«الراي» أبحرت معه في ذاكرة 93 سنة من تاريخ الكويت براً وبحراً ... وفضاءً
صالح العجيري: كويتيو اليوم أصابهم البطر والغرور ... والغي
صالح العجيري ... ذاكرة قرن من تاريخ الكويت
العجيري في عالمه الذي أمضى عمره فيه
العجيري مع الزميل حمد السهيل بين الشهادات والدروع التي نالها
يحمل أحد أجهزة القياس
العجيري بين الأرض والفضاء .. قصة قرن من تاريخ الكويت (تصوير جلال معوض)
• فكرة مرصد العجيري نشأت مع حفل تكريمي فبادرت جهات عدة بدعمها •«صمخ النواخذة حزة السلف» يعبّر عن واقعة مريرة في تاريخنا وهي استدانة البحارة من صاحب السفينة
• من الصور السلبية في الغوص قديماً أن ربان السفينة «يستعبد» البحارة ويضربهم ويحجزهم
• والدي أنشأ مدرسة عام 1920 وأغلقها بعد 10 سنوات لعجز الأهالي عن دفع الرسوم لكساد اللؤلؤ
• عملت بداية حياتي في التمثيل ولا أحد في الكويت حالياً شاهدني ممثلاً ... رحم الله ذلك الجيل
• من تجربتي بفقد ابني وزوجتي في حريق بيتي أنصح الجميع بإزالة الشبك الحديدي عن النوافذ
• أجبرني أبي على القبول بالزواج من فتاة ... ولما سألني القاضي أمام الناس: هل تقبلها زوجة؟ قلت: لا
• الفتاة التي أحببتها لم يقبل والدي بها ... وبعد 60 سنة كاد القدر يجمعنا ل ولا الموت الذي باغتها!
عدائي لظواهر الطبيعة دفعني لدراسة علم الفلك من باب «اعرف عدوّك»
أرسلني أبي إلى البادية فتطبّعت بطبائع أهلها وتعلّمت الاتجاهات و«قران» القمر بالثريا
• من الصور السلبية في الغوص قديماً أن ربان السفينة «يستعبد» البحارة ويضربهم ويحجزهم
• والدي أنشأ مدرسة عام 1920 وأغلقها بعد 10 سنوات لعجز الأهالي عن دفع الرسوم لكساد اللؤلؤ
• عملت بداية حياتي في التمثيل ولا أحد في الكويت حالياً شاهدني ممثلاً ... رحم الله ذلك الجيل
• من تجربتي بفقد ابني وزوجتي في حريق بيتي أنصح الجميع بإزالة الشبك الحديدي عن النوافذ
• أجبرني أبي على القبول بالزواج من فتاة ... ولما سألني القاضي أمام الناس: هل تقبلها زوجة؟ قلت: لا
• الفتاة التي أحببتها لم يقبل والدي بها ... وبعد 60 سنة كاد القدر يجمعنا ل ولا الموت الذي باغتها!
عدائي لظواهر الطبيعة دفعني لدراسة علم الفلك من باب «اعرف عدوّك»
أرسلني أبي إلى البادية فتطبّعت بطبائع أهلها وتعلّمت الاتجاهات و«قران» القمر بالثريا
هو بحر من الذاكرة والتراث، تختزن أحداث قرن من تاريخ الكويت المعاصر، بتفاصيل صغيرة تحتاج إلى توثيق كتابي.
وهو موسوعة من العلم الذي تبحر به وأتقنه وكان له قصب السبق فيه، وحتى تبحر في هذا البحر الضخم يتوجب عليه أن تكون «نوخذة» ماهرا، و«غواصا» تحسن الاقتناص، و«قبطانا» تملك قدرة الإدارة للحديث وتوجهاته.
إنه الخبير الفلكي وصاحب أول تقويم في الكويت، العم الدكتور صالح العجيري الذي انتقلت معه «الراي» برفقة برنامج «شخصيات كويتية» الإذاعي، من فريج «جبلة» إلى المدرسة المباركية فالشرقية، وأبحرنا في رحلات الغوص والتجارة، ثم عرجنا إلى الفضاء بكواكبه وقرانها، فكانت رحلة من رحلات «ألف ليلة وليلة» اقتنصنا من هذ الفيض الزاخر ما قُدر لنا أن نقتنص، فكان وجبة شهية نضعها بين أيديكم.
العجيري انتقد ما أصاب الكويتي في الوقت الحالي من «بطر وغرور وأمور لا تحمد عقباها» في ظل الاعتماد الكامل على الدولة وما تقدمه له من مسكن ومعاش، مطالبا المواطنين بالعودة إلى الماضي وأخذ العبرة من الآباء والأجداد، حيث «كان المواطن قديما يعمل بنفسه طول النهار»بنّاي«أو يذهب للرمل أو للغوص أو للسفر ويعتمد على نفسه».
وعبر العجيري عن أمله أن يرى المواطنين «وقد رجعوا عن غيهم ويتذكرون الماضي والأيام التي عشناها في عيشة صعبة، وأن يعتبروا ويرجعوا إلى صوابهم، وينعكس هذا على جميع مستويات الحياة المعيشية في الكويت حتى على الحياة السياسية كمجلس الأمة ومجلس الوزراء وغيرها».
وعلى مبدأ «اعرف عدوك لتتقي شره» كانت انطلاقة العجيري مع علم الفلك، حيث كان يخاف من الظواهر الطبيعية، الرعد والبرق ويخاف المطر والريح، ويخاف من الظلام، فكان ذلك الأمر سببا للوصول إلى ما وصل إليه من العلوم الفلكية، هذا عدا ما أتحفنا به من حياته الشخصية، وما تطرق اليه من تاريخ الكويت، نتابعه في السطور التالية.
• أهلاً ومرحباً بكم دكتور صالح. لنا الشرف بوجودك معنا اليوم، طبعاً لا شك أن رحلتك أخذت منك ومن عمرك الكثير، وأثرت في ذاتك وتركت بصمة واضحة في علم الفلك، حيث جلت العالم شرقاً وغرباً ذهاباً وإياباً باحثاً عن كل ما هو جديد ومبتكر في علم الفلك. حدثنا عن بداياتك في البحث عن هذا العلم حتى دراستك ووصولك إلى هذا العمر. محدثكم الدكتور صالح العجيري الباحث الفلكي وسأتحدث ولو يسيراً عن جانب من حياتي الاجتماعية والعلمية والمالية أيضاً، وأتشرف بلقياكم وأتمنى لكم إن شاء الله أن تكونوا بخير ويمن ومسرة. ولدت في الكويت الحي القبلي، وقد بلغت من الكبر عتيا، حيث جاوزت الثالثة والتسعين من عمري. سأتحدث بإذن الله تعالى بما يجود به الخاطر. علم الفلك من العلوم الرصينة التي درج عليها الإنسان منذ وجوده على سطح البسيطة، وكان سبب تعلمي علم الفلك وشغفي به هو أنني في صغري كنت أخاف من الظواهر الطبيعية، فكنت أخاف الرعد والبرق وأخاف المطر والريح وأخاف الظلام وكل الأمور الطبيعية، فدخلت علم الفلك من باب أن أعرف عنه مادام هذا عدوي ولابد أن أتقيه فيجب أن أتعامل معه. الباب الثاني في صغري أرسلني والدي رحمه الله إلى البادية فكنت ضيف قبيلة الرشايدة، وبهرتني سماء الصحراء بجلالها وجمالها وبهائها. شمس مضيئة وقمر منير ونجوم متلألئة، وتعلمت من أولئك البدو ما يتعلق بالحسابات عند عرب البادية، تعلمت منهم قران القمر بالثريا، فكانوا يقولون: قران حادي برد بادي قران تاسع برد لاسع قران سابع مجيع وشابع قران خامس ربيع طامس قران ثالث شديد ولابث قران حادي على الجو ترادي وتعلمت منهم معرفة الاتجاهات كالشرق والغرب والجنوب والشمال من النجمة القطبية باليل لكن إذا صارت شمس وغيوم كيف أعرف الاتجاهات، نعرفها من اتجاهات الكثبان الرملية، وفي كل حجر صغير أو شجيرة صغيرة في الصحراء يتكون في أسفلها مثلث من الرمال الناعمة بسبب أن الريح الشمالية تأتي رتيبة، أما الريح الجنوبية فتأتي متعثرة وتكون هذا المثلث ونعرف منه الاتجاهات. هناك أيضاً باب آخر دخلت فيه لعلم الفلك، ففي زماني لم يكن هناك كتب فلكية أو مدرسون فلكيون، ولكن وقع في يدي كتاب اسمه «المناهج الحميدية» تأليف أحد العلماء المصريين. وعندما قرأت في الكتاب عرفت الكثير منه ولكن خفي عليّ منه شيء آخر، فصممت على أن أسافر إلى مصر وألتقي بالمؤلف وأسأله عن الأمور التي خفيت عني. سافرت من الكويت إلى البصرة بالسيارة، ومن البصرة إلى بغداد بالقطار، ومن العراق إلى الشام في شركة توصيل تسمى نيرين، بعد ذلك ركبت الباخرة من بيروت إلى الإسكندرية، وأتذكر أن الباخرة كان اسمها سورية، ومن الإسكندرية إلى القاهرة بالقطار، ومن القطار انتهى مسيرنا إلى القاهرة، وركبنا سيارات وانتهى خط السيارات وبعد ذلك ركبنا الحمير وأخذنا نبحث عن السيد عبدالفتاح مرسي غيث الذي تعلمت منه.
من هنا البداية
• حدثنا عن مولدك وعن طفولتك وعن شبابك، ودور والدك في حياتك التي وصلت لها.
والدي أسس مدرسة سنة 1920 وأغلقها سنة 1930 بسبب كساد سوق اللؤلؤ حين لم يعد باستطاعة أولياء الأمور دفع الأجرة الشهرية للطالب بالمدرسة، وشيء أذكره للتاريخ هو الأسباب التي أدت إلى كساد اللؤلؤ.
أولاً الكساد العالمي الذي حدث وأصبح الناس لا يشترون الأشياء الثمينة جعل سوق اللؤلؤ ينحط.
ثانياً اليابانيون استطاعوا أن يصنعوا لؤلؤا صناعيا، نحن نقرأ في الكتب القديمة أن المحارة تخرج خارج البحر فتأتي قطرة المطر وتنزل فيها وتصبح لؤلؤة وهذا خطأ وتناقله ناس عن ناس ليس لهم دراية بهذا الأمر، والصحيح أن المحارة في قاع البحر إذا دخل عليها ديدان أو رمال تؤذيها تفرز مادة تكورها عليها فتصبح لؤلؤة، لكن نحن في ذلك الزمان تواصلنا فيما بيننا وتوكلنا على بعضنا وتكاتفنا من أجل المرور من تلك الأزمة وظهرت مسألة الإعارة في ذلك الوقت وأفادتنا كثيراً حيث كان الناس يستعيرون من بعضهم البعض توفيراً للمصاريف.
بعد ذلك انتهى موضوع الغوص ومن الأمور التي تعتبر نقطة سوداء في تاريخ الغوص والتي لم تذكر لا في تراجم ولا في كتب أن البحار يغيب عن بيته أربعة أشهر وهي يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر ويأخذ «سلفة» من صاحب السفينة لمصاريف أهله، وعادة يذهب هذا البحار إلى النوخذة صاحب السفينة من أجل المال فعندما ينادي عليه يتظاهر النوخذة بعدم السماع فصار عندنا مثل ألا وهو «صمخ النواخذة حزة السلف».
وخلال هذه الفترات المتعاقبة على الغوص تمر بعض السنين النادرة تسمى بسنة الطفح يزيد فيها محصول اللؤلؤ على السلفة فكان في كثير من السنين لا يكفي فيصبح البحار خسران، لذلك عندما انتهى سوق اللؤلؤ كان النواخذة يأخذون بيوت البحارة المساكين، ويقومون ببيعها لأخذ ديونهم من البحارة ويخرجونهم من بيوتهم وهذه تعتبر نقطة سوداء لم يذكرها أحد في الغوص.
هناك أيضاً موضوع حدث، حيث ان علي عبدالوهاب المطوع رحمة الله عليه اشترى بيتاً من البيوت الخاصة بالبحارة، وعندما ذهب إلى البيت إذ بزوجة البحار تبكي وعيالها يبكون، وعندما سألهم عن السبب قالوا إنهم يريدون إخراجهم من بيتهم من أجل الدين، فرفض أخذ البيت وأبقاهم فيه فقد كانت لفتة كريمة منه رحمه الله وساعدهم ولم يخرجهم من بيتهم رغم شرائه. ومن الأمور السيئة التي كانت تحدث في الغوص أن البحار دائماً مثل العبد عند الربان صاحب السفينة يضربه ويحجزه.
• هناك كثير من الأشياء سمعتها منك اليوم جديدة علينا حول عالم الغوص تحديداً، فهل الموجودون حالياً جهلوا كيف ينقلون لنا عالم الغوص في تاريخه، وكيف كان يعاني البحارة؟
لا. ذكروا الغوص وكيف كان الغوص والغيص والسيب والتباب والرديف والمحصول، وخصم ثمن الأطعمة التي أكلوها ثم يعطون خمس المحصول للحكومة ثم يأخذ السيب ثلاث حصص، والرديف يأخذ سهما واحدا، لكن الولد الصغير ليس له حصة فيقوم بجمع اللؤلؤ الصغير عندما يرمون المحار في البحر.
مهارات خاصة
• نطلع من عالم الغوص، من خلال السيرة التي قرأتها لاحظت أنك خلال فترة المدرسة كنت داخل ذلك المحيط ولكن كان عندك نشاطات أخرى، هناك نشاط زاولته من عام 1938 إلى عام 1961 كان عندك مهارة تميزت فيها خارج المدرسة.
صحيح. فقد أصبحت ممثلاً من عام 1938 إلى عام 1961، ولا يوجد أحد من الناس اليوم يتذكر أنني كنت من الممثلين في تلك الفترة، فرحم الله من شاهدني، لكن ما هو السبب الذي جعلني أذهب إلى علم التمثيل؟
عندما كان عمري 12 سنة وقد توفيت الدتي، ووالدي كان يعمل في البلدية في أغلب اليوم، فأصبحت فجأة أنا المسؤول عن العائلة، كنت أطبخ وأحلب الغنم وأغسل الملابس وأجهز إخواني إلى المدرسة، فتحملت المسؤولية منذ الصغر، وما لعبت في الشارع مع أقراني وتحملت أعباء الحياة في المنزل. فعوضت مرح الطفولة بالشغب الكبير في المدرسة.
وبسبب الشغب في الصف تم نقلي إلى التمثيل المدرسي ثم إلى التمثيل المسرحي، وكانت أول مسرحية بالكويت عام 1938 اسمها اسلام عمر، وكان فيها مدرسون فلسطينيون وبعض الطلاب، والمسرحية الثانية فتح مصر.
وكنت أنا والمرحوم فهد الصرعاوي وفهد الفارس قمنا بعمل تمثيلية ليس بقصد مسرحية ولكن بقصد الفكاهة لأنه يوم 17 رمضان ذكرى غزوة بدر الكبرى وقاموا بعمل احتفال بهذه المناسبة وفي نهاية الكلام عن الغزوة قدمنا تمثيلية اسمها دختر المريكاني.
بعد ذلك أصبحت ممثلا. ومن الممثلين الذين مثلوا معي حمد الرجيب رحمه الله، ومحمد النشمي والمنيس وكثيرون من الأوائل الذين مثلوا، لكن لم يكن هناك نص، فكنا نقوم بتوزيع الأدوار على كل شخص وكل شخص يدلي بدلوه وعندما يدخلون على خشبة المسرح ويقولون أدوارهم فكانوا يخطئون لعدم وجود نص وكانت المسرحية تستمر لأيام كثيرة لوجود تغيير لعدم التزام بالنص.
ثم الناس في ذلك الوقت لم يكن لديهم أي تسلية إلا المسرح فقد كان يأتي الشيوخ وكبار القوم ويدفعون المال.
ولأني فلكي فقد قمت بعمل مسرحية فلكية فضائية، ألا وهي «غزو الفضاء ونزول الإنسان على القمر»، أحضرنا زميلنا محمد جعفر أطال الله عمره، فقد كان قصير القامة وصغير الجسم وألبسناه لبس الغوص وعلقناه بسقف المسرح وأنزلنا حبل ينزل عليه وأنا جمعت جميع علماء الأرض وأنزلنا محمد جعفر من السقف على أنه كائن فضائي أول مرة يرى بشرا وكنت أشطح أحياناً وأقف على حافة المسرح والعلماء موجودون على المسرح، وكان الشيوخ وكبار القوم يحضرون المسرحية فعبدالله المبارك رحمه الله كان موجودا، ومحمد العتيبي سكرتير الحكومة كان موجودا بجانبي فقلت: اسمعوا يا علماء، أنا جمعتكم على مستوى عال فضحك كثيراً محمد العتيبي عندما رآني أشاور بيدي للأمام وبالأخرى على قدمي فقد ظنني أقول «على مستوى نعالي».
فكان الناس يستسيغون المسرحيات والتمثيليات ومن بينها أن أدخلنا ماعزا على المسرح فضحك الناس كثيرا.
مرصد العجيري
• يمكن من المواضيع التي حدثتني عنها هي المرصد الفلكي والفكرة التي راودتك في أواخر الستينيات وعلى أوائل السبعينيات أن تبني مرصداً فلكياً على نفقتك الخاصة. حدثني عن هذه التجربة ومردودها عليك بعدما أنجزتها.
قصة المرصد نشأت بعد حفل تكريم أقامه لي عدد من الجهات الحكومية، الأمر الذي لم يرق لإحدى الجرائد التي كتبت في صبيحة اليوم التالي إن هذا ليس تكريما، هذا «شروكة» وهي المقصود بها عندما كنا صغارا، كان كل شخص يحضر شيئا فمثلاً واحد يحضر طماطم والآخر يحضر كبريتا والثالث خضارا ونطبخ طبخة ونأكلها فهذه كنا نسميها «شروكة»، فقالت الجريدة ذلك عن تكريمي وقالت يجب أن تقيموا شيئا ينفع البلد كإقامة مرصد مثلاً، فظهرت فكرة المرصد.
أحد البنوك دفع 10 آلاف دينار، وبنوك أخرى وشركات ومؤسسات، والشيخ سعد العبدالله رحمه الله قال: اكتبوا لي كتابا لمجلس الوزراء. ثم أعطانا 150 ألف دينار، والشيخ جابر الأحمد رحمه الله قال: اصرفوا على المرصد كما تشاءون ونحن مستعدون لإقامة المرصد.
ذهبنا إلى أمريكا لشراء تلسكوب للمرصد، كنا نعتقد أن التلسكوبات ستكون مصفوفة للعرض نختار منها ما نريد. ففوجئنا أن الأمر يتعلق بالمبلغ المالي المرصود لشراء التلسكوب ولأي مكان ولماذا نحتاجه كي يقومون بصناعته. ولم نتفق في أمريكا ثم ذهبنا إلى أوروبا ولم نتفق، ومن حسن حظنا أننا لم نتفق لا في أوربا ولا في أمريكا، فعندما ذهبنا إلى سويسرا وجدنا في جبال الألب شخصا ألمانيا يسكن في سويسرا ولديه مرصد هو وأصدقاؤه وإذا بهم يفكرون في شراء تلسكوب حديث لكن ليس لديهم المال الكافي.
وعندما وجدوا لدينا القدرة المادية قالوا لنا تعالوا نساعدكم بأفكارنا ولا نريد أي منفعة مادية، وفعلاً أحضروا التقني من فرنسا وقاموا بصب العدسة في أمريكا ثم كانت الصناعة في سويسرا في جبال الألب.
استمر المرصد وكنت أتردد عليه وفي يوم من الأيام قال لي عضو مجلس إدارة النادي العلمي بأن التلسكوب قد انتهوا منه ولم يتبق إلا الشحن بالطائرة. وهو الآن يمشي ويصيح. فقلت لم؟ قال تأخذوني من أحسن مكان بالعالم جبال الألب إلى بلاد العرب رطوبة وغبار وهواء وحرارة. فغلبته وقلت قل له لا. ستأتي إلى أحسن بلد في العالم كله، قال كيف؟ قلت: قل له بلاد العرب مهبط الوحي ومهد الحضارات.
• الشيخ جابر الأحمد رحمه الله كان زميلا لك أثناء الدراسة. هل هذه المعلومة صحيحة؟
نعم صحيحة، أنا عام 1938 دخلت المدرسة المباركية وفوجئت بأنه في الصف معي الشيخ جابر رحمه الله، وكان أصغر مني بخمس سنوات لكن في ذلك الزمن في الصف الواحد لم تكن المراحل التعليمية مقيدة بسن معين مثل الآن.
كان رحمه الله متواضعا، فعندما كان يجلس بالأمام ظن أنهم وضعوه بالأمام لأنه ابن الأمير، فاعترض وسأل لماذا تجلسوني بالأمام هل لأني ابن الأمير؟
فقالوا له لا، بل لأنك صغير والصغار في الأمام والكبار في الخلف هذا هو ابن مساعد الصالح بجانبك. فاقتنع.
ومن تواضعه أن مدرس اللغة العربية اسمه محمد محمود نجم فلسطيني أعطانا في درس المحفوظات تسمى الآن «نصوص». أعطانا قصيدة الشمس لشاعر النيل حافظ إبراهيم ومنها:
لاح منها حاجب للناظرين... وتبدت فتنة للعالمين
وهناك بيت قبل الأخير فتن به الشيخ جابر ألا وهو:
أإله لم ينزّه ذاته عن كسوف بئس زعم الخاسرين
وكان كل يوم يطلب من الأستاذ أن يقرأ علينا قصيدة ليسمع البيت، وكان يعيش معنا بمنتهى البساطة والتواضع وظلت صحبتي له لم يقصر عني إلى آخر أيامه رحمه الله رحمة واسعة.
وبعد ذلك أنا لي قصة مع سمو الشيخ صباح الأحمد، فكنا طلاب الثانوية في المدرسة المباركية وعندما وصلنا إلى الصف الثاني الثانوي نجح منا عدد قليل وكانت دائرة المعارف في ذلك الوقت تحتاج مدرسين فأخذونا مدرسين وأنا كنت مدرساً بالمدرسة الشرقية ففوجئت بأن الشيخ صباح موجود في المدرسة.
وما حدث في أحد الأيام أنني كنت مراقبا بالمدرسة وأقف على الرصيف وبيدي الجرس اليدوي، وقع ابن النصف على الأرض فصفق أصحابه وصاحت المدرسة كلها، وعندما صارت فوضى تعصبت وضربت أقرب واحد بجانبي من التلاميذ بالجرس وبعد ضربه قلت أذهب لأرى هذا الولد الذي ضربته ماذا حدث له، وعندما ذهبت وإذ به يضحك وأخذت أقص على اخوانه وأقول لهم هذه البسمة التي على وجه الشيخ صباح ماهي مكتسبة بل هي طبيعية منذ الطفولة.
تاريخ وجوائز
• لاشك أن مسيرتك كانت حافلة بالأعمال والإنجازات، ونلت الكثير من كتب الشكر والتكريمات، حدثنا عنها في داخل الكويت وخارج الكويت كذلك.
تم تكريمي في القاهرة عدة مرات، وكرمت في الكويت عدة مرات كذلك، وحصلت على قلادة مجلس التعاون، والحمد لله رب العالمين أن عندي طلابا الآن يبلغ عددهم نحو 100 طالب يدرسون على يدي، وقمت بعمل مؤلفات كثيرة كما ذكرت، وغير المؤلفات درست مدرسي التربية وموظفي الأوقاف، صحيح أنهم سبقوني في عصر العلم والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة، بينما أنا مازلت على طرازي القديم لكني أجدد من وقت لآخر. وكلهم ماشاء الله عليهم لهم مكانتهم، منهم مساعد الحماد وعادل حسن والفلكيون الكويتيون.
• أكيد كان هناك جائزة قريبة منك، فما الجائزة التي تشعر بأنها الأقرب إلى قلبك من بين كل هذه الجوائز والشهادات؟
الجائزة هي شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة الكويت، ثم تتالت الإنجازات والتكريمات وغيرها
أحمد الله سبحانه وتعالى أن أعطاني في هذا الزمن ما كنت أرجو وأتمنى.
• حدثنا عن حياتك الأسرية وأبنائك، وهل منهم من ترى فيه البذرة الموجودة في شخصيتك؟
أولادي كل منهم أخذ طريقه، فالتاجر تاجر والموظف موظف، لكن ابني الصغير جمال له بعض الرغبة في علم الفلك لكن على الطريقة الحديثة وأحضر تلسكوبات من الخارج واستعملها وأنجز أشياء كثيرة ولكن ليس هناك الشغف والاهتمام الزائد بمثل ما كنت أنا. فأنا اهتممت بالفلك طول عمري ومن صغري إلى الآن فعمري الفلكي طويل.
أحمد الله سبحانه وتعالى على نعمة الأولاد. وزوجتي رحمها الله تعالى أحببتها حباً شديداً وهي في آخر أيامها تعبت كثيراً بمرض هشاشة العظام فتنام على سرير طبي وأنا فراشي بالأرض بجوارها فكنت أجاورها وأعتني بها، وفي ليلة الأربعاء 1 أكتوبر 2003 قمت وإذا بدخان في الحجرة، بحثت عن الدخان وبحثت عن الجرس كي أنادي الممرضة لتخرجها معي وما وجدت الجرس، ناديت لأحد أولادي كان عمره 60 سنة وقتها، وقلت له هيا نخرج أمك إلى الصالة، وأخرجناها من الغرفة بعيداً عن الدخان، وجاء في بالي أقول للخدم عندنا نار بالسكن أو بالسكن المجاور لينادوا الإطفاء فذهبت إليهم.
وعندما رجعت إذا بمحمد ليس موجودا فقد مات اختناقاً من الدخان وماتت زوجتي أيضاً قبل الذهاب للمستشفى من الدخان، وأنا ذهبت للمستشفى وجلست 21 يوما لم يعلموني بوفاة زوجتي وابني.
وفي يوم من الأيام جاء أحد أبنائي ببلح وقال هذا البلح كالذي كانت تحبه أمي رحمها الله.
وعندها علمت أنهما توفيا رحمهما الله.
أريد أن أقول ملاحظة وفائدة من هذه الحادثة، فولدي محمد عندما جاء رجال الإطفاء ودخلوا وجدوه يأخذ العلاق الخاص بالملابس كي يكسر الشبك الموجود على الشباك ولم يستطيع ووقع مختنقاً، قبل سنة ونصف احترق البيت على عائلة وجاءت الإطفاء وإذا بالعائلة ميتة والأب يمسك بالشباك ويحاول أن يزيل الشبك أيضاً. فأنا أنصح بإزالة الحماية الحديدية من على الشبابيك.
• أنت قلت لي إن أول رزنامة طبعتها سنة 1955، وكانت بشكل بدائي بسيط على نفقتك الخاصة بمطابع بغداد. حدثني عن تلك الرزنامة.
سأتحدث باختصار شديد عن هذا الموضوع، في المدرسة التي افتتحها والدي كان هناك رزنامة بالحائط ويقطعون منها ورقة كل يوم، قمت بتقليد هذه الرزنامة بالأرقام ثم باليوم والشهر، ثم بعد ذلك قمت بإضافة الشهر والسنة ثم السنة الميلادية ثم المواقيت، وفي عام 1936 تقريباً قمت بعمل رزنامة للمنزل.
وتم طباعتها في البصرة وقمت بقصها، ثم طبعتها في أماكن كثيرة في اليابان وسنغافورة وحلب ودمشق وبيروت وفي مصر وفي نابلس فلسطين عام 1955 قمت بطباعتها أيضاً.
تأخر الشتاء
• العم صالح العجيري، ما أسباب تأخر الشتاء هذا العام؟
فيما يتعلق بتأخر الأمطار هذا العام أنه نضب معين هضبة البحيرات في شرق أفريقيا، فهي تصدر عادة منخفضات جوية تمر على البحر الأحمر ولا تؤثر فيه وتمر على جبال تهامة ولا تؤثر فيها ابتداء من منتصف جزيرة العرب يبدأ تأثيرها برياح جنوبية شرقية تمر على مسطحات الخليج المائية ثم بعد ذلك تصادف منطقة باردة من طبقات الجو العليا وتمطر.
هذا العام لم يرد إلينا هذا المعين فأصبح عندنا جفاف وعدم وجود أمطار، ولكن بعد منتصف شهر يناير يبدأ موسم الأمطار بإذن الله تعالى. ولكن الملاحظ أن المطر لم يأت في الموسم الذي يزدهر فيه الربيع فيأتي متأخراً هذا العام، فموسم المطر سيكون في شهر أبريل وتكون أمطاره متفرقة ان شاء الله.
قصة زواج
• حدثنا عن بعض الأحداث الطريفة التي حدثت معك ولا تنسى.
أحداث مع صاحب السمو الشيخ صباح، وأحداث مع الشيخ جابر رحمه الله رحمة واسعة، وأيضاً قصة زواجي.
قبل خمس سنوات توفيت سيدة رحمها الله، كانت عجوزا في الثمانين من العمر، وتؤلمها ركبتاها ولا تستطيع المشي، وأجرينا لها عملية قلب. اتصلت بي وقالت إنها ستطبخ لي جريش، فوافقتها، لكنها قالت: انتقلتم من بيتكم بالروضة إلى اليرموك وسائقنا لا يعرف المنزل، أرسل سائقكم يأتي غداً الساعة الواحدة ظهراً ليأخذ الجريش.
فقلت لها ان شاء الله وأرسلت السائق وأتى بالجريش، وأكلت منه للغداء وبعد يومين اتصلت بي وسألتني: ما رأيك بجريشتنا؟ قلت لها: والله مثل جريشة أول فيها اللبن الحامض. فقالت عليك بالعافية.
هذه السيدة كانت شاهدة على زواجي. فقد كنت طالبا بالمدرسة المباركية وعمري 19 سنة، قال لي ابي سأزوجك فقلت له من؟ قال بنت أخو زوجتي.
أنا كنت أراها عندنا بالبيت وما نظرت لها نظرة زواج، فقلت له هي مثل أختي، ولا أريد أن أتزوجها، فضغط علي أبي وقال: ستتزوجها.
قلت: طيب ألا يوجد إلا هذه البنت. فقال لا، لا يوجد غيرها. فقلت: لم؟
قال: إذا تهاوشت زوجتك مع زوجتي كلهم يذهبون لشخص واحد فزوجتي تذهب إلى أخيها وزوجتك تذهب إلى أبيها. فما اقتنعت، وأصر أبي على الزواج.
أرسلوا «الدزة» على الطريقة القديمة وبعد يومين ثلاثة عمل عزيمة كبيرة بالديوانية وحضر الكثير من أصدقائنا وأقاربنا وجاء أبوها والقاضي الذي سيقوم بعقد القران، وبعد العشاء نادوا أبوها وكيلا عنها ونادوني أنا. وقرأ الشيخ المرحوم عبدالوهاب الفارس وقال قبلتها: فقلت لا. نهرني الموجودون وكيف تعصي والدك أمام الناس، وأخذني داود الجراح رحمه الله للخارج وقال لي: عندي حل يرضيك ويرضي أبوك. قلت ما هو؟، قال: الحل الذي يرضي أبوك أن تتزوجها، والذي يرضيك أن تطلقها.
فقلت له: الآن أتزوجها كي أطلقها؟ أنا أطلقها من الآن فلماذا أتزوجها؟
وفعلاً خرج الناس ولم يتم الموضوع ونهرني الجميع.
وظل أبي ساكتا عن الموضوع ثلاثة أيام، وبعدها قال لزوجته أن تبحث لي عن زوجة لأني عرفت أنه تخلى عن الأخرى. وفعلاً بحثت لي عن ثلاث بنات وعرضت إحداهن ووافقت عليها، وبعد الزواج أول يوم كنا جالسين أنا وزوجتي وزوجة أبي وأختي.
أنا أحب بنت الجيران وبنت الجيران تحبني لكن أبوها قال لأبي أنا أعطي ابنتي هدية لابنك صالح وأبي لا يريدهم، والأخرى أبي يريدها وأنا لا أريدها.
فهنا كان الحل الوسط لا التي أريدها ولا التي يريدها أبي، ويوم أن دخلت علينا البنت التي أحبها قالت لها امرأة أبي: لطيفة. شوفي زرار صالح بينقطع ارتبيه.
وأعطتها خيط وإبرة وقامت تخيط الزرار، وبعد ان انتهت قامت بقطع واحد سليم بحيث تطول في جلستها وأنا ساكت وهي ساكتة.
ونظرت في عينيها وقرأت فيهما نظرة عتاب. تركتني وتزوجت من أخرى؟
وبمرور الأيام تزوجت تلك البنت وأنجبت ولدا وبنتا وتزوج عليها زوجها واحدة سورية، وبعد مرور سنوات كثيرة، أتعرف من هي تلك البنت؟ هي صاحبة الجريش.
لو أننا في مكان ثاني كانوا صوروها وصورونا وقالوا زواج بعد ستين سنة، قالوا لي تزوجها ولكن توفيت رحمة الله عليها.
البرلمان قديما ولا الآن
• عاصرت عددا كبيرا من مجالس الأمة منذ تأسيس المجلس إلى يومنا هذا. كيف يرى العم صالح العجيري الحياة البرلمانية اليوم في الكويت؟
سأعطيك مثالا كيف كان مجلس الأمة في الأول وكيف أصبح الآن.
أول ما تم تأسيس المجلس نوقش موضوع الإسكان، وكنت المسؤول عن الإسكان.
والوزير عبدالله الروضان رحمه الله والمستجوب كان محمد الرشيد رحمه الله.
كيف كان الاستجواب: قاموا بندائنا نحن الثلاثة أنا المسؤول عن الإسكان والوزير ومحمد الرشيد ذهبنا إلى مكتب الوزير في الوزارة، وليس في مجلس الأمة كان ذلك في عام 1963 جلسنا نصف ساعة وانتهى الموضوع وحلت المشكلة. الآن الاستجواب أصبح فيه صغير وكبير وأشهر وسنوات وحريم ورجال.
• اليوم في الكويت الوضع متكهرب جداً، فكل يوم تخرج معارضة أو جهة ومن يطالبون بمطالبات، ما هي الرسالة التي يوجهها العم صالح العجيري إلى المواطنين؟
أقول للمواطنين، كثر الخير وأصبح المواطن يحصل على بيت وراتب، في الأول كان المواطن يعمل بنفسه طول النهار بناي أو يذهب للرمل أو للغوص أو للسفر ويعتمد على نفسه.
والآن لأنه صار الاعتماد على الحكومة سواء في الإسكان أو في المعاش أصاب الناس بطر وغرور وأمور لا تحمد عقباها.
أرجو وآمل وأتمنى أن أرى أن المواطنين قد رجعوا عن غيهم ويتذكرون الماضي والأيام التي عشناها في عيشة صعبة لكن الآن نحن في عيش رغيد فيجب علينا أن نعتبر ونتذكر الماضي ونرجع إلى صوابنا وينعكس هذا على جميع مستويات الحياة المعيشية في الكويت حتى على الحياة السياسية كمجلس الأمة ومجلس الوزراء وغيرها.
ونأمل من المخلصين إن شاء الله أن تعود سابق الأيام كما كانت.
• رسالة أخيرة يوجهها العم صالح العجيري للشباب الكويتي.
الشباب الكويتي أربت على أكتافهم وأكتاف الطالبات والطلاب وأقول لهم حسناً تفعلون.
تدرسون بالكمبيوتر والآيباد والأيفون والمواد الالكترونية الحديثة لكن لا تنسون الكتاب ذا الدفتين تقرأون فيه الحكمة ودينكم وجميع ما يتعلق بحياتكم المعيشية.
وأقول للآباء لا تكرهوا اولادكم على أخلاقكم فهم خلقوا لزمان غير زمانكم.
الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم فنحن نشبه آباءنا لكن نشبه زماننا أكثر وأكثر.
- رسالة للآباء: «لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم.. فهم خلقوا لزمان غير زمانكم»
مرصد العجيري ... قصة طريفة
في ذكرياته لبداية إنشاء المرصد الذي حمل اسمه يقول العجيري: بعدما انتهى صنع التلسكوب في سويسرا وأحضرناه للكويت، حفرنا لإنشائه، وعند الحفر قال أحد الحضور: خلونا نذبح خروف.
قلت له: مو زين حرام.
قال: نحن لا نذبح الخروف كي نستجدي أو نستسمح من الجن الذين حضرنا عليهم، نحن نريد أن نأكل اللحم ونستانس.
وفعلاً اشتروا ثلاثة خرفان بمئة دينار في ذلك الوقت وأكلوا واستأنسوا.
وكان في ذلك الوقت يجتمع مجلس إدارة النادي العلمي مرة كل أسبوع، وفي الاسبوع الذي جرت فيه القصة بعدما أكلوا اللحم أخذ السكرتير يذكر على الحاضرين المبالغ التي صرفها، وذكر 100 دينار لأجل ثلاثة خراف للمرصد.
فاعترض أحدهم وقال: لم تدفعون مئة دينار من ميزانية النادي العلمي للمرصد؟
فرد آخر: ولم لا؟ ألا يستحق المرصد مئة دينار؟
قال: يستاهل ألف لكن ليس من الضروري دفعها من ميزانية النادي العلمي.
فقال: كيف؟
قال: نتبرع نحن بالخرفان. أنا خروف وأنت خروف والشباب خروف.
فضحكنا على هذه الطرفة.
وفعلاً انتهينا من تشييد المرصد وانتهى البناء، وقال لنا النادي العلمي إننا نريد أن يشرفنا سمو الشيخ جابر الأحمد رحمه الله بنفسه لافتتاح المرصد، ليس من أجل المرصد فقط بل ليرى نشاطاتنا في النادي العلمي. ووافق سموه رحمه الله وفعلاً افتتح المرصد.
وفي اليوم التالي قال لي أحد أصدقائي: ما شاء الله أمس رأينا الشيخ جابر افتتح المرصد، وأنت قلت كلمة للشيخ جابر ضحك منها، ماذا قلت له؟
قلت: قلت له يا طويل العمر، سامحنا،مرصدنا صغير لأنه مثل الكويت صغيرة في حجمها كبيرة في معناها.
تكريم ... ودكتوراه فخرية
يتحدث العجيري عما ناله من تكريم، فقال في 23 ديسمبر 1980 كرمت على مستوى الدولة، فقد كرمني وجهاء البلد والوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدون والمهتمون في البلد بهذا الموضوع. كرموني، وعندما انتهى الحفل قدموا لي هدايا إلا وزارة التربية لم تقدم لي شيئاً، وهذا من حسن حظي، ولكن فيما بعد عندما رأى الوزير أن الجميع قدم هدايا إلا هم قام واحد منهم وقال: أما تكريم العجيري من وزارة التربية فإن شاء الله سيكون في عيد العلم في الجامعة.
وبالفعل في عيد العلم في فبراير عام 1981 ذهبت إلى الجامعة وفوجئت بتكريم كبير وقدموا لي شهادة الدكتوراه الفخرية وهي أول شهادة فخرية من جامعة الكويت ولم يأخذها أحد إلا بعد مرور 12 سنة على تكريمي بها.
تعلّمت من أستاذين سمح ... ومعقّد
في حديثه عن رحلته لطلب العلم قال: قصدت مؤلف كتاب استهواني في مصر واسمه عبدالفتاح مرسي غيث، حتى وصلت إليه في مكان يسمى ميت النخاس في الشرقية، والحقيقة أنه ما قصر معي فعلمني عن الأمور التي خفيت عني من الكتاب وأعطاني كتباً ودروساً، لكن قال انظر: أول شيء أنا عمري ثمانين سنة ومكاني بعيد فما رأيك أن أحولك على أحد تلامذتي في القاهرة أقرب لك فحولني على الأستاذ عبدالفتاح وحيد أحمد رحمه الله.
ولم يقصر معي الأستاذ عبدالفتاح وحيد أحمد، فهو أكثر شخص درسني الدروس الفلكية ما بين حساب المثلثات الكروية وحساب اللوغاريتمات وغيرها.
لكن هذا الشخص عنده عقدة نقص قليلة، وهو أنه خلال عشرات السنين الفائتة قام بتجميع كتب من جميع البلدان حتى من الدولة العثمانية وكتب مترجمة وكتب مخطوطة ولكنه لا يسمح لأحد أن يرى كتبه، أغلق عليها مكتبته بالمفتاح وأوصى زوجته في حال وفاته أن تقوم بدفن الكتب معه.
الحقيقة أنا تلميذه وأذهب له ولا يسمح لي برؤية المكتبة، وأنا متشوق لعلم الفلك ومتشوق لهذه الكتب ولا يسمح لي، يأتي بكتاب واحد نقرأه ويعيده مكانه ثم يأتي بكتاب آخر وهكذا.
في يوم من الأيام وبعد وفاته رحمه الله كتبت إليّ زوجته تخبرني بوفاته، فأجبتها بعزائي وقلت لها إني أريد الكتب التي لديكم فقالت لي متى ما جئت إلى القاهرة في أي وقت قم باختيار الكتب التي تريدها.
ذهبت إلى القاهرة وفتحت الكنز العظيم الذي كنت متشوقاً له منذ سنوات وأحضرت ثلاث شنط واخترت 70 كتاباً ووضعتهم في الشنط وسألتها بكم الكتب؟ فقالت لي ببلاش.. فقلت لها لِمَ؟ قالت لأنهم «ضرتي».
الطالب ... المشاغب
يتحدث الدكتور صالح العجيري عن طفولته، فيقول إنه بسبب وفاة أمه مبكرا تحمل أعباء المسؤولية، ولم يعرف مرح الطفولة فانعكس ذلك على سلوكه في المدرسة.
ويتذكر بالقول: عوضت فترة الطفولة الغائبة في الصف فقد كنت مشاغبا كبيرا، ومن بين الشغب المشهور الطنين فيدخل المدرس يجد صوت الطنين ولا يعلم من يفعل ذلك الصوت، وكان مدرسونا فلسطينيين تختلف لهجتهم عن لهجتنا فكنا نقوم بمغالطتهم في الكلام.
وأتذكر أحد أساتذتنا اسمه عمر وكان ذا شخصية ضعيفة فكنا نشاغب بوجوده كثيراً، وأتذكر في رمضان عندما دخل الصف وإذ بالصبية يربطون غترهم على رؤوسهم فتعجب وسأل هل هي عادة أم ماذا؟ فقمت إليهم وأوقفتهم صفاً وقلت لهم ناهراً صوموا صوموا... وذهبت إلى الأستاذ وقلت له أدبهم ودير بالك عليهم. حاكموني طبعاً في المدرسة وتم طردي ثلاثة أيام بسبب هذا التصرف.
العجيري كابتن فريق الجزائر!
من طرائف ما حدث مع العجيري ما تذكره عندما كان يتردد على مكان صنع تلسكوب المرصد الذي حمل اسمه، فقال: كنت أتردد على صناعة التلسكوب في سويسرا، فمرة كنت في الجزائر وسافرت من الجزائر إلى جنيف كي أرى المرصد وكنت أركب في الدرجة الأولى ولا أعلم عن الناس بخلفي، وأنا أمشي وإذ بثلاثة سويسريين ينادون العجيري؟ فقلت: نعم أنا العجيري، فسلموا علي بحرارة وسلموا على من بخلفي، وعندما التفت وإذ بفريق رياضي ذاهب للعب مع الفريق الجزائري وظنوا أني قائد فريق Algeria وأنا اعتقدت أنهم ينادون علي فكانت من الأمور الطريفة التي حدثت معي.
مؤلفاته ... كتب وخمسة أنواع من التقويمات
قدم العجيري للمكتبة العربية العديد من الكتب والمؤلفات الفلكية تضمنت الكثير من الجوانب العلمية، وكان له أسلوب مميز فيها تسهل لطالب علم الفلك الاستفادة من الكتب المتميزة والتي كونت له قاعدة عريضة عند طالبي العلم.
ويقول عن الكتب التي ألفها: في شبابي قدمت الكثير، فمنها محاضرات ومؤلفات ودروس لكثير من الطلاب، وعقدنا دورات ومنها دورة لوزارة الأوقاف عن الشهور وعن القمر ومواقيت الصلاة، وأيضاً دورة لمدرسي ومدرسات وزارة التربية وألفت كتبا من بينها كتاب «دروس فلكية» للمبتدئين، وكتاب «علم الميقات»، وكتاب «كيف تحسب خسوف القمر وكسوف الشمس»، وكتاب «كيف تعرف اتجاه القبلة ومواقيت الصلاة»، كما أصدرت خمسة أنواع من التقويمات.
وهو موسوعة من العلم الذي تبحر به وأتقنه وكان له قصب السبق فيه، وحتى تبحر في هذا البحر الضخم يتوجب عليه أن تكون «نوخذة» ماهرا، و«غواصا» تحسن الاقتناص، و«قبطانا» تملك قدرة الإدارة للحديث وتوجهاته.
إنه الخبير الفلكي وصاحب أول تقويم في الكويت، العم الدكتور صالح العجيري الذي انتقلت معه «الراي» برفقة برنامج «شخصيات كويتية» الإذاعي، من فريج «جبلة» إلى المدرسة المباركية فالشرقية، وأبحرنا في رحلات الغوص والتجارة، ثم عرجنا إلى الفضاء بكواكبه وقرانها، فكانت رحلة من رحلات «ألف ليلة وليلة» اقتنصنا من هذ الفيض الزاخر ما قُدر لنا أن نقتنص، فكان وجبة شهية نضعها بين أيديكم.
العجيري انتقد ما أصاب الكويتي في الوقت الحالي من «بطر وغرور وأمور لا تحمد عقباها» في ظل الاعتماد الكامل على الدولة وما تقدمه له من مسكن ومعاش، مطالبا المواطنين بالعودة إلى الماضي وأخذ العبرة من الآباء والأجداد، حيث «كان المواطن قديما يعمل بنفسه طول النهار»بنّاي«أو يذهب للرمل أو للغوص أو للسفر ويعتمد على نفسه».
وعبر العجيري عن أمله أن يرى المواطنين «وقد رجعوا عن غيهم ويتذكرون الماضي والأيام التي عشناها في عيشة صعبة، وأن يعتبروا ويرجعوا إلى صوابهم، وينعكس هذا على جميع مستويات الحياة المعيشية في الكويت حتى على الحياة السياسية كمجلس الأمة ومجلس الوزراء وغيرها».
وعلى مبدأ «اعرف عدوك لتتقي شره» كانت انطلاقة العجيري مع علم الفلك، حيث كان يخاف من الظواهر الطبيعية، الرعد والبرق ويخاف المطر والريح، ويخاف من الظلام، فكان ذلك الأمر سببا للوصول إلى ما وصل إليه من العلوم الفلكية، هذا عدا ما أتحفنا به من حياته الشخصية، وما تطرق اليه من تاريخ الكويت، نتابعه في السطور التالية.
• أهلاً ومرحباً بكم دكتور صالح. لنا الشرف بوجودك معنا اليوم، طبعاً لا شك أن رحلتك أخذت منك ومن عمرك الكثير، وأثرت في ذاتك وتركت بصمة واضحة في علم الفلك، حيث جلت العالم شرقاً وغرباً ذهاباً وإياباً باحثاً عن كل ما هو جديد ومبتكر في علم الفلك. حدثنا عن بداياتك في البحث عن هذا العلم حتى دراستك ووصولك إلى هذا العمر. محدثكم الدكتور صالح العجيري الباحث الفلكي وسأتحدث ولو يسيراً عن جانب من حياتي الاجتماعية والعلمية والمالية أيضاً، وأتشرف بلقياكم وأتمنى لكم إن شاء الله أن تكونوا بخير ويمن ومسرة. ولدت في الكويت الحي القبلي، وقد بلغت من الكبر عتيا، حيث جاوزت الثالثة والتسعين من عمري. سأتحدث بإذن الله تعالى بما يجود به الخاطر. علم الفلك من العلوم الرصينة التي درج عليها الإنسان منذ وجوده على سطح البسيطة، وكان سبب تعلمي علم الفلك وشغفي به هو أنني في صغري كنت أخاف من الظواهر الطبيعية، فكنت أخاف الرعد والبرق وأخاف المطر والريح وأخاف الظلام وكل الأمور الطبيعية، فدخلت علم الفلك من باب أن أعرف عنه مادام هذا عدوي ولابد أن أتقيه فيجب أن أتعامل معه. الباب الثاني في صغري أرسلني والدي رحمه الله إلى البادية فكنت ضيف قبيلة الرشايدة، وبهرتني سماء الصحراء بجلالها وجمالها وبهائها. شمس مضيئة وقمر منير ونجوم متلألئة، وتعلمت من أولئك البدو ما يتعلق بالحسابات عند عرب البادية، تعلمت منهم قران القمر بالثريا، فكانوا يقولون: قران حادي برد بادي قران تاسع برد لاسع قران سابع مجيع وشابع قران خامس ربيع طامس قران ثالث شديد ولابث قران حادي على الجو ترادي وتعلمت منهم معرفة الاتجاهات كالشرق والغرب والجنوب والشمال من النجمة القطبية باليل لكن إذا صارت شمس وغيوم كيف أعرف الاتجاهات، نعرفها من اتجاهات الكثبان الرملية، وفي كل حجر صغير أو شجيرة صغيرة في الصحراء يتكون في أسفلها مثلث من الرمال الناعمة بسبب أن الريح الشمالية تأتي رتيبة، أما الريح الجنوبية فتأتي متعثرة وتكون هذا المثلث ونعرف منه الاتجاهات. هناك أيضاً باب آخر دخلت فيه لعلم الفلك، ففي زماني لم يكن هناك كتب فلكية أو مدرسون فلكيون، ولكن وقع في يدي كتاب اسمه «المناهج الحميدية» تأليف أحد العلماء المصريين. وعندما قرأت في الكتاب عرفت الكثير منه ولكن خفي عليّ منه شيء آخر، فصممت على أن أسافر إلى مصر وألتقي بالمؤلف وأسأله عن الأمور التي خفيت عني. سافرت من الكويت إلى البصرة بالسيارة، ومن البصرة إلى بغداد بالقطار، ومن العراق إلى الشام في شركة توصيل تسمى نيرين، بعد ذلك ركبت الباخرة من بيروت إلى الإسكندرية، وأتذكر أن الباخرة كان اسمها سورية، ومن الإسكندرية إلى القاهرة بالقطار، ومن القطار انتهى مسيرنا إلى القاهرة، وركبنا سيارات وانتهى خط السيارات وبعد ذلك ركبنا الحمير وأخذنا نبحث عن السيد عبدالفتاح مرسي غيث الذي تعلمت منه.
من هنا البداية
• حدثنا عن مولدك وعن طفولتك وعن شبابك، ودور والدك في حياتك التي وصلت لها.
والدي أسس مدرسة سنة 1920 وأغلقها سنة 1930 بسبب كساد سوق اللؤلؤ حين لم يعد باستطاعة أولياء الأمور دفع الأجرة الشهرية للطالب بالمدرسة، وشيء أذكره للتاريخ هو الأسباب التي أدت إلى كساد اللؤلؤ.
أولاً الكساد العالمي الذي حدث وأصبح الناس لا يشترون الأشياء الثمينة جعل سوق اللؤلؤ ينحط.
ثانياً اليابانيون استطاعوا أن يصنعوا لؤلؤا صناعيا، نحن نقرأ في الكتب القديمة أن المحارة تخرج خارج البحر فتأتي قطرة المطر وتنزل فيها وتصبح لؤلؤة وهذا خطأ وتناقله ناس عن ناس ليس لهم دراية بهذا الأمر، والصحيح أن المحارة في قاع البحر إذا دخل عليها ديدان أو رمال تؤذيها تفرز مادة تكورها عليها فتصبح لؤلؤة، لكن نحن في ذلك الزمان تواصلنا فيما بيننا وتوكلنا على بعضنا وتكاتفنا من أجل المرور من تلك الأزمة وظهرت مسألة الإعارة في ذلك الوقت وأفادتنا كثيراً حيث كان الناس يستعيرون من بعضهم البعض توفيراً للمصاريف.
بعد ذلك انتهى موضوع الغوص ومن الأمور التي تعتبر نقطة سوداء في تاريخ الغوص والتي لم تذكر لا في تراجم ولا في كتب أن البحار يغيب عن بيته أربعة أشهر وهي يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر ويأخذ «سلفة» من صاحب السفينة لمصاريف أهله، وعادة يذهب هذا البحار إلى النوخذة صاحب السفينة من أجل المال فعندما ينادي عليه يتظاهر النوخذة بعدم السماع فصار عندنا مثل ألا وهو «صمخ النواخذة حزة السلف».
وخلال هذه الفترات المتعاقبة على الغوص تمر بعض السنين النادرة تسمى بسنة الطفح يزيد فيها محصول اللؤلؤ على السلفة فكان في كثير من السنين لا يكفي فيصبح البحار خسران، لذلك عندما انتهى سوق اللؤلؤ كان النواخذة يأخذون بيوت البحارة المساكين، ويقومون ببيعها لأخذ ديونهم من البحارة ويخرجونهم من بيوتهم وهذه تعتبر نقطة سوداء لم يذكرها أحد في الغوص.
هناك أيضاً موضوع حدث، حيث ان علي عبدالوهاب المطوع رحمة الله عليه اشترى بيتاً من البيوت الخاصة بالبحارة، وعندما ذهب إلى البيت إذ بزوجة البحار تبكي وعيالها يبكون، وعندما سألهم عن السبب قالوا إنهم يريدون إخراجهم من بيتهم من أجل الدين، فرفض أخذ البيت وأبقاهم فيه فقد كانت لفتة كريمة منه رحمه الله وساعدهم ولم يخرجهم من بيتهم رغم شرائه. ومن الأمور السيئة التي كانت تحدث في الغوص أن البحار دائماً مثل العبد عند الربان صاحب السفينة يضربه ويحجزه.
• هناك كثير من الأشياء سمعتها منك اليوم جديدة علينا حول عالم الغوص تحديداً، فهل الموجودون حالياً جهلوا كيف ينقلون لنا عالم الغوص في تاريخه، وكيف كان يعاني البحارة؟
لا. ذكروا الغوص وكيف كان الغوص والغيص والسيب والتباب والرديف والمحصول، وخصم ثمن الأطعمة التي أكلوها ثم يعطون خمس المحصول للحكومة ثم يأخذ السيب ثلاث حصص، والرديف يأخذ سهما واحدا، لكن الولد الصغير ليس له حصة فيقوم بجمع اللؤلؤ الصغير عندما يرمون المحار في البحر.
مهارات خاصة
• نطلع من عالم الغوص، من خلال السيرة التي قرأتها لاحظت أنك خلال فترة المدرسة كنت داخل ذلك المحيط ولكن كان عندك نشاطات أخرى، هناك نشاط زاولته من عام 1938 إلى عام 1961 كان عندك مهارة تميزت فيها خارج المدرسة.
صحيح. فقد أصبحت ممثلاً من عام 1938 إلى عام 1961، ولا يوجد أحد من الناس اليوم يتذكر أنني كنت من الممثلين في تلك الفترة، فرحم الله من شاهدني، لكن ما هو السبب الذي جعلني أذهب إلى علم التمثيل؟
عندما كان عمري 12 سنة وقد توفيت الدتي، ووالدي كان يعمل في البلدية في أغلب اليوم، فأصبحت فجأة أنا المسؤول عن العائلة، كنت أطبخ وأحلب الغنم وأغسل الملابس وأجهز إخواني إلى المدرسة، فتحملت المسؤولية منذ الصغر، وما لعبت في الشارع مع أقراني وتحملت أعباء الحياة في المنزل. فعوضت مرح الطفولة بالشغب الكبير في المدرسة.
وبسبب الشغب في الصف تم نقلي إلى التمثيل المدرسي ثم إلى التمثيل المسرحي، وكانت أول مسرحية بالكويت عام 1938 اسمها اسلام عمر، وكان فيها مدرسون فلسطينيون وبعض الطلاب، والمسرحية الثانية فتح مصر.
وكنت أنا والمرحوم فهد الصرعاوي وفهد الفارس قمنا بعمل تمثيلية ليس بقصد مسرحية ولكن بقصد الفكاهة لأنه يوم 17 رمضان ذكرى غزوة بدر الكبرى وقاموا بعمل احتفال بهذه المناسبة وفي نهاية الكلام عن الغزوة قدمنا تمثيلية اسمها دختر المريكاني.
بعد ذلك أصبحت ممثلا. ومن الممثلين الذين مثلوا معي حمد الرجيب رحمه الله، ومحمد النشمي والمنيس وكثيرون من الأوائل الذين مثلوا، لكن لم يكن هناك نص، فكنا نقوم بتوزيع الأدوار على كل شخص وكل شخص يدلي بدلوه وعندما يدخلون على خشبة المسرح ويقولون أدوارهم فكانوا يخطئون لعدم وجود نص وكانت المسرحية تستمر لأيام كثيرة لوجود تغيير لعدم التزام بالنص.
ثم الناس في ذلك الوقت لم يكن لديهم أي تسلية إلا المسرح فقد كان يأتي الشيوخ وكبار القوم ويدفعون المال.
ولأني فلكي فقد قمت بعمل مسرحية فلكية فضائية، ألا وهي «غزو الفضاء ونزول الإنسان على القمر»، أحضرنا زميلنا محمد جعفر أطال الله عمره، فقد كان قصير القامة وصغير الجسم وألبسناه لبس الغوص وعلقناه بسقف المسرح وأنزلنا حبل ينزل عليه وأنا جمعت جميع علماء الأرض وأنزلنا محمد جعفر من السقف على أنه كائن فضائي أول مرة يرى بشرا وكنت أشطح أحياناً وأقف على حافة المسرح والعلماء موجودون على المسرح، وكان الشيوخ وكبار القوم يحضرون المسرحية فعبدالله المبارك رحمه الله كان موجودا، ومحمد العتيبي سكرتير الحكومة كان موجودا بجانبي فقلت: اسمعوا يا علماء، أنا جمعتكم على مستوى عال فضحك كثيراً محمد العتيبي عندما رآني أشاور بيدي للأمام وبالأخرى على قدمي فقد ظنني أقول «على مستوى نعالي».
فكان الناس يستسيغون المسرحيات والتمثيليات ومن بينها أن أدخلنا ماعزا على المسرح فضحك الناس كثيرا.
مرصد العجيري
• يمكن من المواضيع التي حدثتني عنها هي المرصد الفلكي والفكرة التي راودتك في أواخر الستينيات وعلى أوائل السبعينيات أن تبني مرصداً فلكياً على نفقتك الخاصة. حدثني عن هذه التجربة ومردودها عليك بعدما أنجزتها.
قصة المرصد نشأت بعد حفل تكريم أقامه لي عدد من الجهات الحكومية، الأمر الذي لم يرق لإحدى الجرائد التي كتبت في صبيحة اليوم التالي إن هذا ليس تكريما، هذا «شروكة» وهي المقصود بها عندما كنا صغارا، كان كل شخص يحضر شيئا فمثلاً واحد يحضر طماطم والآخر يحضر كبريتا والثالث خضارا ونطبخ طبخة ونأكلها فهذه كنا نسميها «شروكة»، فقالت الجريدة ذلك عن تكريمي وقالت يجب أن تقيموا شيئا ينفع البلد كإقامة مرصد مثلاً، فظهرت فكرة المرصد.
أحد البنوك دفع 10 آلاف دينار، وبنوك أخرى وشركات ومؤسسات، والشيخ سعد العبدالله رحمه الله قال: اكتبوا لي كتابا لمجلس الوزراء. ثم أعطانا 150 ألف دينار، والشيخ جابر الأحمد رحمه الله قال: اصرفوا على المرصد كما تشاءون ونحن مستعدون لإقامة المرصد.
ذهبنا إلى أمريكا لشراء تلسكوب للمرصد، كنا نعتقد أن التلسكوبات ستكون مصفوفة للعرض نختار منها ما نريد. ففوجئنا أن الأمر يتعلق بالمبلغ المالي المرصود لشراء التلسكوب ولأي مكان ولماذا نحتاجه كي يقومون بصناعته. ولم نتفق في أمريكا ثم ذهبنا إلى أوروبا ولم نتفق، ومن حسن حظنا أننا لم نتفق لا في أوربا ولا في أمريكا، فعندما ذهبنا إلى سويسرا وجدنا في جبال الألب شخصا ألمانيا يسكن في سويسرا ولديه مرصد هو وأصدقاؤه وإذا بهم يفكرون في شراء تلسكوب حديث لكن ليس لديهم المال الكافي.
وعندما وجدوا لدينا القدرة المادية قالوا لنا تعالوا نساعدكم بأفكارنا ولا نريد أي منفعة مادية، وفعلاً أحضروا التقني من فرنسا وقاموا بصب العدسة في أمريكا ثم كانت الصناعة في سويسرا في جبال الألب.
استمر المرصد وكنت أتردد عليه وفي يوم من الأيام قال لي عضو مجلس إدارة النادي العلمي بأن التلسكوب قد انتهوا منه ولم يتبق إلا الشحن بالطائرة. وهو الآن يمشي ويصيح. فقلت لم؟ قال تأخذوني من أحسن مكان بالعالم جبال الألب إلى بلاد العرب رطوبة وغبار وهواء وحرارة. فغلبته وقلت قل له لا. ستأتي إلى أحسن بلد في العالم كله، قال كيف؟ قلت: قل له بلاد العرب مهبط الوحي ومهد الحضارات.
• الشيخ جابر الأحمد رحمه الله كان زميلا لك أثناء الدراسة. هل هذه المعلومة صحيحة؟
نعم صحيحة، أنا عام 1938 دخلت المدرسة المباركية وفوجئت بأنه في الصف معي الشيخ جابر رحمه الله، وكان أصغر مني بخمس سنوات لكن في ذلك الزمن في الصف الواحد لم تكن المراحل التعليمية مقيدة بسن معين مثل الآن.
كان رحمه الله متواضعا، فعندما كان يجلس بالأمام ظن أنهم وضعوه بالأمام لأنه ابن الأمير، فاعترض وسأل لماذا تجلسوني بالأمام هل لأني ابن الأمير؟
فقالوا له لا، بل لأنك صغير والصغار في الأمام والكبار في الخلف هذا هو ابن مساعد الصالح بجانبك. فاقتنع.
ومن تواضعه أن مدرس اللغة العربية اسمه محمد محمود نجم فلسطيني أعطانا في درس المحفوظات تسمى الآن «نصوص». أعطانا قصيدة الشمس لشاعر النيل حافظ إبراهيم ومنها:
لاح منها حاجب للناظرين... وتبدت فتنة للعالمين
وهناك بيت قبل الأخير فتن به الشيخ جابر ألا وهو:
أإله لم ينزّه ذاته عن كسوف بئس زعم الخاسرين
وكان كل يوم يطلب من الأستاذ أن يقرأ علينا قصيدة ليسمع البيت، وكان يعيش معنا بمنتهى البساطة والتواضع وظلت صحبتي له لم يقصر عني إلى آخر أيامه رحمه الله رحمة واسعة.
وبعد ذلك أنا لي قصة مع سمو الشيخ صباح الأحمد، فكنا طلاب الثانوية في المدرسة المباركية وعندما وصلنا إلى الصف الثاني الثانوي نجح منا عدد قليل وكانت دائرة المعارف في ذلك الوقت تحتاج مدرسين فأخذونا مدرسين وأنا كنت مدرساً بالمدرسة الشرقية ففوجئت بأن الشيخ صباح موجود في المدرسة.
وما حدث في أحد الأيام أنني كنت مراقبا بالمدرسة وأقف على الرصيف وبيدي الجرس اليدوي، وقع ابن النصف على الأرض فصفق أصحابه وصاحت المدرسة كلها، وعندما صارت فوضى تعصبت وضربت أقرب واحد بجانبي من التلاميذ بالجرس وبعد ضربه قلت أذهب لأرى هذا الولد الذي ضربته ماذا حدث له، وعندما ذهبت وإذ به يضحك وأخذت أقص على اخوانه وأقول لهم هذه البسمة التي على وجه الشيخ صباح ماهي مكتسبة بل هي طبيعية منذ الطفولة.
تاريخ وجوائز
• لاشك أن مسيرتك كانت حافلة بالأعمال والإنجازات، ونلت الكثير من كتب الشكر والتكريمات، حدثنا عنها في داخل الكويت وخارج الكويت كذلك.
تم تكريمي في القاهرة عدة مرات، وكرمت في الكويت عدة مرات كذلك، وحصلت على قلادة مجلس التعاون، والحمد لله رب العالمين أن عندي طلابا الآن يبلغ عددهم نحو 100 طالب يدرسون على يدي، وقمت بعمل مؤلفات كثيرة كما ذكرت، وغير المؤلفات درست مدرسي التربية وموظفي الأوقاف، صحيح أنهم سبقوني في عصر العلم والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة، بينما أنا مازلت على طرازي القديم لكني أجدد من وقت لآخر. وكلهم ماشاء الله عليهم لهم مكانتهم، منهم مساعد الحماد وعادل حسن والفلكيون الكويتيون.
• أكيد كان هناك جائزة قريبة منك، فما الجائزة التي تشعر بأنها الأقرب إلى قلبك من بين كل هذه الجوائز والشهادات؟
الجائزة هي شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة الكويت، ثم تتالت الإنجازات والتكريمات وغيرها
أحمد الله سبحانه وتعالى أن أعطاني في هذا الزمن ما كنت أرجو وأتمنى.
• حدثنا عن حياتك الأسرية وأبنائك، وهل منهم من ترى فيه البذرة الموجودة في شخصيتك؟
أولادي كل منهم أخذ طريقه، فالتاجر تاجر والموظف موظف، لكن ابني الصغير جمال له بعض الرغبة في علم الفلك لكن على الطريقة الحديثة وأحضر تلسكوبات من الخارج واستعملها وأنجز أشياء كثيرة ولكن ليس هناك الشغف والاهتمام الزائد بمثل ما كنت أنا. فأنا اهتممت بالفلك طول عمري ومن صغري إلى الآن فعمري الفلكي طويل.
أحمد الله سبحانه وتعالى على نعمة الأولاد. وزوجتي رحمها الله تعالى أحببتها حباً شديداً وهي في آخر أيامها تعبت كثيراً بمرض هشاشة العظام فتنام على سرير طبي وأنا فراشي بالأرض بجوارها فكنت أجاورها وأعتني بها، وفي ليلة الأربعاء 1 أكتوبر 2003 قمت وإذا بدخان في الحجرة، بحثت عن الدخان وبحثت عن الجرس كي أنادي الممرضة لتخرجها معي وما وجدت الجرس، ناديت لأحد أولادي كان عمره 60 سنة وقتها، وقلت له هيا نخرج أمك إلى الصالة، وأخرجناها من الغرفة بعيداً عن الدخان، وجاء في بالي أقول للخدم عندنا نار بالسكن أو بالسكن المجاور لينادوا الإطفاء فذهبت إليهم.
وعندما رجعت إذا بمحمد ليس موجودا فقد مات اختناقاً من الدخان وماتت زوجتي أيضاً قبل الذهاب للمستشفى من الدخان، وأنا ذهبت للمستشفى وجلست 21 يوما لم يعلموني بوفاة زوجتي وابني.
وفي يوم من الأيام جاء أحد أبنائي ببلح وقال هذا البلح كالذي كانت تحبه أمي رحمها الله.
وعندها علمت أنهما توفيا رحمهما الله.
أريد أن أقول ملاحظة وفائدة من هذه الحادثة، فولدي محمد عندما جاء رجال الإطفاء ودخلوا وجدوه يأخذ العلاق الخاص بالملابس كي يكسر الشبك الموجود على الشباك ولم يستطيع ووقع مختنقاً، قبل سنة ونصف احترق البيت على عائلة وجاءت الإطفاء وإذا بالعائلة ميتة والأب يمسك بالشباك ويحاول أن يزيل الشبك أيضاً. فأنا أنصح بإزالة الحماية الحديدية من على الشبابيك.
• أنت قلت لي إن أول رزنامة طبعتها سنة 1955، وكانت بشكل بدائي بسيط على نفقتك الخاصة بمطابع بغداد. حدثني عن تلك الرزنامة.
سأتحدث باختصار شديد عن هذا الموضوع، في المدرسة التي افتتحها والدي كان هناك رزنامة بالحائط ويقطعون منها ورقة كل يوم، قمت بتقليد هذه الرزنامة بالأرقام ثم باليوم والشهر، ثم بعد ذلك قمت بإضافة الشهر والسنة ثم السنة الميلادية ثم المواقيت، وفي عام 1936 تقريباً قمت بعمل رزنامة للمنزل.
وتم طباعتها في البصرة وقمت بقصها، ثم طبعتها في أماكن كثيرة في اليابان وسنغافورة وحلب ودمشق وبيروت وفي مصر وفي نابلس فلسطين عام 1955 قمت بطباعتها أيضاً.
تأخر الشتاء
• العم صالح العجيري، ما أسباب تأخر الشتاء هذا العام؟
فيما يتعلق بتأخر الأمطار هذا العام أنه نضب معين هضبة البحيرات في شرق أفريقيا، فهي تصدر عادة منخفضات جوية تمر على البحر الأحمر ولا تؤثر فيه وتمر على جبال تهامة ولا تؤثر فيها ابتداء من منتصف جزيرة العرب يبدأ تأثيرها برياح جنوبية شرقية تمر على مسطحات الخليج المائية ثم بعد ذلك تصادف منطقة باردة من طبقات الجو العليا وتمطر.
هذا العام لم يرد إلينا هذا المعين فأصبح عندنا جفاف وعدم وجود أمطار، ولكن بعد منتصف شهر يناير يبدأ موسم الأمطار بإذن الله تعالى. ولكن الملاحظ أن المطر لم يأت في الموسم الذي يزدهر فيه الربيع فيأتي متأخراً هذا العام، فموسم المطر سيكون في شهر أبريل وتكون أمطاره متفرقة ان شاء الله.
قصة زواج
• حدثنا عن بعض الأحداث الطريفة التي حدثت معك ولا تنسى.
أحداث مع صاحب السمو الشيخ صباح، وأحداث مع الشيخ جابر رحمه الله رحمة واسعة، وأيضاً قصة زواجي.
قبل خمس سنوات توفيت سيدة رحمها الله، كانت عجوزا في الثمانين من العمر، وتؤلمها ركبتاها ولا تستطيع المشي، وأجرينا لها عملية قلب. اتصلت بي وقالت إنها ستطبخ لي جريش، فوافقتها، لكنها قالت: انتقلتم من بيتكم بالروضة إلى اليرموك وسائقنا لا يعرف المنزل، أرسل سائقكم يأتي غداً الساعة الواحدة ظهراً ليأخذ الجريش.
فقلت لها ان شاء الله وأرسلت السائق وأتى بالجريش، وأكلت منه للغداء وبعد يومين اتصلت بي وسألتني: ما رأيك بجريشتنا؟ قلت لها: والله مثل جريشة أول فيها اللبن الحامض. فقالت عليك بالعافية.
هذه السيدة كانت شاهدة على زواجي. فقد كنت طالبا بالمدرسة المباركية وعمري 19 سنة، قال لي ابي سأزوجك فقلت له من؟ قال بنت أخو زوجتي.
أنا كنت أراها عندنا بالبيت وما نظرت لها نظرة زواج، فقلت له هي مثل أختي، ولا أريد أن أتزوجها، فضغط علي أبي وقال: ستتزوجها.
قلت: طيب ألا يوجد إلا هذه البنت. فقال لا، لا يوجد غيرها. فقلت: لم؟
قال: إذا تهاوشت زوجتك مع زوجتي كلهم يذهبون لشخص واحد فزوجتي تذهب إلى أخيها وزوجتك تذهب إلى أبيها. فما اقتنعت، وأصر أبي على الزواج.
أرسلوا «الدزة» على الطريقة القديمة وبعد يومين ثلاثة عمل عزيمة كبيرة بالديوانية وحضر الكثير من أصدقائنا وأقاربنا وجاء أبوها والقاضي الذي سيقوم بعقد القران، وبعد العشاء نادوا أبوها وكيلا عنها ونادوني أنا. وقرأ الشيخ المرحوم عبدالوهاب الفارس وقال قبلتها: فقلت لا. نهرني الموجودون وكيف تعصي والدك أمام الناس، وأخذني داود الجراح رحمه الله للخارج وقال لي: عندي حل يرضيك ويرضي أبوك. قلت ما هو؟، قال: الحل الذي يرضي أبوك أن تتزوجها، والذي يرضيك أن تطلقها.
فقلت له: الآن أتزوجها كي أطلقها؟ أنا أطلقها من الآن فلماذا أتزوجها؟
وفعلاً خرج الناس ولم يتم الموضوع ونهرني الجميع.
وظل أبي ساكتا عن الموضوع ثلاثة أيام، وبعدها قال لزوجته أن تبحث لي عن زوجة لأني عرفت أنه تخلى عن الأخرى. وفعلاً بحثت لي عن ثلاث بنات وعرضت إحداهن ووافقت عليها، وبعد الزواج أول يوم كنا جالسين أنا وزوجتي وزوجة أبي وأختي.
أنا أحب بنت الجيران وبنت الجيران تحبني لكن أبوها قال لأبي أنا أعطي ابنتي هدية لابنك صالح وأبي لا يريدهم، والأخرى أبي يريدها وأنا لا أريدها.
فهنا كان الحل الوسط لا التي أريدها ولا التي يريدها أبي، ويوم أن دخلت علينا البنت التي أحبها قالت لها امرأة أبي: لطيفة. شوفي زرار صالح بينقطع ارتبيه.
وأعطتها خيط وإبرة وقامت تخيط الزرار، وبعد ان انتهت قامت بقطع واحد سليم بحيث تطول في جلستها وأنا ساكت وهي ساكتة.
ونظرت في عينيها وقرأت فيهما نظرة عتاب. تركتني وتزوجت من أخرى؟
وبمرور الأيام تزوجت تلك البنت وأنجبت ولدا وبنتا وتزوج عليها زوجها واحدة سورية، وبعد مرور سنوات كثيرة، أتعرف من هي تلك البنت؟ هي صاحبة الجريش.
لو أننا في مكان ثاني كانوا صوروها وصورونا وقالوا زواج بعد ستين سنة، قالوا لي تزوجها ولكن توفيت رحمة الله عليها.
البرلمان قديما ولا الآن
• عاصرت عددا كبيرا من مجالس الأمة منذ تأسيس المجلس إلى يومنا هذا. كيف يرى العم صالح العجيري الحياة البرلمانية اليوم في الكويت؟
سأعطيك مثالا كيف كان مجلس الأمة في الأول وكيف أصبح الآن.
أول ما تم تأسيس المجلس نوقش موضوع الإسكان، وكنت المسؤول عن الإسكان.
والوزير عبدالله الروضان رحمه الله والمستجوب كان محمد الرشيد رحمه الله.
كيف كان الاستجواب: قاموا بندائنا نحن الثلاثة أنا المسؤول عن الإسكان والوزير ومحمد الرشيد ذهبنا إلى مكتب الوزير في الوزارة، وليس في مجلس الأمة كان ذلك في عام 1963 جلسنا نصف ساعة وانتهى الموضوع وحلت المشكلة. الآن الاستجواب أصبح فيه صغير وكبير وأشهر وسنوات وحريم ورجال.
• اليوم في الكويت الوضع متكهرب جداً، فكل يوم تخرج معارضة أو جهة ومن يطالبون بمطالبات، ما هي الرسالة التي يوجهها العم صالح العجيري إلى المواطنين؟
أقول للمواطنين، كثر الخير وأصبح المواطن يحصل على بيت وراتب، في الأول كان المواطن يعمل بنفسه طول النهار بناي أو يذهب للرمل أو للغوص أو للسفر ويعتمد على نفسه.
والآن لأنه صار الاعتماد على الحكومة سواء في الإسكان أو في المعاش أصاب الناس بطر وغرور وأمور لا تحمد عقباها.
أرجو وآمل وأتمنى أن أرى أن المواطنين قد رجعوا عن غيهم ويتذكرون الماضي والأيام التي عشناها في عيشة صعبة لكن الآن نحن في عيش رغيد فيجب علينا أن نعتبر ونتذكر الماضي ونرجع إلى صوابنا وينعكس هذا على جميع مستويات الحياة المعيشية في الكويت حتى على الحياة السياسية كمجلس الأمة ومجلس الوزراء وغيرها.
ونأمل من المخلصين إن شاء الله أن تعود سابق الأيام كما كانت.
• رسالة أخيرة يوجهها العم صالح العجيري للشباب الكويتي.
الشباب الكويتي أربت على أكتافهم وأكتاف الطالبات والطلاب وأقول لهم حسناً تفعلون.
تدرسون بالكمبيوتر والآيباد والأيفون والمواد الالكترونية الحديثة لكن لا تنسون الكتاب ذا الدفتين تقرأون فيه الحكمة ودينكم وجميع ما يتعلق بحياتكم المعيشية.
وأقول للآباء لا تكرهوا اولادكم على أخلاقكم فهم خلقوا لزمان غير زمانكم.
الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم فنحن نشبه آباءنا لكن نشبه زماننا أكثر وأكثر.
- رسالة للآباء: «لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم.. فهم خلقوا لزمان غير زمانكم»
مرصد العجيري ... قصة طريفة
في ذكرياته لبداية إنشاء المرصد الذي حمل اسمه يقول العجيري: بعدما انتهى صنع التلسكوب في سويسرا وأحضرناه للكويت، حفرنا لإنشائه، وعند الحفر قال أحد الحضور: خلونا نذبح خروف.
قلت له: مو زين حرام.
قال: نحن لا نذبح الخروف كي نستجدي أو نستسمح من الجن الذين حضرنا عليهم، نحن نريد أن نأكل اللحم ونستانس.
وفعلاً اشتروا ثلاثة خرفان بمئة دينار في ذلك الوقت وأكلوا واستأنسوا.
وكان في ذلك الوقت يجتمع مجلس إدارة النادي العلمي مرة كل أسبوع، وفي الاسبوع الذي جرت فيه القصة بعدما أكلوا اللحم أخذ السكرتير يذكر على الحاضرين المبالغ التي صرفها، وذكر 100 دينار لأجل ثلاثة خراف للمرصد.
فاعترض أحدهم وقال: لم تدفعون مئة دينار من ميزانية النادي العلمي للمرصد؟
فرد آخر: ولم لا؟ ألا يستحق المرصد مئة دينار؟
قال: يستاهل ألف لكن ليس من الضروري دفعها من ميزانية النادي العلمي.
فقال: كيف؟
قال: نتبرع نحن بالخرفان. أنا خروف وأنت خروف والشباب خروف.
فضحكنا على هذه الطرفة.
وفعلاً انتهينا من تشييد المرصد وانتهى البناء، وقال لنا النادي العلمي إننا نريد أن يشرفنا سمو الشيخ جابر الأحمد رحمه الله بنفسه لافتتاح المرصد، ليس من أجل المرصد فقط بل ليرى نشاطاتنا في النادي العلمي. ووافق سموه رحمه الله وفعلاً افتتح المرصد.
وفي اليوم التالي قال لي أحد أصدقائي: ما شاء الله أمس رأينا الشيخ جابر افتتح المرصد، وأنت قلت كلمة للشيخ جابر ضحك منها، ماذا قلت له؟
قلت: قلت له يا طويل العمر، سامحنا،مرصدنا صغير لأنه مثل الكويت صغيرة في حجمها كبيرة في معناها.
تكريم ... ودكتوراه فخرية
يتحدث العجيري عما ناله من تكريم، فقال في 23 ديسمبر 1980 كرمت على مستوى الدولة، فقد كرمني وجهاء البلد والوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدون والمهتمون في البلد بهذا الموضوع. كرموني، وعندما انتهى الحفل قدموا لي هدايا إلا وزارة التربية لم تقدم لي شيئاً، وهذا من حسن حظي، ولكن فيما بعد عندما رأى الوزير أن الجميع قدم هدايا إلا هم قام واحد منهم وقال: أما تكريم العجيري من وزارة التربية فإن شاء الله سيكون في عيد العلم في الجامعة.
وبالفعل في عيد العلم في فبراير عام 1981 ذهبت إلى الجامعة وفوجئت بتكريم كبير وقدموا لي شهادة الدكتوراه الفخرية وهي أول شهادة فخرية من جامعة الكويت ولم يأخذها أحد إلا بعد مرور 12 سنة على تكريمي بها.
تعلّمت من أستاذين سمح ... ومعقّد
في حديثه عن رحلته لطلب العلم قال: قصدت مؤلف كتاب استهواني في مصر واسمه عبدالفتاح مرسي غيث، حتى وصلت إليه في مكان يسمى ميت النخاس في الشرقية، والحقيقة أنه ما قصر معي فعلمني عن الأمور التي خفيت عني من الكتاب وأعطاني كتباً ودروساً، لكن قال انظر: أول شيء أنا عمري ثمانين سنة ومكاني بعيد فما رأيك أن أحولك على أحد تلامذتي في القاهرة أقرب لك فحولني على الأستاذ عبدالفتاح وحيد أحمد رحمه الله.
ولم يقصر معي الأستاذ عبدالفتاح وحيد أحمد، فهو أكثر شخص درسني الدروس الفلكية ما بين حساب المثلثات الكروية وحساب اللوغاريتمات وغيرها.
لكن هذا الشخص عنده عقدة نقص قليلة، وهو أنه خلال عشرات السنين الفائتة قام بتجميع كتب من جميع البلدان حتى من الدولة العثمانية وكتب مترجمة وكتب مخطوطة ولكنه لا يسمح لأحد أن يرى كتبه، أغلق عليها مكتبته بالمفتاح وأوصى زوجته في حال وفاته أن تقوم بدفن الكتب معه.
الحقيقة أنا تلميذه وأذهب له ولا يسمح لي برؤية المكتبة، وأنا متشوق لعلم الفلك ومتشوق لهذه الكتب ولا يسمح لي، يأتي بكتاب واحد نقرأه ويعيده مكانه ثم يأتي بكتاب آخر وهكذا.
في يوم من الأيام وبعد وفاته رحمه الله كتبت إليّ زوجته تخبرني بوفاته، فأجبتها بعزائي وقلت لها إني أريد الكتب التي لديكم فقالت لي متى ما جئت إلى القاهرة في أي وقت قم باختيار الكتب التي تريدها.
ذهبت إلى القاهرة وفتحت الكنز العظيم الذي كنت متشوقاً له منذ سنوات وأحضرت ثلاث شنط واخترت 70 كتاباً ووضعتهم في الشنط وسألتها بكم الكتب؟ فقالت لي ببلاش.. فقلت لها لِمَ؟ قالت لأنهم «ضرتي».
الطالب ... المشاغب
يتحدث الدكتور صالح العجيري عن طفولته، فيقول إنه بسبب وفاة أمه مبكرا تحمل أعباء المسؤولية، ولم يعرف مرح الطفولة فانعكس ذلك على سلوكه في المدرسة.
ويتذكر بالقول: عوضت فترة الطفولة الغائبة في الصف فقد كنت مشاغبا كبيرا، ومن بين الشغب المشهور الطنين فيدخل المدرس يجد صوت الطنين ولا يعلم من يفعل ذلك الصوت، وكان مدرسونا فلسطينيين تختلف لهجتهم عن لهجتنا فكنا نقوم بمغالطتهم في الكلام.
وأتذكر أحد أساتذتنا اسمه عمر وكان ذا شخصية ضعيفة فكنا نشاغب بوجوده كثيراً، وأتذكر في رمضان عندما دخل الصف وإذ بالصبية يربطون غترهم على رؤوسهم فتعجب وسأل هل هي عادة أم ماذا؟ فقمت إليهم وأوقفتهم صفاً وقلت لهم ناهراً صوموا صوموا... وذهبت إلى الأستاذ وقلت له أدبهم ودير بالك عليهم. حاكموني طبعاً في المدرسة وتم طردي ثلاثة أيام بسبب هذا التصرف.
العجيري كابتن فريق الجزائر!
من طرائف ما حدث مع العجيري ما تذكره عندما كان يتردد على مكان صنع تلسكوب المرصد الذي حمل اسمه، فقال: كنت أتردد على صناعة التلسكوب في سويسرا، فمرة كنت في الجزائر وسافرت من الجزائر إلى جنيف كي أرى المرصد وكنت أركب في الدرجة الأولى ولا أعلم عن الناس بخلفي، وأنا أمشي وإذ بثلاثة سويسريين ينادون العجيري؟ فقلت: نعم أنا العجيري، فسلموا علي بحرارة وسلموا على من بخلفي، وعندما التفت وإذ بفريق رياضي ذاهب للعب مع الفريق الجزائري وظنوا أني قائد فريق Algeria وأنا اعتقدت أنهم ينادون علي فكانت من الأمور الطريفة التي حدثت معي.
مؤلفاته ... كتب وخمسة أنواع من التقويمات
قدم العجيري للمكتبة العربية العديد من الكتب والمؤلفات الفلكية تضمنت الكثير من الجوانب العلمية، وكان له أسلوب مميز فيها تسهل لطالب علم الفلك الاستفادة من الكتب المتميزة والتي كونت له قاعدة عريضة عند طالبي العلم.
ويقول عن الكتب التي ألفها: في شبابي قدمت الكثير، فمنها محاضرات ومؤلفات ودروس لكثير من الطلاب، وعقدنا دورات ومنها دورة لوزارة الأوقاف عن الشهور وعن القمر ومواقيت الصلاة، وأيضاً دورة لمدرسي ومدرسات وزارة التربية وألفت كتبا من بينها كتاب «دروس فلكية» للمبتدئين، وكتاب «علم الميقات»، وكتاب «كيف تحسب خسوف القمر وكسوف الشمس»، وكتاب «كيف تعرف اتجاه القبلة ومواقيت الصلاة»، كما أصدرت خمسة أنواع من التقويمات.