«الراي» في مخيمات النازحين المغمورة بالثلج و ... المآسي

«زينة» بيّضت الساحل اللبناني

تصغير
تكبير
تلملم «زينة» ضوضاءها تاركة وراءها رداءها الأبيض المترامي حتى تخوم الساحل الذي لامسته الثلوج متفيئة درجات حرارة سجّلت بانخفاضها أرقاماً نادرة راوحت بين الصفر على بعض السواحل وصولاً الى عشرة تحت الصفر في الاعالي.

ففي ثالث أيام العاصفة القطبية التي دهمت لبنان وأثلجت قلوب ابنائه الذين اشتاقوا للأبيض الذي سيستقبلونه ابتداء من اليوم على ساحات التزلج، استمرّ تساقُط الثلوج التي بلغت مناطق على نحو غير مسبوق منذ عشرات السنين مثل حلبا (عكار) والمنصورية (المتن) واقليم الخروب (الشوف) وقرى قريبة من الساحل في الكورة (الشمال).


ورغم انحسار «زينة» ظهر امس عن السواحل الا ان مفعولها سيستمر على المرتفعات التي ستشهد استمرار تراكُم الثلوج وسط تمديد قرار قفل المدارس حتى اليوم وعزْل العديد من القرى التي واصلت توجيه نداءات الاستغاثة لفك الحصار الابيض عنها.

ورغم الفرحة التي سادت اللبنانيين بـ «الضيف المنتظر» فان «زينة» لم تحلّ برداً وسلاماً على النازحين السوريين الذي كشفت العاصفة مدى هشاشة تقديمات الجمعيات الانسانية لهم ومدى ثقل عبء هذا الملف على الدولة اللبنانية.

وكانت الأيام الاربعة الماضية التي قضى فيها خمسة نازحين بينهم طفلان من البرد وأُدخل فيها عشرات الأطفال السوريين الى المستشفيات كفيلة بإماطة اللثام عن مسلسل «البؤس» الذي يعيشه نحو 1.3 مليون لاجىء سوري يسكن غالبيتهم في خيم من نايلون وخيش او خشب لم تتأخر في السقوط فوق رؤوسهم وهم نائمون لعدم قدرتها على تحمل ثقل الثلج الذي تساقط ولا سرعة الرياح التي تجاوزت 80 كلم في الساعة في المناطق الجبلية وتحديدا البقاعية التي أقيم فيها نحو 220 مخيما عشوائياً للنازحين.

ويحتاج الزائر الى مخيم تل سرحون (البقاع) الى كمامة كي يستطيع التوقف والتحدث مع النازحين، جراء الروائح الكريهة المنبعثة من «دواخين» المدافئ. فرائحة البلاستيك والاسفنج المحروق تجعل المتنشق يدرك مدى خطورة ان تطول زيارته لساعة واحدة من الوقت فكيف الحال بالقاطنين هنا وبالاطفال الذين يرسم الدخان على وجوههم علاماته السود. علماً ان هذا المخيم يبلغ عدد الخيم فيه 85 وتسكن فيها 115 عائلة، وقد هدمت العاصفة 15 خيمة. وليس بعيداً، تعبّر عينا «أم صالح» (السبعينية) الدامعتان عن الحرْقة التي تساورها وهي تلملم محتويات خيمتها التي سقطت من ثقل الثلوج عليها، في مخيم تل سرحون في منطقة بر الياس العقارية، لتردف وهي تمسح وجنتيها من الدمع وما علق في تجاعيدها من حبيبات الثلج: «أكثر من هيك مذلة ما في..الله يريحنا ونرجع ديارنا»، لتروي كيف قضت ليلتها واحفادها عند قريبهم في خيمة واحدة حتى بلغ العدد فيها 21 شخصاً.

ويعزو عبد الحليم ما أصاب ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات من مرض صدري، الى ما يشعله في المدفئة من بلاستيك وإسفنج يجمعه من «بورات» خردة السيارات المنتشرة في المنطقة، ملقياً اللوم على الجمعيات التي «تدعي انها توزع المساعدات علينا»، ليردف «لا نرى منهم الا الوعود، ادخلتُ ابني الى المستشفى وطلبوا صورة»ايكو«له، فرفضت الامم تغطية ثمن الصورة التي تكلفني 100 دولار، فاضطررت لأن اسحبه من المستشفى دون علاج لعدم قدرتي على دفع فلس واحد مما طلب مني».

مخيم تل سرحون لا يختلف عن غيره من المخيمات العشوائية، وكذلك هو الحال في مخيم «عبد الكريم» نسبة الى اسم شاويش المخيم الذي يستأجر الارض من صاحبها اللبناني في قب الياس ويوزع مساحات الخيم عليهم مقابل 400 دولار عن كل خيمة.

وما يجمع بين النازحين في المخيمات العشوائية هو الالم من عواصف لا تميّز بين طفل وشيخ، وعدم القدرة على مواجهة الصقيع في الظروف العادية فكيف عند تدني درجات الحرارة التي بدأت في المناطق البقاعية تصل الى 7 و8 تحت الصفر.

لا يعرف سويد الدكش البالغ من العمر 75 عاماً الاسباب التي اعتمدت عليها مفوضية الامم لشطب اسمه من المساعدات، ولا ان زوجته خرساء، ومسنة ايضاً، وقال: «منذ اربعة اشهر تم شطبي وعائلتي، كنا نستفيد من المساعدة الغذائية، أما اليوم بعدما حرمنا من المساعدة نقبع معا في خيمة يبلغ عدد الساكنين فيها 17 فرداً» واضاف: «بنام متل علبة السردين»، وأخاف من تفاقم معاناتي من مرض الربو جراء ما نشعله في المدفئة من بلاستيك واحذية كي لا يموت اولادنا من البرد».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي