«مهضوم وشرس» وأم كلثوم رافقته دائماً وزار الولايات المتحدة... «ولاية كل عام»
كرامي طوى عمره وعلامته الفارقة سقوط حكومتيْه... في الشارع
عمر كرامي في صورة أرشيفية (أ ب)
ينكّس لبنان أعلامه اليوم حداداً على الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي الذي توفي امس عن عمر يناهز 80 عاماً بعد معاناة مع المرض أبقته في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت لأسابيع.
وتودّع عاصمة الشمال طرابلس ولبنان الرسمي والشعبي اليوم الرئيس كرامي، سليل العائلة «الاستقلالية» الذي طبع المشهد السياسي في محطات عدة عبر تجربة كان فيها الكثير من «الحلو والمُر».
فـ «عمر أفندي» كرامي كان معروفاً بالسياسي «المهضوم» و«الشرس» في آن واحد، وبشخصية ميّزتها مفارقات طبعت مسيرته في الحكم والمعارضة والموالاة والـ «بين بين».
ورغم دخوله الحياة السياسية كـ «امر واقع» بحكم الوراثة بعد اغتيال شقيقه الرئيس رشيد كرامي (العام 1987)، الا ان تجربته انطبعت بـ «شؤم» سياسي اذ ان الحكومتين اللتين ترأسهما سقطتا في الشارع في تطور غير مسبوق في تاريخ لبنان، الاولى التي ترأسها في ديسمبر 1990 سقطت في مايو 1992 بعد تظاهرات شعبية وحرق دواليب نتيجة ما عرف وقتها بـ«ثورة الجياع» بعد وصول الليرة اللبنانية إلى أسوأ مستوياتها مقابل الدولار (3000 ليرة للدولار الواحد)، والثانية التي ترأسها العام 2004 وقدّم استقالتها في فبراير 2005 بعد اسبوعين على اغتيال الرئيس رفيق الحريري وذلك تحت ضط التظاهرات الشعبية الحاشدة التي مهدت لـ «انتفاضة الاستقلال» (14 مارس 2005) واتهام شقيقة الحريري النائبة بهية حكومته بالتقصير وحتى بالتورط في جريمة 14 فبراير 2005.
وبعدما أعيد تكليفه بتشكيل الحكومة واستمرّت المشاورات حتى ابريل 2005 الا انه لم يفلح بتشكيلها وانكفأ عن الواجهة هو الذي كان عيّن نائبا عن طرابلس في العام 1991 ليُنتخب عن هذا المقعد في الأعوام 1992، 1996 و2000.
والراحل من مواليد 17 مارس 1935 درس المحاماة في القاهرة على غرار شقيقه، ومارسها، لكن عشقه الحقيقي كان للزراعة والارض والطبيعة، كما لتربية المواشي. عيّن وزيراً للتربية والفنون الجميلة في الحكومة الاولى ما بعد الطائف (اقر العام 1989)، وما لبث ان اضحى رئيساً للحكومة الثانية في «جمهورية الطائف» خلفاً للرئيس سليم الحص. خاض الانتخابات النيابية في دورتيْ 1992 و 1996 من مواقع الشراكة «القسرية» للقطب الماروني الشمالي الوزير سليمان فرنجية في ترؤس اللائحة، وخاض انتخابات الالفين في موقع الخصم لفرنجية متحالفاً مع نايلة معوض التي لم يكن يجمعها مع فرنجية سوى الخصومة. وكان الراحل يكاد لا يخرج من معركة حتى تأسره اخرى وكان يهادن تارة ويهاجم طوراً ويتوعد احياناً على قاعدة ان غداً لناظره قريب. لكن«الأفندي» الذي كان يعرف متى «يطلق النار»، أتقن ايضاً لعبة تدوير الزوايا، ما اتاح له الخروج من «أزماته» بأقل خسائر ممكنة حتى بعد «نكسة» 2005.
كان الصغير بين اولاد رجل الاستقلال عبد الحميد كرامي الثلاثة. وحين قتل شقيقه الرئيس رشيد كرامي في الاول من يونيو 1987 كان طبيعياً ان يتولى شقيقه معن إكمال مسيرة الزعامة الكرامية، كونه الثاني في ترتيب الاشقاء، الا انه فضّل ان يخلي الساحة لعمر، وهكذا كان. فدخل السياسة من بوابة الارث السياسي مستفيداً من رصيد والده الغني عبد الحميد الذي كان رمزاً لمناهضة الانتداب الفرنسي وممسكاً بالشارع الطرابلسي فترات طويلة بين الثلاثينات والاربعينات، ومستفيداً تالياً من رصيد رشيد كرامي وتجربته السياسية الواسعة، ومما اكتسبه لدى ممارسته في الحكم من سمات رجل الدولة.
ترعرع في طرابلس وبدأ دراسته في كلية التربية والتعليم الاسلامي في عاصمة لبنان الثانية. ولكن حين عيّن والده رئيساً للحكومة العام 1944 انتقل الى بيروت وانتقلت معه العائلة، فأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في الجامعة الاميركية. كان يود ان يتخصص في الهندسة الزراعية لشدة حبه للارض، لكنه هرب من هذا التخصص بسبب كثافة المواد العلمية فيه ليدرس المحاماة اسوة بشقيقه رشيد. فذهب الى كلية الحقوق في القاهرة نظراً الى ثقافته الانكليزية، على غرار ما فعل اخوه، فأمضى هناك اربعة اعوام عاد بعدها بإجازة في الحقوق، وانتسب الى نقابة المحامين في بيروت وتدرج في مكتب المحامي موريس نصر لثلاثة اعوام، وحين انهى تدرجه، نقل انتسابه الى نقابة محامي الشمال وفتح مكتباً في طرابلس.
وقد سعى الى توجيه ابنه الثاني فيصل نحو دراسة المحاماة، لانها تساعد في العمل السياسي، إلا ان الأخير لم يكن راغباً فيها، مثله مثل اخيه الاكبر خالد، فاتجه الى التخصص في ادارة الاعمال.
ومعلوم ان عمر كرامي الذي خرج من انتخابات 1996 ضعيفاً، آثر مقاطعة ساحة النجمة التي لا تتسع لكرامييْن (هو وابن عمه احمد كرامي)، ولم تطأ قدماه البرلمان حتى يوم انتخاب العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية العام 1998. وقد افتقدت مقاعد النواب وجوده ونكاته وتعليقاته الساخرة حيناً واللاذعة احياناً والتي كان يرشق بها حكومات الرئيس رفيق الحريري من موقعه المعارض الشرس لسياسات «الخصم اللدود»، الذي كان كرامي يرى انه لم يكن بعيداً هو وحليفه الرئيس الياس الهراوي عام 1992 عن «انتفاضة الدواليب» التي اطاحته من رئاسة الحكومة الاولى له. ذلك انه غالباً ما ردد ان ?ان السادس من مايو كان مكيدة و«بات الكل يعلم ذلك».
حتى سن متقدّمة جداً كان لا يزال محافظاً على رشاقته بفعل ممارسته الرياضة يومياً، شتاء على آلات في المنزل، وصيفاً في الصعود الى جبال وأماكن لا يجرؤ احد على زيارتها. و«الجد» عمر كان هاوياً للعبة التنس التي مارسها كلما كان الطقس جيداً. حبه للزراعة دفعه الى انشاء مزرعة في ضيعته مرياطة التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن طرابلس وكان يربي فيها الاغنام التي كان له في فترات نحو ألف رأس منها، كما اهتمّ بالزراعات في البيوت البلاستيكية.
وحبه للارض كان يوازي حبه للصيد. ففي اوقات فراغه كان يتحول صياداً بحرياً وبرياً، كما كان مغرماً بالافلام الاميركية، وفضّلها على البرامج السياسية، حتى انه أحبّ «بلاد العام سام» الى درجة انه تعرف تقريباً على كل ولاية منها على طريقة «ولاية كل عام».
ام كلثوم كانت رفيقته الدائمة، يسمعها يومياً واحياناً كثيرة في الصباح. تعلّق لفترة بكاظم الساهر وبأغنية نزار قباني «زيديني عشقاً» ولكن لا احد يتقدم ام كلثوم عنده.? ?
وتودّع عاصمة الشمال طرابلس ولبنان الرسمي والشعبي اليوم الرئيس كرامي، سليل العائلة «الاستقلالية» الذي طبع المشهد السياسي في محطات عدة عبر تجربة كان فيها الكثير من «الحلو والمُر».
فـ «عمر أفندي» كرامي كان معروفاً بالسياسي «المهضوم» و«الشرس» في آن واحد، وبشخصية ميّزتها مفارقات طبعت مسيرته في الحكم والمعارضة والموالاة والـ «بين بين».
ورغم دخوله الحياة السياسية كـ «امر واقع» بحكم الوراثة بعد اغتيال شقيقه الرئيس رشيد كرامي (العام 1987)، الا ان تجربته انطبعت بـ «شؤم» سياسي اذ ان الحكومتين اللتين ترأسهما سقطتا في الشارع في تطور غير مسبوق في تاريخ لبنان، الاولى التي ترأسها في ديسمبر 1990 سقطت في مايو 1992 بعد تظاهرات شعبية وحرق دواليب نتيجة ما عرف وقتها بـ«ثورة الجياع» بعد وصول الليرة اللبنانية إلى أسوأ مستوياتها مقابل الدولار (3000 ليرة للدولار الواحد)، والثانية التي ترأسها العام 2004 وقدّم استقالتها في فبراير 2005 بعد اسبوعين على اغتيال الرئيس رفيق الحريري وذلك تحت ضط التظاهرات الشعبية الحاشدة التي مهدت لـ «انتفاضة الاستقلال» (14 مارس 2005) واتهام شقيقة الحريري النائبة بهية حكومته بالتقصير وحتى بالتورط في جريمة 14 فبراير 2005.
وبعدما أعيد تكليفه بتشكيل الحكومة واستمرّت المشاورات حتى ابريل 2005 الا انه لم يفلح بتشكيلها وانكفأ عن الواجهة هو الذي كان عيّن نائبا عن طرابلس في العام 1991 ليُنتخب عن هذا المقعد في الأعوام 1992، 1996 و2000.
والراحل من مواليد 17 مارس 1935 درس المحاماة في القاهرة على غرار شقيقه، ومارسها، لكن عشقه الحقيقي كان للزراعة والارض والطبيعة، كما لتربية المواشي. عيّن وزيراً للتربية والفنون الجميلة في الحكومة الاولى ما بعد الطائف (اقر العام 1989)، وما لبث ان اضحى رئيساً للحكومة الثانية في «جمهورية الطائف» خلفاً للرئيس سليم الحص. خاض الانتخابات النيابية في دورتيْ 1992 و 1996 من مواقع الشراكة «القسرية» للقطب الماروني الشمالي الوزير سليمان فرنجية في ترؤس اللائحة، وخاض انتخابات الالفين في موقع الخصم لفرنجية متحالفاً مع نايلة معوض التي لم يكن يجمعها مع فرنجية سوى الخصومة. وكان الراحل يكاد لا يخرج من معركة حتى تأسره اخرى وكان يهادن تارة ويهاجم طوراً ويتوعد احياناً على قاعدة ان غداً لناظره قريب. لكن«الأفندي» الذي كان يعرف متى «يطلق النار»، أتقن ايضاً لعبة تدوير الزوايا، ما اتاح له الخروج من «أزماته» بأقل خسائر ممكنة حتى بعد «نكسة» 2005.
كان الصغير بين اولاد رجل الاستقلال عبد الحميد كرامي الثلاثة. وحين قتل شقيقه الرئيس رشيد كرامي في الاول من يونيو 1987 كان طبيعياً ان يتولى شقيقه معن إكمال مسيرة الزعامة الكرامية، كونه الثاني في ترتيب الاشقاء، الا انه فضّل ان يخلي الساحة لعمر، وهكذا كان. فدخل السياسة من بوابة الارث السياسي مستفيداً من رصيد والده الغني عبد الحميد الذي كان رمزاً لمناهضة الانتداب الفرنسي وممسكاً بالشارع الطرابلسي فترات طويلة بين الثلاثينات والاربعينات، ومستفيداً تالياً من رصيد رشيد كرامي وتجربته السياسية الواسعة، ومما اكتسبه لدى ممارسته في الحكم من سمات رجل الدولة.
ترعرع في طرابلس وبدأ دراسته في كلية التربية والتعليم الاسلامي في عاصمة لبنان الثانية. ولكن حين عيّن والده رئيساً للحكومة العام 1944 انتقل الى بيروت وانتقلت معه العائلة، فأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في الجامعة الاميركية. كان يود ان يتخصص في الهندسة الزراعية لشدة حبه للارض، لكنه هرب من هذا التخصص بسبب كثافة المواد العلمية فيه ليدرس المحاماة اسوة بشقيقه رشيد. فذهب الى كلية الحقوق في القاهرة نظراً الى ثقافته الانكليزية، على غرار ما فعل اخوه، فأمضى هناك اربعة اعوام عاد بعدها بإجازة في الحقوق، وانتسب الى نقابة المحامين في بيروت وتدرج في مكتب المحامي موريس نصر لثلاثة اعوام، وحين انهى تدرجه، نقل انتسابه الى نقابة محامي الشمال وفتح مكتباً في طرابلس.
وقد سعى الى توجيه ابنه الثاني فيصل نحو دراسة المحاماة، لانها تساعد في العمل السياسي، إلا ان الأخير لم يكن راغباً فيها، مثله مثل اخيه الاكبر خالد، فاتجه الى التخصص في ادارة الاعمال.
ومعلوم ان عمر كرامي الذي خرج من انتخابات 1996 ضعيفاً، آثر مقاطعة ساحة النجمة التي لا تتسع لكرامييْن (هو وابن عمه احمد كرامي)، ولم تطأ قدماه البرلمان حتى يوم انتخاب العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية العام 1998. وقد افتقدت مقاعد النواب وجوده ونكاته وتعليقاته الساخرة حيناً واللاذعة احياناً والتي كان يرشق بها حكومات الرئيس رفيق الحريري من موقعه المعارض الشرس لسياسات «الخصم اللدود»، الذي كان كرامي يرى انه لم يكن بعيداً هو وحليفه الرئيس الياس الهراوي عام 1992 عن «انتفاضة الدواليب» التي اطاحته من رئاسة الحكومة الاولى له. ذلك انه غالباً ما ردد ان ?ان السادس من مايو كان مكيدة و«بات الكل يعلم ذلك».
حتى سن متقدّمة جداً كان لا يزال محافظاً على رشاقته بفعل ممارسته الرياضة يومياً، شتاء على آلات في المنزل، وصيفاً في الصعود الى جبال وأماكن لا يجرؤ احد على زيارتها. و«الجد» عمر كان هاوياً للعبة التنس التي مارسها كلما كان الطقس جيداً. حبه للزراعة دفعه الى انشاء مزرعة في ضيعته مرياطة التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن طرابلس وكان يربي فيها الاغنام التي كان له في فترات نحو ألف رأس منها، كما اهتمّ بالزراعات في البيوت البلاستيكية.
وحبه للارض كان يوازي حبه للصيد. ففي اوقات فراغه كان يتحول صياداً بحرياً وبرياً، كما كان مغرماً بالافلام الاميركية، وفضّلها على البرامج السياسية، حتى انه أحبّ «بلاد العام سام» الى درجة انه تعرف تقريباً على كل ولاية منها على طريقة «ولاية كل عام».
ام كلثوم كانت رفيقته الدائمة، يسمعها يومياً واحياناً كثيرة في الصباح. تعلّق لفترة بكاظم الساهر وبأغنية نزار قباني «زيديني عشقاً» ولكن لا احد يتقدم ام كلثوم عنده.? ?