رحلة لا تخلو من الاغتصاب والخطف في قوارب الهجرة غير الشرعية

سوريون يهربون من أسلحة الدمار ومعتقلات التعذيب ... إلى الموت على شواطئ إيطاليا

تصغير
تكبير
• ليبيا هي النقطة الأبرز التي ينطلق منها اللاجئون نحو أوروبا بسبب قربها الجغرافي

• 207 آلاف مهاجر عبروا المتوسط خلال العام الفائت 3419 منهم قضوا نحبهم

• تكلفة العبور إلى «أرض الأحلام» من 3 إلى 12 ألف دولار للشخص الواحد

• السويد وألمانيا الوجهتان الأوليان لما تتمتعان به من سمعة في حسن الاستقبال

• 17 دولة وافقت على فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين الراغبين في الهجرة
... «الصورة سوداء». هذه خلاصة التقرير الأخير الذي صدر عن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة حول الأعداد المتزايدة للمهاجرين، ومخلفات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وغيرها ولا سيما هجرة السوريين الذين يعيشون ظروفاً قاسية سواء كانوا داخل بلدهم أم من الذين نزحوا إلى دول الجوار. إذ إن الضحايا في ازدياد، والهاربون من الفقر والحرب يقعون في حبال عصابات الهجرة المنتشرة، فإما يقضون نحبهم في البحر غرقاً وتلفظ الامواج جثثهم إلى الشواطئ، أو تبتلعهم حيتان المياه الزرقاء.

وبحسب التقرير فإن ما لا يقل عن 3419 مهاجراً غير شرعي قضوا في عرض البحر الأبيض المتوسط في 2014، فيما حاول 207 آلاف مهاجر عبور المتوسط خلال العام الفائت وهو عدد فاق بنحو ثلاثة أضعاف الرقم القياسي السابق الذي سُجل عام 2011 حين فر 70 ألف مهاجر من بلادهم في خضم الربيع العربي.

ورغم ما يقال عن «الحلم الأوروبي»، فإن التقرير انتقد طريقة تعاطي الدول الأوروبية مع مسألة الهجرة، إذ ان بعض الحكومات تركز جهودها على إبقاء المهاجرين خارج حدودها أكثر منها على احترام حق اللجوء.

ويسعى السوريون إلى الهجرة هرباً من أسلحة الدمار والفتك الكيميائي ومعتقلات التعذيب وسجون المخابرات ومن بطش النظام والارهابيين المتطرفين الذين ينتشرون على الاراضي السورية يعيثون ذبحاً وفرقة وقتلاً ومن أمراء الحرب والعصابات، ويحاولون الوصول إلى الدول الأوروبية عبر البحر، لكن «قوارب الصيد» التي يفترض ان تكون المنقذ من «الجحيم» تتحول الى «قوارب موت» يدفعون ثمنها حياتهم بعد دفع اموال مرتفعة يتدبرونها بصعوبة للعصابات التي تغريهم بنقلهم نحو الأمان والاستقرار.

كثيرة هي روايات الغرق التي طالت العشرات من السوريين وهم يحاولون التسلل إلى السواحل الإيطالية بطريقة غير شرعية، عن طريق ليبيا التي تُعتبر النقطة الأبرز التي ينطلق منها اللاجئون نحو أوروبا بسبب قربها الجغرافي، لكن كثيرين يقصدون مصر بسبب انخفاض التكلفة المادية التي يتقاضاها المهرّبون لقاء عملهم، الا ان عمليات الاحتيال واسعة، والتهديد بالقتل قائم والخطر بالمرصاد وخصوصاً انه يجري تهديد المهاجرين بالقتل في حال لم يرغب البعض بدفع مبالغ اعلى من التي تم الاتفاق عليها، وهنا يسقط السوريون في الفخ، فلا يستطيعون التراجع ولا التقدم، الا بالخضوع لابتزاز المهربين وجشعهم وصراعاتهم. علماً أن تكلفة العبور إلى «أرض الأحلام» ترواح بين 3 إلى 12 ألف دولار للشخص الواحد مع عدم وجود أي «تنزيلات» على الأسعار للعائلات ولا للاطفال، بحيث يمكن أن تتكبّد عائلة مؤلفة من 6 أو 7 أفراد خمسين ألف دولار أحياناً ثمن رغبتها في الهجرة ما لم تكن الحسابات واضحة، ولذلك فإن تخطيط السوريين المعاكس يتمّ عبر تدابير مواجهة تقضي بسفر الزوج أو الابن الشاب أولاً على أن يعمل لاحقاً على جمع الشمل بطريقة قانونية.

وتشكل السويد وألمانيا الوجهتين الأوليين للاجئين السوريين لما تتمتعان به من سمعة جيدة كبلد استقبال للاجئين. لكن اجتذاب السويد للاجئين قابله امتعاض من الدنمارك التي رغم أنها أدخلت أخيراً ليونة على قوانينها، فإنها لا تمنح حق الإقامة إلا للاجئين القادمين من المناطق الأشد دماراً. اما ألمانيا فالكثيرون يرغبون بالسفر اليها لانها تقبل الطلبات، في حين ان بلغاريا تُعتبر مجرد ممر للاجئين السوريين كونها البلد الاوروبي الاكثر فقراً ما يجعلهم لا يحبذون البقاء فيها ولا في صربيا.

وكان رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة انطونيو غوتيريس اعلن اخيراً ان «17 دولة وافقت على فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين الراغبين في الهجرة»، مشيراً الى ان «هذه البلدان يمكن أن تستقبل اكثر من عشرة آلاف لاجئ

يرغبون في مستقبل افضل»، وورد اسم المكسيك بينها للمرة الأولى في حين أن الدول الاخرى هي: استراليا والنمسا وكندا وفنلندا وألمانيا والمجر ولوكسمبورغ وهولندا ونيوزيلندا والنروج واسبانيا والسويد وسويسرا والدنمارك وفرنسا والولايات المتحدة. وتشير الارقام الى أن عدد النازحين السوريين داخل بلدهم وصل إلى 4.25 مليون نازح، في حين أن اللاجئين الذين تركوا سورية وصل عددهم إلى مليونين و120 ألف لاجئ.

يروي محمد الرفاعي لــ«الراي» قصته مع الهجرة غير الشرعية، فهو واجه أخطاراً عدة داخل سورية، من النظام نفسه ومن بعض المعارضين و«داعش» أيضاً، ولم يكن بإمكانه اللجوء إلى دولة محيطة بسورية، لأن لكل واحدة أجندة مختلفة، فوجد أن الحل هو اللجوء إلى أوروبا، ولا سيما بعدما تعرض للاعتقال مرتين على يد المخابرات السورية ونال نصيبه من التعذيب.

انخرط في الثورة كناشط سياسي منذ لحظة اندلاعها في درعا حيث عُرف بنشاطه الإعلامي عبر تزويد محطات التلفزة الفضائية بصور التظاهرات وفيما بعد بأحوال هذه المنطقة إثر الانشقاقات العسكرية وحروب الكر والفر بين قوات الأسد و«الجيش السوري الحر» والفصائل المقاتِلة الأخرى.

يبلغ محمد الخامسة والعشرين من عمره، ما يزال شاباً أعزب ولذلك غامر بالخروج بطرق غير شرعية، إثر شعوره بازدياد الخطر على حياته وملاحقته «فلم يعد بالإمكان البقاء».

وإذ تحفّظ عن ذكر طريقة إخراجه من سورية وتاريخ خروجه، مفضّلاً تجاوُز هذه المرحلة لأسباب أمنية، ولا سيما أن ضرراً قد يصيب أقرباءه أو معارفه في الداخل، اشار إلى أنه استطاع الوصول إلى ليبيا حيث كانت هناك عصابات تنقل اللاجئين بحراً إلى سواحل أوروبا.

ويروي أنه تعرّف على إحدى العصابات ودفع لها مبلغ 2500 دولار أميركي لنقله من ليبيا إلى إيطاليا عبر مركب صيد صغير، «حُشر» داخله نحو 400 شخص بينهم نساء وأطفال لا يتجاوز عمرهم ست سنوات واجهوا خطر الموت، موضحاً ان المركب كان يضم أيضاً أشخاصاً من جنسيات أخرى غير سورية بينهم فلسطينيون وسودانيون وأريتريون وبنغلادشيون.

ووصف الوضع على المركب بـ «المأساة» إذ «لم تكن هناك إمكانية للجلوس بسبب العدد الكبير، كما انني كنتُ أشعر ببعض الآلام نتيجة التعذيب الذي تعرّضتُ له في سجون الأسد، اذ لم أكن معافى تماماً، ثم انني كنت أشعر بالقهر الشديد، لأن أفراد العصابة كانوا يتعاطون مع السوري وكأنه مجرد رقم، اي مبلغ مالي فقط ولا ينتبهون أو يدركون حساسية ما مرّ به وما عاشه من خوف وقلق. تَعامُل هذه العصابات كان سيئاً جداً معنا».

أما عن المرحلة الاولى فيقول «في البداية هناك تجمع للمهاجرين غير الشرعيين في ليبيا يوضع فيها كل الأشخاص من كل الجنسيات هي عبارة عن مستودعات كبيرة، وهناك تجري عمليات تشليح ونصب واغتصاب وقتل للحصول على المال الكافي من بعضهم البعض لتأمين مبالغ السفر للعصابات، وتلك معاناة إذ يجب أن يبقى المرء منتبهاً لكل حركة. بعد ذلك، قيل لنا اننا سنغادر، وكنا قرابة 400 شخص ركبنا مركب صيد، وتعرضنا لحادثة غرق. كان هناك أشخاص مرضى من جنسيات فلسطينية وسورية وعراقية وسودانية وأريترية، وقد أصاب المركب أكثر من عطل في قلب البحر. والضغط الذي عانيناه كان جراء وجود نساء حوامل وأطفال رضع. الوضع كان مزرياً ومأسوياً، والمعنويات متحطمة تحت الأرض، وشعرنا بخطر كبير على حياتنا ولا شيء من حولنا غير البحر وليل ولا يابسة، وكان صراخ الأطفال يتعالى عند ارتفاع المركب مع الموج اذ كان الهواء يتلاعب بنا ونحن نستغفر الله ونتلو الصلوات والأدعية، والقارب في مكانه لا يتقدم أنملة بسبب عطل أصابه دون وجود إمكانية لإصلاحه. لا أحد كان يتوقع أن ينجو من الكارثة».

ويضيف: «كان أحدنا يملك هاتف (ثريا) فيه فقط 30 دولاراً، اتصلنا عبر هذا الجهاز بالمهرّبين وطلبنا إنقاذنا، ولم نستطع الحديث معهم سوى لدقائق معدودة، إذ انتهى رصيد الدولارات سريعاً، لكنهم أرسلوا لنا (سفينة جرافة) لإصلاح المركب، ومشينا به قرابة ساعة وتعطل من جديد. هم ذهبوا بحجة أنهم سيجلبون لنا ماء من مصنع للنفط الا اننا لم نرهم بعدها. كنا قد فقدنا الأمل بالحياة والوصول إلى اليابسة، لكن فجأة رأينا تحركات خفر السواحل الإيطالية، الا ان هذا كان بعدما قضى خمسة من ركاب المركب معنا نحبهم».

ويتابع «جاء خفر السواحل وأخرجونا من الجحيم، اهتموا بالنساء وكانت معاملتهم جد إنسانية وطيبة. ومع وصولنا إلى إيطاليا تلك كانت لحظة ولادة لحياة مختلفة بالنسبة لي وللراكبين، وعلى الفور نُقل المرضى إلى المشفى للعلاج، ولا سيما النساء الحوامل والمرضى وتم دفن الموتى، وعندما سئلت إلى أين وجهتك قلت ألمانيا».

وأوضح محمد «لقد اخترت ألمانيا لأنها دولة محترمة وفيها فرص عمل كبيرة، وكانت الطريق إليها سهلة بواسطة القطار إذ لم يكن لديّ جواز سفر، وإمكانية التنقل بين الدول الأوروبية سهلة جداً بالقطار، ولم أستخدم الطيران بالطبع، وذهبتُ إلى فرنسا ومن ثم إلى بلجيكا ومنها إلى هولندا فألمانيا حيث سلمتُ نفسي إلى قسم الشرطة في مدينة فرانكفورت وحكيتُ لهم قصتي. وقد استقبلوني بطريقة جيدة وساعدوني على الاستقرار وتأمين حاجياتي الإنسانية، وها أنا اليوم أعيش في مدينة هانوفر، عندي منزل وأتقاضى راتباً يلبي حاجاتي المعيشية، والطبابة مؤمنة، وأسعى إلى أن يكون لدي عمل مناسب. المهم انني أعيش في أمان وحرية وغير مهدَّد من أحد ومرتاح البال».

ويؤكد «هذا لا يعني أنني لن ألعب دوري كمعارض للنظام، بل سأبقى أرفع صوت المدنيين السوريين الذين يعانون الجوع والخوف والموت اليومي والعذاب وسأظلّ أنتقد أخطاء المعارضة. سأكون صوت الناس أينما ذهبتُ».

ويرى محمد أن «السوريين كانوا ببشار والآن أصبحوا بـ(داعش)، وأنا أتخوّف ليس مما جرى بل مما سيجري من أحداث، فهناك مَن لا يريد إنهاء الصراع في سورية. لم يبق إرهابي في العالم إلا ودخل إليها. هناك مَن يعمل لمصالح شخصية ويدّعي الثورة، القصة كبرت، ومنطقة شمال سورية ستعاني كثيراً».

لا يفكر في العودة إلى سورية فهو لم يأت إلى ألمانيا كلاجئ إنساني، بل لأنه مهدَّد، ويعتبر أن «الشعب السوري سينتصر على بشار ولو بعد حين، لكن المسألة صارت أكبر من بشار، الله يستر منطقة الشمال من داعش وحرب أهلية».

وأخيراً يحذر العائلات السورية من اعتماد وسيلة البحر إذا أرادوا الهجرة لا سيما النساء والأطفال، «فخطر الغرق قائم ثم هناك حوادث مقرفة ولا إنسانية يتعرضون لها مثل الاغتصاب وحتى الخطف لتحصل العصابات على المال في مستودعات تجميع المهاجرين غير الشرعيين، إضافة إلى الجوع والمرض... فالمشهد مرعب، صحيح أنهم يريدون الخلاص ولكن قد يكون الموت بانتظارهم في البحر لذلك عليهم التنبه».

ويأمل محمد الرفاعي في الحصول على الجنسية الألمانية بعد الإقامة هناك سبع سنوات بحسب معرفته القليلة بالقوانين الألمانية، مشيراً إلى أنه لا يختلط كثيراً باللاجئين السوريين فهو يتخوف من أشخاص لا يعرف وجهتهم السياسية ولذلك لا يتكلم كثيراً ولا يعبّر عن رأيه بالعلن «إلا أمام أصدقاء أثق بهم ويشبهونني في التفكير».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي