«زينة الموسم» ... لوحات جميلة ونهايات مأسوية

لبنان في قبضة العاصفة ... 4 ضحايا سوريين و«الأبيض» لامس الساحل

تصغير
تكبير
«زينة الموسم». هكذا يمكن وصْف العاصفة الثلجية التي أطلق لبنان عليها اسم «زينة» (zina) والتي «أحكمت القبضة» أمس على البلاد من أقصاها إلى أقصاها راسمةً «لوحة بيضاء» بدءاً من ارتفاع 400 متر لم تخلُ من «الأسود»

مع تسجيل 4 حالات وفاة لسوريين بينهم طفلان إما جراء الصقيع أو خلال محاولة الانتقال إلى لبنان عبر الجرود في بلدة شبعا (الجنوب).


وشغلت هذه العاصفة، وهي الأقوى التي تضرب البلاد منذ أعوام، لبنان وتصدّرت الشاشات أخبار «اجتياح» الجنرال الثلج المرتفعات وشريط الأضرار المتنقلة التي أحدثتها «زينة» وبيانات التوجيه الصادرة «كل دقيقة» عن قوى الأمن في محاولة للحدّ من الخسائر البشرية.

وعلى وقع انقطاع الكهرباء في عدد كبير من المناطق جراء شدة الرياح وفي ظل إقفال المدارس أبوابها، عصفت «زينة» الآتية من القطب الشمالي عبر أوروبا الشرقية والتي تستكمل «استعراضها الأبيض» اليوم، تاركة اللبنانيين أمام مشهد انتظروه طويلاً ولكنه حلّ مثقلاً بأضرار لم توفّر شبكات الهاتف والإنترنت وبلغت ارتداداتها حدّ تعليق الملاحة الجوية مرتين ليل الثلاثاء في مطار رفيق الحريري الدولي وصدور قرار رسمي بقفل المدارس وترك الأمر للجامعات لتقرر المناسب.

وما جعل العاصفة تترك أثراً «صاخباً» هو سرعة الرياح التي لامست 90 كيلومتراً في الساعة في بعض المراحل، وارتفاع موج البحر إلى أكثر من سبعة أمتار وهو ما تسبب بـ «تمدُّد» البحر إلى نقاط على شاطئ بيروت واقتحامها منازل ومتاجر وموانئ الصيادين ولا سيما في الجناح والأوزاعي، وتهديدها المرفأ الأثري لمدينة جبيل.

من الشمال إلى الجنوب، مروراً بجبل لبنان والبقاع، بدت «زينة» جميلة وخشنة، حيث «تركت بصماتها» المدوية على شكل اقتلاع أشجار وسيول ووحول وأتربة وانهيارات صخرية في عدد من المناطق، وانهمار صواعق وصولاً إلى عزل العديد من القرى الجبلية جراء تراكُم الثلوج التي لامست بعد الظهر ارتفاع 500 متر وكان يفترض أن تنخفض ليل أمس إلى ما دون 400 متر، في ظل حرارة ستبلغ 3 على الساحل علماً أنها انخفضت إلى ما دون 5 تحت الصفر في الأعالي.

والطقس الذي سيستمر عاصفاً اليوم وغداً واكبته الأجهزة الأمنية باستنفارفوق العادة وصولاً الى عقد هيئة الكوارث عصر امس اجتماعاً استثنائياً لتلافي أي خسائر بشرية اضافية واتخاذ إجراءات تحوُّط مع التوقعات التي تحدثت عن امكان تمديد مفاعيل «زينة» حتى الويك إند.

وأفادت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نهاراً ان العاصفة أدت إلى قطع غالبية الطرق الجبلية وحصول أضرار كبيرة في شبكات الهاتف والكهرباء والانترنت، وان أضراراً كبيرة سجلت عند الموانئ البحرية حيث سجلت ارتفاعات قياسية للأمواج، ما ألحق أضراراً كبيرة بالمنشآت، ولا سيما في ميناء مدينة جبيل التاريخية شرق بيروت وميناء مدينة صور جنوب لبنان.

حتى أن «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية توقفت عن بث أخبارها لبعض الوقت بسبب صاعقة ضربت صباحاً شبكة ا?نترنت الخاصة بموقعها الالكتروني، علماً ان سماكة الثلوج تجاوزت متراً ونصف المتر في عدد من المناطق بينها فاريا، فيما راوحت بين 20 و25 سنتيمتراً في بعض بلدات وقرى البقاع الاوسط التي تعلو 800 مترعن سطح البحر.

على الوجه الأكثر مأسوية لـ «زينة» تجلى في ما ألحقته بمخيمات النازحين السوريين المنتشرين في مناطق لبنانية مرتفعة غالبيتها في البقاع والشمال أو الذين سعوا لدخول لبنان، حيث دفعوا «فاتورة» اللجوء بوفاة أربعة منهم، بينهم الطفلة هبة عبد الغني (في البقاع الاوسط) وطفل آخر (8 سنوات) كان برفقة والده وشقيقه ينتقلون عبر الطريق الجردية الى بلدة شبعا، فيما قضى الراعي عمار كمال (35 عاماً) في منطقة الرشاحة في شبعا اضافة الى شخص رابع كان يحاول العبور من سورية الى البلدة نفسها.

وقد حلّت «زينة» على النازحين السوريين ضيفة «ثقيلة» على خيمهم العشوائية حيث يعيشون في ظروف إنسانية سيئة، لافتقاد الغالبية الساحقة منهم لمادة المازوت وثمنها، خصوصاً للعائلات التي تم حرمانها مساعدات الأمم المتحدة.

منذ ساعات صباح امس، استنفر شباب المخيمات وعملوا على جرف الثلوج عن أسطح خيمهم في البقاع تداركاً لانهيارها فوق رؤوسهم، كما عملوا على إزالة الثلوج عن خطوط الكهرباء التي كانت تهددهم بكوارث بحال سقوطها.

ونتيجة لقوة العاصفة وعدم قدرة البعض على تأمين مادة المازوت عمد بعض النازحين الى حرق أخشاب وأعواد ومواد بلاستيكية بغية الحصول على الدفء.

يُذكر أن إحصاءات الصليب الأحمر اللبناني حتى النصف الأول من يوم أمس أشارت إلى أن فرق الإسعاف والطوارئ التابعة له نقلت منذ يوم الثلاثاء 249 حالة، بينها جثتان و9 حالات إنعاش قلبي رئوي (CPR).

طفلة سورية ماتت من البرد

|?بيروت - «الراي»?|

... هي ليست مجرّد طفلة بلا اسم، او «رقم» في عداد المليون ومئتي الف نازح سوري الذين يستضيفهم لبنان... هي ليست مجرّد «ضحية» طقسٍ عاصف «قطفها» لتطوي سنواتها العشر وترحل.

هي هبة عبد الغني، الطفلة السورية التي هربت من «كرة النار» المتدحرجة في بلادها والتي نجت من عمليات القتل «بدم بارد» لتموت «من البرد» في احد مخيمات اللاجئين في البقاع الاوسط اللبناني، وكأنه لم يكن امامها الا الاختيار بين «الجحيم» في وطنها او «سماءٍ» انتقلت اليها باكراً بعدما «اكتوت» بصقيعٍ «حرق قلب» عائلتها.

«هبة» الطبيعة من الثلوج لم تحمل لهبة عبد الغني، ابنة حمص، «الخير»، بل كتبت لها نهاية مفجعة في أرض اللجوء التي قصدتها بحثاً عن حضن آمن سرعان ما «خذلها» تماماً كما العالم الذي تخلى عن الشعب السوري ونازحيه بالملايين الذين تُركوا «فريسة» للجوع والصقيع.

و«الطفلة الملاك» التي قضت في احدى الخيم البلاستيكية التي يقيم فيها الآلاف من النازحين السوريين في لبنان، تشكّل عيّنة لعشرات آلاف الأطفال الذين شخصت الأنظار عليهم مع هبوب العاصفة «زينة» .

هبة عبد الغني، نامت على فرشتها الباردة ولم تستيقظ... تركت «ألعابها» من التراب والوحل وملعب الركض خلف الأمل المفقود لترقد في «ترابٍ بارد» صارت تلتحفه بعيداً عن بيتها وأحلامها التي أفلتت من براميل متفجرة وحطّمها الصقيع في ليل... غادِر.

كيف بدأ لبنان بـ «تسمية» عواصفه؟

|?بيروت - «الراي»?|

اللبنانيون منشغلون هذه الأيام بالضيف الجديد «زينة» الذي حلّ عليهم بعد «نانسي» و«ميشا» و«كاتسي»، من دون معرفة من يقف وراء تسمية هذه العواصف التي هبّت من دون استئذان.

رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في لبنان مارك وهيبة شرح في اتصال مع «الراي» أنه «في العادة مثل هذه العواصف لا يتم إطلاق تسمية لها، فالتسميات تعطى للأعاصير، هذا في الوضع الطبيعي، لكن ما حصل في الفترة الأخيرة أننا بدأنا نسمع تسميات تُطلق من مصادر مجهولة وبشكل عشوائي على كل منخفض جوي أو ظرف جوي استثنائي وهو ما دفع بمصلحة الأرصاد الجوية إلى العمل لوقف هذا الخلل من خلال وضع جدول بأسماء نطلقها على كل عاصفة تحمل مميزات معينة»، وأضاف «الجدول يعتمد على الأحرف الأبجدية الإنكليزية بشكل معكوس وقد بدأنا بـ Z من بعدها في الأبجدية Y، ومرة سيكون الاسم مؤنثاً وأخرى مُذَكَّراً، فبعد ى«زينة»، على اللبنانيين انتظار اسم عاصفة مذكّر، وهذا استوحيناه من آليات تسمية الأعاصير العالمية».

وختم: «ليست أي عاصفة تستحق أن تعطى اسماً، بل لابد أن تحمل معها رياحاً قوية ودرجات حرارة منخفضة وثلوجاً تهطل على مستويات متدنية وأمطاراً غزيرة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي