر اسمه «ان القنيطرة في بداية انطلاقة الثورة كانت هادئة، ولم تشهد تحركات كما غيرها من المدن لا سيما درعا، وذلك نتيجة نشر الأسد لقواته وأجهزة مخابراته والإجراءات المشددة الأمنية التي اتخذها في المنطقة، الا ان اهلها اخذوا يتحركون في اواخر العام 2011 بتظاهرات ذات طابع سلمي لكن سرعان ما حصلت الانشقاقات داخل الجيش وتحولت الثورة الى العمل العسكري في العام 2012، حيث بدأت معارك ضد قوات الأسد من أجل تحرير مدينة القنيطرة، وجرت حينها مواجهات عنيفة تُوِّجت بتحرير بلدة بئر عجم الحدودية مع الجولان، إلا أن نظام الأسد بدأ بإرسال الحملات العسكرية لوقف تمدُّد الثوار بعد فقدانه أهم المناطق التي تربط بين القنيطرة والجولان».

ويضيف: «في عاميْ 2013 و2014 بدأ الأسد بحملة شرسة على المدينة، مستخدماً البراميل المتفجِّرة والصواريخ وقذائف المدفعية، ما تسبَّب بدمار واسع بالمنطقة ومئات القتلى والجرحى، وقد وصلت نسبة الدمار في المنازل إلى أكثر من 90 في المئة في بعض القرى، في حين هُجّر غالبية سكان هذه البلدات، وأهمها أم باطنة التي غادر جميع سكانها البالغ عددهم 4000 نسمة، ومجدوليا التي هجر سكانها بالكامل. في حين لجأ سكان قرى نبع الصخر - مسحرة - زبيدة - ممتنة - عين الدرب - عين الباشا - كوم الباشا - رويحينة إلى بلدتَيْ بريقة وبئر عجم، اللتين تقعان على الشريط الحدودي للجولان المحتل، وقدّر عدد النازحين إلى تلك المنطقة بنحو 7000 شخص يقطنون الخيم داخل المخيمات التي تم إنشاؤها مع بدء القصف على المدينة».

وبحسب سكان المنطقة فإن الحال الإنسانية التي يعيشها الأهالي صعبة، فلا كهرباء ولا هاتف وسط شح مياه الشرب والمواد الغذائية ووقود التدفئة، في ظل عجز المنظمات الإنسانية عن إيصال المساعدات.

ويشير الاهالي الى ان «المدارس لم تسْلَم من قصف قوات الأسد، وقد تحوّلت مراكز استقبال للنازحين او ثكناً عسكرية لجيش النظام، فيما الطلاب مهجَّرون يتلقون العلم بواسطة دورات خاصة ويعملون من اجل تحصيل لقمة العيش في الوقت المتبقي».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي